شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 54 ياله من أمر غريب أن ترى نوعًا بأكمله -مليارات من الناس- يعزفون أنماطًا نغمية لا معنى لها، ويستمعون لها، وقد انشغلوا وانهمكوا لجزء كبير من وقتهم بما يسمونه الموسيقى. لقد كان هذا على الأقل واحدًا من الأمور المتعلقة بالبشر، والذي حيّر الكائنات العقلية للغاية القادمة من كوكب آخر؛ السادة العُلى. — رواية نهاية الطفولة آرثر سي. كلارك. إذا نظرنا عن كثب لأسماء مثل بيتهوفن، موزارت، هانز زيمر، وغيرهم من عمالقة الموسيقى في عالمنا وتاريخنا؛ فسنجد أن طبيعة عملهم جميعًا هو العزف فقط على آلات موسيقية صنعوا من خلالها سيمفونيات خيالية خلّدت أسماءهم في سجلات الحضارة البشرية لآلاف الأعوام القادمة. وخلف هذه السيمفونيات؛ إذا تأملنا طبيعة الموسيقى أو دققنا في ماهيّتها؛ فسنجدها مجرد أصوات أو نغمات تنشأ عن أنماط لاهتزاز أوتار فحسب، وأداة قوية تذهب بنا لأكثر من كونها نغمة؛ فتحرك عاطفتنا وتغيّر مزاجنا العام، وتصيبنا بنوع من النشوة والهدوء، والحنين، والقشعريرة أيضًا، وأحيانًا الانزعاج. لكن؛ هل فكرت يومًا في العملية الديناميكية التي نستقبل من خلالها الموسيقى، وعن الموسيقى ذاتها؟ سجلات التطور ناي نيكولاس المصنوع من عاج ماموث في العصر الحجري القديم العلوي، والذي عثر عليه في كهف «Geissenklösterle» الألماني. قد يختلف البعض على أهمية وجود الموسيقى في حياته من عدمها، وتختلف درجة تلك الأهمية أيضًا من فرد لآخر، لكن الموسيقى ذات تاريخ سحيق؛ وذكر تشارلز داروين أن الموسيقى وبالرغم من أنها لم تكن لها أي منافع حقيقية للحياة، لكنها ساهمت في بقاء الأنواع وتطورها، حيث كانت وسيلة للتواصل، وإقناع الشركاء من الأجناس بالانجذاب وإتمام عملية الإنجاب؛ بالتالي التكاثر. وإذا نظرنا إلى حقيقة وجود الموسيقى في حياة الجنس البشري؛ فسنجد أن الإنسان القديم صنع أدوات موسيقية من الأحجار وعظام الحيوانات، حيث وجدت آثار لأدوات موسيقية قديمة تعود إلى جنس «هومو سابينز – Homo Sapiens» في أفريقيا وآسيا وأجزاء من أوروبا منذ نحو 40 ألف عام. وترك لنا أسلافنا الذين عاشوا في العصري الجليدي القديم منذ نحو 30 ألف عام تذكارًا أرشدنا إلى أهمية الموسيقى في حياتهم؛ وهو «ناي نيكولاس – Nicholas flute» الذي يعد واحدًا من الأدوات الموسيقية القديمة المكتشفة بطول 18.7 سنتيمترًا، حيث صنع من عاج حيوانات الماموث. اكتشف هذا الناي في كهف «Geisenklösterle» في ألمانيا، ويعتبر الكهف أحد أقدم الكهوف التي تحتوي على آثار تعود لما قبل التاريخ في فترة زمنية منذ 30 – 43 ألف عام. وإذا نظرنا إلى الموسيقى من زاوية أكثر عمقًا داخل الكائن البشري نفسه؛ فسنجد أنها أ حد العوامل التي تحفّز إفراز الدوبامين الذي يلعب دورًا رئيسيًا في الشعور بالمتعة والسعادة والإدمان أحيانًا. استجابتنا للموسيقى الحياة مليئة بالأمور السيئة للغاية، وعندما يتعرض المرء لأيٍ من هذه الأمور خصوصًا إذا كانت تتعلق بأمور عاطفية؛ فأول ما يفعله هو الاستماع للعديد من الأغاني والموسيقى الحزينة (ذات لحن حزين). عندها يكون الأمر أكثر سوءًا! لكن هناك مواقف تكون فيها في أشد لحظات فرحك -أو على الأقل لا تفكر في مشكلة عاطفية أو حزن ما- ثم تستمع صدفة إلى موسيقى حزينة؛ عندئذٍ تبدأ بالشعور بالحزن، ويتغيّر مزاجك وكأن العالم قد تهاوى من حولك. هنا يستوقفنا تساؤل عمّا يحدث داخلنا عند الاستماع إلى الموسيقى الحزينة، وهل هناك عوامل بيولوجية تفسّر انجذابنا للموسيقى الحزينة بشكلٍ أكبر؟ في الحقيقة نحن نستمع للموسيقى كمؤثر خارجي من خلال الاستجابة العاطفية للصوت والتي تحفّز إفراز الدوبامين فينا، ثم الاستجابة الفسيولوجية التي تحدث داخلنا، وينعكس تأثيرها علينا في ردود أفعال جسدية مختلفة. هناك دراسة ناقشت ما الذي يمكن أن تفعله التأثيرات الفسيولوجية التي تحدث لأدمغتنا وأجسادنا عند الاستماع إلى موسيقى ذات لحن حزين. بمعنى آخر؛ فهم ومعرفة ردود الأفعال والتغيرات الجسدية التي يمكن أن تطرأ علينا نتيجة لتغيرات فسيولوجية داخلية تحدث عندما نستمع لموسيقى حزينة. لتوضيح الصورة أكثر؛ دعونا نأخذ أشهر مثال على ردود الأفعال الجسدية التي تطرأ علينا نتيجة للتغيرات الفسيولوجية التي تحدث لنا؛ وهو أنك قد تعرضت لموقفٍ كنت على وشك الخضوع لامتحان ما، أو حضور اجتماع مهم، أو مقابلة عمل؛ عندئذٍ تبدأ بالتوتر، والتعرّق، وفي بعض الأحيان تبدأ بالشعور بالغثيان وآلام في المعدة. هذه الأنواع من ردود الأفعال الجسدية؛ ما هي إلا استجابة فسيولوجية للتحفيز العاطفي، وانعكاسًا للنشاطات التي تحدث في «النظام العصبي اللاإرادي – Autonomic Nervous System»؛ وهو الجزء الذي لا يمكننا التحكم فيه من نظامنا العصبي، وهو المسئول عن ردود الفعل السريعة مثل تحفيز الهرب وقت الخطر؛ عن طريق تحفيز إفراز الأدرينالين، أو الكورتيزول الذي يعمل بدوره على زيادة معدل ضربات القلب، والتنفس بشكلٍ أسرع وتكثيف إفراز العرق. وبما أن الاستجابات الفسيولوجية هي عنصر من عناصر الاستجابة العاطفية؛ فإنها ذات أهمية خاصة عندما نستمع إلى الموسيقى والتي تحرك فينا مشاعر حقيقية تصل إلى حد كبير لنفس استجابتنا للأصوات الأخرى التي تثير المشاعر حولنا. عند ذلك يتم برمجة أدمغتنا بيولوجيًا للاستجابة بشكلٍ سريع وغريزي لأصواتٍ معينة، ومن ثم يتم تحليل طبيعة الصوت، وتقييم الرسائل التي يحملها. فإذا كنا نختبر مشاعر الحزن أو الفرح عند الاستماع إلى هذا الصوت (الموسيقى)؛ فإن ردود أفعالنا الجسدية تتمثل في مشاعر حزن أو فرح. وفي بعض الأحيان نشعر بأننا قد مررنا بتجارب لكلا النوعين من المواقف (حزن، فرح) بشكلٍ حقيقي! تأثير الموسيقى الحزينة في حالة الموسيقى الحزينة؛ فإن الاستجابات الفسيولوجية للموسيقى ترسم صورة أكثر تعقيدًا قليلًا في قشرة الفص الجبهي؛ والتي قد تتصرف لتعديل هذه الاستجابات الفسيولوجية، واستجابة أقل في «اللوزة الدماغية – amygdala» التي تشارك في عملية إدراك وتقييم والعواطف، والاستجابات السلوكية، كما تعتبر نظام إنذار واستشعار للمتعة. فالأمر هنا ليس مجرد استماع فحسب؛ بل تعمل الموسيقى الحزينة على تنشيط الذاكرة التي تكون مليئة بالذكريات المحزنة، والتي تعمل على تحريض وتحفيز العاطفة التي تصدر ردود أفعال جسدية متمثلة في الشعور بالحزن العام. ويمكن أيضًا أن تشتمل الموسيقى الحزينة على حالة تعمل من خلالها على استحضار عاطفة خيالية، تعطي تأثيرها بالحزن بشكل حقيقي وواضح. أيضًا الحزن الذي ينشأ عن الاستماع لموسيقى حزينة؛ يراه البعض في كثير من الأحيان تجربة أو شعورا ممتعا بالرغم من أن فهمنا عن الحزن هو نوع من المشاعر السلبية! علاج للألم تعريف «العلاج بالموسيقى music Therapy» له أنواع مختلفة؛ لكن العنصر الرئيسي فيه هو التركيز على طبيعة العلاقة العلاجية بين الأطباء والمرضى. لنعد بالزمن قليلًا في تاريخ مهنة العلاج بالموسيقى؛ سنجد أن تاريخها بعيد جدًا حيث تم تطويره، وعمل دراسات وأبحاث فيه على مدى الـ 100 عام الماضية. أبرز الأطباء الذين عملوا بشكلٍ خاص في تطوير طب الموسيقى، أو العلاج بالموسيقى هو الطبيب البروفيسور الألماني «رالف سبينتج – Ralph Spintge» الذي يخبرنا وفقًا لأبحاثه؛ بأن التدخل الطبي بالموسيقى يعطي نتائج جيدة في علاج بعض المرضى الذين يخضعون لعمليات علاجية من أجل التقليل من شعورهم بالألم والقلق. فمن خلال ملاحظته للمرضى الذين يخضعون للعلاج الطبي في غرف العمليات في المستشفيات، والذين يعانون من مجموعة معقدة من الظروف النفسية السيئة مثل الألم، والقلق، والضيق؛ فإن الاستماع إلى الموسيقى يوفر لهم ظروف وفرص أكثر لتحسين هذه الأعراض، والتقليل منها. وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن قام الدكتور رالف ومجموعة علماء آخرين بعمل دراسات وأبحاثهم الخاصة على نحو 160 ألف شخص تم فيها استخدم أنواع مختلفة من المناهج لتطوير هذا النوع من العلاج من خلال قياسات نفسية وفسيولوجية، وملاحظة السلوك، ومستويات البلازما، وهرمونات الإجهاد، والاستجابات العصبية، وأمراض القلب الوعائية، واستهلاك الأدوية، وملاحظة مدة إقامة المريض في المستشفى. أبشع وجوه الموسيقى! فلنضع جميع ما ذكرناه جانبًا ونسأل سؤالًا؛ هل يمكن أن تُستخدم الموسيقى كوسيلة للتعذيب؟ ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية في أحد التقارير الذي نشرته في سبتمبر/ أيلول عام 2015 عن عمليات «التعذيب بالموسيقى – torture music»، والتي يتم استخدام الموسيقى فيها كوسيلة للتعذيب، وإرهاق السجناء بدنيًا، ودفعهم للاضطرابات العقلية من خلال حرمانهم من النوم، والاستماع لأنواع قاسية من الموسيقى في السجون العسكرية الأمريكية في مناطق مثل العراق وخليج غوانتانامو. فعلى سبيل المثال؛ يتم اختيار الموسيقى الصاخبة جدًا، والتي يتضح فيها كلمات معادية بشكلٍ مباشر لديانة أو ثقافة المتّهم. يجلس المتهم على ركبتيه مكبّل اليدين خلف ظهره، وتوضع سماعات الرأس على أذنيه لفترات طويلة مُصدرة بذلك أصخب وأبشع أصوات الموسيقى التي يمكن سماعها يومًا ما. تعمل الموسيقى العالية والصاخبة، والبشعة أيضًا على زعزعة استقرار نفسية المتهم، وشعوره الدائم بعدم التركيز والتشويش نتيجة الأصوات العالية، كما أنها تلحق أضرارًا بالأذن المسئولة عن توازنه وصحته العامة. يمكنك التحقق من ذلك النوع من السادية من خلال عملية بحث بسيطة على محرك البحث جوجل لمصطلح «torture music»؛ لتجد قائمة بأبشع أنواع الموسيقى التي قد تكون عُزفت في الجحيم، وأتت مباشرة إلى الأرض للمساهمة في تلك العملية! أخيرًا؛ لنعد إلى الجانب الإيجابي في الموسيقى؛ فهي نغمات وأنماط صوتية ألهمت الشعراء والكُتّاب والباحثين والبشرية عمومًا. وبمجرد سماع لحن هادئ ناتج عن اهتزاز وتر؛ سيسافر بك لعوالم أخرى موازية ربما لن تجدها يومًا على الأرض، ويلهمك سحره لكتابة قصائد وروايات ملحمية لم تعشها يومًا. أو يكفيك فقط أنك لن تستطيع سماع فيلمك المفضل، أو ممارسة الرياضة، أو حتى تأمل نجوم السماء في ليلة صافية دون الاستماع إلى الموسيقى. فعازف الموسيقى الرائع لا يعزف على أوتار آلاته فحسب؛ بل يعزف على أوتار قلبك، وعقلك، وعالمك كله! قد يعجبك أيضاً ما الذي يمكن أن أراه في سماء ليل مارس/ آذار 2021؟ نقل الكهرباء عبر الهواء، حلم تسلا الذي اقتربنا منه ساحل الذهب والموت: أين تذهب مخلفاتنا الإلكترونية؟ نسرين عقبة: نجري التجارب الآن و«كوفيد 19» لن يكون الأخير شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram مي السيد شرف الدين Follow Author المقالة السابقة مايكل فاراداي: كيف يصنع الشغف العلماء؟ المقالة التالية اختراق ملايين المستخدمين عبر برمجية خبيثة في CCleaner قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك فصل في البلاغة الطبية: خير العلاج ما قل ودل 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك روبوتات الدردشة التفاعلية: ما هي وكيف تعمل؟ ساسة بوت نموذجا 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك جمعية القلب الأمريكية ترفع الملايين فوق خط الضغط 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك التشفير الكمومي غير قابل للكسر، وكذلك الإبداع الإنساني 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل تؤثر عمليات الجراحة النفسية على شخصية المريض؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رسائل «كارل ساجان» للفضاء: يد ممدودة بالسلام، أم دعوة للغزو؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تبسيط العلوم: من «هوكينج» إلى «توايلايت» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك القاتل الفتاك: كيف ظهر السرطان في حياتنا؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف بدأ الكون: اللحظات الأولى للانفجار الأعظم 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك علم نفس السينما: هل الأفلام تؤثر على سلوكنا؟ 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.