جاءوا يزرعون الموت في الساحات، يسرقون الشمس من راحات الأمهاتِ، مستهدفين فلسطين في أبشع صور التطهير والتهجير القسري. وعلى مدار ستة أشهر تقريبًا منذ قرار التقسيم في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 وحتى يونيو/حزيران 1948، استباحوا بقوة العنف والسلاح 219 قرية وأربع مدن فلسطينية هي حيفا وطبريا وصفد وبيسان، وتحت وطأة القتل اضطر السكان للخروج من أوطانهم على أمل عودة قريبة لكنها استمرت 68 عامًا وما زالت مستمرة.

كان المُخطط الصهيوني للتهجير يرتكز على ارتكاب المذابح لإرهاب السكان الفلسطينيين. وخلال عام النكبة وما تلاها من سنوات قريبة، نفذت القوات الصهيونية قرابة 43 مذبحة في مختلف المدن والقرى الفلسطينية، 6 من هذه المذابح كانت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، سنتناولها بالتفصيل خلال السطور القادمة.


1. مذبحة أبو زريق – حيفا

وقعت هذه المذبحة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني لعام النكبة 1948، على امتداد مساحتها البالغة 6.493 متر مربع وضد سكانها الذين لم يتجاوزوا الـ 550 نسمة وقتها.

نُفذت المذبحة دون مقاومة وبلا رحمة من المعتدي، فالسكان لم يملكوا العتاد والسلاح، فقط بعض الفؤوس والمناجل التي يستخدمونها في حراثة الأرض وزراعتها.

ومع توارد الأنباء بهجوم القوات الصهيونية بدأوا بالانسحاب إلى قرى مُجاورة أكثر أمنًا لكنهم لم يسلموا، فأثناء خروجهم باتجاه مرج ابن عامر حاصرتهم القوات وأعملت فيهم القتل، سقط العديد من الشهداء وفر آخرون لكن القوات الصهيونية عادت في مساء ذلك اليوم واستكملت عمليات القتل الممنهج حتى أغرقت القرية بدماء سكانها.


2. مذبحة عرب المواسي

نفذتها القوات الصهيونية في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1948 بحق القبائل الفلسطينية المنتشرة في قضاء المدن الفلسطينية الكبرى (عكا، طبريا وصفد)، مستخدمة أسلوب القوة والبطش.

وقتها القوات الصهيونية لم تجعل للفلسطينيين منفذًا للخروج من القرى وحاصرت الأهالي بالدبابات، ومن ثمَّ كانت تُجمِّعهم في الساحات الكبرى وتُعمل فيهم القتل رميًا بالرصاص.

في هذه المذبحة ووفق شهادات تم جمعها ممن عاصروا النكبة كانت القوات الصهيونية تختار كبار السن والشباب في الفئة العمرية 20-40 عامًا، وتقوم بإعدامهم بالرصاص فمنهم من يقضي نحبه ومنهم من ينجو.

هذه المذبحة نُفذت بحق 16 شابًا من عرب المواسي كانت تتهمهم القوات الصهيونية بالتعاون مع جيش الإنقاذ، فعمدت إلى محاصرتهم واقتيادهم لمسافة 3 كيلو متر مربع بعيدًا عن قبيلتهم باتجاه عيلبون، ومن ثمَّ أطلقت عليهم النار فاستشهدوا، وألقت بجثامينهم جميعًا في حفرة «بيت ناطف».

ووفقًا لشهادة من عايشوا المذبحة فقد كان من بين الشباب رجل يُدعى «أبو سودي» نجا من الموت بقدرة الله ليروي فيما بعد ما حدث، هذا الرجل بعد إصابته بعدة رصاصات تظاهر بالموت، وما إن جاءت إحدى البدويات تتفقد الشهداء وتتعرف عليهم حتى رأته يتحرك وسارعت في تقديم الإسعافات له حتى تماثل للشفاء، وروى لها ما حدث ومن ثمَّ ولى وجهه مدبرًا باتجاه المناطق الأكثر أمنًا، فيما تم إكرام الشهداء بدفنهم في مقبرة المواسي.


3. مذبحة مجد الكروم الثانية

نفذتها القوات الصهيونية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 1948، تحت ذريعة البحث عن السلاح وجمعه من الفلسطينيين بالقرية.

في ذلك اليوم تم النداء عبر مكبرات الصوت لكافة المواطنين بالقرية والبالغ عددهم 1400 نسمة للخروج من المنازل باتجاه مركز القرية، وأمهلتهم فقط 25 دقيقة لتسليم أسلحتهم.

فما كان من مُختار القرية وقتها إلا أن اعترض مؤكدًا أن قريته خالية من السلاح وأن المدة المُحددة لتفتيش المنازل غير كافية، ودار حديث غاضب بين الطرفين على إثره أقدم الاحتلال على إعدام خمسة شُبان على مرأى أهلهم، ومن ثَمَّ استمروا في البحث والتنقيب، وأثناء ذلك كانوا يُعملون القتل والدمار والتخريب لأي شيء تطاله أيديهم وأسلحتهم، فقتلوا شابين آخرين وامرأتين.


4. مذبحة دير أيوب

بينما كانت القوات الصهيونية تُنفذ عمليات القتل والإرهاب تمهيدًا لتهجير سكان عرب المواسي في قضاء المدن الفلسطينية الكبرى (عكا، طبريا وصد)، كانت جماعات أُخرى تُنفذ ذات سياسة الموت والتخريب في بلدة دير أيوب التي بدأتها في 21 ديسمبر/كانون الأول 1947؛ أي قبل أشهر من وقوعها فعليًا في قبضتهم.

وتُشير التقديرات الواردة في تاريخ الهاجاناه إلى أن البلدة اُحتلت ثلاث مرات، وكانت القوات المحتلة في كل مرة تُعمل القتل والدمار لكل ما تجده متحركًا.

وكان سقوط دير أيوب أول مرة بتاريخ 16 مايو/آيار 1948 على يد لواء هرئيل ومن ثم انسحب وقواته، حتى جاء لواء جفعاتي في أواخر الشهر ذاته وأسقط البلدة للمرة الثانية، إلا أنه عاد وانسحب منها مُجددًا.

وتوالت عمليات الهجوم، غير أن البلدة بقيت خارج نطاق الاحتلال في فترة الهدنة الثانية؛ ما جعل إسرائيل تُصر على مهاجمتها بين الفينة والأخرى. وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» فإن الهجوم الإسرائيلي كان يتم التصدي له بقوة؛ مما أدى لوقوع القرية قرب خطوط الهدنة التي رُسمت عام 1949.

استمر حال القرية بين كرٍ وفر، ولم تدخر إسرائيل أي فرصة إلا وأعملت القتل في سكان القرية أطفالاً كانوا أو رجالاً أو نساءً.

وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954 نفذت القوات الصهيونية اعتداءً وحشيًا بحق أطفال من قرية يالو، كانوا يجمعوا الحطب وما إن اقتربوا مسافة 400 متر من خط الهدنة عند قرية دير أيوب حتى أطلقت باتجاههم النار، فأصابوهم، غير أن أحدهم استطاع الهرب، واستُشهد الباقون، لتسحبهم قوات الاحتلال إلى بطن الوادي في الجنوب خلف خط الهدنة.


5. مذبحة خان يونس

وقعت في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 1956، فبعد ثمانِ سنوات على النكبة ظلت القوات الصهيونية متعطشة لامتصاص المزيد من الدم الفلسطيني، فاستغلت العدوان الثلاثي على مصر وقامت باجتياح قطاع غزة.

يقول شهود عيّان إن قوات الاحتلال كانت تُنادي في مكبرات الصوت على المواطنين للخروج إلى الساحات وما إن يفعلوا حتى يُلصقونهم بالجدران ويُعملون فيهم القتل.

استمرت أعمال القتل لأيام متتالية في كل المناطق بالمدينة؛ في المعسكر والمنطقة الشرقية والقرارة والمواصي وشاطئ البحر.

ومن أبرز العائلات التي فقدت أعدادًا كبيرة من الشهداء في المذبحة؛ عائلة صوالحي، وعابدين، والنجار، والنخالة، والأغا، وزعرب، وصادق، والبطة، والجخلب وغيرهم من العائلات بأعداد أقل.

فلم تترك قوات الاحتلال بيتًا في خان يونس إلا به شهيد أو جريح، وبلغ عدد الشهداء حينها 250 فلسطينيًا، لكن ذلك لم يُشبع شغف الاحتلال بالدم، بل استزاد في قتل الفلسطينيين، ونفّذ في 12 نوفمبر/تشرين الثاني مذبحة وحشية أخرى استشهد فيها قرابة 275 شهيدًا.


6. مذبحة السّموع

وقعت في 13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1966، واستهدفت قرية السموع في منطقة جبال الخليل، على إثر ادعاء الاحتلال بوجود قاعدة فدائية في القرية، خاصة بعد انفجار لغمين جنوب الخليل خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.

لكن في واقع الأمر كان تنفيذ المذبحة لهدفين رئيسيين؛الأول: التدريب على الذخيرة الحية واختبار قدرة الجيش الإسرائيلي على الصدام المباشر. الثاني: معرفة قدرات الجيش الأردني ومدى جاهزيته للرد السريع. وهو ما يُفسر الأسلوب العدواني والهمجي الذي نُفذت به المذبحة والتي لم تخلُ من عمليات القصف والنسف للمنازل والمراكز الصحية والمدارس، دون مراعاة لخصوصية تلك الأماكن الخدمية.

استشهد خلال المذبحة 18 شهيدًا، وجُرح أكثر من 130 جميعهم من المدنيين؛ نساء وأطفال وشيوخ.


المراجع




  1. “مذبحة أبو زريق”، مجلة حق العودة، 9 أبريل 2013.

  2. “عام النكبة: 43 مجزرة أوقعت آلاف الشهداء والجرحى”، موقع قدس الإخباري، 15 مايو 2016.

  3. “المجازر الصهيونية”، موسوعة النكبة.

  4. “المذابـح الصهيونيــة بين عامـي 1947 و1996″، مجلة فلسطين في الذاكرة.

  5. سعيد البطة، “مجزرة خان يونس 1956 في ذاكرة الأجيال”، موقع فلسطين أونلاين، 4 نوفمبر 2013.

  6. بكر خازر المجالي، “من أسرار معركة السموع: لماذا لم يصل الاعتذار الأردني في وقته؟”، وكالة عمون، 13 نوفمبر 2012.