300 مليار دولار ديون مستحقة تخلفت عن سدادها، أسهم الشركة انخفضت بنحو 86% مقارنة بالعام الماضي، و3.5 مليون وظيفة كانت توفرها الشركة سنويًا لن تتواجد، وإفلاس الشركة سيجر الصين إلى عواقب وخيمة.

إن كنت لا تعلم، فنحن نتحدث عن شركة إيفرجراند، ثاني أكبر مطور عقاري في الصين، والتي توشك أن تعلن إفلاسها بعد سلسلة من القرارات الخاطئة قادتها لهذا المصير.


تراكمت الديون على الشركة تدريجيًا حتى وصلت إلى أرقام غير مسبوقة، وزادت مشاكلها، حين أعلنت الحكومة الصينية منع الشركات التي لا تحقق أرباحًا بقدر معين من تلقي القروض مجددًا، وهنا لم تفلح محاولات الشركة لتوفير السيولة بطريقة أخرى، ودخلت في أزمة منذ ذلك الحين.

الصين بطل كأس العالم

لنترك الاقتصاد الآن ونتحدث عن كرة القدم، في عام 2015

أصدرت الحكومة الصينية بيانًا

يهدف إلى تطوير الكرة الصينية ورفع مستواها، في ظل توجه الدولة العام للنبوغ في الرياضة، وهو ما نجحت فيه على مستوى الألعاب الأولمبية، لكنها ما زالت تحاول التطور في كرة القدم.

لم تشارك الصين في كأس العالم سوى مرة واحدة في عام 2002، وهو ما لا يليق بالأمة الصينية، ولذلك فإن هدف الخطة أن تتواجد الصين بشكل دائم في المنافسات العالمية، وأن تحقق كأس العالم يومًا ما، لمَ لا؟

بصدور البيان بدأ عصر جديد للكرة الصينية، واستجابت الأندية للحكومة، وبدأت في صرف الأموال من أجل استقدام اللاعبين والمدربين، وتطوير الأكاديميات، وفي عام 2016 وحده،

أنفق الدوري الصيني 450 مليون يورو

على استقدام اللاعبين، كواحد من أعلى خمسة دوريات في العالم.


ومن بين تلك الأندية وصاحب النصيب الأكبر، كان نادي «جوانجزو إيفرجراند»، والذي أرادت إدارته خطب ود الحكومة بهذا الإنفاق.

كيف بدأت القصة؟

نادي جوانجزو هو أحد أندية الجنوب الصيني، كانت مسيرته في الدوري الصيني متقطعة، والجزء الأشهر من تاريخه كان ضلوعه في جرائم المراهنات، التي تسببت في هبوطه أكثر من مرة،

آخرها أثبتته التحقيقات في 2010

، وعُرض للبيع في ذلك الوقت.

هنا ظهرت شركة «إيفرجراند للتطوير العقاري» وقررت شراء النادي والاستثمار فيه، ودفعت نحو 15.5 مليون دولار لأجل ذلك، وخلال عام واحد فقط ترقى الفريق للدرجة الأولى.

استمرت عملية الإنفاق الموسعة من الشركة، وفي العام الأول للفريق في الدرجة الأولى فاز بالدوري، وحافظ على اللقب في العام التالي كذلك، قبل أن يتسارع الإنفاق في 2013 ويجلب الفريق مارشيلو ليبي بطل كأس العالم 2006 ليتولى قيادة الفريق.


فاز الفريق مع ليبي بالكثير من البطولات أهمها دوري أبطال آسيا للمرة الأولى في تاريخ النادي، وحصل على المركز الرابع في كأس العالم للأندية بعد الفوز على الأهلي المصري والخسارة من بايرن ميونخ.

إنفاق الفريق لم يتوقف على استقدام اللاعبين، افتتح النادي أكبر أكاديمية لكرة القدم في العالم في مدينة «تشينغ يوان» بتكلفة بلغت 156 مليون دولار، كان هدفها تنشيط كرة القدم الصينية وإعداد اللاعبين للمستقبل.


وصلت ذروة الإنفاق في 2015 تزامنًا مع بيان الحكومة، واستقدم الفريق بطلاً آخر لكأس العالم ليقود الفريق، وهو فيليبي سكولاري مدرب البرازيل السابق، وحقق الفريق معه دوري أبطال آسيا مرة أخرى.

الأرقام المعلنة أن الفريق كان ينفق رقمًا يصل إلى 300 مليون دولار كل عام، وهو رقم منطقي طبقًا لأرقام الرواتب التي يمنحها الفريق، ليبي وسكولاري كانا من الأعلى أجرًا في العالم،

وداريو كونكا كان صاحب أعلى راتب

للاعب كرة قدم في العالم خلف ميسي ورونالدو، لا تعرف داريو كونكا؟ ولا نحن، لكنه لاعب أرجنتيني شاب استقدمه الفريق من الدوري البرازيلي ولم يحقق أي نجاحات خارج الصين.

شرع النادي كذلك في إنشاء ملعب جديد، ليكون الأكبر في العالم، ويتسع لنحو 100 ألف متفرج، وبلغت تكلفته التقديرية 1.7 مليار دولار.


المجد للأمة

كما تعلم، تختلف الصين عن أي دولة في العالم، يهدف كل شيء هناك إلى المجد الوطني بشكل أساسي، ونجاح الأمة مقدم على الكيانات مهما بلغت، لذلك فإن جوانجزو كان يبذل لأجل منتخب الصين الكثير.

في 2013

أدخل النادي قواعد جديدة

، تكافئ أو تغرم اللاعبين بناءً على أدائهم مع المنتخب الوطني، كما استغنى عن هدافه البرازيلي إليكسون لصالح غريمه شنغهاي لأجل أن يساعدهم في تحقيق دوري الأبطال، وهو ما نجحوا فيه.

هدفنا ليس الفوز بالبطولة هذا الموسم، ولكن تدريب اللاعبين لتوفير القوة للمنتخب الوطني الصيني.






فابيو كانافارو، مدرب «جوانجزو إيفرجراند» الحالي


قدمت الشركة كذلك

دعمًا طوعيًا لجزء من راتب مارشيلو ليبي

عندما كان المدير الفني للمنتخب الصيني في الفترة من 2016 إلى 2019، ونشطوا بشكل موسع في عمليات التجنيس، التي اتبعها النظام الصيني لسد العجز في بعض المراكز في الملعب، كما حدث مع المهاجم البرازيلي إليكسون والمدافع تياس براونينغ لاعب إيفرتون السابق.


حقبة جديدة

لكن الأمور لم تسر كما تمناها الجميع هناك، وبعد سنوات، بدا أن هذا الإنفاق لم يحقق الفائدة المرجوة، ولم تفرز الأكاديميات المنتشرة حول الصين أية مواهب جديدة، وكذلك لم يتطور المنتخب الصيني رغم الأرقام الهائلة التي دفعتها الأندية.

في الوقت نفسه،

وجدت الصين نفسها فرصة ذهبية

وملاذًا للكثير من اللاعبين للخروج من أوروبا والحصول على رواتب باهظة دون تقديم شيء في المقابل،

طبقًا لسيمون شادويك الأستاذ بجامعة سالفورد

فإن الصين شعرت وكأنها تتعرض للاستغلال، وكان عليها منع تدفق هؤلاء المرتزقة الخارجيين عن القدوم للصين على حد تعبيره.

اضطر ذلك الحكومة إلى فرض ضريبة بنحو 100% على صفقات الأندية، مع تحديد حد أقصى للأجور، وحد أقصى للإنفاق السنوي.

أنهى ذلك بالطبع حقبة ذهبية للدوري الصيني، وتوقفت الصفقات الكبرى، رغم استمرار الأندية في دفع مرتبات مرتفعة للاعبيها الموجودين.

الأزمة

لكن الإنفاق الجنوني الذي حدث ترك الكثير من الأندية في أزمات مالية، وجاءت أزمة فيروس كورونا لتزيد المعاناة،

أعلن نادي جيانغسو الفائز بالدوري الصيني

في الموسم الماضي إفلاسه قبل أشهر، واستغنت العديد من الأندية عن لاعبيها المحترفين لتوفير النفقات.


كانت الأمور في إيفرجراند أعقد من ذلك، والإنفاق الجنوني على كرة القدم والكثير من القرارات غير المسئولة، أدخلت الشركة المالكة للنادي في سلسلة من المشاكل.

تقف الشركة حاليًا مهددة بالإفلاس، ويخشى الجميع في الصين وخارجها أن تنهار الشركة وتعلن إفلاسها، مع ما يعنيه ذلك للاقتصاد الصيني.

إفلاس الشركة يعني أنها لن تسدد 100 مليار يورو مستحقة للبنوك، وهو رقم سيؤثر على القطاع المصرفي، و80 مليار يورو كذلك لشركات الحديد والأسمنت، وهو ما سيقود هذه الشركات لأزمات مشابهة.

كذلك فإن إفلاس الشركة يعني أن 3.5 مليون شخص سيفقدون وظيفتهم وستتأثر قدراتهم المادية، وبالتالي قيمة ما يستهلكونه، وهو ما سيؤثر على مبيعات الشركات، والتي ستتعرض لأزمات مالية قد تضطر معها لتخفيض العمالة فيزداد الأفراد العاطلون، وتتأثر عجلة الاستهلاك، وهكذا، دورة الكساد التي يعرفها الاقتصاديون تمامًا.

وإذا كان المثل قديمًا يقول إذا عطست أمريكا أصيب العالم بالزكام، فإن شكل الاقتصاد الحالي واعتماد الدول على الصين، يجعل عطس الصين يصيب العالم بإنفلونزا الطيور كما يقول الاقتصاديون.


بمثال بسيط، فإن الصين تستورد كمية كبيرة من الغاز والنفط العربي وتأثر اقتصادها يعني انخفاض تلك الصادرات، مع ما يعنيه ذلك لاقتصاد الدول العربية، لذلك إفلاس الشركة سيضر بمصالح الجميع.

إن أضفت ذلك إلى المشاكل الموجودة في العالم حاليًا، وموجة ارتفاع الأسعار القادمة بسبب مشاكل الشحن وسلاسل الإمداد والتوريد، فإن الأزمة لن تتسبب في انهيار الصين فقط بل قد تتسبب في إفلاسك أنت شخصيًا.

الأمر خطير بالفعل، كرة القدم التي تحبها تضع الجميع في أزمة، وبدون أن تقترف أنت ذنبًا فإن رغبة الصين في الفوز بكأس العالم قد تجلب لك مشاكل مالية قريبة.


انفراجة

لا تنزعج، لدينا أخبار سعيدة كذلك،

تشير التقارير الصينية إلى

أن الحكومة لن تترك الشركة لتنهار بشكل مفاجئ، وأنها قد تساعد في دفع الديون وتسمح للشركة بالانهيار التدريجي دون الإخلال بالتزاماتها، على أن تتولى شركة استثمار مملوكة للدولة إدارة أصول الشركة.


أما النادي،

فطبقًا لـ «Bloomberg»

، تتطلع الحكومة المحلية للمدينة التي يقع فيها النادي للاستحواذ على حصة تتراوح بين 10 و 15 بالمائة، في حين أن شركة مملوكة للدولة ستستحوذ على باقي النادي.

لذلك فإن هناك عدة حلول مطروحة، والصين لن تنهار لمجرد إفلاس شركة عقارية، ولم تبلغ ديون إيفرجراند هذا الرقم بسبب فريق كرة القدم، هذا مؤكد، لكن أردنا أن نجذبك بهذا العنوان ليس أكثر، وقد نجحنا، لا تنكر ذلك.