يا عباد الله، يا أيها الموحدون، لئن أغلق الطواغيت في وجوهكم باب الهجرة، فافتحوا في وجوههم باب الجهاد واجعلوا فعلهم عليهم حسرة، وإن أصغر عمل تقومون به في عقر دارهم أفضل وأحب إلينا من أكبر عمل عندنا وأنجع لنا وأنكى بهم.

كانت هذه كلمات الناطق باسم «داعش» «أبو محمد العدناني» في دعوته أتباع التنظيم في مايو/أيار 2016 للقيام بعمليات فردية ضد الدول التي تشارك في الحملات ضد «داعش»، وقد جاءت هذه الدعوة نتيجة لتنامي خسائر التنظيم مؤخرًا واستهداف قياداته. وردًّا على هذه الدعوة وقبلها دعوات أخرى قام أفراد موالون أو متأثرون بفكر التنظيم بشن هجمات فردية في عدة دول وهو ما يعرف بنمط «الذئاب المنفردة»، لذا هل سيساهم هذا التحول في تخفيف الضغط على «داعش»؟، وهل سيؤدي ذلك لتغير في التحالفات السياسية والخطط الأمنية؟، وما هو مستقبل هذه الظاهرة؟.


الذئاب المنفردة وهجماتها الدموية

الذئاب المنفردة

هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، ويعبّر هذا المصطلح عن أي شخص يمكن أن يشنّ هجومًا مسلحًا بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو مرضية أو سياسية، فهم أفراد ينفذون عمليات قتل بشكل انفرادي دون وجود بنية تنظيمية توجهها وتخطط لها، أو يتحركون بتأثير من دعاية تنظيم ما ولكنهم ليسوا مكلفين بهذه المهمة من قبل قيادته بأي طريقة، وغالبًا ما يكون هؤلاء أشخاصًا عاديين لا يثيرون ريبة في حركاتهم وسلوكهم. استغل تنظيم داعش إستراتيجية الذئاب المنفردة لينفذ عددًا من العمليات الكبرى في قلب الدول الغربية والعربية، أبرزها:

1. دماء في فرنسا:

بخلاف الهجوم الذي استهدف مجلة «شارلي إيبدو» في يناير 2015، وقتل فيه 12 شخصًا، والذي تبناه تنظيم «القاعدة» وليس «داعش»، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن عدة عمليات إرهابية، على رأسها سلسلة هجمات باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 والتي راح ضحيتها 130 فردًا، ثم الاعتداء على ضابط شرطة ورفيقته على يد شخص مؤيد لـ«داعش» في 14 يونيو/حزين 2016، بينما يعد هجوم شاحنة «نيس»، والذي تبناه تنظيم «داعش»، يوم 14 يوليو/تموز 2016 الأعنف بعد تفجيرات باريس حيث قام المهاجم وهو من أصل تونسي باستخدام تكتيك جديد وهو الدهس بشاحنة ضخمة مع إطلاق النار وأدى ذلك لمقتل حوالي 84 شخصًا وإصابة العشرات.

2ـ. تفجيرات بروكسل:

قام موالون لـ«داعش» بتنفيذ سلسلة من الهجمات في العاصمة البلجيكية والتي استهدفت مطار بروكسل ومحطات للقطار يوم 22 مارس/آذار 2016، وأدت لمقتل حوالي 34 فردًا وإصابة العشرات.

3. قطار ألمانيا:

نفذ طالب لجوء أفغاني 17 عامًا موالٍ لـ«داعش» عملية طعن من خلال مهاجمته إحدى القطارات الألمانية يوم 18 مايو/أيار 2016؛ مما أسفر عن إصابة أربعة أشخاص.

4. هجوم باردو:

استهدف ثلاثة تونسيين موالين لـ«داعش» متحف «باردو» في تونس يوم 18 مارس/آذار 2015؛ مما أدى لمصرع أكثر من 20 فردًا وإصابة 50 آخرين؛ مما وجه ضربة قوية للقطاع السياحي التونسي.

5. مسجد الصادق في الكويت:

وقع في 26 يونيو/حزيران 2015 وتبناه تنظيم «داعش»، وقتل فيه 28 شخصًا وأصيب أكثر من 200 معظمهم مواطنون كويتيون شيعة. نفذ الهجوم مقاتل سعودي الجنسية بمساعدة أفراد آخرين كويتيين تابعين للتنظيم.

6. تفجيرات السعودية:

قام أحد أتباع «داعش» بتفجير نفسه في مسجد قوات الطوارئ في مدينة «أبها» السعودية يوم 6 أغسطس/آب 2015، ونتج عنه مقتل 15 فردًا وإصابة آخرين، وقبل ذلك تبنى التنظيم تفجيرًا انتحاريًا استهدف في مايو/أيار 2015 مسجدًا في بلدة «القديح» شرقي المملكة، وأوقع 21 قتيلاً و123 جريحًا.


لماذا لجأ «داعش» للذئب المنفرد؟

كثف «داعش» من هجمات الذئاب المنفردة بسبب فقدانه الكثير من أراضيه مثل تدمر والفلوجة والرمادي وغيرها، وفقدانه الكثير من قادته مثل مقتل وزير حرب التنظيم «أبو عمر الشيشاني». ومع إدراك «داعش» لوجود تحول في مواقف عدة دول كبرى نحو ضرورة القضاء عليه سريعًا، سعى “«داعش» لإثارة الرأي العام داخل الدول المشاركة في القتال ضده وخاصة الأوربية، ففي أغلب بياناته التي يتبنى فيها هجماته يطلب من مواطني هذه الدول الضغط على حكوماتهم، ففي بيانه الأخير بشأن هجمات «نيس» بعنوان «صمتكم يقتلكم» يوم 20 مايو/أيار 2016،

قال فيه

: «نعدكم بأنكم سترون ما هو أسوأ إذا ظللتم مكتوفي الأيدي، صمتكم عن القرارات التي تتخذها حكومتكم يقتلكم»، كذلك يسعى التنظيم من خلال هذه الهجمات لجعل الدول المستهدِفة له تنكفىء على ذاتها سواء لتخوفها من تكرار الهجمات أو خسارتها تأييد مواطنيها.

كما يرى «داعش» أن اعتماده على أشخاص يقومون بعملياتهم في عقر دار الدول المشاركة في ضربه أفضل؛ لأنه يغذي حالة التخوف من المهاجرين والإسلاموفوبيا؛ مما يدفع هذه الدول لاتخاذ إجراءات مضادة ويزيد من حوادث العنصرية والاعتداء على المسلمين، وهذا بدوره يخلق أفرادًا ناقمين على هذه السياسات ومن ثم يقومون بتنفيذ عمليات ضد الدول المتواجدين فيها، وكذلك الأفراد الذين يعيشون في الغرب ويقومون بعمليات إرهابية غير معروفين بالتطرف أو خضعوا لرقابة أجهزة الأمن وهذا ما يسهل لهم تنفيذ عملياتهم.


أثر الذئب المنفرد على التحالفات الدولية والسياسات الأمنية

بعد استهداف «داعش» لأغلب الدول التي تشارك في استهدافه، تسعى هذه الدول الآن لتوحيد إجراءاتها وتبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية رغم اختلاف المصالح من أجل دحر التنظيم أو على الأقل حصر عملياته في مناطق تواجده، وهذا ما ناقشه «التحالف الدولي ضد داعش» في اجتماعه الأخير بواشنطن يوم 20\7\2016 إذ تم الاتفاق على ضرورة ضرب شبكات التنظيم ووقف عمليات تمويله وتوحيد جهود محاربته، حيث

أكد

وزير الخارجية الأمريكي

«جون كيري»

أن الجماعات المتشددة ستحاول تحويل نفسها إلى منظمة إرهابية عالمية، واعتبر أن «داعش» تنظيم مرن وواقعي لأنه يعرف متى يحتاج إلى تغيير، لذا دعا لتفعيل الاتصالات بين الدول وتبادل المعلومات والتركيز على شن هجمات خارج الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا. يعدّ هذا اعترافًا بأن تنظيم «داعش» يغير تكتيكاته وإستراتيجيته بصورة ليست عشوائية وإنما مرنة وتتوافق مع طبيعة ما يتعرض له التنظيم. كذلك

أكدت

الشرطة الأوربية بأن نمط الذئاب المنفردة أصبح المفضل لدى «داعش» مما يمثل خطرًا داهمًا على أوروبا.

ستدفع توجهات «داعش» الجديدة الدول الأوربية للتشدد تجاه اللاجئين وتوسيع قوانين مكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف، حيث تسعى فرنسا الآن لحظر الحركات السلفية، وكذلك تشديد قوانين اللجوء والتي كانت من ضمن الأسباب التي دفعت بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي وهذا ما سيؤثر على منظومة الأمن الأوربية، بل إن هجمات داعش ساهمت في دفع الدول الأوروبية إلى تعزيز علاقاتها بأنظمة قمعية بحجة الإرهاب بخلاف إمكانية القبول ببقاء الرئيس السوري «بشار الأسد»، كما استغلت بعض التيارات السياسية هجمات «داعش» الفردية من أجل التخويف من اللاجئين ووجود المسلمين في الغرب، وهذا يتضح في خطابات اليمين الأوربي والمرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية «دونالد ترامب».


هل تنجح إستراتيجية الذئب المنفرد؟

يمكن القول إن «داعش» من أكثر التنظيمات الإرهابية التي استطاعت إرباك العديد من الأنظمة والدول بدءًا من قدرتها على فرض سيطرتها على أراض محددة ومدن كبيرة، ومرونته في التعامل مع الهجمات والضربات المتلاحقة، ونقل المعركة لأماكن الخصوم من خلال العمليات الفردية. وحتى الآن بالإمكان القول إن تكتيك الذئب المنفرد الذي لجأ إليه التنظيم قد لاقى نجاحًا – وإن كان مرحليًا – في إثارة الخوف في عمق الدول الغربية، وإحداث تغييرات هامة سياسية وفكرية واجتماعية في المنظومة التقليدية للدول الغربية، بالإضافة إلى تصاعد القلق من إمكانية عودة التنظيم لبناء قدراته مرة أخرى عن طريق تحول التنظيم إلى شبكة عالمية؛ الأمر الذي حذر منه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. يبقى تحقيق هذه الإستراتيجية مزيدًا من النجاح في المستقبل أو تمكّن الدول من القضاء عليها رهنًا بمتغيرات كثيرة، على رأسها القدرة على تحرير الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، وإيقاف الحروب الأهلية المشتعلة في المنطقة، والتصدي لموجات الإسلاموفوبيا والعنف ضد المسلمين في الغرب.