محتوى مترجم
المصدر

The Conversation
التاريخ
2017/1/11
الكاتب
Philip Seargeant

بدأ «جون رونالد رويل تولكين» كتابة «سقوط غوندولين» خلال إجازة مرضية من الحرب العالمية الأولى، قبل مائة عام تقريبًا من تاريخ كتابة المقال. إنها القصة الأولى فيما سيصبح «كتاب أساطيره» (legendarium) – أي الأسطورة التي ستتأسس عليها ملحمة «سيد الخواتم». لكن وراء الخيال كان ثمة اهتمام بنوع ملحمي آخر من الخلق: بناء اللغات المتخيلة.

في العام نفسه، في الجانب الآخر من أوروبا، توفي «لودفيك زامنهوف» بموطنه الأصلي بولندا. كان زامنهوف مهووسًا أيضًا باختراع اللغة، وقد أصدر في العام 1887 كتابًا يتضمن ابتكاره، نشره تحت الاسم المستعار «دوكتورو إسبرانتو»، وهو ما صار بمرور الوقت اسمًا للغة نفسها.

إن لبناء اللغات الخيالية، أو قل

اللغات المصطنعة

، تاريخ طويل، تعود جذوره إلى القرن الثاني عشر. ويعد تولكين وزامنهوف من أكثر أنصار تلك الصنعة نجاحًا. ومع ذلك، كانت أهدافهما مختلفة تمامًا، وتشير في الواقع إلى تعارض في وجهات النظر حيال كينونة اللغة نفسها.



صورة لزامنهوف في العام 1908

يعتقد زامنهوف -اليهودي البولندي الذي نشأ في بلد تعج بالعداوة الثقافية والعرقية- أن وجود لغة عالمية هو مفتاح التعايش السلمي. كتب زامنهوف إنه «على الرغم من كون اللغة «

المحرك الرئيسي للحضارة

» فإن اختلاف الكلام هو سبب للنفور، بل وحتى للكراهية، بين الناس». كان مشروعه هو ابتكار شيء سهل التعلم، غير مرتبط بأمة أو ثقافة معينة، وبالتالي يمكنه المساعدة في توحيد الإنسانية بدلاً من تقسيمها.

مع استمرار «اللغات المساعدة الدولية»، حققت الإسبرانتو نجاحًا كبيرًا. على الرغم من صعوبة إجراء تقديرات دقيقة، فإنه

يستخدمها

اليوم نحو مليون شخص، ومن حيث عدد المتحدثين، فقد حظيت بشعبية على طول تاريخها. تملك الإسبرانتو كمية ضخمة من

الأدب الأصلي

، وثمة

متحف في الصين

مخصص حصريًا لها، بينما يكاد يصل زامنهوف نفسه إلى مرتبة الألوهية في اليابان من قبل

طائفة معينة من الشنتو

تستخدم اللغة. مع ذلك، لم يقترب زامنهوف قط من تحقيق أحلامه بالانسجام العالمي. وعند وفاته، مع تمزيق الحرب العالمية الأولى لأوروبا، انقلبت الآمال العريضة التي كان يكنها للغته المصطنعة إلى خيبة أمل.

اللغات الخيالية

كان جون رونالد رويل تولكين نفسه مؤيدًا للإسبرانتو، اعتقادًا منه بأنها قد تساعد على توحيد أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى. لكن اهتمامه الشخصي باختراع اللغة كان مختلفًا تمامًا. لم يكن هدفه تحسين العالم الذي نعيش فيه، بل خلق عالماً جديداً تمامًا في الخيال، معتبرًا ذلك «

رذيلته السرية

»، وأوضح تولكين أن الغرض بالنسبة إليه كان جماليًا لا براغماتيًا. تلك البهجة الإبداعية في مطابقة الصوت والشكل والمعنى بطرق أصلية بالكامل.



صورة لتولكن في العام 1918

كجزء من عملية إعطاء جوهر للغات التي كان يخترعها، احتاج تولكين إلى إمدادها بمحتوى أسطوري. فاللغات، باعتبارها كيانات حية ومتطورة، تستمد حيويتها من ثقافات الناس الذين يستخدمونها. وكان هذا ما أدى إلى خلق كونه الخيالي.

كتب تولكين

يقول، إن «اختراع اللغات هو الأساس، لقد جرت صناعة «القصص» لتوفير عالم للغات لا العكس».

وماذا عن اللغات المصطنعة اليوم؟ بعد مرور مائة عام على وفاة زامنهوف، أصبح فن بناء اللغة شائعًا مقارنة بأي وقت مضى. أحد الأمثلة الحالية الأكثر شهرة هي «اللغة الدوثراكية»، إحدى لغات «

لعبة العروش

».

ابتكر «

ديفيد جي. بيترسون

» اللغة الدوثراكية من أجل لعبة العروش،

النسخة المتلفزة

من سلسلة رواية روايات «

جورج أر. أر. مارتن

»”أغنية الجليد والنار»، ويمكن إرجاع الفضل في ذلك إلى إلهام كل من زامنهوف وتولكين.

لقد ولد شغف بيترسون باللغات المصطنعة خلال

مساق جامعي في الإسبرانتو

، في حين تحدث مارتن عن كون ملحمته، من نواح عديدة،

رد فعل

لسيد الخواتم. وكنوع من الإشادة بتولكين، ضمن مارتن عديد من الإشارات اللغوية الصغيرة لعالم الأرض الوسطى: «

وارغ

» (warg)، على سبيل المثال، وتعني شخصًا يمكنه التسلط على عقول الحيوانات واقتحامها بذهنه، وهي كلمة يطلقها تولكين على فصائل من الذئاب الضخمة.

في المجمل، يجب على المرء أن يقول إن التقليد التولكياني لبناء العالم الخيالي هو الذي ساد. ولعل لذلك سببان.

السبب الأول لغوي. فمن المفارقات أن مفهوم تولكين هو الأقرب إلى كيفية عمل اللغات في الواقع. إن اللغات الألفيشية الخاصة به، كما قدمت على مدار عمله، أشياء حية متغيرة، تتطور لتعكس ثقافة المجتمعات التي تتحدثها. من ناحية أخرى، فإن اللغة المساعدة الدولية تهدف في الأساس إلى توفير قاعدة مستقرة يمكن لأي شخص تعلمها بسهولة. لكن اللغات البشرية ليست ثابتة أبدًا. إنها ديناميكية دومًا. وهكذا يكمن في مفهوم الإسبرانتو عينه خلل أساسي.

وماذا عن السبب الثاني؟ حسنًا، لعلنا نشعر بمزيد من السعادة هذه الأيام عند تكريس أنفسنا لخلق عوالم خيالية، بدلاً من البحث عن طرق لإصلاح عالمنا.