يبدو أن ماوريسيو ساري، مدرب تشيلسي قد تذكر تلك المقولة المصرية الشهيرة: «ما عدوك إلا ابن كارك» عقب صافرة نهاية مباراة فريقه ضد مانشستر سيتي على ملعب الاتحاد. لم يستطع ساري رفع رأسه وخرج مسرعًا كي يتجنب مصافحة بيب جوارديولا. طالما عبر الاثنان عن احترامهما للآخر، كونهما يجتمعان على نفس الفلسفة تقريبًا.

الاستحواذ، الضغط العالي، وخلافه من معتنقات بييلسا وكرويف حتى يقترن الفوز بالمتعة. إلى أن أتت تلك اللحظة التي اقترن فيها الفوز بالمتعة لكن على حساب مدرب نابولي الأسبق، فشعر بالإهانة من نظيره الإسباني عقب الهزيمة المذلة بستة أهداف نظيفة فلم يصافحه. وبعد أن ظل تشيلسي صامدًا حتى تاريخ 24 من نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، تلقى هزيمته الأولى ضد جاره توتنهام، ومن بعدها لا يملك أحد تفسيرًا لبقية الأحداث.


مهد له الطريق ثم …

ربما قدّم جوارديولا المساعدة للمدرب الإيطالي دون قصد في البداية. ليس بسبب إشاداته المستمرة بحق فلسفة ساري، ولكن لأمر آخر. لنعد بالزمن إلى الوراء قليلاً، عندما قدم بيب إلى إنجلترا ليتولى الإدارة الفنية لمانشستر سيتي. حاول أن يفرض فلسفته الهجومية على البريميرليج، فتلقى هزائم غير متوقعة، وخرج للمرة الأولى بصفر من البطولات. فتعرضت أفكاره للسخرية، حتى استطاع إقناعهم بالقوة في موسمه التالي ليعلنوا استسلامهم أمام التغيير.

مهد مدرب برشلونة السابق الطريق أمام غيره من مريدي تلك الفلسفة، فوجد ساري ترحابًا به وبأفكاره. ومع انطلاقة تشيلسي المميزة، ازدادت قناعة الجميع بسحر تلك الأفكار وقدرتها على تحويل فريق دفاعي ممل إلى آخر ممتع. لكن، ولأنها كانت أكثر البدايات خداعًا، انتهت كل تلك الأحلام الوردية مع هزيمة مذلة على يد نفس المدرب الذي أقنع الجميع من قبل بنفس الأفكار.


المنحنيات لا تكذب

لم تكن فترة الأحلام الوردية في البداية بهذا الإبهار رقميًا. وفقًا لإحصائيات موقع

Statsbomb

فإن معدل الأهداف المتوقع إحرازها ارتفع ارتفاعًا طفيفًا من 1.45 إلى 1.51، مما يعني أن الانتقال من كونتي إلى ساري لم يحقق تلك القفزة النوعية. كانت بداية ساري أفضل من بداية كونتي، فقط ما يفرّق بينهما هو رد الفعل بعد ظهور بوادر الانهيار.

يوضح تقرير موقع

Football Whispers

أن تشيلسي-ساري في أول 12 مباراة، كان يحقق فارقًا يصل إلى 13.39+ بين معدل الأهداف المتوقع إحرازها، والمتوقع قبولها. وبعد الهزيمة الأولى من توتنهام، انخفض الرقم إلى 4.37+ ، وعندما تشاهد منحنى أداء الفريق، لا يصعد ولا يهبط، كأنه علق وسط الرمال المتحركة.

منحنى يوضح الركود المستمر بأداء تشيلسي مقارنة بأداء مانشستر سيتي

ورغم ذلك بقي ساري متمسكًا بقناعاته، 4-3-3 مع استمرار الجدل حول دور كانتي الجديد، وعمل جورجينيو الدفاعي. بينما نتذكر كونتي عند مروره بموقف مشابه، قرر التحول إلى اللعب بثلاثي في قلب الدفاع مع 3-4-3 بدلاً من 4-2-3-1 لأنه رأى أن ذلك أنسب لعناصر فريقه. ذلك التغيير كان سببًا في تحوّل مسار تشيلسي في ذلك الموسم، لكن الأهم هي المحاولة نفسها والتي يرفضها ساري من الأساس فأصبح عالقًا في منتصف المنحنى.


مشكلة الهوية

ربما عليك النظر لتاريخ تشيلسي مع مدربيه السابقين منذ تولي الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش زمام الأمور. فالأزرق اللندني عُرف بالدفاع القوي، وقدرته على إرهاق الخصوم به وخطف المباريات. وأي محاولة لتغيير ذلك، كانت تبوء بالفشل.

يستطيع البرتغالي أندريه فيلاش بواش أن يؤكد لنا ذلك. فكان حينها واحدًا من المدربين الشبان الواعدين في أوروبا، لكنه فشل في فرض أفكاره على تشيلسي وعندما أتى دي ماتيو من بعده، دافَع حتى الممات وفاز بدوري الأبطال.

كان مورينيو معجبًا بالفوز بنتيجة 1-0 في فترته الأولى، لما وجده من لذة في متابعة خصومه يركضون خلف السراب محاولين معادلة النتيجة، فتتحطم آمالهم أمام دفاع تشيلسي الحديدي. الأمر أصبح بمثابة الهوية التي التصقت بالبلوز، إلى أن أتى المجدد ساري.

يحاول مدير البنك الأسبق الحفر في الصخر، ساعيًا لتغيير هوية الفريق الذي قام إيطالي آخر بتجميعه حسب هواه. فأنطونيو كونتي لم يكن حالمًا مثل ساري، لا يسعى نحو الجمال بقدر سعيه نحو الواقعية وتأمين مناطقه، فنجح في قيادة الفريق لتحقيق الدوري وكأس الاتحاد الإنجليزي لأن أفكاره اتفقت مع هوية النادي. لذا، ربما لا تكمن المشكلة في عقليات اللاعبين كما صرح ساري من قبل، لكن هذا ما وجدوا عليه آباءهم.



كيف تواجه مانشستر سيتي؟

مانشستر سيتي

مانشستر سيتي

أنا لست غبيًا للعب مباراة مفتوحة أمام مانشستر سيتي ثم أُهزَم بثلاثة أو أربعة أهداف.

هكذا

رد

أنطونيو كونتي على من انتقدوه بعد الهزيمة في ملعب الاتحاد بالموسم الماضي بهدف نظيف، ليترك السؤال مفتوحًا: هل يجب على الجميع التحفظ أمام فريق جوارديولا؟

بقلبي دفاع وحارس مرمى يجيدون التمرير، يتمكن الفريق من الصعود بالكرة بسلاسة، ثم يبدأ لاعبو النصف الأمامي بملء الفراغات. إما بالتركيز على أنصاف المساحات بين قلب الدفاع والظهير، أو بوضع جناح الفريق في وضعية واحد ضد واحد. هكذا عانى أرسنال ومن بعده تشيلسي، وسيعاني كل من لا يتراجع مثل كونتي أو يضغط مثل كلوب.


مع التخلص من آفة إهدار الفرص السهلة والحفاظ على نفس النسق، إضافة إلى وجود دكة بدلاء تضم كلًا من: ليروي ساني، دافيد سيلفا، رياض محرز في انتظار عودة بينجامين ميندي وفينسنت كومباني – فإنه سيكون مرشحًا فوق العادة في دوري أبطال أوروربا.

في النهاية، نحن أمام ناديين اجتمعا على نفس الفكرة مع اختلاف طريقة التنفيذ. في السيتي، كان الخروج من عباءة مارك هيوز وروبيرتو مانشيني تدريجيًا؛ بليجريني ثم جوارديولا بالتوازي مع ميزانية ضخمة أتيحت لكل منهما. أما تشيلسي فقرر التحول من أسلوب كونتي ومورينيو إلى ساري بطريقة الصدمة، مع ميزانية لا تكفي لذلك.

ويبقى الحل المعتاد هو إقالة المدرب؛ يذهب المدرب ويأتي غيره، فيتحسن اللاعبون نسبيًا. ثم يبقى المدرب الجديد حتى ينخفض الأداء مرة أخرى ونعود إلى المربع صفر، كأنها حلقة مفرغة وعلى تشيلسي أن يبقى حبيسًا فيها.