«لا وجود لفرنسا في القرن الحادي والعشرين بدون أفريقيا»، الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران.

نشط الدور الاستعماري الفرنسي قديمًا في أفريقيا في العديد من الدول ، ففي الشمال الأفريقي كانت فرنسا تحكم لعقود كلًّا من (تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا) ، وكذلك في وسط أفريقيا بشقيه شرقًا وغربًا سيطرت على دول كالسنغال، غينيا ، مالي، النيجر، التشاد، وكوت ديفوار(ساحل العاج سابقًا)، الجابون، الكونغو، بنين، بوركينا فاسو، أفريقيا الوسطى، مدغشقر، جزر القمر، وجيبوتي وبعض الجزر المتفرقة في المحيط الهندي.

إضافة إلى ما وضعت يدها عليه من المستعمرات الألمانية في أفريقيا مثل (الكاميرون وتوجو)، واختلف الاستعمار الفرنسي عن غيره بسعيه لربط المستعمرات التابعة له بثقافته وربط سياسات الدول الداخلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية حتى سميت فرنسا “برجل أفريقيا المسلح أو القوي أو الحامي”، حيث اعتبرت

بعض


الدراسات

أن مكانة فرنسا الدولية ترجع لعوامل ثلاثة وهي تواجدها بأفريقيا، بجانب عضويتها الدائمة بمجلس الأمن، وقدرتها النووية. وتتعدد المصالح الفرنسية في أفريقيا على نحو يجعل من تدخلاتها استعمارًا منخفض الكلفة وعظيم النتائج.


أية مصالح فرنسية في أفريقيا؟

أعدّت وزارة الخارجية الفرنسية عام 1997 «مشروع أفريقيا»، وهو المشروع الذي يعتبر خارطة الطريق للسياسة الفرنسية، حيث يشتمل على بنود عامة تنظم التعامل مع أفريقيا وأهمها التواصل مع النخب السياسية الشابة وأعدادها في باريس لتصبح رابطًا بين فرنسا وبين مصالحها في أفريقيا، دعم برامج التنمية والصلاح الاقتصادي في الدول ذات البنية المعقولة، زيادة وجود الخبراء في القواعد العسكرية ومد خبراتهم للدول الأفريقية، وأخيرًا دعم التحول الديمقراطي في أفريقيا.

ويحكم سياسة فرنسا تجاه أفريقيا ودافعها لذلك يكمن في العديد من الجوانب، أهمها:


حجم

الجالية الفرنسية الكبيرة المقيمة في أفريقيا حيت تمثّل ما يقرب من

ربع


مليون

فرنسي، بالإضافة إلى حاجة فرنسا لدعم وتصويت الدول الأفريقية لها في الأمم المتحدة.

فرنسا هي


أكبر


مانح للمعونات الاقتصادية في أفريقيا وعلى الجانب الآخر هي صاحبة أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية بالقارة معتمدة على روابطها اللغوية والثقافية (الفرانكفونية)، وتعتبر فرنسا المستورد الأكبر للمواد الخام والمصدر الأكبر للسلع المصنعة في الدول الفرانكفونية بأفريقيا التي تكون حوالي 30 دولة، الأمر الذي وصل أن رفعت فرنسا أنفاقها على المساعدات الأفريقية في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية إلى

7%

من الناتج القومي دون ربطها بالديمقراطية.


ينشط

التدخل الفرنسي في المناطق التي تحمى مصالحها الاقتصادية كالنيجر، حيث تعتبر النيجر رابع أكبر مصدر لليورانيوم، حيث تولد فرنسا

75%

من طاقتها الكهربية من الطاقة النووية و تعتمد على وارداتها من اليورانيوم بنسبة 25% من النيجر، حيث تحتكر فرنسا إنتاج مناجم اليورانيوم النيجرية منذ أكثر من خمسة عقود، الذي يوجد بها منجم ايموراين أكبر منجم في أفريقيا والثاني على العالم. وفى أفريقيا الوسطى تدخلت في المناطق التي يوجد بها مناجم الماس لحمايتها وقت الحرب وكذلك تدخلها في ليبيا وعقود النفط والمكاسب التي حققتها بعد ذلك التدخل.


لماذا تصاعد اهتمام فرنسا بأفريقيا من جديد؟

تراجع الوجود الفرنسي بعد انتهاء الحرب الباردة ولكن مع تعاظم التدخل الأمريكي في القارة وتهديده للوجود الفرنسي الذي يعتبر تهديدًا للمكانة الأوروبية، فبدأت تعظم فرنسا من وجودها مرة أخرى وتحاول طمأنة الجانب الأمريكي من رجوعها بإعلانها أن لا تعارض بين مصالحها ومصالح الولايات المتحدة بأفريقيا، وأبرز أسباب ذلك الاهتمام ترجع إلى:-

إن حاجة الولايات المتحدة لتنويع مصادر حصولها على النفط بعد أحداث 11\9 لتزايد الاضطرابات في الشرق الأوسط، حيث أن للنفط الأفريقي مزاياه عن غيره فهو موجود في المياه بشكل أكبر فيبتعد عن الأحداث السياسية، أفضل في الجودة، أغلب الدول المصدرة له لا تنتمي للأوبك فتمتلك بذلك حرية في الإنتاج والقارة الأفريقية بطبيعتها غير مستهلكة للنفط بشكل كبير وقريب من الأسواق الأوروبية والأمريكية، وكذلك زيادة اهتمام الولايات المتحدة بأفريقيا بعد أحداث 11\9 لمواجهة مخاطر البؤر الإرهابية هناك.


http://gty.im/453249000

فأعلن أوباما رغبته في تعزيز نجاح أفريقيا حيث اقتصاديات العديد من الدول الأفريقية هي من الاقتصاديات الصاعدة والمتنامية، فأعلن عن تعهد بالتزام ضخ نحو ما يقرب من

33


مليار


دولار

في المجالات العامة والخاصة لخدمة التنمية في أفريقيا في أغسطس 2014 في قمة الأعمال التي كان بها 50 من القادة الأفارقة.

سبقها مبادرة مماثلة من فرنسا في ديسمبر 2013 عندما نشرت وزارتا الصناعة والتجارة وثيقة سميت بـ”شراكة من أجل المستقبل” التي تهدف كما صرح هولاند للسعي لمضاعفة التبادل التجاري مع أفريقيا في غضون 5 سنوات، بالإضافة لخلق 200 ألف وظيفة في فرنسا على إثر ذلك، ويرجّحون أن لهم الحظ الأكبر بسبب عدم تخليهم عن أفريقيا بعد الاستقلال كأي من الدول الأخرى.

كذلك الشركات الفرنسية المختصة في مجالي النفط والمعادن والبنى التحتية هي

الدافع


الأساسي

لتصاعد اهتمام فرنسا بأفريقيا في ضوء تصاعد المنافسة في المجال الاقتصادي للصين بعد الولايات المتحدة وبدرجة أقل للقوى الصاعدة كالهند والبرازيل، وخاصة استفادة تلك الشركات في مجالات الاتصالات والسكك الحديدية والشحن والموانئ بأفريقيا جنوب الصحراء، مما حثّ فرنسا على ضرورة تدعيم الجانب الدبلوماسي لإيجاد شراكات مع تلك الدول في تلك المجالات وتطوير تواجدها بأفريقيا حتى لا تخسر مثل ذلك السوق التقليدي لها.


http://gty.im/499915712

حيث أثرت القوى الصاعدة على الصادرات الفرنسية وخاصة من الصين بسبب انخفاض أسعار سلعها وكذلك بسبب المنح الصينية اليسيرة على عكس فرنسا؛ مما قوّض المكانة الفرنسية التقليدية فسعت للتواصل مع الصين للالتزام بالمعايير الغربية فيما يخص أفريقيا، وظهر ذلك في

الاجتماع


السنوي

ما بين الصين والمانحين الغربيين الكبار لأفريقيا لتنظيم الشراكات بالقارة وسير العمليات التجارية. ولكن يجب أن توسع فرنسا ذلك التواصل ليشمل دولًا مثل البرازيل وتركيا لتصاعد وتيرة استثماراتهم.


سياسة هولاند تجاه أفريقيا


http://gty.im/459706354

اختلف التدخل الفرنسي من ساركوزي لهولاند، حيث كانت سياسة ساركوزي ترتبط بالعلاقات الثنائية الرسمية والعلاقات مع النخب الأفريقية، ولكن هولاند بدأ تغييرًا مخالفًا لساركوزي حيث :-

  1. أعلن عن أهمية التدخل في مالي لمحاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة في أزواد؛ مبررًا ذلك بأن فرنسا دولة بها الكثير من المهاجرين المسلمين وأثر تنامي تلك الجماعات هو خطر يمس الأمن القومي الفرنسي، فأرسل العديد من المقاتلين لإنهاء احتلال الطوارق لشمال مالي واستعادة سيطرة الحكومة على مالي، فطوّر التدخل من تدخل محدود عن طريق النخب إلى تدخل مباشر في السياسة الداخلية.

2. توقيعه للعديد من الاتفاقيات التي تخص التدريب والمعاونة الفنية مع نيجريا والعديد من الدول المجاورة كتشاد التي يوجد بها قوات فرنسية دائمة لمواجهة إرهاب بوكو حرام، وكذلك دعمه الفني لباقي القوات الأفريقية المشتركة التي تسعى لمواجهة بوكو حرام، بالإضافة لكونه أول رئيس غربي يجتمع بالقادة الأفارقة المعنيين لمواجهة إرهاب بوكو حرام بعد اختطاف 214 تلميذة بإبريل 2014، وهذا يعتبر دليلًا على توجه السياسة الفرنسية لدور فعال بشكل أكبر في الشأن الأفريقي.

3. دوره في تدخل فرنسا بشكل مباشر في ليبيا وكوت ديفوار في 2011، وفي مالي وأفريقيا الوسطى 2013، و افتتاحه لقاعدة مداما العسكرية بالنيجر في 2015 وعلى بعد 100 كيلو من ليبيا، فأسس بذلك للتواجد الفرنسي في شمال أفريقيا بشكل رسمي، منذ تراجع تدخلها العسكري بعد مشاركتها في مذابح رواندا 1994، مما بشر لبداية تدخل فرنسي على مدىً أكبر في أفريقيا من الناحية العسكرية والسياسية والاقتصادية.


خلاصة القول،

فالتدخل الفرنسي في أفريقيا تنامى على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، معتمدة على روابطها المتجذرة في القارة من الناحية الثقافية والاجتماعية وتبعية العديد من الدول الأفريقية لها اقتصاديًّا، مما يعيد إلى الأذهان الوجود الاستعماري الفرنسي الذي جثم على تلك القارة عقودًا عدة، يرجع بشكل جديد ويرسخ لنفسه نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا متناميًا.