محتوى مترجم
المصدر

فورين بوليسي
التاريخ
2016/03/03
الكاتب
نور سماحة

شبعا، لبنان – تقوم تلك البلدة اللبنانية الصغيرة فوق وادٍ شديد الانحدار، تحيطه سوريا من جانب، وإسرائيل من الجانب الآخر. وتقبع البلدة تحت العين الساهرة لقاعدة تابعة للجيش الإسرائيلي فوق قمة جبل قريب، بينما يراقبها من الجانب الآخر مركز مراقبة تحرسه قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. كما يشغل الجيش اللبناني مجموعة من المواقع داخل البلدة وضواحيها، ويمكن رؤية قمم الجبال التي يغطيها الجليد المشكِلة لمرتفعات الجولان السورية، التي تحتلها إسرائيل، بوضوح من وسط البلدة.هناك تتقاطع النزاعات العديدة الخاصة بالمنطقة. وهناك أيضًا تضخم تلك النزاعات بعضها بعضًا. وعلى بعد أميال قليلة إلى الشرق، على الجانب السوري من الحدود، تسيطر على الأراضي مجموعة من قوى المعارضة – ومنهم جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، تنظيمات تابعة للجيش السوري الحر، والميليشيات المتوافقة مع تنظيم الدولة الإسلامية داعش. وداخل البلدة، يراقب إسرائيل وحزب الله كلٌ منهما الآخر بحذر.يعتمد حزب الله على ذلك الوضع ليكون نقطة مضيئة في صراعاته المستقبلية مع إسرائيل. فضمن قتاله إلى جانب الحكومة السورية، لم يفقد التنظيم أكثر من 1000 من مقاتليه فقط، بل اكتسب أيضًا مستوى من الخبرة التكتيكية والتسليح، جعلاه قوة أكثر تهديدًا بكثير لأعدائه في مواقع أخرى بالمنطقة. ويقول المقربون من التنظيم إنه، ولأول مرة، أصبح لديه القدرة على جلب الحرب مع إسرائيل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية.«في الحرب القادمة، لن يبقى حزب الله على الحدود، ولن تكون المستوطنات الإسرائيلية في الشمال محمية من ذلك»، وفق مصدر مقرب للحركة في جنوب لبنان. وتابع: «سيجلب حزب الله الحرب إليهم، ويتمثل أكبر مصدر للقلق بالنسبة لإسرائيل في خبرة حزب الله بسوريا، بما أنه الآن لديه خبراتٌ هجومية، وليس دفاعية فقط».


بين الصواريخ الموجهة والدولة الإسلامية

حدثت الضربات الانتقامية الأخيرة من جانب حزب الله ضد إسرائيل قرب شبعا، ما يبرز تلك المنطقة بوصفها نقطة ضعف بأمن إسرائيل.خلال الشهر الأخير، وسط ضباب كثيف، عبر عدة مقاتلين من حزب الله السياج الحدودي الذي يفصل البلدة عن مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل. وبعيد اجتيازهم للعديد من الرادارات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، زرعوا عبوة ناسفة على بعد أقدام قليلة من قاعدة عسكرية كبيرة في المنطقة. وبعد يومين، تم تفجير العبوة، والتي دمرت جرافة مصفحة من طراز «دي 9»، وعربة «هامفي» عسكرية، أثناء مرور موكب عسكري إسرائيلي من هناك.رغم أن الهجوم قد مر دون لفت الكثير من الانتباه –حيث لم ينتج عنه أي إصابات– إلا أنه قد سلط الضوء على قدرة التنظيم اللبناني المسلح على اختراق الأراضي التي تحتلها إسرائيل.كذلك كانت هجمات حزب الله الأخرى في المنطقة أكثر فتكًا. فبعد الغارة الإسرائيلية على عدة أعضاء بارزين بحزب الله في محافظة القنيطرة السورية في يناير 2015، انتقم حزب الله عبر إطلاق عدة صواريخ على دورية إسرائيلية في شبعا المحتلة، ما أودى بحياة جنديين.على الجانب الإسرائيلي، أكد مسؤولون كبار على أن حزب الله مستمر في كونه أحد أكبر التهديدات الأمنية للبلاد، وأثاروا احتمالية شن هجوم واسع النطاق على التنظيم. «تشن إيران حربًا ضد إسرائيل عبر وكلائها مثل حزب الله في لبنان، الذي يمثل اليوم التهديد الأخطر على إسرائيل»، وفق قائد الجيش الإسرائيلي، جادي أيزنكوت، مؤسس «عقيدة الضاحية»، التي يشير اسمها إلى ضاحية بيروت الجنوبية، وتدعو تلك العقيدة إلى الاستخدام غير المتكافئ للقوة لتحقيق الأهداف العسكرية.كما تمادى وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، إلى حد أكبر. حيث قال، «في سوريا، إن كان الخيار بين مواجهة إيران ومواجهة الدولة الإسلامية، فسأختار الدولة الإسلامية»، في مؤتمر بمعهد دراسات الأمن القومي الشهر الماضي. وتابع: «تحدد إيران مستقبل سوريا، وإن أدى ذلك إلى استمرارية سوريا، ستمثل الهيمنة الإيرانية هناك تحديًا كبيرًا لإسرائيل».بينما أطلق حزب الله كثيرًا صواريخ غير موجهة إلى داخل إسرائيل خلال حرب 2006، حصلت الحركة وفق تقارير على تحديثات كبيرة لأسلحتها. ووفق محللين ومصادر مقربة للتنظيم، تمتلك الحركة صواريخ باليستية تكتيكية، صواريخ سكود، صواريخ «فاتح 110» الإيرانية، وصواريخ «إم 600»، والنسخة السورية المعدلة من«فاتح 110».«أصبح لدى حزب الله الآن القدرة على ضرب القذائف الموجهة إلى أنحاء إسرائيل؛ يمكنهم إصابة أهداف داخل إسرائيل – بما في ذلك المنطقتين المركزية والجنوبية – بدقة محسنة، بما في ذلك مراكز القيادة، المطارات، والأهداف الاقتصادية الكبيرة»، وفق جيفري وايت، محلل شؤون الدفاع بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.أضاف وايت أنه يبدو أن حزب الله قد امتلك أنظمة دفاع جوي متقدمة وصواريخ كروز بحرية من طراز «ياخونت»، التي يمكنها بشكل محتمل أن تهدد القوات الجوية الإسرائيلية وأن تستهدف المنصات النفطية الإسرائيلية في البحر المتوسط.«تلك التطويرات غير مسبوقة»، وفق قوله. «95 بالمئة من الأنشطة البحرية في حرب عام 2006 كانت من الجانب الإسرائيلي فقط، لذلك فإنه في الحرب القادمة قد تبدو العمليات البحرية مختلفة تمامًا».العدد الهائل من الغارات الإسرائيلية في سوريا منذ عام 2013، التي استهدفت وفق بعض المزاعم مستودعات الأسلحة التابعة لحزب الله، تشير إلى عمق المخاوف الإسرائيلية تجاه امتلاك التنظيم لأسلحة متقدمة. وقد حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشكل متكرر من أن نقل الأسلحة إلى حزب الله يمثل «خطًا أحمر».«إن أراد أحدهم استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة نووية إلى حزب الله، فسنتخذ موقفًا جادًا»، حسبما علق في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» العام الماضي. وتابع: «ونحن مستمرون في فعل ذلك».خلال الشهر الماضي، نفذت القيادة الشمالية الإسرائيلية –كذلك وحداتها البحرية وقواتها الجوية– تدريبات قوية لمدة أسبوعين استعدادًا لاحتمالية نشوب حرب على عدة جبهات على الحدود الشمالية. وسابقًا من هذا الشهر، نفذت القوات الجوية الإسرائيلية غارات وهمية على مواقع عسكرية لحزب الله ومعسكرات تدريب في بلدة بعلبك بالشرق اللبناني، والتي تتكهن مصادر تابعة لحزب الله بأنها قد نُفذت لاختبار مستوى استجابة حزب الله.وعلق مصدر: «يريد الإسرائيليون أن يعرفوا نوع أنظمة الدفاع الجوي التي ربما يمتلكها حزب الله».كذلك

عدّل

الجيش الإسرائيلي تقييمه العملياتي ليعكس احتمالية أن حزب الله يمتلك أنظمة صاروخية أرض جو، وأن لديه القدرة على استهداف المقاتلات الإسرائيلية.ولكن المصادر داخل الحركة كانت ممانعة للرد عند سؤالها بشأن الأسلحة الجديدة التي قد يستخدمها حزب الله في الحرب المستقبلية. «في كل حرب هناك مفاجئات جديدة بالنسبة للأسلحة، ولا نكشف أبدًا عما لدينا حتى يحين الوقت المناسب»، حسبما أضاف مصدر آخر مبتسمًا.


كيف غيرت سوريا حزب الله

يشكك بعض المحللين في مزاعم أن الحرب السورية قد قوضت حزب الله، حيث تقول المزاعم أنها قد منعته من الاستعداد بشكل كافٍ للصراع المستقبلي مع إسرائيل. ولكن المقربين من الحزب يقولون إن ما حدث هو العكس تمامًا – فقد زود القتال إلى جانب الجيش العربي السوري حزب الله بكوادر مقاتلة مخضرمة وجيدة التسليح.«يحصل مقاتلونا على التدريب والخبرات عبر العمل الذي يجرونه في سوريا، ويمثل ذلك مصدر قلق كبير بالنسبة للإسرائيليين»، وفق مصدر داخل التنظيم، «ولن يشتتنا عملنا هناك عن الجبهة الجنوبية ضد إسرائيل».في خطاب بتاريخ 17 فبراير، ركز قائد الحركة، حسن نصر الله، بشكل كبير على إسرائيل، محذرًا من العواقب الوخيمة إن خططت إسرائيل لشن حرب ضد التنظيم. وضمن تلميحاته إلى قدرات التنظيم، ذكر المحطة الكيميائية في مدينة حيفا الشمالية كنموذج للأهداف المحتملة. كما اقتبس عن خبير إسرائيلي، لم يذكر اسمه، أنه في حال أصاب صاروخ صهاريج الأمونيا هناك، التي تحتوي على أكثر من 15,000 طن من الغاز الطبيعي، ستودي بأرواح مئات الآلاف، وستؤثر على 800,000 شخص.وأضاف محذرًا: «يعادل تأثير ذلك ما قد تحدثه القنبلة النووية، ويمكننا القول إن لبنان اليوم لديها قنبلة نووية، في ضوء أن أي صاروخ يصيب تلك الصهاريج سيكون قادرًا على إحداث تأثير مشابه للقنبلة النووية».ولكن تغييرات حزب الله في العقد الماضي تتجاوز تسليحه الأكثر حداثة. فقبل مشاركته في الحرب السورية، تضمنت خبراته الرئيسية في السنوات الأخيرة إرسال فرق صغيرة، تضم ما بين 5 إلى 15 مقاتلًا، للتسلل إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل. تتطلب تلك العمليات عددًا محدودًا من المقاتلين المدربين ويمكن إتمامها –منذ مغادرة القاعدة حتى العودة– في غضون ساعات قليلة. وعلى النقيض من ذلك، في سوريا، وجد قادة حزب الله أنفسهم مسؤولين عن قيادة مئات المقاتلين في معركة واحدة.ألزم ذلك قادة حزب الله بتطوير هيكل متقدم للقيادة والتحكم، بما في ذلك شبكات اتصالات متقدمة، استخدام الطائرات دون طيار للاستطلاع، والقدرة على الحفاظ على خطوط إمداد طويلة – وجميعها تكتيكات يعتقد أعضائها أنها ستلعب دورًا محوريًا في الحرب التالية مع إسرائيل.«يظن الإسرائيليون أننا نمتلك القدرة على اجتياح قراهم الشمالية، بل وعلى السيطرة على تلك المناطق أيضًا»، وفق ذات المصدر داخل حزب الله الذي تحدث عن الخبرات التي اكتسبها التنظيم في سوريا.


هل تلوح الحرب في الأفق؟

ولكن وفقًا لكلا المحللين وهؤلاء المنتمين إلى دوائر حزب الله، لا تسعى الحركة إلى خوض حرب ضد إسرائيل في المستقبل القريب. ولا يتعلق ذلك فقط بمشاركتها في سوريا، بل أيضًا لأن المناخ السياسي في لبنان ليس مهيئًا مثلما كان في عام 2006.بشكل عام، أصبح لبنان مستقطبًا بشكل أكبر على الصعيد السياسي، ما أدى بحزب الله أيضًا إلى تبني موقفٍ دفاعي. يعارض العديد من اللبنانيين أجندة الحزب –في سوريا وفي لبنان– ولم يعد في الإمكان الاعتماد عليه للترحيب بمن يهربون من الجنوب اللبناني في حال بادر حزب الله بإعلان الحرب. علاوة على ذلك، لم تعد سوريا متاحة كخيار للنازحين اللبنانيين، مثلما كانت في عام 2006. وفي حال نشوب حرب أخرى مع إسرائيل، قد يُترك مئات آلاف اللبنانيين بعد أن تقطعت بهم السبل تحت حمام الصواريخ والطائرات المقاتلة.إلا أنه رغم تلك الموانع التي تستقر على طريق الحرب، لا تزال شبعا تثير شعورًا بالخطورة. التوترات داخل شبعا نفسها تعد صورة مصغرة عن مثيلاتها في البلدات بأنحاء الجنوب اللبناني؛ حيث تأوي البلدة أغلبية سنية ولكنها محاصرة بالبلدات والقرى الدرزية وبها كنيسة صغيرة تلبي احتياجات أقليتها المسيحية. أما على الصعيد السياسي فإن القوة الأبرز في البلدة هي الحركة الإسلامية «الجماعة الإسلامية»، التي صعدت إلى الساحة خلال الأزمة السورية بسبب تدفق الأموال والمنح من الخليج من أجل خدمة اللاجئين السوريين. وينتمي العضو البرلماني الممثل عن المنطقة إلى حزب البعث، وقد احتفظ بمقعده طوال السنوات الـ15 الماضية. علاوة على ذلك، يظل هناك تمثيل قوي لأعضاء «لواء المقاومة»، التابع غير الشيعي لحزب الله في لبنان بالبلدة.كذلك تأثرت شبعا كثيرًا بفعل تدفق السوريين الهاربين من الحرب – فحوالي 4000 من سكانها الـ7000 من اللاجئين، قادمين في أغلبهم من بيت جن، وهي بلدة سورية تقع فوق الجبل مباشرة من شبعا. وبينما لا تشتد التوترات هناك بين السكان المحليين واللاجئيين حاليًا، وطالما استمرت الحرب المجاورة، كلما أصبحت العلاقات على المحك بشكل أكبر.يقول أحد السكان: «يعد السوريون عمالة أرخص كثيرًا من العمالة اللبنانية، وهو ما سيمثل مشكلة قريبًا».


ميدان المعركة المزدحم

تزداد كل يوم صعوبة التكهن بما يحمله المستقبل. فالصراع العابر للحدود في سوريا يزداد تعقيدًا، بينما تقاتل التنظيمات المسلحة مثل جبهة النصرة والدولة الإسلامية مع الجيش السوري وحزب الله، المدعومين من قبل إيران وروسيا. ويخشى البعض أن حربًا أخرى بين إسرائيل وحزب قد تؤدي إلى حريق يلتهم كامل المنطقة.«إنه صراع ممزق على نحو غير معتاد، حيث يوجد به المزيد من الأسلحة، المزيد من اللاعبين غير العقلانيين، والمزيد من اللاعبين بشكل عام»، وفق نيكولاس نوي، المحلل السياسي المقيم في بيروت، «تعد فكرة وجود جميع هؤلاء اللاعبين في وضعٍ نشطٍ عسكريًا على حافة واحدٍ من أخطر خطوط التماس في العالم سيئة للغاية».إلا أن آخرين يعتبرون وجود ممثلين عن بعض الدول، مثل روسيا وإيران، رادعًا أمام قيام حرب على جبهة الجولان.«حقيقة أن هناك الكثير من اللاعبين ضمن ذلك المزيج تخلق عاملًا رادعًا أكثر منه محفزًا»، وفق راندا سليم، الخبيرة بمعهد الشرق الأوسط، وتابعت: «لا تريد روسيا ولا إيران حربًا في الجنوب مع إسرائيل حاليًا».ووفق سليم، ستتطلع إسرائيل إلى خوض حرب «نظيفة» مع حزب الله، خصوصًا في لبنان، بدلًا من تعقيدها عبر مشاركة أوسع من قبل جبهة سورية لبنانية.«ليوم، سيكون أمامنا حرب متعددة الجوانب والأطراف، والتي يمكن أن تصبح معقدة وفوضوية للغاية، مع احتمالية حدوث إعادة صوغ للتحالفات»، حسبما أضافت، «تريد إسرائيل أن تبقي الحرب نظيفة، بين حزب الله وإسرائيل، وبالتالي ستبقي عليها داخل لبنان».أوضح مسؤولون وأعضاء بحزب الله أنهم يفضلون هدوء المنطقة الحدودية، ولكن في حال ضغطت إسرائيل على التنظيم ليدخل مواجهة جديدة، «لن تتقيد المقاومة بالأراضي اللبنانية؛ وستبلغ الجليل»، وفق أحد المصادر. وتابع: «لن تشبه تلك المواجهة حرب 2006 مطلقًا».



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.