مع فقدان الاجتياح الروسي لأوكرانيا لقوة اندفاعه التي ظهرت في البداية، وتزايد عدد القتلى في صفوف القوات الغازية، وعدم وجود أفق واضح لنهاية هذه الحرب، بدأت موسكو في تجنيد مرتزقة للزج بهم في أرض المعارك نيابة عن جنودها.

وتوجهت أنظار موسكو إلى سوريا، وأطلقت حملة لتجميع مرتزقة مؤيدين لنظام الأسد تمهيدًا لنقلهم لاحقًا إلى أوكرانيا من أجل القتال في صفوف القوات الروسية، خاصة مع احتمال تحول القتال هناك إلى

حرب شوارع

داخل المدن، وتتطلب المشاركة في هذه المواجهات وجود خبرة قتالية قوية لدى المحاربين، وهو ما يشترطه الروس فيمن يتقدم للانضمام إلى هذه الحملة، وهذه الخبرة متوافرة بكثرة في سوريا.

وشهدت المدن السورية كاللاذقية وطرطوس ودمشق والسويداء ودرعا وبعض المناطق في ريف دمشق، عمليات تجميع لأسماء الراغبين في السفر إلى أوكرانيا، وبحسب جريدة

الشرق الأوسط

اللندنية، شملت القائمة المفترضة للمرتزقة حوالي 23 ألفًا ممن قاتلوا سابقا دفاعًا عن نظام الأسد ضمن ميليشيا تابعة لما يسمى بـ «جمعية البستان الخيرية» بقيادة رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد، قبل أن يتم حلها بعد خلاف رئيسها مع النظام، وقد واجهت تلك الميليشيا اتهامات

بسرقة الأعضاء البشرية

والاتجار بها والاستيلاء على مساعدات الأمم المتحدة.

كما شملت القائمة الروسية منتسبي قوات «الدفاع الوطني» التي أسسها الإيرانيون عام 2012 من متطوعين مدنيين، وعُرفت لدى العديد من السوريين باسم «الشبيحة»، وتم تهميشها مع التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، ويُعد الانضمام إلى الغزو الروسي لأوكرانيا صفقة جيدة في نظر الكثير من الشباب السوري لأنه يُعد

بديلًا عن التجنيد الإجباري

في جيش النظام، والذي يعد أحد أسباب هجرة الشباب للخارج.

يُذكر أن شركة فاغنر الروسية أرسلت مرتزقة سوريين في العامين الماضيين للقتال في ليبيا وفنزويلا، وحاولت موسكو تجنيد المعتقلين في سجني صيدنايا وعدرا مقابل إطلاق سراحهم ووقف ملاحقتهم أمنيًّا.

من جانب آخر اتهمت وسائل الإعلام الروسية الولايات المتحدة ببدء تجميع مسلحين أكراد من قوات سوريا الديموقراطية (قسد) الموالية للجيش الأمريكي لإرسالها لأوكرانيا لقتال الروس، وهو ما نفته قسد بشدة.

كما اتهم الروس واشنطن بشحن عناصر من تنظيم داعش الإرهابي بالتعاون مع قوات مغاوير الثورة السورية التي تتمركز على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق، للقتال مع الجيش الأوكراني، وأن هؤلاء المقاتلين من جنسيات عديدة معظمهم روس وشيشانيون وكازاخ.

ونشرت وكالة «سبوتنيك» الروسية تقريرًا عن تورط تركيا في تجنيد مسلحي الفصائل السورية لإرسالهم لدعم كييف، وأن

الجماعات الموالية للجيش التركي شمال سوريا

التي تعرف بـ «الفصائل التركمانية» مثل فيلق الشام والحمزات، والعمشات، وأحرار الشرقية، فتحت مكاتب خاصة لهذا الغرض يشرف عليها قياديون فيها، في مدن عفرين وإعزاز وجرابلس بريف حلب، وتل أبيض بريف الرقة، ورأس العين بريف الحسكة، وعرضت لقاء ذلك مرتبات شهرية تصل إلى خمسة آلاف يورو مقدمة من دول حلف الناتو.

لكن وسائل الإعلام المحلية في شمال سوريا كشفت عن

لقاءات

جمعت بين الاستخبارات التركية وقادة الفصائل، كشف فيها الأتراك عدم دعمهم لإرسال مقاتلين إلى أوكرانيا، إلَّا أنه تم رصد عمليات التسجيل للذهاب إلى أوكرانيا عبر

مبادرات فردية

، عبر التواصل مع إحدى سفارات أوكرانيا مباشرة، أو من بعض الفصائل التي

ترغب في قتال الروس

، لكن بعض المصادر المحلية أوضحت رغبة البعض في اللجوء إلى أوروبا عن طريق الدخول إلى بولندا من الحدود الأوكرانية.

وكانت منظمة «سوريون من أجل الحقيقة والعدالة» أجرت دراسة عن الاستغلال الاقتصادي للسوريين عبر تجنيدهم كمرتزقة في الخارج كشفت عن تعرضهم للحرمان من الأجور، وحرمان عائلات البعض من تعويضات وعدوا بها في حال إصابتهم أو مقتلهم.

وقد اتُّهمت كل من تركيا وروسيا بإرسال

آلاف المقاتلين

السوريين للقتال كمرتزقة لصالح أطراف تدعمها في ليبيا وأذربيجان.

ومؤخرًا أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن مبادرة لإنشاء «فيلق دولي» للمتطوعين من الخارج، وتم إعفاء هؤلاء المقاتلين المفترضين من إجراءات التأشيرة وفتح الحدود أمامهم، وأظهرت مقاطع فيديو عمليات توزيع الأسلحة اليدوية على سكان المدن، وقالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني حنا ماليار: «تلقينا فعلًا آلاف الطلبات من أجانب يريدون الانضمام إلى صفوف المقاومة ضد المحتلين الروس، وحماية الأمن الدولي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين».

مختبر
الأسلحة الروسية

تحولت سوريا خلال السنوات الماضية إلى مختبر مفتوح لقوات الاحتلال الروسي التي عاملت أهلها كفئران تجارب، فوفقًا لوزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، تم

اختبار 162 نوعًا جديدًا

من الأسلحة المتطورة استخدمت للمرة الأولى على الأراضي السورية، وثمَّن الرئيس الروسي

تجربة هذه الأسلحة الجديدة

والخبرات الكبيرة الناجمة عن ذلك، ولفت إلى أن مشاركة طائرات سلاح الجو الروسي في سوريا

كشفت عن أوجه قصور

فنية كان من المستحيل التعرف عليها في ميادين التدريب العادية، مما ساهم في تطوير قدراتها.

وشارك الطيارون الروس ممن اكتسبوا الخبرة في سوريا في قصف أوكرانيا، وفي حادثة ذات دلالة أسقطت القوات الأوكرانية مقاتلة روسية بالقرب من مدينة تشيرنيهيف السبت الماضي، ونشر الأمن الأوكراني، تسجيلًا  مصورًا يظهر الطيار الذي أسقطت طائرته ويدعى كراسنويارتسيف، وقد

سبق أن ظهر في صورة

مع الرئيسين الروسي والسوري، في قاعدة حميميم بطرطوس عام 2019، وتم تكريمه بعد مشاركته في قصف المدن السورية.

وتسخدم موسكو نظام الأسد لخدمة أغراضها السياسية الخارجية بعد سيطرتها على مفاصل الحكم في سوريا؛ فدمشق هي العاصمة العربية الوحيدة التي تعترف بما يسمى بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وهما مقاطعتان أوكرانيتان احتلتهما موسكو عام 2014، واستقبل نظام الأسد وفدًا من جمهورية دونيتسك في  كانون الأول/ديسمبر الماضي، واستقبل قبل ذلك

رئيس وزراء جزيرة القرم

وهي منطقة أخرى في أوكرانيا احتلتها روسيا، لا تلقى أي اعتراف دولي، وكذلك رئيسا أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما إقليمان من جورجيا تسيطر عليهما موسكو من 2008.

ويردد مسئولو النظام السوري الدعاية الروسية فيما يتعلق بأوكرانيا على اعتبار أن «العدو واحد»، وأن ما يحصل هو «تصحيح للتاريخ»، كما جاء على لسان بشار الأسد، ونفس الكلام رددته زوجته في حديث نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا)، أما مستشارة رئاسة الجمهورية السورية، لونا الشبل، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك بتصريحاتها لوكالة «سبوتنيك» الروسية؛ إذ

تعهدت بدعم موسكو

في مواجهة العقوبات الغربية! وحذرت من ذهاب متشددين شرق أوسطيين إلى أوكرانيا.