في يونيو (حزيران) من عام 1996، ظهرت تقارير عن اجتماع استضافته إيران لعدد من القادة البارزين لمنظمات مسلحة، تزامنا مع انعقاد القمة العربية في القاهرة وقتها. وضم الاجتماع الذي نظمه الحرس الثوري وقتها، رمضان عبد الله شلح من «الجهاد» الفلسطيني، وأشرف سالم من «الجهاد» المصري، وعماد مغنية من حزب الله اللبناني، ومبعوثا من بن لادن هو محمد علي أحمد، وأحد مساعدي الزعيم الأفغاني قلب الدين حكمتيار.


[1]

وفي وقت لاحق وخلال مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 1996من عام،

أفادت تقارير

عن زيارة بن لادن طهران سراً لإجراء مباحثات مع المسئولين الإيرانيين تركزت معظمها على دمج تنظيم الجهاد المصري مع تنظيم القاعدة.



حرصت إيران على أن تضفي على هذه العلاقة نوعا من السرية حتى لا تسيئ إلى سمعتها بين الشيعة، ولا تستفز الغرب بشكل سافر

وفي تلك الآونة قامت السلطات الإيرانية بتسهيل سفر أعضاء القاعدة عبر إيران في طريقهم من وإلى أفغانستان، و

أبلغت

مفتشي الحدود الإيرانية السماح لهم بالمرور عبر إيران وعدم ختم جوازات سفرهم.

حيث حرصت إيران كما يذكر دانيال بايمان (أستاذ برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون) ، في دراسة بعنوان «تحالف مستبعد: علاقة إيران السرية بتنظيم القاعدة»، أن تضفي على هذه العلاقة نوعا من السرية حتى لا تسيئ إلى سمعتها بين الشيعة، ولا تستفز الغرب بشكل سافر.

يذكر الصحافي الباكستاني حامد مير الذي عقد لقاء صحفياً مع أسامة بن لادن في مارس (آذار) عام 1997 في هذا السياق: أنه فوجئ أثناء المحاورة عندما تحدث الأخير أثناء اللقاء عن تحالف يجمعه مع إيران يقوم على موقف مشترك معاد للولايات المتحدة.

وقد

أشار

مير أيضاً في إطار متصل إلى أن أحد أعضاء تنظيم القاعدة في باكستان قد أخبره كذلك برغبة التنظيم في تكوين تحالف على أساس واسع ضد الولايات المتحدة، ولهذا السبب يتواصل التنظيم على الإيرانيين منذ أعوام عديدة.

في عام 1997، كانت هناك إشارات واضحة في وثائق رسمية للخارجية الأميركية إلى حقيقة الصلات التي تربط بين أسامة بن لادن وإيران. وقد تم رفع السرية عن عدد من تلك الوثائق ووضعت في الأرشيف الوطني الرسمي للولايات المتحدة، حيث يمكن للجمهور الاطلاع عليها.

وقد أوردت برقية لوزارة الخارجية تحمل عنوان secstate WDC 231842. بتاريخ 8 ديسمبر (كانون الأول) عام 1997، تقريرا عن اجتماع عقده مساعد وزير الخارجية كارل إندرفورث مع ثلاثة من عناصر طالبان، وهو اجتماع سعى إلى عقده زعيم طالبان الملا عمر.

في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة تحث أفغانستان على طرد أسامة بن لادن، وقام ذلك الوفد بطمأنة إندرفورث على أن طالبان سوف تفي بتعهدها ولن تسمح لـ«القاعدة» باستخدام أفغانستان كقاعدة لـ«الإرهاب». وكما ظهر في النسخة الأصلية من البرقية،

أضاف

ممثل طالبان: «إذا تم طرد بن لادن، فسوف يذهب إلى إيران ويسبب مزيدا من المشاكل»، وبطبيعة الحال يحمل حديث مسئول طالبان هنا دلالات واضحة لا تخفى.



قرر تنظيم الجهاد المصري الاندماج بشكل كامل مع القاعدة ليشكلا تنظيماً موحداً في فبراير/ شباط 1998، هو «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين»

وقد جري في سبتمبر/أيلول من العام نفسه تحول مهم وكبير في اتجاهات الحركة الجهادية في العالم العربي، بعد الاجتماع الذي

عقده وزير الاستخبارات الإيراني

علي فلاحيان وحضره ممثلون عن وزارتي الداخلية والخارجية الإيرانيتين ووزارة الإرشاد الإسلامي وبعض قادة التنظيمات الإسلامية في العالم العربي ومنهم على سبيل المثال عماد مغنية، وعبد الهادي حمادي من حزب الله،وأيمن الظواهري، ومصطفى حمزة من تنظيم الجهاد المصري، فضلاً عن آخرين، حيث بحث المجتمعون مسألة نبذ العنف في البلدان الإسلامية، وتوحيد الجهود من جهة أخرى ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن يتم وضع خطط عمل طويلة الأمد في ذلك الإطار .

وإثر ذلك وبعد بضعة أشهر من الاجتماع المهم المشار إليه آنفاً قرر تنظيم الجهاد المصري الاندماج بشكل كامل مع القاعدة ليشكلا تنظيماً موحداً في فبراير/ شباط 1998، هو «الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين»، ومن تلك اللحظة بدأت مرحلة جديدة ومهمة من التعاون بين إيران والجهاديين العرب، سيكون لها العديد من التداعيات الإقليمية والدولية غير المسبوقة.

إلا أن ماجري لاحقاً رغم حيويته وأهميته الكبيرة في صياغة حاضر ومستقبل المنطقة الذي يعاد تشكيل ملامحها المذهبية والديموجرافية اليوم كما جري على أرض العراق وسوريا، يتجاوز حدود مساحة المجال المتاح لنا هنا، ولعله يحتاج منا إلى مجال ومساحة أخرى لتناوله تفصيلاً.


المراجع



  1. إيران و«القاعدة».. زواج متعة, جريدة الشرق الأوسط,لندن, العدد رقم 11875 الصادر بتاريخ الجمعـة 01 رجـب 1432 هـ الموافق 3 يونيو 2011 م