في تطورات مخيفة ومتسارعة، قامت الحكومة الهندية بإجلاء الآلاف من السكان في القرى الواقعة في إقليم كشمير على الحدود مع باكستان، بالتزامن مع تهديدات باجتياح أراضيها، وأعلن رئيس الحكومة تفويض الجيش للتعامل مع الأزمة، ووصلت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة، فيما بدا أنه نذير حرب بين القوتين النوويتين، الجارتين، الهند وباكستان.

وفي الإقليم نفسه، تزاحم السكان على شراء المواد الأساسية كالوقود والدواء والغذاء، وأغلقت باقي المتاجر أبوابها، وزودت الحكومة الهندية المستشفيات في الإقليم بكميات من الأدوية في إجراءات غير اعتيادية، وشنت قوات الأمن

حملة اعتقالات

واسعة شملت المئات من القادة والنشطاء المسلمين في كشمير. ولم يتحمل سكان الإقليم ذي الأغلبية المسلمة إجراءات الأمن الهندي، التي يعتبرونها قوات احتلال، فاشتعلت الشوارع

بالاحتجاجات والمصادمات

التي لقي فيها عدد من الأشخاص مصرعهم من الطرفين.


«جيش محمد» يشعل الأزمة

بدأت الأحداث في الاشتعال الخميس قبل الماضي، حينما نظمت جماعة «جيش محمد» المسلحة، هجومًا

استهدف القوات الهندية

في إقليم كشمير، ما أسفر عن مصرع أكثر من 46 جنديًا، وتدمير العشرات من الآليات العسكرية. أعلنت الجماعة التي تتخذ من باكستان مقرًا لها مسئوليتها عن الهجوم، وفق بيان منسوب لها نشرته وسائل إعلام هندية. وتتهم نيودلهي المخابرات الباكستانية بالتورط في الهجوم، ودعم تلك الجماعات رغم نفيها المتكرر.

تأسست جماعة «جيش محمد» السُنية، التي تستهدف تحرير كشمير من الاحتلال الهندي وضمها لباكستان، على يد داعية محلي يُدعى مسعود أزهر. كان مسعود معتقلًا لدى نيودلهي، لكن مؤيدين له اختطفوا طائرة هندية عام 1999 وفرضوا على السلطات الهندية إطلاق سراحه مع اثنين من رفقائه، وتأسست الجماعة في العام نفسه.


يُتهم أزهر

بوجود صلات بينه وبين تنظيم القاعدة، لكن الحكومة الباكستانية أعلنت عدم توفر أدلة على كل التهم المنسوبة إليه، وقد نشر الرجل عددًا كبيرًا من المؤلفات باللغة الأردية، معظمها عن أحكام وفضائل الجهاد في الإسلام.

ويحصل أزهر

على حماية من الصين التي تشارك باكستان عداوتها لنيودلهي، إذ جددت بكين مؤخرًا رفضها إدراج اسم الرجل على لائحة الإرهاب في الأمم المتحدة، بالرغم من تصنيف جماعته كـ«إرهابية»، وهو ما تعتبره الهند تناقضًا كبيرًا. وتصنف الهند والأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا، الجماعة كمنظمة إرهابية.

تتهم نيودلهي الجماعة بالتورط في الهجوم على البرلمان الهندي عام 2001، والهجوم الذي وقع على قاعدة باثناكوت الجوية قرب الحدود الباكستانية مطلع عام 2016، وغيرها من الهجمات، لكن إسلام أباد ترفض تلك الاتهامات وتؤوي عناصر الجماعة على أراضيها، وبالرغم من حظر أنشطتها رسميًا إلا أنها تنشط تحت أسماء مختلفة مثل «فرقة أفضل غورو»، و«طريق الفرقان»، و«المرابطون».

ويتخذ عدد من الجماعات الجهادية من باكستان مقرًا لها، ومنطلقًا لمناوءة الاحتلال الهندي في الشطر الشرقي من إقليم كشمير، مثل جماعة «لشكر طيبة» المصنفة كإرهابية أيضًا، والمتهمة بالمسئولية عن تفجيرات مومباي الشهيرة في الهند عام 2008.


لا تلعبوا مع باكستان

في المقابل

تعهد رئيس الوزراء

الباكستاني عمران خان بالرد على أي هجوم هندي فور وقوعه، وطالب بتقديم أي أدلة تتعلق بالهجوم، وعرض مشاركة بلاده في التحقيقات وهو ما رفضته الهند. فخرج المتحدث باسم الجيش الباكستاني الميجر جنرال آصف غفور، مهددًا الهنود قائلاً إنه سيرد «بكل قوة على أي هجوم بصورة ستفاجئكم» مردفًا بحسم «

لا تلعبوا مع باكستان

».

لكن حدث فجر أمس الثلاثاء تطور مفاجئ كاد أن يشعل الحرب بين الدولتين، إذ أقدم سرب من الطائرات الهندية على اختراق الأجواء، لكنه «تلقى الرد المناسب والفعال من سلاح الجو الباكستاني، وألقى على عجل عبوة ناسفة لدى فرارها، لكن ما من ضحايا أو أضرار»، حسب تعبير المتحدث العسكري الباكستاني.

وأعلنت الحكومة الهندية عن

مقتل 300 عنصر

ينتمون إلى «جيش محمد» خلال الغارات، لكن

الباكستانيين

نشروا صورًا لحفرة كبيرة في منطقة خالية، للتدليل على كون الهجوم لم ينتج عنه أي أضرار. ووصف البيان الصادر عن لجنة الأمن القومي الباكستانية ما حدث بـأنه مغامرة متهورة وهزلية تم القيام بها للاستهلاك المحلي في بيئة انتخابية منتظرة، وأن المنطقة المزعوم قصفها مفتوحة أمام العالم ولم يصبها أي أذى. لكن الطرفين

تبادلا إطلاق النار

على جانبي خط الحدود، مما أوقع عددًا من القتلى.

ودلل رد فعل إسلام أباد السريع على رغبتها بعدم إشعال الحرب وإظهار قدرتها في الوقت ذاته على خوضها. ففي رسالة لمجلس الأمن الدولي منذ بضعة أيام، اتهم وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي الهند «بإشعال فتيل الحرب»، مطالبًا الأمم المتحدة بالتدخل. لكن ضبط النفس الباكستاني شجع الهند على تكرار المحاولة صباح اليوم الأربعاء،

فأسقطت إسلام أباد مقاتلتين

وأسرت طيارين، وشنت غارة جوية على الهند، التي بدورها اعترضت الطائرات

وأسقطت إحداها

، وتم إغلاق عدد من المطارات في كلا البلدين.

ويحبس العالم أنفاسه وهو يشاهد التهديدات المتبادلة بين دولتين تملك كل منهما ترسانة مرعبة من أسلحة الدمار الشامل، فإسلام أباد تملك ما يتراوح بين 140 و 150 رأسا نوويًا، ونيودلهي تملك ما بين 130 و 140، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

وقد قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه «أمر مروع يحدث الآن بين باكستان والهند» واصفًا الموقف بأنه «

خطير للغاية

»، وداعيًا الاتحاد الأوروبي إلى التهدئة.


أصل النزاع

يرجع أصل النزاع بين الهند وباكستان للخلاف على تبعية إقليم كشمير الغني بالموارد والثروات، فمنذ رحيل الاستعمار البريطاني عام 1947، والاتفاق على تقسيم البلاد إلى شطرين ينص على ضم مناطق المسلمين إلى باكستان ومناطق الهندوس إلى الهند.

وحينها ثار الجدل حول تبعية ثلاثة أقاليم كانت تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي، هي حيدر أباد وجوناكدا اللذين كانا يتمتعان بأغلبية هندوسية ويحكمهما حاكمان مسلمان، وإقليم كشمير الذي كان يتمتع بأغلبية مسلمة ويحكمه حاكم هندوسي، فحسم الجيش الهندي النزاع بأن ضم حيدر أباد وجوناكدا بالقوة، اعتمادًا على ديانة أغلبية السكان، واحتل كشمير اعتمادًا على طلب تقدم به حاكمها الهندوسي.

وخاضت البلدان حربين بسبب النزاع على كشمير – من ضمن ثلاث حروب وقعت بينهما -، راح ضحيتهما مئات الآلاف من الطرفين؛ الأولى عام 1947 عقب الاستقلال مباشرة، والثانية عام 1965، وكادت الثالثة أن تشتعل عام 1999 لولا التدخل الأمريكي آنذاك، إذ كان ذلك في العام التالي لإعلان البلدين امتلاكهما للسلاح النووي. ومنذ ذلك التاريخ يكتفي الجيشان الهندي والباكستاني بقصف مواقع بعضهما البعض بالأسلحة النارية بانتظام.


حماة الأبقار يستعدون للانتخابات

يأتي هذا فيما تشهد الهند موجات عنف طائفي متصاعدة ضد الأقلية المسلمة التي يزيد تعدادها على 200 مليون نسمة، إذ يقود المتعصبون الهندوس حملات للتحريض على قمع المسلمين، بدعم من حكومة رئيس الوزراء ناريندا مودي، الهندوسي المتعصب. ومنذ وصول مودي إلى السلطة عام 2014، تصاعدت موجات اضطهاد الأقلية المسلمة، بينما حصل أبناء الأقليات الهندوسية القادمة من دول الجوار على كثير من الامتيازات، عملًا بالمبدأ الذي أعلنه مودي في برنامجه الانتخابي حين أعلن أن الهند هي «وطن الهندوس».

واستطاع اليمين الهندوسي المتطرف أن يمسك بزمام السلطة لأول مرة منذ الاستقلال، من خلال هذا البرنامج الطائفي، ما أشعل مزادًا طائفيًا بين الأحزاب وعلى رأسها حزب المؤتمر (العلماني)، وبدأ قادته في التردد على المعابد الهندوسية والتقرب من سدنتها. وتعيش الهند أجواء

ما قبل الانتخابات البرلمانية

العامة، التي من المنتظر أن تعقد منتصف العام الجاري.

ويميل معظم قادة الأحزاب السياسية لإرضاء العامة من خلال الوعود بتسمية المدن والشوارع بأسماء شخصيات هندوسية، وسن تشريعات لحماية البقر، وبناء عدد أكبر من المعابد للآلهة، لاسيما المعبد المثير للإله رام، الذي يسعى الحزب الحاكم لبنائه على أنقاض المسجد البابري.

وتركز جماعات «حماية الأبقار» جهودها في تتبع أنشطة المسلمين، والتحريض ضدهم، حتى أن عددًا ممن اتهموا بذبح البقر لقوا حتفهم على أيدي الجماهير الغاضبة بمجرد الإشاعة عنهم بذلك، واتضح بعد قتلهم أنها كانت لحوم أغنام. ويدفع المسلمون في الهند – سواء كانوا مواطنين أو أجانب – ضريبة هذا الشحن الطائفي، الذي ازداد اشتعالاً في الأيام الماضية بعد هجوم كشمير، وتعرض الكشميريون الذين يعيشون خارج ولايتهم للطرد من بيوتهم وأعمالهم، وتعرض المسلمون لأعمال انتقامية، لاسيما من يحملون جنسية باكستان، وصلت لدرجة

رجم أحدهم حتى الموت

.