في 31 يوليو/ تموز عام 1958 حدثت أكبر عملية هروب في تاريخ السجون الإسرائيلية، في سجن شطّة بالقرب من بيسان. في تلك العملية خاض 190 أسيرًا فلسطينيًا مواجهة مباشرة ومفتوحة مع سجانيهم، اُستشهد من الأسرى 11، وقُتل من السجانين اثنان، واستطاع 77 أسيرًا فلسطينيًا انتزاع حريتهم والفرار.

قد تكون تلك هي أكبر محاولة جماعية، لكن لا يتوقف الأسرى الفلسطينيون عن محاولات الفرار. فمثلًا استطاع حمزة أبو يونس أن يفر ثلاث مرات من قبضة الاحتلال؛ الأولى من سجن عسقلان عام 1964، والثانية من المستشفى التابعة للسجن عام 1967، والثالثة من سجن الرملة عام 1971.

كذلك تمكنّ محمود عبد الله حمّاد، من شمال شرق رام الله، أن يفر من القوات الإسرائيلية أثناء قيامهم بنقله من سجن لآخر في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1969. وظل 9 أشهر كاملة في فلسطين دون أن يعثر عليه جنود الاحتلال، ثم انتقل بعدها إلى الأردن. أما ناصر عيسى حامد فقد استطاع الفرار من محكمة رام الله عام 1983، لكنّه عاد لتسليم نفسه بعد 7 أيام من المطاردة والضغط على أهله وذويه.

عودة للهروب

الجماعي

في 17 مايو/ آيار عام 1987، فيما عُرف بالهروب الكبير من سجن غزة. في تلك العملية استطاع المعتقلون قص قضبان المرحاض. وكان العقل المدّبر لها مصباح الصوري، وكان الصوري قد اكتسب خبرة في عمليات الفرار من محاولاته العديدة للفرار من سجن بئر السبع. رافقه في تلك العملية صالح اشتيوي وسامي الشيخ خليل ومحمد الجمل وعماد الصفطاوي وخالد صالح.

استشهد الصوري بعد 4 أشهر من المطاردة، وتبعه في الشهادة محمد الجمل وسامي الشيخ خليل. أما صالح اشتيوي فقد اعتقل بعد 7 أيام من الفرار، أما الصفطاوي وصالح فتمكنا من مغادرة غزة.

أول فرار عبر الأنفاق


في نفس العام، 1987،

استطاع

خليل مسعود الراعي، ورفاقه شوقي أبو نصيرة وكمال عبد النبي الهروب من سجن نفحة. لكن تم اعتقالهم بعد 7 أيام أثناء محاولتهم التسلل إلى مصر. عامان فقط وتمكنّ عمر النايف من الفرار من جنين أثناء نقله للعلاج في مستشفى بيت لحم بسبب إضرابه عن الطعام لمرور 4 سنوات على اعتقاله، وسريعًا ما استطاع الانتقال إلى الأردن، ومنها تسلل إلى بلغاريا عام 1994، ليُغتال لاحقًا في السفارة الفلسطينية عام 2006.

أما أول عملية هروب عبر

نفق

فكانت في 4 أغسطس/ آب عام 1996. في تلك العملية نجح غسان المهداوي وتوفيق الزين في الهرب من سجن كفار يونا. وحفر الاثنان نفقًا بطول 11 مترًا بعد أن خلعوا بلاط السجن. وأعاد الاحتلال القبض على المهداوي عام 1997، ثم قبضوا على الزين عام 2000.

فتحت تلك
العملية أذهان الأسرى الفلسطينيين على إمكانية الهرب عبر
الأنفاق، فحاول 16 أسيرًا من سجن عسقلان في نفس العام، عام 1996، حفر نفق والهرب
عبره. وتمكنوا بالفعل من حفر 17 مترًا تحت الأرض، لكن انسداد شبكة الصرف الصحي
أثار ريبة مسئولي السجن، وبعد عمليات تفتيش دقيقة اكتشفوا حفر النفق، ففشلت
العملية.

وفي عام 1998

حاول

أسرى سجن شطة الهروب عبر نفق أرضي، يحفرونه من داخل الزنزانة إلى خارج السجن.
ونجحوا في الحفر لكن بعد أن خرجوا من الفتحة الخارجية فوجئوا بالكلاب البوليسية
تحيط بها، في كمين أعدّه لهم ضباط السجن، وتمت إعادتهم للسجن مرة أخرى.

محاولة الهرب عبر الأنفاق تكررت مرة ثانية عام 2004 بعد أن ظن الإسرائيليون أن الفكرة قد ماتت، هذه المرة كانت من سجن جلبوع شديد الحراسة. وتمكنت قوات الاحتلال من إحباط المحاولة، وطارت وسائل الإعلام الإسرائيلية منتشيةً بذلك الإحباط. وفي عام 2016 أعلنت الجهات الإسرائيلية إحباط عملية هروب لأسير عبر فتحات التهوية في سجن إيشل في بئر السبع.

23 سجنًا ومركزًا للاعتقال


تنوع عمليات الهروب واختلاف تقنياتها يأتي لتنوع السجون الإسرائيلية واختلاف الإجراءات الأمنية في كل منها والعدد الذي تحتويه من الأسرى الفلسطينيين. فأكبر السجون الإسرائيلية هو سجن النقب المنشأ عام 1988، ويضم 3000 أسير فلسطيني، من بينهم 560 أسيرًا قيد الاعتقال الإداري.

أما سجن مجدو فهو

ثاني

السجون من حيث الكثافة، وفيه 1440 أسيرًا، وفيه قسم خاص للأسرى الشباب ما بين 12 إلى 14 عامًا. ويبعد سجن نفحة عن بئر السبع بـ 100 كيلو متر، ويُعتبر من أشد السجون الإسرائيلية تحصينًا ويضم 800 أسير. أما معتقل أوهلي كيدار فيضم 152 أسيرًا، غالبيتهم موقوفون على ذمة المحكمة. أما إيشل فيُعتبر قسمًا تابعًا لسجن بئر السبع ويضم 240 أسيرًا.

تتفاوت تلك الأرقام التفصيلية بين لحظة وأخرى، لكن ما لا يتفاوت هو عدد

السجون

الإسرائيلية وأماكن الاعتقال والتوقيف البالغة 23 سجنًا ومعتقلًا ومركزًا للتوقيف. فبجانب السجون سابقة الذكر يوجد مركز اعتقال سالم، ومركز تحقيق بيتاح تكفا. كذلك سجن الجلمة في شمال فلسطين، ومركز تحقيق المسكوبية الواقع في مدينة القدس. كذلك سجن عوفر في رام الله، ويضم 11 قسمًا. وسجن عسقلان الذي يمتاز بأن به قسمًا خاصًا للتحقيق وقسمًا للسجناء والأسرى المحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة.

أمّا معتقل حوارة

فيتبع

ثكنة إسرائيلية عسكرية في جنوب شرق مدينة نابلس. أما السجن المخصص للأسيرات فسجن الدامون، وأنشئ أثناء فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وأعاد الإسرائيليون افتتاحه بعد الانتفاضة الأولى. أما سجن نفي ترستيا فمخصص للأسيرات الفلسطينيات المدنيات والمحكوم عليهن بأحكام جنائية.

لكن

أسيرات

حماس والجهاد الإسلامي فيوضعن في سجن الشارون. أما سجن جلبوع شديد الحراسة فيضم أسرى من مختلف الفصائل الفلسطينية لكن يجمعهم أنهم من ذوي الأحكام العالية التي تكون في غالبها أحكامًا بالمؤبد. أما أسرى الضفة وشمال القدس وأحكام ما فوق المؤبد فيوضعون في سجن شطة.

وعلى طراز السجون الأمريكية

أنش

ئ سجن هداريم للجنائيين وتجار المخدرات، لكن لاحقًا أضيف له قسم خاص بالأسرى. وعلى الطريقة الأمريكية أيضًا أنشأت إسرائيل سجن عزل الرملة ومستشفى الرملة حيث قد يقضي فيها السجناء عشرات السنوات، وهم المصابون بأمراض مزمنة أو بعض أنواع السرطان. بينما قد تتباطأ السلطات الإسرائيلة في نقل السجناء المصابين بأمراض حادة ومفاجئة قد تؤدي لوفاتهم سريعًا.

التنين الذي قتل الصياد


يبلغ

إجمالي

الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال 4850 أسيرًا، من بينهم يوجد 43 سيدة، و225 طفلًا. ويعاني 500 أسير من أمراض مزمنة كالسرطان. ومن بين عدد الأسرى الإجمالي يقضي قرابة 543 معتقلًا أحكامًا بالسجن المؤبد، المؤبد في القانون العسكري الإسرائيلي يساوي 99 عامًا، وبعضهم يحمل حكمين أو ثلاثة بالمؤبد.

وقد

مضى

على 34 أسيرًا فلسطينيًا أكثر من 25 عامًا داخل سجون الاحتلال، ومضى على 13 أسيرًا قرابة 30 عامًا. كما يوجد في السجون الإسرائيلية قرابة 600 معتقل إداري، أي معتقل دون محاكمة. وفي تنوع أحوال الأسرى الستة الذين استطاعوا الفرار من سجن جلبوع شديد الحراسة في 6 سبتمبر/ أيلول 2021 ما يحكي الكثير عن نوعية وحياة المعتقلين الفلسطينيين عامةً.

فعلى

رأسهم

زكريا الزبيدي، مواليد عام 1976، وهو أحد مؤسسي كتائب شهداء الأقصى. وشارك في انتفاضة الأقصى الثانية، ويعتبره الفلسطينيون الوحيد الذي لم يسلم سلاحه ضمن التفاهمات الأمنية التي جرت بين السلطة الفلسطينية وبين الإسرائيليين، والتي قضت بإنهاء حركة المقاومة المسلحة لفتح. زكريا هو حفيد محمد الجهجهاه، الذي فر من سجن شطة أثناء فترة الاحتلال البريطاني.

تعرض الزبيدي للاغتيال 6 مرات، وهدم الاحتلال بيته 3 مرات، واستشهدت والدته وأخوه الأكبر خلال اقتحام الاحتلال لمخيم جنين. «واهم، واهم، واهم، كل من يعتقد بإمكانية حل الدولتين» هكذا

صرخ

في الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2009 في مؤتمر فتح السادس. أنهى الزبيدي درجة البكالوريوس في علم الاجتماع وهو رهن التوقيف في مقرات السلطة الفلسطينية، وتقدم برسالة ماجستير إلى جامعة بيرزت بعنوان التنين والصياد.

الذين قهروا الأسمنت

أمّا مناضل يعقوب نفيعات، 26 عامًا، فقد قضى
في السجون الإسرائيلية أكثر من 6 أعوام، بعضها بحكم محكمة وبعضها بالاعتقال
الإداري. وقضى في سجن جلبوع 17 شهرًا منذ اعتقاله الأخير.

سألته ماذا تستفيد؟ سيمسكون بك، فقال يكفي أن نخرج، نتنفس دقيقة واحدة، ونريهم أننا قادرون على فعل شيء كبير.





أيهم كممجي، لأخيه، حين سأله عن محاولة هروبه الأولى من سجن جلبوع.

لكن في حالة أيهم كممجي فقد حكم عليه الاحتلال بحكمي مؤبد، 198 عامًا. قضى أيهم سنواته خارج السجن في التنقل بين فصائل المقاومة دون النظر إلى مسماها، فكان هدفه المقاومة فحسب. فانضوى تحت لواء الجهاد الإسلامي، ثم تركه لصالح حركة فتح، ثم انضم لألوية الناصر صلاح الدين، ثم عاد لكتائب الجهاد الإسلامي. كما عمل في صفوف الاستخبارات الفلسطينية بعد أن اعتقلته، لكنه في تلك المرحلة أيضًا واصل العمل المقاوم.

أمّا يعقوب محمد قادوري،

فاعتقل

وهو ابن 15 عامًا، واعتقل بعدها 4 مرات. حاول القيام بعملية استشهادية عام 1996 لكنها لم تنجح بسبب اعتقال السلطات الفلسطينية له. وانضم لسرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. وحكم عليه بالسجن المؤبد مرتين، وأضيف إليهم حكم بـ 35 عامًا، بتهمة قتل مستوطن. وقبل أن يُنقل لسجن جلبوع قضى في العزل الانفرادي في سجن شطة 6 أشهر بتهمة محاولة حفر نفق والهرب منه.

لكن محمود عارضة، 46 عامًا، فحُكم عليه بالمؤبد بسبب قتل جنود إسرائيليين. إضافة إلى المؤبد حُكم عليه بالسجن 15 عامًا بتهمة الانتماء إلى الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. حصل على الثانوية العامة والبكالوريوس وهو قيد الأسر. وألف العديد من الكتب والروايات أثناء فترة اعتقاله، خرج منها للنور الرواحل، وتأثير الفكر على الحركة الإسلامية في فلسطين، لكن العديد مما كتب لم يخرج للنور بعد.

أما الأسير محمد عارضة فمن مواليد عام 1982،

واعتقلته

السلطة الفلسطينية قبل أن ينهي الثانوية العامة. وحُكم عليه بثلاثة مؤبدات وعشرين عامًا. وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى وهو في المعتقل. كذلك حصل على الماجستير المهني في إدارة الأعمال تخصص إدارة مؤسسات من جامعة القاهرة في مصر، وأكمل حفظ القرآن الكريم.