إن كُنت من المُطلعين على الشأن الكروي داخل جمهوريتنا المعمورة، فعليك أن تُدرك جيدًا أن أكثرية متابعي هذه الرياضة داخل مصر أصبحوا الآن يعيشون على خيالات لا وجود لها، وأن الأغلبية العُظمى تائهون بين الخيال الأوروبي وتطوره وبين الواقع المصري وانحداره المستمر.

ولن تحتاج لمجهودٍ كبير لتعرف أن سوء الواقع الذي نعيشه في محبوبتنا الساحرة داخل مصر لا يخرج عن كونه فشلًا إداريًّا منقطع النظير، وعلى جميع الأصعدة. ولعل أبرز العناصر الإدارية في المجال الكروي في العقدين الماضيين، هو النائب البرلماني الحالي ورئيس نادي الزمالك، المستشار مرتضى منصور، الذي بدأت رحلته مع إدارة كرة القدم داخل مصر في نهاية تسعينيات القرن الماضي، تحديدًا حين كان عضوًا في مجلس إدارة نادي الزمالك بداية من عام 1996 وحتى عام 1997 في ولايته الأولى، والتي تبعها بولاية جديدة منذ عام 1997 وحتى عام 2001، حتى تمكن من الظفر بكرسي الرئاسة في مجلس إدارة النادي. لكن، ومنذ الظهور الأول الفعلي كعضو عامل بالجمعية العمومية لنادي الزمالك في عام 1992، والأمور لم تعد كما كانت داخل أروقة النادي الأبيض حتى وصل الفريق إلى وضعه الحالي.

ولأننا كنا –ولا نزال- نعيش على خيالات لا تتحقق، ولكننا لا نسأم تجربتها؛ ففي السطور القادمة سنحاول أن نحذف وجوده من بعض المشاهد التي كان هو بطلها الأول، وأحيانًا الوحيد، أو على الأقل سننحي قراره جانبًا، كي نتيقن ما إن كانت الحياة الكروية في غيابه ستتحول للأفضل أم للأسوأ.


صالح سليم يرى المستقبل

في بداية العقد الأخير من القرن الماضي نشب خلاف غير مستتر بين كُل من رئيس النادي الأهلي آنذاك، صالح سليم، وأحد أعضاء مجلس إدارة النادي وأساطيره السابقين، طاهر أبو زيد. الخلاف كان قد بدأ عندما وجه الأخير ا

تهامه لرئيس النادي

بأنه على غير علمٍ بشئون النادي، وذلك لسفره المتعدد لإنجلترا، وحسب الأحاديث الصحفية وشهود الواقعة، فإن «المايسترو» لم يرد وقتها على طاهر الذي كان منافسًا له في صراع الانتخابات الذي كان قد اقترب بشدة في ذلك الوقت.

حينها، توجه أحد أعضاء النادي الأهلي العاملين، المحامي مرتضى منصور، لرئيس النادي ليؤكد له أنه يمكنه أن يُظهر كل السقطات التي ستُزيح طاهر أبو زيد من طريقه تمامًا في الانتخابات، فقط على صالح سليم أن يسمح لمرتضى بحضور الندوة الانتخابية القادمة بالنادي، وسيتولى هو المهمة، وكعادته، بالمستندات.

لكن، وعلى طريقة الإعلان الشهير لإحدى الشركات في رمضان الماضي، فإن صالح سليم «شاف المستقبل»، وشعر بأن طرقًا ملتوية كهذه لن تساعده في صراع الانتخابات، بل إنها ستقضي على أحد أهم المبادئ التي عانى ترسيخها داخل أروقة النادي الأحمر، وهي احترام رموز النادي السابقين.

بعدها طلب صالح سليم من مسئولي الأمن بالنادي منع دخول العضو مرتضى منصور للنادي يوم الندوة تحديدًا، ومنعه من دخول النادي تمامًا إذا تطلب الأمر ذلك، بالرغم من مخالفة ذلك لنص اللائحة الموضوعة للتعامل مع الأعضاء. وبهذا التصرف، يكون صالح سليم صاحب السبق في العملية التي نسعى لتطبيقها خلال هذه السطور، وهي حذف مرتضى من المشهد تمامًا.

وباطلاعٍ بسيطٍ عزيزي القارئ يمكنك أن تشعر بالفارق الملحوظ بين وجود مرتضى داخل نادي الزمالك في سنوات ظهوره، وبين حذفه من مشهد النادي الأهلي طوال هذه الفترة، تنفيذًا لقرار رئيس النادي الأحمر، وإن لم تتمكن من ذلك، فدعنا نُكمل في مسعانا.


الزمالك يُدار من منصة المحكمة

بعدما انضم مرتضى منصور إلى القافلة البيضاء بقرار من رئيس النادي آنذاك، نور الدالي، حصل مرتضى منصور على تشجيع العديد من أفراد الجمعية العمومية، وذلك لحماسته الشديدة -التي أبداها- في التحرك دائمًا، لكن الصفة الأبرز التي التصقت بانتخابات النادي منذ بات مرتضى طرفًا دائمًا فيها، أنها ماراثون وصراع على صفيحٍ ساخن، المصير الذي خافه صالح سليم وقرر حذفه من المشهد.

فبجانب الإضافات التي أدخلها مرتضى منصور على الرياضة المصرية، والتي سنتطرق لها فيما بعد، فإنه يُعد أبرز من استغل منصات ومنابر القضاء من أجل الانتصار في المعارك الانتخابية أو إبطال أي معركة يكون منصورًا فيها غير منصور، مُستغلًا في ذلك درايته الكبيرة بشئون القانون لسابق عمله كمحامٍ وقاضٍ سابق.

البداية كانت مع إيقافه عن العمل من قبل المجلس القومي للرياضة في عام 2005 وتعيين السيد مرسي عطالله؛ ليقوم مرتضى منصور برفع قضية تعيده لمنصبه مرة أخرى، في واقعة غريبة على الوسط الرياضي، أو كانت غريبة في ذلك الحين، قبل أن يعود المجلس القومي للرياضة بتنحيته عن المنصب مرة جديدة وتعيين مجلس مؤقت برئاسة رجل الأعمال، ممدوح عباس، وذلك لأن المجلس رأى أن النادي بات «مسرحًا لأحداث ساخنة طوال الفترة التي شهدت إيقاف رئيس النادي مرتضى منصور عن عمله من قبل المجلس القومي للرياضة ثم عودته إلى النادي بحكم قضائي»، وهو ما كُتب نصًا في

بيان المجلس القومي

، والذي سبق بالقول: «لقد تابعنا على مدى عام ما يدور من أحداث وتصرفات متلاحقة، وما أدت إليه تلك الأحداث من تدهور سريع لنادي الزمالك وتأثيراته السلبية على فرقه الرياضية»

في تلك الفترة وحتى عام 2011، لم يتخلَ مرتضى منصور عن اللجوء للقضاء في كل صغيرة وكبيرة تخص النادي، حتى بات الخبر المعتاد لأي متابع للشأن الأبيض، أو حتى للشأن الكروي بشكلٍ عام، أن يقرأ في الصحف خبر جديد عن قضية للزمالك يُنظر فيها من أحد القضاة.

في خلال تلك الفترة من الزمان -منذ 2005 حتى 2011- لم يحقق نادي الزمالك سوى بطولة واحدة لكأس مصر كانت عام 2008، وهي الفترة التي شهدت خفوت -ولو ضعيف- في ظهور اسم نادي الزمالك فوق منصات القضاء، حيث كان وقتها ممدوح عباس رئيسًا معينًا لمدة سنتين شهد فيهما الزمالك شبه استقرار نال معه الفريق بطولة غائبة منذ عدة سنوات.

وعليه فإنك ستكتشف وبيسر تام، ما كان يمكن أن يصبح عليه النادي الأبيض لو لم يصعد إلى منصة الحكم على يد مرتضى منصور من الأساس في تلك الفترة. أظن أن أقل النتائج أنه ما كان ليبتعد الفريق عن الصعود إلى دور نصف النهائي في دوري الأبطال الأفريقي لمدة 11 عامًا كاملًا.


اختراعات منصور: مناصب توجد في مصر فقط

كيف لك أن تتوقع مصير الفرق في كل مكان في العالم من دون مناصب مثل: رئيس جهاز الكرة، مدير الكرة، مدرب عام، مدرب مساعد، مدرب مجرد من أي وصوف، وإداريين بعدد غير منتهٍ؟ أظن أن العالم عليه أن يتخذ التجربة المصرية بعين الفحص.

نور الدالي صاحب الفضل في دخول مرتضى منصور واحتضانه في نادي الزمالك لم يدرك صعوبة ما قدمه للنادي إلا في عام 2001 تقريبًا، حينها كان مرتضى منصور نائبًا لرئيس مجلس الإدارة، الدكتور كمال درويش. وفي

تصريحات لجريدة الشرق الأوسط

بتاريخ 28 يونيو لعام 2001، أكد نور الدالي أن صراع مرتضى منصور مع رئيس النادي يهدد بسقوط النادي إلى الهاوية، اكتشاف متأخر جدًا!

ملابسات ذلك التأكيد أن مرتضى منصور كان يسعى لفرض سيطرته على المجلس بكامله حتى وهو غير رئيس له، فكلما عين الرئيس فردًا ما في منصب، يقوم منصور بإيجاد منصب جديد وتعيين مقرب له فيه، الأمر طال بشكلٍ ملحوظ حتى وصل الجهاز الفني في مصر إلى الشكل الموجود حاليًا، جهاز به 4 فنيين وعدد لا نهائي من الإداريين لا يقم أي منهم بدور مختلف ولا ملحوظ، فقط حضور بناءً على رغبات مخترع المنصب. لن تجد عناء في تخيل حذف قرار مرتضى منصور من المشهد هذه المرة، أكثر من نصف الأجهزة الفنية الموجودة حاليًا لن تراها ثانية.


تشريع خاص بالزمالك: إبادة المديرين الفنيين قانوني

واكمالًا لما اكتشفه نور الدالي، فإنه التفت فيما بعد إلى تجربة لن نراها غريبة في الوقت الحالي لكنها كانت مستحدثة جدًا في ذلك الحين. كان حلمي طولان هو المدير الفني الذي تولى مهمة الفريق بعد رحيل المدير الفني، أوتوفيستر –صاحب واقعة 6-1 الشهيرة- وبعد فترة، بدأت محاولات مجلس الإدارة في إجباره على الرحيل بتخفيض راتبه تارة أو إثارة أنباء عن استبعاده في تارات أخرى؛ مما يخلق جوًا غير مناسب للعمل تمامًا.

ذلك التصرف كان مبهمًا جدًا من قبل إدارة النادي، لكن بعدما ظهر مرتضى منصور كرئيس للنادي في أيٍ من ولاياته، بات ذلك التصرف هو المعتاد جدًا من قبل إدارة الزمالك، واستطاع النائب البرلماني والقاضي السابق سن تشريع يخص النادي الأبيض فقط، بأن إبادة المدير الفني في الزمالك شيء قانوني جدًا طالما رأى هو ذلك أو أحد من مقربيه.

تلك النقطة تحديدًا ستكون صعبة التخيل على العقول، لن يمكنك أن تحذف قرار مرتضى منصور في شأن كل المديرين الفنيين الذين تولوا المنصب في ولايته، حيث إنه أزاح في آخر 3 سنوات فقط 18 جهازًا فنيًّا لم يهنأ أي منهم بفرصة الاستمرار ولو لعامٍ واحد كامل، بما فيهم البطل الجماهيري، جورفان فيريرا، الذي أعاد لقب الدوري والثنائية المحلية بعد سنوات عجاف يبدو أنها لم تنتهِ بعد.


المشهد الدرامي ليس مقتصرًا على كرة القدم

صالح سليم، مرتضى منصور

صالح سليم، مرتضى منصور

كل المشاهد الماضية لا يمكن أن نؤكد أنها سبب مباشر في خسارة الزمالك لبطولة، كلها وقائع وخطوات في تهميش الفريق ووضعه على النار وانتظار النتائج المؤكد سلبيتها، لكن الأكيد أنها ليست مباشرة كما حدث في مايو 2005.

فريق الزمالك لكرة اليد هو صاحب الذراع الطولى في هذه اللعبة على مستوى مصر وأفريقيا، تلك الحقيقة التي تثبتها البطولات والقصص التاريخية، وفعل الزمالك المعتاد بالفوز ببطولة الدوري لكرة اليد في عام 2005، لكن حين ذلك كان قد وجه منصور سبابًا لحكم المباراة ولاتحاد كرة اليد ورئيسه، حسن مصطفى. ليتخذ الاتحاد قرارًا –منطقيًا- بتجميد إعلان بطل الدوري ومنع حضور رئيس النادي لمباراة نصف نهائي ونهائي كأس مصر لكرة اليد. مرتضى منصور كالعادة طعن في قدرة الاتحاد على تنفيذ ذلك القرار.

وصل الزمالك بالفعل لنهائي البطولة ليواجه النادي الأهلي على لقب الكأس، وفي أثناء سير اللقاء اقتحم مرتضى منصور أرض الملعب عنادًا مع قرار الاتحاد الذي ينص على أن حضور مرتضى لملعب الصالة الكبرى باستاد القاهرة يعني هزيمة الزمالك تطبيقًا للقرار، وقد تحدى مرتضى منصور قرار اتحاد اليد وذهب إلى المباراة النهائية وإلى مقصورة الصالة الكبرى، وهو ما جعل اتحاد اليد ينفذ قراره من خلال إيقاف المباراة خمس دقائق لخروج رئيس الزمالك، لكنه لم ينصع للقرار، فأُلغيت المباراة واعتُبر الأهلي فائزًا بالكأس.


لم ولن تكون هذه هي مشكلة مرتضى الأخيرة مع اتحادات الألعاب. مشاكل وقرارات واهية لا سبب لها ولا طائل منها سوى خسارة تلو الأخرى للنادي الذي يرأسه. المؤكد أن ذاكرتنا لن تنسى واقعة مباراة مصر المقاصة التي أصر مرتضى منصور فيها على الانسحاب من اللقاء وتوجيه الأمر برمته للقضاء مرة أخرى، آملًا أن ينصفه كما يفعل في المعتاد.

لكني بعد أن فردت هذه السطور، وجدت أن عملية حذف مرتضى منصور من المشهد ستسبب العديد والعديد من التغييرات في المشهد بشكلٍ عام، ربما أغلب الأحداث والوقائع تسوقنا لحقيقة أن مرتضى منصور هو مشكلة بحد ذاتها تعوق التخيل الجميل الذي نرغب في وضعه لكرة القدم في مصر، لكنني عدت بالذاكرة للوراء قليلًا حين حكى نجم النادي الأهلي السابق، وليد صلاح الدين، واقعة حدثت في لقاء الـ 6-1 الشهير، حينما صاح أحد الحضور راميًا بكل النقود التي يملك في الهواء مرددًا: لا أرغب في أي شيء آخر من هذه الحياة. ربما لو حذف مرتضى منصور وقراراته من هذا المشهد آنذاك، لتغيرت رغبة هذا الرجل.