إذا كانوا يجهزون لنا جيشا لغزونا فنحن لسنا لقمة سائغة حتى يجهز لنا من أراد ويحاربنا متى ما أراد، نحن بعون الله وتوفيقه سوف نردع كل معتد ولن نتوانى أبدا عن حماية هذه الأراضي المقدسة وبلادنا العزيزة.

كانت هذه

كلمات

أمير مكة «خالد الفيصل» يوم 14 سبتمبر/أيلول 2016م، ضمن سباق التصعيد المتبادل الإيراني-السعودي.

توضح التصريحات الأخيرة لكلا الطرفين التهديد المتصاعد باستخدام القوة العسكرية، فبين الاعتماد الإيراني على التصنيع العسكري المحلي بغض النظر عن ضعفه والاعتماد السعودي على الاستيراد نقدم قراءة مقارنة لواقع القوة العسكرية السعودية والإيرانية ولقدرة كل منهما على تحقيق نصر حاسم على خصمه في حال اشتعل نزاع عسكري مباشر بينهما.


السعودية: سلاح متفوق من الغرب

وفقا لموقع «جلوبال فاير باور» في تصنيفه

لقائمة

أقوى جيوش العالم لعام 2016م، والصادر في مارس/آذار، تحتل المملكة المرتبة الـ ـ21 بينما تأتي إيران متقدمة في المرتبة الـ 12، ويعتمد الموقع على مؤشر يشمل مجموعة من العناصر منها مساحة الدولة وعدد السكان والقدرات العسكرية والتطور التكنولوجي لكن لا يضيف الإمكانات النووية ضمن هذا المؤشر.



اعتماد السعودية على استيراد السلاح الغربي المتفوق قد يضعف موقفها مستقبلا إن تورطت في صراع عسكري مفتوح مع إيران.

يبلغ

تعداد

الجيش السعودي 233 ألفا وخمسمائة جندي، منهم 75 ألفا بالقوات البرية و13 ألفا وخمسمائة بالقوات البحرية، وعشرون ألفا بسلاح الجو ويقدر تعداد قوات الاحتياط العاملة بنحو 25 ألف شخص، إضافة إلى 100 ألف عنصر يشكلون الحرس الوطني.

وبالنسبة إلى أنظمة الدفاع الأرضية، تملك السعودية 1210 دبابات، و5472 عربة مدرعة مقاتلة، و524 مدفعا ذاتي الحركة، و432 مدفعا مجرورا، و322 راجمة صواريخ متعددة القذائف.

ويضم سلاح الجو 155 مقاتلة اعتراضية، و236 طائرة هجومية ثابتة الجناح، و187 طائرة نقل و168 طائرة تدريب، و200 مروحية، ويتضمن أسطول سلاح الجو طائرات من نوع إف 15 وتورنيدو ويوروفايتر تايفون.

وأما سلاح البحرية، فيتكون من 55 قطعة بحرية، من بينها سبع فرقاطات، وتسعى الرياض إلى شراء غواصات لمجابهة أحد أوجه التفوق الإيراني.

رغم كثرة استيراد الرياض للأسلحة وخاصة من قبل الولايات المتحدة والتي

تخطت

قيمة العروض منها فقط خلال فترة «باراك أوباما» 115 مليار دولار، إلا أنها تواجه هذه الفترة، بالتزامن مع تراجع أهميتها كمصدر النفط اللازم للاقتصاد الأمريكي، عملية ابتزاز كبيرة من قبل واشنطن نفسها مما يلوح بخطر حرمان السعودية مستقبلا من الدعم الأمريكي السياسي والعسكري.

إذ وافق الكونجرس الأمريكي مؤخرا على مشروع قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» والذي قد يتيح مقاضاة السعودية بسبب تورط رعاياها في هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة وخاصة تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001م، الأمر الذي يعتبر عامل ضغط هام على السعودية. ولم يكتف الكونجرس الأمريكي بذلك، بل لا تزال مجموعة من كبار نوابه يعملون من خلال لجان الكونجرس لتشريع قوانين جديدة لوقف صفقات السلاح مع المملكة أو الحد منها.

هذا الواقع الجديد يبين أنه لم يعد بإمكان السعودية التعويل مستقبلا على الحماية الأمريكية إن تورطت في مزيد من الحروب كما كان عليه الوضع في الماضي -إبان حرب الخليج مع العراق على سبيل المثال-؛ فالغرب لم يأل جهدا في الضغط على صانع القرار السعودي وفرض رؤيته عليه، مستغلا حاجة السعودية لتعويض ما تم استهلاكه من ذخائر وترسانة عسكرية في حرب اليمن، واحتياجها الماس إلى اللجوء للاستيراد لتتمكن من مواصلة عملياتها العسكرية. الأمر الذي قد يضعف موقفها مستقبلا إن تورطت في صراع عسكري مفتوح مع إيران، والتي تمتلك قاعدة صناعية عسكرية جيدة.


إيران: ضريبة الحصار ومكاسبه


تتكون

القوات المسلحة الإيرانية من مؤسستين منفصلتين وهما الجيش وفيلق الحرس الثوري، ويعتبر المرشد الأعلى للثورة «آية الله علي خامنئي» القائد الأعلى للقوات المسلحة ويضم الحرس، بنيات عسكرية تنفذ نشاطات داخلية مثل الباسيج والذي يشارك في قمع التظاهرات المناهضة للنظام وخارجيا مثل فيلق القدس والذي يقدم الدعم لجماعات وحكومات موالية لإيران.



رغم قدم الأسلحة التي لدى طهران إلا أن الحظر المفروض عليها منذ الثورة ساهم في دفعها لتطوير صناعتها العسكرية المحلية خاصة الصواريخ الباليستية.

أوضحت تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لعام 2016 أن العدد الإجمالي للقوات المسلحة بدون قوات الأمن الداخلي أكثر من 520 ألف شخص أما الاحتياط فيبلغ حوالي 350 ألف شخص، فيما تضم القوة البرية للحرس الثوري حوالي 100 ألف مقاتل.

تتكون القوات البرية في الجيش الإيراني من 350 ألف فرد مع أكثر من 1600 دبابة ولكن أغلبها قديم ويعود لحقبة الحرب الباردة مقارنة بنظيرتها السعودية نظرا للحظر المفروض على تصدير الأسلحة ومن هذه الدبابات 480 دبابة «ت ـ72» بجانب حوالي 540 «ت ـ45» و«ت ـ55» و150 «М60А1» الأمريكية.

وتملك القوات البحرية 29 غواصة و69 سفينة سطح قتالية؛ أما القوات الجوية فتملك حوالي 330 طائرة حربية، بما في ذلك 180 مقاتلة أمريكية وسوفيتية وبريطانية و120 طائرة نقل عسكرية وقاذفات أمريكية وروسية وطائرات تدريب وأكثر من 30 مروحية قتالية.

رغم قدم الأسلحة التي لدى طهران إلا أن الحظر المفروض عليها منذ الثورة ساهم في دفعها لتطوير صناعتها العسكرية المحلية مقارنة بالسعودية الأمر الذي يجعلها قادرة على الاستمرار في نزاع عسكري لفترة طويلة تستنزف فيه الخصم وتضعفه.

فعلى الرغم من التفوق النوعي لسلاح الجو السعودي خاصة، والقادر على إلحاق ضرر سريع وخاطف بالمنشآت الإيرانية، والتصدي لترسانة الطائرات الإيرانية القديمة، إلا أن إيران قد عمدت لتعويض فارق التفوق الجوي من خلال تطويرها للصواريخ البالستية المحلية.

إذ تكمن قوة إيران العسكرية الأهم في

الصواريخ

أرض -جو وأرض- أرض بعيدة المدى القادرة على إصابة أي هدف معاد ثابت أو متحرك فمثلا كشفت طهران في 2007م عن صاروخ «قدر-1» بمدى يبلغ 1800 كم، وهو عبارة عن تطوير لصاروخ سابق يسمى «شهاب – 3» طورته ليبلغ مداه 1500 كم.


هل يفيد الوكلاء في الصراع؟

تتميز إيران عن السعودية في قدرتها على إيجاد ميلشيات وجماعات مسلحة موالية لها في بعض الدول العربية وهو ما يمثل تهديدا كبير للسعودية والعديد من الدول العربية، مثل حزب الله في لبنان وميلشيات الحوثيين في اليمن وميلشيات الحشد الشعبي في العراق.

استطاعت إيران من خلال هذه الميلشيات تحقيق مكاسب سياسية لصالحها وإلحاق خسائر مادية وبشرية بخصومها في المنطقة، فهي تعمل الآن على استنزاف السعودية في اليمن من خلال دعمها لانقلاب الحوثيين وهو ما دفع المملكة لإطلاق «عاصفة الحزم» في مارس/آذار 2015م، وما زالت حتى الآن مستمرة ولم تنجح في القضاء على الانقلاب.

كما دعمت إيران «الحوثيين» عملت أيضا على دعم ميلشيات شيعية موالية لها في العراق لفرض سيطرتها عليه والتي تكثفت بعد الخروج الأمريكي في 2011م، بل إنها تعمل الآن على إحلال الميلشيات محل الجيش، وبهذا تخلق جبهة جديدة ضد دول الخليج وخاصة السعودية.

في المقابل لم تنجح السعودية أو غيرها من الدول العربية في خلق ميلشيات تابعة لها في إيران أو على حدودها كما تفعل هي، رغم توجيه طهران

اتهامات

مؤخرا للرياض بدعمها لحركات معارضة مثل «مجاهدي خلق» وبعض الجماعات الكردية المسلحة وهو ما تنفيه المملكة.

وكحل مؤقت لتعويض هذا التفوق سعت السعودية لتشكيل تحالف إسلامي «سني» واسع ليقف في مواجهة تعدد الأذرع الإيرانية من جماعات وأنظمة موالية لها، كحزب الله والحوثي المسيطرين على بيروت وصنعاء والنظامين العراقي والسوري، مما مكن الساسة في طهران من التفاخر بهيمنتهم على أربع عواصم عربية.


مستقبل الصراع



استطاعت إيران من خلال هذه الميلشيات تحقيق مكاسب سياسية لصالحها وإلحاق خسائر مادية وبشرية تستنزف خصومها في المنطقة.

تعمل السعودية وإيران على تكثيف عمليات الاستقطاب خاصة على أساس ديني، فالسعودية تتهم إيران بنشر التشيع في البلدان العربية ودعم الجماعات الإرهابية وكذلك إيران تتهمها بدعم الإرهاب وخاصة تنظيمات «القاعدة» و«داعش» وأنها المنبع الفكري (الوهابية) لهذه الجماعات.

نتيجة لحدة هذا الاستقطاب، وإدراكا لتوابعه الممكنة، يعمل كل طرف على تعزيز قدراته العسكرية فالسعودية كثفت من شرائها للأسلحة ووضعت

برنامجا

لـ «توطين» صناعة الأسلحة وإن كان محدودا حتى الآن، أما إيران فقد زادت من تطوير صناعاتها للأسلحة المحلية والضغط من أجل استكمال رفع باقي العقوبات المفروضة عليها بشأن استيراد الأسلحة بعد توقيعها الاتفاق النووي في يوليو\تموز 2015.

وتحاول العديد من القوى الغربية الاستفادة من هذا الاستقطاب لزيادة مبيعاتها من السلاح لدول المنطقة والتي يتخوف البعض منها أن يطالها هذا الصراع أو أن تنضم إليه وخاصة إلى جانب السعودية.

سعى كل طرف لزيادة قدراته العسكرية والحشد والقيام بمناورات وإقامة تحالفات عسكرية حتى وإن كانت غير فعالة -حتى الآن- واللعب بورقة الطائفية والمذهبية -التي اتضحت في منع الحجاج الإيرانيين من الحج هذا العام- يلقي بظلال قاتمة على مستقبل المنطقة العربية والإسلامية ككل، وقدرتها على تحقيق التنمية وبناء الحضارة ومواجهة أعدائها المحتلين لمقدساتها.

ختاما يمكن القول أنه في حال اندلع صراع عسكري بين طهران والرياض فإن المنطقة بأكملها ستدخل في مرحلة استنزاف واستشراء للمذهبية ولن يستطيع أي طرف تحقيق نصر عسكري حاسم، في تكرار بائس لسيناريو الحرب العراقية -الإيرانية، وما يجري الآن في سوريا واليمن من حرب بالوكالة أو مباشرة بين السعودية وإيران نماذج على ذلك.