انتشر داخل ولايات الدولة العباسية آراء سياسية شتى، وظهرت نزعات شعبوية ومذاهب دينية، لذا لجأ الخلفاء إلى تتبع أحوال الرعية، بل وخاصتهم وأبنائهم، عن طريق التجسس، لرصد المخاطر التي تحوم حول سلطانهم، ودفع أي أذى يحيق بهم.

يذكر صلاح الدين المنجد في كتابه «بين الخلفاء والخلعاء في العصر العباسي»، أن الخلفاء العباسيين شغفوا بالتجسس ومالوا إليه، خصوصًا في بغداد التي ظهر فيها ميول شعبوية وعلوية وهاشمية، وكذلك اتجاهات فكرية، وكل هذا دفع الخلفاء إلى التجسس وجمع الأخبار ليحفظوا ملكهم ويكونوا على بينة مما يجري.

جواسيس رسميون

وكان التجسس يُجرى على طريقتين، ظاهرة وخفية. يشرح «المنجد»، أن التجسس علانية كان يقوم به أصحاب الأخبار والبريد، وهؤلاء كانوا بمثابة «جواسيس رسميين»، وكانوا منتشرين في كل مكان، وتركزت مهمتهم في أن يعرفوا حال الولاة، وعمال الخراج، والضياع، وأن يتتبعوا ذلك تتبعًا شافيًا، وأن يعرفوا حال العمارة في البلاد، وما يجري في أمور الرعية فيما يعاملون به من الإنصاف والجودة والرفق والعسف، وكذلك ما عليه الحكام في حكمهم وسيرهم وسائر مذاهبهم وطرائقهم، وحال دار الضرب المسؤولة عن سك العملات وما يُضرب فيها من العين والورق، وما يلزمه الموردون من الكلف والمؤن، فيكتبون بكل ذلك شرحًا وافيًا ويسلمونه إلى صاحب ديوان الإنشاء، ليحمله بدوره إلى حيث يطلع عليه الخليفة ويأمر بما يرى.

وبحسب «المنجد»، أولى الخليفة أبو جعفر المنصور (95 – 158هـ) أهمية خاصة بصاحب البريد، وذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، فكان يرى أنه من أركان الدولة. ويُروى أنه قال ذات يوم لأصحابه: «ما أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون أعف منهم، وهم أركان الدولة، ولا يصلح الملك إلا بهم، أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية»، ثم عض المنصور على إصبعه السبابة ثلاث مرات وهو يقول في كل مرة: آه، آه! قيل ما هو يا أمير المؤمنين؟، قال: «صاحب بريد يكتب خبر هؤلاء على الصحة».

أما الجواسيس الذين لا يُظهرون أنفسهم ولا يعرفهم أحد فكانوا أنواعًا عدة، وتفنن الخلفاء في استخدامهم، وكان فيهم الطفل والمرأة والمحتاج وابن السبيل.

ويُروى أن الخليفة المنصور كان يشتري رقيقًا، ثم يعطي الرجل منهم البعير فيهيمون في الشوارع والمناطق المختلفة، فيتجسسون ويعرفون أخبار العامة وينقلونها له، كما كان يستعمل البقالين في نقل ما يدور إليه.

تخفي الرشيد

وكان هارون الرشيد (149- 193هـ) من أشد الملوك بحثًا عن أسرار رعيته وأكثرهم بها عناية، وكان يتسقط أخبار أخيه الخليفة الهادي قبل أن يصبح هو (أي الرشيد) خليفة، وذلك من خلال مسرور الخادم الذي كان في خدمة الخليفة المهدي والدهما، فقربه الرشيد وأحسن إليه. فلما انتقل أمر الخلافة إلى الهادي قال له الرشيد: «أخي قوي الشراسة، وأنا أخاف إيقاعه بي وجمع الناس على بيعة ابنه بعده، وأنا على غاية الثقة بك، فاعدل إليه، وكن له عينًا عليه». فتقدم مسرور عند الهادي حتى تولى أمره، فكان ينهي إلى الرشيد كل كلمة من كلماته وفعل.

أما في ما يتعلق بالرعية، فكان الرشيد يخفي شخصيته ويطوف مع وزيره جعفر بن يحيى البرمكي في الأسواق وبين الأحياء، ليتسقط الأخبار ويعرف ما يدور بين الناس من الأحاديث ويستطلع ما لا يصل إليه خبره، ذكر «المنجد».

المأمون والعجائز

وعلى هذا النحو كان الخليفة عبدالله المأمون (170- 218هـ) أيضًا. ذكر أبو فرج الأصبهاني في كتابه « الأغاني»، أنه لما تولى الخلافة وأتى بغداد، كان يتجسس على إبراهيم بن المهدي خوفًا من انقلابه عليه وسلبه العرش، فألزمه رجلًا ينقل إليه كل ما يسمعه من لفظة جدًا أو هزلًا.

وذكر علاء الدين البسنوي صاحب كتاب «محاضرة الأوائل ومسامرة الأواخر»، أن المأمون كان له ألف وسبعمائة عجوز، يتفقد بهن أحوال الناس من الأشقياء ومن يحبه ومن يبغضه، ومن يفسد حرم المسلمين، وكان لا يجلس إلى دار الخلافة حتى تأتيه أخبارهن، وأنه كان يدور ليلًا ونهارًا مستترًا.

وبحسب «المنجد»، قد يكون هذا الخبر صحيحًا في ما يتعلق بإرسال العجائز، أما عددهن، وأن المأمون كان لا يجلس إلى دار الخلافة حتى تأتيه أخبارهن، فقد يكون فيه مبالغة.

على كلٍ، اهتم المأمون بمعرفة أحوال عماله، فكان يفحص عنهم وعن دفين أسرارهم فحصًا شافيًا، فلا يخفى عليه ما يحقق كل امرئ من استفادة وما ينفق، وكان يتتبع أحوال القضاة والولاة. ويروي إبراهيم بن محمد البيهقي في كتابه «المحاسن والمساوئ»، أن المأمون قال ذات مرة في مجلس إن «عبدالله بن طاهر دخل مصر كالعروس الكاملة، فيها خراجها، وبها أموال جمة، ثم خرج عنها، فلو شاء أن يخرج منها بعشرة آلاف دينار لفعل، وقد كان لي عليه عين ترعاه، فكتب (أي العين) لي أنه عُرضت عليه أموال لو عُرضت عليَّ لشرهت إليها نفسي، ولقد خرج عن ذلك البلد وهو بالصفة التي قدمه فيها، إلا مائة ثوب وحمارين وأربعة أفراس».

موالون في صفوف المعارضين

وتذكر الدكتورة نسرين محمود علي في كتابها «التجسس وصاحب الخبر في العصر العباسي»، أن الخلفاء العباسيين اعتمدوا على وسائل متعددة لحماية الخلافة من المخاطر، منها بث الموالين لهم في صفوف المرتاب فيهم، للوقوف على ميولهم وآرائهم والمذاهب التي يذهبون إليها.

حدث ذلك مع أبي سلمة الخلال أول وزير استوزره العباسيون، ولم يطل به المكوث في وزارته حتى دفع الخليفة أبو العباس السفاح (104 – 136هـ) أبا مسلم الخراساني إلى قتله متوهمًا أنه ميَّال إلى آل علي بن أبي طالب، فدس في مجلسه من يترقب أفعاله ويلتقط أقواله إلى أن حانت ساعة التنفيذ، فقُتل رغم كونه مقربًا لدى الخليفة لحسن معاشرته وطيب مسامرته.

كما دس الخلفاء العيون بقصد مراقبة المعارضين لسلطتهم في أرجاء المناطق الخاضعة للخلافة، وأخذوا عن طريقهم يتابعون مناهضيهم عن كثب، ففي عهد الخليفة أبي العباس السفاح أيضًا ازداد الوجل والخوف من نشاط الأخوين محمد وإبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، إذ كان محمد نشيطًا في بث الدعوة لنفسه في الحجاز والعراق والأحواز ومناطق أخرى، لكن هذه الدعوة لم تحظ بالتستر الكافي نظرًا لكثرة العيون المنبثة هنا وهناك، وكانت على درجة عالية من التيقظ والتأهب والطوارئ، فإذا حصل ما يستوجب التحرك كانوا يسارعون إلى إعلام الخليفة به على الفور.

وبحسب «علي»، نهج الخليفة المنصور حين تسلم مقاليد الخلافة نهج سلفه في استثمار جهود العيون المبذولة لرصد الناشطين ضد العباسيين، فملأ الجزيرة بالجواسيس وبذل لهم الأموال بسخاء، وكان هؤلاء يتلقون التعليمات الدقيقة من الخليفة التي تخط لهم منهج العمل بشكل مستمر.

وكان لهؤلاء الجواسيس دور في إخماد ثورة الأخوين محمد في الحجاز وإبراهيم في البصرة سنة 145هـ. ورغم تفاوت أقوال المؤرخين في قدرة الخليفة على إخماد الثورتين بهذه السرعة، فإن الفضل في ذلك يعود إلى الجواسيس الذين استطاعوا إخبار الخليفة المنصور بما كان عليه الحال في الحجاز، من حيث قلة الذخائر والمؤن التي تدير ماكينة الثورة من جهة، وعدم إلمام أنصار الأخوين بفنون الحرب والقتال من جهة أخرى.

وهناك رأي آخر يتمثل في أن أحد الأخوين لم يلتزم بالموعد المحدد للثورة، مما تمخض عليه افتضاح السر، واستعداد الخليفة للتصدي لها، وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الخليفة.

وتذكر «علي»، أن قائمة التجسس طويلة وروافدها متعددة لكنها تصب في مصب واحد، ألا وهو الأخبار والأسرار، للاستفادة منها حينما تحين ساحة جني الثمار، وكان من بين هذه المصادر الأطباء والمقربون للسلطان. وتروي أن جبرائيل بن بختشيوع طبيب هارون الرشيد كان يدخل عليه يوميًا وقت الغداة، لمعرفة ما كان منه في سابق ليلته مع جواريه وما عمل في مجلسه وساعات جلوسه، وبعد استيفاء كفايته من الاستماع إلى المعلومات منه كان ينتقل إلى دور مسمع للخليفة استجابة لسؤاله عن أخبار وأحوال الرعية والعامة، فيبدأ جبرائيل بسرد ما يحمله من الأخبار في جعبته، وبعد الاستماع كان الخليفة يفرز بعضها عن بعض ويهمل ما لا ضرر من ورائها، وأما ما يُستشف فيه شبح الضرر فيتخذ بشأنه الحيطة والحذر.

غير أن جرجي زيدان يذكر في الجزء الرابع من كتابه «تاريخ التمدن الإسلامي»، أن جبرائيل بختشيوع كان رقيبًا على هارون الرشيد نفسه لصالح ابنه الأمين، مثلما كان مسرور الخادم رقيبًا على الرشيد أيضًا لصالح المأمون، فكانا ينقلان عنه كل شيء ويحصيان أنفاسه.

وبحسب «زيدان»، اشتهر بنو العباس على الخصوص بحفظ الأسرار والتكتم فيما ينوونه، وكانوا يفرضون ذلك على مواليهم ورجال بطانتهم، ولا سيما في ما يحتاجون إليه لتثبيت دعائم دولتهم، لذا كانوا يستعينون على ذلك بالعيون والأرصاد، وكل منهم يتجسس على صاحبه، فيبث الخليفة العيون على قواده ووزرائه، ووزراؤه يقيمون الأرصاد عليه، وربما كان خادم الرجل وجاريته عينًا عليه، وقد يقيم الخليفة الجواسيس والرقباء على أولاده أو إخوته، أو يقيم ولاة العهد الرقباء على آبائهم، كما فعل الأمين والمأمون بأبيهم الرشيد.

جواري وعبيد وخصيان

ويذكر عاصم إسماعيل كنعان في دراسته «ﺟﻮاﻧﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻤﺎت اﻻﺳﺘﺨﺒﺎرﻳﺔ وأﻫﻤﻴﺘﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﻧﻴن اﻷول واﻟﺜﺎﻧﻲ اﻟﻬﺠﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻷﺳﻼﻣﻴﺔ»، أن اﻟخلفاء ﻓﻲ اﻟﻌﺼر اﻟﻌﺒﺎﺳﻲ اﻷول اﺳﺘﺨﺪﻣﻮا اﻟﺠﻮاري ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺴﺲ، إذ لعبن دورًا ﻣﻬﻤًﺎ ﻓﻲ ﻧﻘﻞ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت، بخاصة ﻓﻲ ﻋﻬﺪ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ هارون اﻟﺮﺷﻴﺪ، إذ كان ﻟﺪﻳﻪ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺠﻮاري واﻟﻌﺒﻴﺪ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺮاﻗﺒﻮن ﻟﻪ ﺗﺤﺮك أﻋﺪاﺋﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت واﻷﻗﺎﻟﻴﻢ، كما ﻛﺎن ﻳﻮﻛﻞ إلى ﺑﻌضهم ﻣﺮاﻗﺒﺔ ﺑﻌﺾ اﻟﻮزراء واﻟﻤﻮﻇﻔﻴﻦ اﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﻓﻲ دار اﻟﺨﻼﻓﺔ، ﻓﻜﺎن ﻳﺠﻤﻌﻮن اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت الاﺳﺘﺨﺒﺎرﻳﺔ ﻋﻦ اﻟﺒﺮاﻣﻜﺔ اﻟﺬﻳﻦ زاد ﻧﻔﻮذﻫﻢ ﻓﻲ ﻋﻬﺪه وﻃﻐﻰ ﻃﻐﻴﺎﻧًﺎ ﻛﺒﻴﺮًا، ومن خلال هؤلاء الجواسيس عرف الخليفة ﺗﺤﺮﻛﺎﺗﻬﻢ وﺗﺤﺮﻛﺎت أﻋﻮاﻧﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻔﺮس ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد وﺧﺎرﺟﻬﺎ.

ونهج اﻟﻤﺄﻣﻮن نفس النهج في ﺠﻤﻊ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت واﻷﺧﺒﺎر ﻋﻦ أﺧﻴﻪ اﻷﻣﻴﻦ اﻟﺬي ﺣﺎول ﺧﻠﻌﻪ ﻣﻦ وﻻﻳﺔ اﻟﻌﻬﺪ وﺗﻮلية وﻟﺪه ﻣﻦ ﺑﻌﺪه، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮاﺟﺪ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻐﺪاد أﻋﺪاد ﻛﺒﻴﺮة ﻣﻦ اﻟﺠﻮاﺳﻴﺲ ﺧصوصاً ﻣﻦ اﻟﻨﺴﺎء، ﻛﻤﺎ ﻳﺸﻴﺮ إﻟﻰ ذﻟﻚ أﺑو الفضل بن ﻃﻴفور في «كتاب بغداد».

ويُرجع «كنعان» اﺳﺘﺨﺪام اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺴﺲ إلى ﻗﺪرتهن ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ اﻷﺳﺮار ﻣﻦ خلال الاﺧﺘﻼط ﺑﺎﻟﻨﺴﺎء اﻷﺧﺮﻳﺎت، وﻣﺎ ﻳﺘﺪاوﻟﻦ ﻣﻦ أﺣﺎدﻳﺚ ﻋﻦ أزواﺟﻬﻦ وأﻗﺮﺑﺎﺋﻬﻦ، ورﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮن ﻫﺆﻻء اﻷزواج أو الأﻗﺮﺑﺎء ﻣﻦ ذوي اﻟﻤﻜﺎﻧﺔ واﻟﻘﺮب ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻓﻲ ﺑﻐﺪاد، وﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﻜﻮن ﻫﺬه اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت ذات أﻫﻤﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮة ﻓﻲ رﺳﻢ ﻣﺎ ﻳﺮاد ﻟﻪ ﻣﻦ ﺗﺨﻄﻴﻂ.

وتذكر نورة بنت إبراهيم الدوسري في دراستها «خدم دار الخلافة ودورهم السياسي والحضاري في العصر العباسي الثاني»، أنه عادة ما كان أصحاب الأخبار داخل القصور ودار الخلافة من صغار الخدم أو الجواري الذين لا يغلب الظن على أنهم جواسيس، وكان من مهامهم مراقبة أحوال أبناء الخلفاء مع مؤدبيهم الذين كانوا يقومون على تنشئتهم وتعليمهم، وكذلك مراقبة الحُجاب والبوابين والحرس، ومدى تطبيقهم لرسوم دار الخلافة وآدابها، وأيضًا التجسس على كبار رجال الدولة من الأمراء والوزراء وغيرهم. وكانت الجارية بدعة الكبيرة، إحدى الجواري المغنيات في دار الخلافة، والتي وصفت بأنها أحسن أهل دهرها وجهًا وغناء، كانت تتجسس للخليفة المقتدر بالله (295 – 320هـ) على الوزير ابن فرات.

ولم يكن الخليفة وحده من يزرع الجواسيس من الجواري والعبيد، بل فعل ذلك أولاده وحاشيته وكبار رجال بلاطه. وتنقل «الدوسري» عن غريغوريوس أبو الفرح بن هاورن الملقب بـ«ابن العبري»، ما رواه في كتابه «تاريخ مختصر الدول»، أنه لما اشتد مرض الخليفة المقتفي لأمر الله (849 – 555هـ)، كان ولي عهده ابنه يوسف، وكانت للمقتفي بالله حظية هي أم ولده أبي علي، فأرادت الخلافة لابنها وأحضرت عدة جواري وأعطتهن السكاكين وأمرتهن بقتل ولي العهد إذا دخل على والده.

وكان ليوسف خصي صغير يرسله كل وقت ليعرف من خلاله أخبار والده، فرأى الجواري بأيديهن السكاكين، فعاد إلى يوسف وأخبره، فاستدعى أستاذ الدار (المسؤول عن دار الخلافة ورعايتها) وأخذه معه وجماعة من الفراشين، فلما دخل الدار ثارت به الجواري فضرب واحدة منهن فجرحها، وكذلك أخرى، وصاح فدخل استاذ الدار ومعه الفراشون فهرب الجواري وأخذ أخاه عليا وأمه فسجنهما، وأخذ الجواري وقتل منهن وأغرق منهن.