لنتخيل معًا أن النادي الأهلي المصري سوف يعلن غدًا صباحًا الاستغناء عن جناحه الأيمن «حسين الشحات»، عبر حفل وداع يليق باسم اللاعب أو بالأحرى ثمنه، متمنين له التوفيق وإلى آخره من الكلمات الروتينية الأنيقة التي تميز وداعيات القلعة الحمراء في أغلب الوقت، لكن إليك الجزء الأصعب، هل بإمكانك أن تخبرنا عن أهم اللقطات التي تتذكرها للاعب؟

إن كنت أحد المتعاطفين فعلى الأغلب ستتذكر تلك المراوغة التي قام بها أمام «حمدي النقاز»، الظهير الأيمن السابق للزمالك، والتي صارت «تريند» لمدة ليست بالقصيرة. أما إن كنت أحد المحبطين من مسيرة «الشحات»، فستتذكر تلك الفرصة العجيبة التي أضاعها أمام الزمالك في أهم نهائي أفريقي بتاريخ القارة، ولولا «قفشة» لكان رحيل «حسين» واقعًا وليس خيالاً.

لكن إن كنت صاحب ذاكرة حديدية، فستتذكر أن «حسين» أهدى كرة القدم واحد من أغرب الاحتفالات بتاريخها، حينما تجرأ على إحراز هدف بمرمى الأهلي أثناء مفاوضات الأخير مع «مصر المقاصة» لضمه، ليحتفل «الشحات» برفع الذراعين جانبًا، وكأنه يقول على حد وصفه

«ماذا أفعل لأنضم للأهلي؟»

.

ذلك الاحتفال الذي يمكن ضمه لعشرات التصريحات التي أعلن فيها اللاعب مرارًا وتكرارًا عن عشقه للأهلي، وبذل الغالي والنفيس لارتداء قميصه، لكن ماذا بعد؟ هل كانت المحصلة النهائية على نفس قدر التصريحات؟


مخاطبة الجمهور



«حاول مسؤولو العين إقناعي بقبول أحد هذه العروض المغرية، لكنني أبلغتهم بأن الأموال ليست في حساباتي، أنا راجع بلدي لأنضم لأحد أكبر أندية العالم».

حسين الشحات عن

مفاوضات الأهلي والعين الإماراتي

لنبدأ بجولة مع

أرقام «حسين الشحات»

، الذي انضم للنادي الأهلي في يناير عام 2019، قادمًا من العين الإماراتي، وفي أول نصف موسم اكتفى بالمشاركة في 24 مباراة، أحرز خلالها 5 أهداف وصنع 3. ثم شهد موسم 2019/2020 تحسنًا ملحوظًا في أرقامه حيث أسهم في 16 هدفًا في 33 مباراة (سجل 11 وصنع 5). وكانت أرقامه في بطولة دوري أبطال إفريقيا التي فاز بها المارد الأحمر على حساب غريمه الزمالك ملفتة، حيث أحرز 6 أهداف وصنع 2 في 10 مباريات.

قد تبدو الأرقام بالمقبولة، لكنك ستواجهني سريعًا بحجة أن الأرقام ليست كل شيء وما نراه بأعيننا على أرض الملعب لا يرقى لتقدير «جيد». ومن حسن الحظ أنني لن أتمكن من مجادلتك لأن «حسين» نفسه اتفق مع وجهة نظرك.

في يوليو 2019،

قيم «الشحات» بدايته

بجملة: «لست راضيًا عن نفسي، أدائي تذبذب من مباراة لأخرى صعودًا وهبوطًا، وأتمنى أن أعود لمستواي». ثم في

منتصف الموسم التالي

(مارس 2020)، برر اللاعب تراجع مستواه لتحامله على نفسه واللعب مصابًا رغم حاجته لإجراء عملية الفتاق.

وبعد

نهاية موسم 2019/2020

، عاد جناح المقاصة الأسبق ليقيم نفسه بجملة «غير راضٍ عما أقدمه مع الأهلي». ومع بداية الموسم الجديد،

تحديدًا في يناير 2021

، صرح اللاعب مجددًا: «أنا مقصر في حق نفسي ولم أقدم حتى الآن ما أريده مع الأهلي».

بإمكانك إضافة تلك التصريحات إلى أخرى يتحدث فيها الشحات عن تضحيته بالراتب الضخم الذي كان يتقاضاه في الإمارات، وتصحيح المعلومة المتداولة عن

قيمة الصفقة

(5 ملايين دولار وليس 100 مليون جنيه على حد قوله)، وصولاً لمطالبة الجماهير بالصبر عليه.

ليظهر المشهد وكأن «حسين» قد وقع في ثقب أسود بسبب تسرعه بإقحام الجمهور في المعادلة من بداية القصة، ليبدأ الأمر بالمغازلة وينتهي دون أن يشعر بسيل من الاعتذارات عن سوء الأداء. وبقدر ما تبدو مسألة الاعتذار – بهذه الكمية – غريبة على لاعب كرة القدم أو الرياضي بشكل عام، إلا أنها تعبر عن أزمة واضحة بفقدان اللاعب لثقته بنفسه.


أزمة ثقة

«حسين» ليس الأول ولن يكون الأخير الذي يفقد ثقته بنفسه ويقدم مردودًا متواضعًا عند انتقاله إلى أحد قطبي الكرة المصرية، ورغم زيادة العدد واختلاف الظروف فإنهم جميعًا يخضعون لنفس الكليشيه الجاهز؛ «تي شيرت الأهلي – أو الزمالك – ثقيل عليه».

قد يكون ذلك الكليشيه مناسبًا للطرح الجماهيري، لكنه غير مناسب تمامًا على مستوى المنظومة الرياضية، لأن التطور الحادث في اللعبة قد شمل الإعداد النفسي، وعليه، يجب أن يأخذ التعامل مع نقص الثقة بعدًا جديدًا، لا علاقة له بمقاس القميص.

استعرضت

شبكة «The Athletic»

الأمر، وتحدثت إلى «ستفين وارنوك» المدافع السابق بأندية بلاكبيرن وأستون فيلا وليفربول، ليحكي تجربته مع تلك المعاناة، وأثناء سرد ما قاله، حاول إسقاط كلماته على معظم اللاعبين الذين لم يصلوا لمستوى تطلعاتك.

وصف «وارنوك» الثقة بأنها اتخاذ القرارات وتنفيذها بشكل طبيعي، معتقدًا بداخلك أن ما تفعله هو الصواب، دون الإفراط في التفكير عن كيفية تمرير الكرة التالية أو ما حدث في المباراة السابقة. ثم تطرق إلى معاناته بعد خطأ كارثي تسبب بهدف في مرمى فريقه في مباراة أستون فيلا وسوانزي سيتي في يناير 2012، عندما علق ذلك الخطأ بذهنه لفترة طويلة ومع خطأ مشابه في الشهر التالي، اكتملت الكارثة.

وهنا تذكر «ستيفن» ذلك الأخصائي الذي تعامل معه من قبل في بلاكبيرن، ويدعى «جميل قريشي»، وقد ساعده على تجاوز تلك الصعوبات النفسية في فترة سابقة، لدرجة أن «وارنوك» اكتشف أن أفضل فترات مسيرته كانت تلك التي تعاون فيها مع «جميل».

كان يتعلق الأمر بكيفية إعداد نفسي للمباراة، وتهدئة نفسي في مواقف معينة، ومحاولة تصحيح الأمور إن لم تسر بشكل مثالي على أرض الملعب.





ستيفن وارنوك عن تعاونه مع أخصائي نفسي لأزمة الثقة

سبق لـ«جميل قريشي» العمل مع عدد من أندية البريميرليج، ورياضيين آخرين على المستوى الفردي، وقد لخص أزمة الثقة التي قد يعاني منها «الشحات» وآخرون عبر السؤال التالي: هل يلعب اللاعب للحصول على هتافات المديح أم لتجنب هتافات الاستهجان؟

في حالتنا، ستكون الإجابة هي الاختيار الثاني، والتي ستقودنا إلى السؤال التالي، لمَ لا يفكر الأهلي في الاستعانة بأخصائي على المستوى النفسي؟ (وفقًا للمعلومات المتوافرة لدينا، لا يوجد أخصائي نفسي حاليًا بالقلعة الحمراء).


من عليه أن يعتذر؟

بالطبع، فإن محاولة الإجابة على هذا السؤال ستقودنا إلى طريق مسدود لأن النادي الأهلي وعلى الرغم من قيمته، إلا أنه يواجه مشكلة غامضة في التعامل مع الإصابات المعتادة في كرة القدم(على مستوى العضلات والأربطة)، وبالتالي سيتحول الحديث عن الطب النفسي إلى خيال علمي مبالغ في تخيله.

لكن في الأخير سيفرض المنطق نفسه، والمنطق يفيد بأن التعاقد مع لاعب بـ5 ملايين دولار وآخر شاب بـ38 مليون جنيه، سيتطلب من النادي بذل المزيد من الجهد لمحاولة تقليص نسب فشل هذه الصفقات، وتسريع عملية تأقلمها والاستفادة منها. وهنا سنكتشف أن الخلل يتجاوز الاستعانة بمتخصص نفسي، ويمتد للمعايير التي يجب مراعاتها عند تقييم اللاعبين.

في دورة تحليل الأداء بمنصة

«Barca innovation hub»

، كان هنالك محاولة بسيطة للتعريف بعمل الكشافة في كرة القدم، وكيف يمكنهم تقييم وترشيح اللاعبين. وتدور المحاور الرئيسية لذلك حول تقييم اللاعب في الماضي والحاضر والمستقبل، مع تحديد المسار المتوقع للتكيف والتطور مع النادي الجديد.

على سبيل المثال، تشمل عملية تقييم اللاعب في الماضي والحاضر النقاط التالية:

  • الجانب التقني والتكتيكي والبدني والنفسي.
  • مستوى المنافسة.
  • اختيار المباريات المناسبة للتحليل.
  • ثقافة النادي والمدينة حول كرة القدم.
  • مواصفات الفريق من حيث نظام اللعب وخلافه.
  • الخلفية الاجتماعية للاعب، وتشمل العائلة والأصدقاء والعادات والاهتمامات.
  • تقييم أكثر من كشاف وعدم الاعتماد على تقرير واحد.

وقبل أن تسأل دعني أجيبك سريعًا، لا يوفر ذلك النظام المثالي نسبة 100% لنجاح الصفقات، لأنه لا يوجد ما يضمن عملية التكيف التالية للاعب سواء مع البلد الجديد أو مع النادي ونظام اللعب المختلف، بجانب أن أصحاب القرار لا يعتمدون على التقارير الاحصائية بنسبة 100%، وإلا لما تعاقد برشلونة مع كوتينيو وجريزمان، وهما اللذان يجيدان في نفس مركز ميسي.

لكن كما سبق وذكرنا هي محاولة لتقليص نسبة الفشل، حتى لا تكتشف بالصدفة بعد 3 سنوات أن صلاح محسن غير منضبط سلوكيًا، أو أن حسين الشحات قد قضى موسمين وهو يعتذر عن سوء مستواه محاولاً تخطى أزمة الثقة التي ضربته منفردًا بدون نصيحة علمية.

في الأخير، لا يمكن لأحد أن يمنعك كمشجع عن السخط من أداء هذا اللاعب أو ذاك، لكن عليك أن تعلم أن كل مرة اعتذر فيها الشحات عن أدائه، كانت إشارة لمشكلة لدى اللاعب ومشكلة أكبر لدى المنظومة، لأنه ليس الوحيد الذي لم يجد قميص الأهلي على مقاسه.