في نهاية عام 2018، أعلنت شركة هواوي أنها

باعت هواتفها الذكية

حول العالم بما يتجاوز

200 مليون

وحدة، وهو رقم قياسي عالمي جديد. وهو ما يمثل نموًا بنسبة 30% مقارنة بـ

153 مليون

وحدة باعتها الشركة في عام 2017.

شركة هواوي هي الممثل الرئيسي لقطاع التكنولوجيا الديناميكي في الصين. ولقد نمت بشكل هائل في السنوات الأخيرة، لتصبح من أكبر الشركات العالمية الرائدة في صناعة التكنولوجيا. وفي حين أن علامتها التجارية مألوفة لدى الكثيرين بسبب هواتفها المحمولة، إلا أن أنشطة هواوي تشمل العديد من المجالات التكنولوجية الأخرى، من الخدمات السحابية إلى الذكاء الاصطناعي.

استمرت الشركة في طريق ثابت

نحو النمو العالمي

، فحيث كانت عائداتها السنوية عام 2009 تقدر بـ21 مليار دولار، استمر المنحنى في التصاعد حتى وصلت إلى عائدات تتخطى حاجز 100 مليار دولار في عام 2018. وفي وقت سابق من هذا العام، تخطت مبيعاتها شركة آبل في عدد الأجهزة التي شحنتها حول العالم.

ولكن كيف بدأ كل هذا؟


صعود العملاق الصيني

هكذا تحدث «رن تشنغ» مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة هواوي ،

في حواره مع BBC

، عن تأسيس ثاني أكبر شركة للهواتف الذكية في العالم، بينما يجلس في المقر الرئيسي للشركة في مدينة شنزن بجنوب الصين. بالطبع عندما بدأ تأسيس شركته عام 1987، لم يكن ليتخيل أن تصل لهذا الإنجاز، وأن يعمل بها حوالي 180 ألف موظف موزعين في جميع أنحاء العالم.

درس رن تشنغ الهندسة، ثم التحق بمعهد أبحاث جيش التحرير الشعبي الصيني في ذروة الاضطرابات التي سببتها الثورة الثقافية في البلاد في ستينيات القرن الماضي. تم تكليفه بإنشاء مصنع للكيماويات لتصنيع ألياف النسيج في شمال شرقي الصين، كجزء من خطط الحكومة الشيوعية لضمان حصول كل مواطن على ما يكفيه من الملابس. وبعد أن نجح في

تطوير أداة أساسية

لاختبار المعدات في مصنع الملابس، انضم تشنغ إلى الحزب الشيوعي. وكان يأمل في أن يصل إلى مراتب متقدمة في الجيش، ولكن حدث العكس وسُرِّح عام 1983 عندما قلّصت الصين من أعداد الضباط المهندسين.

وبعد خمس سنوات بعد أن انتقل لمدينة شنزن، قام بتأسيس شركة هواوي – والتي يمكن ترجمتها إلى «إنجاز رائع» – لبيع معدات الاتصالات البسيطة في السوق الصينية. ونظرًا لعدم قدرتها على المنافسة في المدن الكبيرة، ركزت هواوي في البداية على المدن والقرى الصغيرة في الصين.

وطوال الوقت، استثمر تشنغ بكثافة في البحث والتطوير، مما أدى بالشركة إلى ابتكار تقنيتها الخاصة بها والتي مكّنتها في غضون بضع سنوات من أن تطور وتنتج هذه المعدات بنفسها. وفي وقت ما في أوائل التسعينيات، حازت

شركة هواوي

على عقد حكومي لتوفير معدات الاتصالات لجيش التحرير الشعبي. وبحلول عام 1995، كانت الشركة تحقق مبيعات تبلغ نحو 220 مليون دولار أمريكي، وفي العام التالي حصلت الشركة على لقب «البطل الوطني» الصيني.

وعندما بدأت شركة هواوي في التوسع عالميًا منذ عام 2000، شهدت مبيعاتها ارتفاعًا كبيرًا. وفي العام 2002، حققت الشركة حوالي 552 مليون دولار أمريكي من مبيعاتها في السوق العالمية. وبحلول عام 2005، تجاوزت عقود السوق الدولية أعمالها المحلية لأول مرة منذ تأسيسها.

تنفق شركة هواوي كل عام حوالي 20 مليار دولار أمريكي على مجال البحث والتطوير، وهي واحدة من أكبر الميزانيات في العالم في هذا المجال، واليوم تعد أكبر بائع في العالم لمعدات الاتصالات. تحولت الشركة من التطلع لأن تصبح مثل آبل، إلى شركة تحقق مبيعات أكثر من آبل نفسها.

ولكن بدأت الشبهات تحوم حول نجاحها العالمي، مؤخرًا، حيث أثارت العلاقات بين الشركة ومؤسسها والحزب الشيوعي الصيني شكوكًا بأنها تدين بنموها الهائل إلى صلاتها السياسية القوية داخل الصين، وأخيرًا اتهمت الولايات المتحدة هواوي بأنها أداة في يد الحكومة الصينية. لتبدأ هكذا الحرب التكنولوجية الباردة، وتتصاعد وتيرتها في الأيام الماضية.

مما ينقلنا إلى سؤال آخر، كيف بدأت هذه النسخة من الحرب الباردة؟


بداية الحرب

كان ذلك في الأول من ديسمبر من عام 2018، حيث كان الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ يجلسان في قمة

مجموعة العشرين

في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. إذ إن الولايات المتحدة والصين في خضم حرب تجارية، وفرض رسوم جمركية متبادلة على السلع، وهناك توقعات بانخفاض النمو الاقتصادي في كلا البلدين، مؤخرًا، نتيجة لذلك، وهو ما يزيد من الخوف بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.

وفي هذه القمة، اتفق الزعيمان على عقد هدنة من الحرب التجارية، حيث

صرح دونالد ترامب

بأن «العلاقات مع الصين في تطور مستمر إلى الأمام!».

ولكن على بعد آلاف الكيلومترات شمالًا في كندا، كان هناك اعتقال من شأنه أن يلقي ظلالاً من الشك على هذه الهدنة. منغ وانزو، المدير المالي لشركة هواوي والابنة الكبرى لمؤسس الشركة رن تشنغ، احتجزها مسؤولون كنديون في مطار فانكوفر. حيث

جاء هذا الاعتقال

بناءً على طلب من السُلطات الأمريكية، والتي اتهمتها بخرق العقوبات ضد إيران، والتعامل مع شركات تجارية فيها.

كانت مشاكل هواوي على وشك البدء؛ فبعد شهرين تقريبًا، تقدمت وزارة العدل الأمريكية بتهمتين ضد هواوي والسيدة منغ. وكانت لائحة الاتهام الأولى تنص على أن الشركة ومديرتها المالية قاما بتضليل البنوك والحكومة الأمريكية بشأن أعمالهما في إيران. بينما تضمنت لائحة الاتهام الثانية ضد الشركة تهمًا جنائية شملت عرقلة العدالة ومحاولة سرقة أسرار تجارية.

تتركز تهمة سرقة الأسرار التجارية على أداة آلية طورتها شركة T-Mobile،

وتُعرف باسم Tappy

. ووفقًا للوثائق القانونية، حاولت هواوي شراء هذه الأداة، وهي عبارة عن جهاز يقلد أصابع الإنسان من خلال النقر على شاشات الهاتف المحمول بسرعة لاختبار مدى استجابتها. ويُزعم أن أحد موظفي شركة هواوي في الولايات المتحدة قام بعد ذلك بمحاولة تهريب ذراع Tappy الآلية في حقيبته حتى يتمكن من إرسال تفاصيلها إلى زملائه في الصين.

ليست هذه المرة الأولى التي تُتهم فيها هواوي بسرقة الأسرار التجارية. فعلى مر السنين، أشارت شركات مثل Cisco وNortel وMotorola بأصابع الاتهام إلى الشركة الصينية.

ولكن تتمثل

مخاوف الولايات المتحدة

من شركة هواوي بأكثر من عملية التجسس الصناعي؛ فلأكثر من عقد من الزمان، رأت الحكومة الأمريكية أن الشركة ليست سوى ذراع للحزب الشيوعي الصيني. ولقد برزت هذه المخاوف إلى الواجهة من خلال ظهور تكنولوجيا «الجيل الخامس»، والتي تعد بتقديم سرعات تحميل أسرع من 10 أو 20 مرة من السرعات الحالية، وقوة اتصال أكبر بكثير بين الأجهزة.

وبصفتها أكبر مزود لخدمات البنية التحتية للاتصالات في العالم، تعتبر شركة هواوي واحدة من أفضل الشركات لبناء شبكات الجيل الخامس الجديدة. ولكن حذرت الولايات المتحدة مخابرات شركائها من الدول الأوروبية من أن منح عقود إنشاء هذه الشبكات لشركة هواوي سيكون بمثابة السماح بالتجسس الصيني على بلادهم.

وكانت قد أعلنت شركة فودافون أنها وجدت ثغرة أمنية في إحدى معدات هواوي، حيث اكتشفت وجود أبوابًا خلفية في أحد البرامج يمكن أن

تمنح هواوي وصولًا غير مصرح

به إلى شبكة الخطوط الثابتة لشركة فودافون في إيطاليا، وبينما تذكر شركة فودافون أن المشكلة قد تم حلها منذ سنوات، إلا أن الإعلان عنها قد يؤكد المخاوف الأمريكية.

وفي يناير الماضي، اعتقلت وكالة الاستخبارات البولندية أحد موظفي شركة هواوي

بتهمة التجسس

لصالح الصين، لتقوم هواوي مباشرةً

برفد الموظف

، وتنفي علاقتها تمامًا بهذه التهمة، وقالت إن الموظف تصرف على مسؤوليته الشخصية. وتقوم حاليًا المملكة المتحدة وألمانيا وكندا بمراجعة ما إذا كانت منتجات هواوي تشكل تهديدًا أمنيًا عليهم أم لا.


المأزق الحالي

عندما بدأت لأول مرة قبل أكثر من ثلاثين عامًا، لم يكن لدينا أي هواتف. والهواتف الوحيدة التي كنّا نملكها هي تلك المزودة باليد، مثل التي تراها في أفلام الحرب العالمية الثانية القديمة

قامت الإدارة الأمريكية بإدراج شركة هواوي رسميًا في القائمة التجارية السوداء، وفرضت قيودًا اقتصادية على الفور، ستجعل من الصعب للغاية على عملاق التكنولوجيا الصيني التعامل مع الشركات الأمريكية.

وقامت شركة

جوجل بإيقاف العمليات

التجارية معها، مما يعني أن شركة هواوي ستفقد إمكانية الوصول إلى التحديثات الجديدة لنظام التشغيل أندرويد، كما ستفقد النسخ القادمة من هواتفها الذكية خارج الصين إمكانية الوصول إلى التطبيقات والخدمات الشائعة، بما في ذلك متجر جوجل بلاي، وتطبيق Gmail.


ولكن،

طمأنت جوجل

المستخدمين الحاليين بأن خدماتها سوف تظل تعمل على أجهزتهم. كما منحت وزارة التجارة الأمريكية

ترخيصًا للشركة

حتى 19 من أغسطس المقبل، للحفاظ على شبكات الاتصالات الحالية، وتوفير تحديثات البرامج لهواتفها الذكية.

كانت هواوي قد بدأت بالفعل منذ فترة في

تطوير نظام تشغيل

خاص بها، ولكن الأمر بالتأكيد ليس بهذه السهولة، فربما نتذكر نظام تشغيل إحدى الشركات العملاقة مايكروسوفت والتي حاولت تطبيقه في هواتفها، ولم يستطع منافسة نظام أندرويد. كما تعتمد الشركة على العشرات من شركات التكنولوجيا الأمريكية لشراء المكونات الرئيسية لأجهزتها. ففي العام الماضي اشترت شركة هواوي مكونات بقيمة 70 مليار دولار، من ضمنها

إنفاق حوالي 11 مليار دولار

على منتجات من عشرات الشركات الأمريكية، بما في ذلك رقائق الكمبيوتر من شركات Qualcomm وBroadcom، بالإضافة إلى أنظمة التشغيل مثل الويندوز والأندرويد.

بالطبع ستخسر السوق الأمريكية هذا العائد السنوي من شركة هواوي في هذه الحالة، ومع انتشار هواوي في الأسواق العالمية، لتصبح من أكبر مستخدمي نظام التشغيل أندرويد، ستخسر جوجل أيضًا. فإذا كان الوضع سيبقى على هذه الحال، يجب على الإدارة الأمريكية أن تجد بديلًا عالميًا قويًا لشركة هواوي، وهو أمر في غاية الصعوبة في الوقت الحالي؛ لذا من الواضح أن خسائر هذه الحرب ستصيب الجميع في نهاية المطاف.

يبدو أن علينا الانتظار ومتابعة ما ستؤول إليه الأحداث في الأيام المقبلة.