محتوى مترجم
المصدر

Daily Sabah
التاريخ
2015/08/06
الكاتب
أكرم بوغرا إكنجي

بلا شك أن مسألة قتل الإخوة من أكثر القضايا إثارة في التاريخ العثماني، فقد منح دستور السلطان محمد الفاتح (1481) إعدام الأفراد الذكور من العائلة الحاكمة؛ تجنبًا لحصول حادثة الفوضى التي نشأت عن فترة خلو العرش في عهد بايزيد الأول، وثمة ممارسات مختلفة لعملية قتل الإخوة على مدى الإمبراطورية العثمانية، مع الاعتبار أن معظمها كان يبدو شرعيًّا، إلا أن بعض عمليات الإعدام، التي قد تمت من أجل التخلص من ثورة محتملة، كانت قد انتقدت باعتبارها غير شرعية.

كان التقليد القائل بأن «المملكة هي ملك مشترك للعائلة الحاكمة» قد استمر منذ عادات الأتراك السياسية الأولى حتى لما بعد دخولهم الإسلام، واعتاد بعض الحكام الأتراك أن يقسم ممتلكاته على أبنائه الأمراء من أجل تجنب حصول حرب أهلية، ومع ذلك فإن هذه الممارسة كانت الطريق لإضعاف الدولة، ومهّدت الطريق لإسقاطها. ولحسن الحظ، تعلم العثمانيون من هذه التجارب، ولقد ضحوا بأنفسهم من أجل الدولة والشعب، وشربوا السمّ المرير بأنفسم، كان هذا السم المرير هو إعدام أفراد العائلة من أجل «المصلحة العامة»، والتي عرفت باسم «قتل الإخوة».

قال محمد الأول، السلطان العثماني الرابع، وجدّ محمد الفاتح، في رسالته إلى تيمورلنك:

لقد تعامل أجدادي مع بعض العقبات، لذلك فلا يمكن لسلطانين أن يعيشا في دولة واحدة.

فإعدام أفراد الأسرة الحاكمة لأسباب سياسية لا يخصّ العثمانيين، فلقد مارسه الساسانيون والرومان والبيزنطيون، بل وحتى الدولة الأندلسية المسلمة، ومع ذلك كان السبب الرئيسي لهذه الممارسة من قبل هذه الممالك المختلفة، هو الحفاظ على العرش بدلًا من الحفاظ على وحدة الدولة وحياة الشعب. وعلى ناحية أخرى، يجب علينا تذكر أن هنالك الآلاف من الأرواح التي أزهقت في حروب طويلة الأمد، في سبيل خلافة العرش في أوروبا.

ويُروى أن أول حادثة للإعدام قد حصلت على يد مؤسس الدولة الأول، عثمان غازي، مؤسس الدولة العثمانية، في عام 1298، وكانت موجهة لعمه دوندار بيك، والذي كان يشتغل لمصلحته الخاصة، كما وتعامل مع أمراء الإقطاع البيزنطيين. وخلال القرون القليلة الأولى، كان أفراد العائلة يمثلون مشكلة أمام الدولة تحت حكم أغلب السلاطين، وكان الشاهزادات (الأمراء، أبناء السلاطين)، الذين ادّعوا العرش لهم، قد أخذوا الدعم من قبل الولايات الأناضولية وكذا من البيزنطيين. وفي أعقاب معركة أنقرة (1402)، التي هزم فيها العثمانيون، حيث سقطت الدولة في «عهد الفترة»، وتقاتل أربعة من الأمراء على الحكم، من أبناء بايزيد الأول، وكان كلٌ منهم قد جمع الآلاف من الجند والداعمين له ليتقاتلوا للحصول على العرش لسنوات عديدة. وبعد انتهاء هذه الحرب الأهلية، كان محمد الأول، هو المنتصر الوحيد الذي تغلّب على إخوته بحيث استطاع السيطرة على العرش العثماني عام 1413.

ولم تكن هنالك أية قاعدة معينة لخلافة العرش عند العثمانيين، فقد يستقونها من العادات التركية القديمة، بحيث يتم إرسال كل أمير من أبناء السلطان بعد عمر الـ 12 إلى السنجق (الناحية الإدارية في تقاسيم الإدارة العثمانية)، وهي آنذاك كانت ضمن مسافات متعادلة وقريبة من مركز إدارة الدولة. وهنالك ينالون قسطًا من التدريب في الحكم والإدارة إلى حين وفاة السلطان حتى يأتي أحد الأبناء لينال مكانه ويخلف أباه. وبرغم وجود الدستور الذي سنّه محمد الفاتح حول هذه المسألة والذي نصّه:

وإن تيسرت السلطنة لأحد من أبنائي، فإنه ومن أجل المصلحة العامة يصح له قتل إخوته، إن هذا قانون آبائي وأجدادي، وهو كذلك قانوني، ولقد جوز أكثر العلماء ذلك، فليعمل بموجبه حالًا.

رغم وجود هذا الدستور فهو لم يقدم الجديد في مسألة وراثة الحكم، ولكنه بيّن أن الأمير الأكثر ذكاءً وقوة في الوصول للحكم قد ينجح في الوصول لإدارة البلاد في التغلّب على إخوته الذين قد يدّعون الحكم. ولذلك فقد تبنّت السياسة العثمانية مسألة عدم تجزئة السيادة في القانون الإسلامي، حتى لو كلّف ذلك حياة أفراد العائلة الحاكمة. فالإعدامات التي تم تنفيذها في حق الأمراء العثمانيين كانت بكلمة أخرى، صادرة عن القانون الوضعي [يقصد القتل سياسة]، المبني على الدستور المسنون من قبل السلطان محمد الثاني. وكما هو الحال لدى بقية الأنظمة الوراثية، فالحاكم يمتلك زمام السلطة القضائية وفق الشريعة الإسلامية أيضًا.

ثمة ثلاثة أسباب لإعدام أمراء العائلة العثمانية الحاكمة؛ أولها: يتم إعدام الأمراء الذين يقومون بعملية الثورة والخروج على الحاكم الحالي في محاولة لتولي زمام السلطنة؛ ومسألة الانقلاب هي جرم معهود في القوانين الدولية. فعند وفاة السلطان محمد الفاتح عام 1481، قام ابنه الأصغر، جم، بإرسال رسالة لابن الفاتح الأكبر، بايزيد الثاني، والذي كان الوريث آنذاك، ويتضح في هذه الرسالة أن الأول كان يريد اقتسام ممالك السلطنة مع أخيه الأكبر. وعندها رفض السلطان بايزيد هذا الطلب، وعندها طارده وهزمه، وهرب جم ناحية أوروبا، وبقي إلى آخر حياته فيها في الأسر المحزن. لذا فيقول بعض الخبراء القانونيين بإمكان إصدار حكم الإعدام عقابًا للأمراء حين استكمال أحدهم استعدادات الثورة والخروج على السلطان.

الحالة الثانية: هي أنه ليس ثمة ثورة بارزة المعالم، ولكن ثمة أدلة واضحة على انتفاضة ما، لذا فإن إظهار العصيان ضد الإمبراطور من خلال الكلمات أو الأفعال أو تشجيع القيام في مظاهرات ما، كان يعد بمثابة جريمة. مثل ذلك فإن السلطان العثماني الثامن، سليم الأول، عندما ورث عرشه، لم يقتل أخاه قورقوت، بل قدّم له منصب حاكم إداري. عندها أرسل بعض رجال حكم النظام السابق، زمن والده بايزيد الثاني، إلى قورقوت، أنهم يريدون الرجل إمبراطورًا وحاكمًا للبلاد، وكانت آنذاك الظروف ملائمة لوصوله للحكم. وعندها قام الأمير قورقوت، لسوء حظه، بالاستجابة لهذا الأمر؛ عندها قام سليم بالتخلص من أخيه قورقوت في عام 1513.

مثل ذلك كان الأمير مصطفى، ابن السلطان سليمان الأول (القانوني) قد أعدم لذات السبب. والقانون الحديث لا يحكم بعقوبة ما على الجرائم ذات الطابع المؤامراتي غير الواضحة، طالما أنه لم تتخذ إجراءات واضحة. ومع ذلك فإن الأمر متروك لتفسير المنظرين والمنخرطين في القانون، ليقرروا ما إذا كان العمل هو مجرد شائعة أم ثمة عمل وإجراء يُتخذ، ومن أجل توضيح ذلك فإن اجتماع ثلاثة أشخاص من أجل قتل أحد ما، فلا ينظر إليها على أنها محاولة إجرامية، رغم ذلك؛ فإن مجرد اجتماعهم من أجل عملية انقلاب يعد جريمة بحد ذاتها.

لم يكن الأمير مصطفى أو الأمير محمود، أبناء السلطان محمد الثالث، متورطيْن شخصيًا بأي عملية تدل على انتفاضة منهما، لكنهما كانا متهورين. لذلك فقد اعتبرت مثل هذه السلوكيات المتهورة تهديدًا للممالك في ذلك الوقت، وأدت إلى إعدامهما تجنبًا لحدوث الاضطرابات المحتملة في المستقبل. والأمير سليم، ابنٌ آخر للسلطان سليمان الأول، وكذا الأمير إبراهيم، ابن السلطان أحمد الأول، قد وجدا نفسيهما لائقين لنيل العرش العثماني، مع صبرهما وحذرهما من عواقب ذلك، حتى ولو لم تكن خلافتهما ممكنة؛ نتيجة وجود إخوة لهما أكبر منهما في العمر آنذاك.

والحالة الثالثة: هي عدم وجود الثورة والخروج، ولا وجود التحضيرات المسبقة لها، وهنا تمكن المعضلة القانونية. وبالنسبة للعديد من المتخصصين في قانون الإمبراطورية العثمانية، يعتبر إعدام الأمراء في هذه الحالة مشروعًا، متذرعين بالتخلص من الخطر الداهم مستقبلًا. ولطالما رأى العامة أن السلالة العثمانية هي المخولة بالجلوس على عرش الدولة، وخلافة هذا العرش من عائلة أخرى غيرهم يعتبر غير مشروع. وحتى في الثورات العسكرية التي حصلت في قصبة الدولة كان يهدَّد الإمبراطور من خلال أحد الأمراء من ذات العائلة، كما أن وجود الأمراء الضعفاء بيد هؤلاء العسكر هو ما يسبب الخطر الذي يضع الدولة والأمة في حرج كبير. ولقد ضحّى السلطان مراد الرابع بأخيه البريء قمعًا لأعمال الشغب التي قام بها الجيش وأرادوا عندها تنصيب أخيه. كما وقد علّق السفير النمساوي Ogier Ghiselin de Busbecq

،

في عهد السلطان سليمان الأول، على مثل هذه الأعمال قائلًا:

إنه من سوء الحظ أن تكون أحد أبناء الإمبراطور، لأنه حينما يستولي أحدهم على العرش، فإن على الآخرين أن ينتظروا الموت، فلو كان أخ الإمبراطور على قيد الحياة، فلن تنتهي وقتها مطالب العسكر، وعندما يرفض الإمبراطور مطالبهم؛ فإنهم لا يلبثون الصراخ: ’أنقذ الله أخاك من القتل‘، يريدون دعم أخيه من أجل خلافته.

إن بعض العلماء المعاصرين لم يعتبروا إعدام الأمراء، غير مقترفي الجرم المتعلق بالثورة على السلطان، فعلًا قانونيًا، وأن هذا الفعل مخالف للشريعة الإسلامية حتى. وتعتبر معاقبة شخص بريء بناءً على جرم يحتمل وقوعه منه في المستقبل، وفقًا للمقولة القانونية المشهورة: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، أمرًا مخالفًا للقانون. وأولئك الذين نظروا في المسألة على وجهة مختلفة، واعتبروها قانونية، كانوا قد اعتبروا المبدأ في الفقه الإسلامي المشهور بـ«المصلحة». وهي تعني إحلال المنفعة البشرية العامة مكان الشخصية الخاصة فيما يتعلق بأي قضية تحت الطرح، والمبدأ القرآني الشهير يدعم ذلك، «والفتنة (الاضطراب المجتمعي، التمرد) أشدّ من قتل فرد بعينه».

وعلى سبيل المثال، كان السلطان عثمان الثاني (1622) يريد إعدام أخيه، عندما أراد الذهاب في حملة «خوطين» العسكرية، وذلك تحرزًا من أي عملية انقلاب خلفه، عندها رفض شيخ الإسلام، أسعد أفندي ذلك الطلب، ولم يعطه فتوى القتل، مما حدا السلطان بأن يأخذ الفتوى من قاضي عسكر الروم إيلي (قاضي الجند) طاش كوبرى زاده [كمال الدين محمد أفندي(ت1621)، وهو غير المؤرخ طاش كوبرى زاده (1561)]. لذلك فمن الشهير أن تحدث مثل حالات الرد هذه؛ نتيجة كون عملية الإعدام غير واضحة المعالم وفق العرف القانوني.


وبينما قد سنّ محمد الفاتح دستور قتل الإخوة، كان أحمد الأول قد استبدل هذا الأمر بعدم قتل إخوته، مقابل تقديم الفرد الأكبر سنًا من أجل وراثة عرش السلالة العثمانية، وعلى الرغم من أن هذا الفعل قد يبدو عقلانيًا وملائمًا للضمير، فقد سبّب الإعاقات المختلفة للدولة، وكان أحد أسباب دخول الإمبراطورية فترة الركود.

لقد شرح العلماء العثمانيون مسألة قتل الإخوة من خلال الآية القرآنية في سورة الكهف (18/80-81)، على لسان رفيق موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}، وبعد ذلك أجابه موسى عند انتقاد رفيقه له في السفر نتيجة هذا القتل: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}، كما قد ورد مثل ذلك في إنجيل يوحنا (18:14): «من الخير لك أن يموت فرد واحد من أجل الجميع بدلًا من هلاك الأمة».

وكمثال من كتب الفقه الإسلامي بما يخص هذا الموضوع يُذكر: «في حين مهاجمة العدو المسلمين، وكان قد استخدم بعض السجناء المسلمين كدرع بشري، فإنه يسمح لجيش المسلمين التصويب وقتل هؤلاء السجناء في حال أنهم لو لم يطلقوا النار كانوا سيهزمون أمام العدو». وهذا هو الحال الذي يطلق عليه في الفقه الإسلامي بالـ«مصلحة»؛ أي المنفعة المشتركة، خلاف ذلك فإنه لا يجوز قتل مسلم بريء. ويمكن للجيش المسلم حينها أن يصوب نحو عدوه ولو لم يتخذ أية إجراءات لإنقاذ السجناء المسلمين؛ ذلك لأن العدو سيجتاح البلاد عندها، وبالتالي سيقتل الجميع بما فيهم السجناء.

وثمة أدلة ملموسة تثبت عدم مخالفة الاحتياط والاحتراز للشريعة الإسلامية، بحيث تقوم بتجنيب وجود خطر محتمل. وفي زمان النبي محمد، تم إطلاق سراح سجين متهم بالسرقة عندما تمت تبرئته. كما وقد قضى كل من الخليفتين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، أنه على الحرفيين مثل الخياطين والقصّارين أن يدفعوا بدل الأضرار (يُضمّنوا) تحقيقًا «للمصلحة العامة».

ينص القانون الحديث على أنه يمكن تعليق الحقوق والحريات المدنية من قبل هيئات سياسية وقانونية وإدارية. وفي حالة وجود شك بجرم جنائي، فأي شخص برغم عدم وجود أي مسؤولية جنائية منه على قضية ما، ولكن يحتمل منه أن يضر بالمصلحة العامة، كعزل من يعاني من مشاكل عقلية شديدة تؤثر على المجتمع بأضرار فادحة. أمثلة أخرى على ذلك: احتجاز المشتبه به، تفتيش جسد ما مشكوك باحتوائه ممنوعات، والتنصّت على الهواتف، وضع المقصات على الطرق، وإبعاد، بل واحتجاز مثيري الشغب أثناء مباريات كرة القدم، ومصادرة وأخذ المواد المعدنية عند دخولهم المناطق الخاصة. بالطبع، إن هذه الإجراءات ليست خطيرة مثل قضية قتل الإخوة، من منظور قانوني، ولكنها برغم ذلك إجراءات متماثلة لذات الجنس. لذلك فإن إعدام الأمراء الذين لم يكن لهم ناقة أو جمل في أعمال الخلع والثورة ضد السلطان هو عبارة عن إجراء احترازي وليس عقوبة بالطبع. ومن الصحيح أن السلاطين اعتبروا قرار الإعدام، كان مبنيًا على أساس قانوني، ولو كان على حساب دفع حدود الحرية السياسية للشريعة الإسلامية قيد التنفيذ.

لقد أشار العالم الحنبلي السوري الكرمي (1624) أن مسألة إعدام الأمراء هي من فضائل السلالة العثمانية. وهو قد حسّن ووافق قتل الأبناء في سبيل درء الثورة التي تؤذي المسلمين وتضع البلاد في مشاكل مزمنة. ولقد قال إنه بالرغم من أن أي شخص سليم الحواس قد لا يحسّن هذا القرار، إلا أن فيه فائدة كبيرة، وهو قد اعتبر بإعطاء الفتوى لإعدام ثلاثة أشخاص من أجل حماية 30 آخرين. وتوضح كلمات الكرمي مبدأ اختيار الطريق الأوسط بين اثنين شديدي الضرر، وهو كذلك يجادل في انهيار السلطنة المغربية؛ نتيجة افتقادها لمبدأ قتل الأمراء في سلالتهم.

وعلى مدى مسار تاريخ الإمبراطورية العثمانية كان هنالك نحو 60 أميرًا قد أعدموا، 16 منهم قد أعدموا نتيجة الثورة على السلطان، بينما 7 قتلوا لمحاولاتهم الثورة، من الحالة الثانية، بينما البقية يمثلون الحالة الثالثة؛ أي «المصلحة العامة». هذا وقد كانت شاكلة إعدام الأمراء العثمانيين بالخنق، حيث حظرت التقاليد المغولية التركية إراقة دماء أفراد الأسر النبيلة، ومقارنة مع السلالات الأوروبية، فإن إعدام الأمراء [عند العثمانيين] منع عملية تشكل طبقة أرستقراطية [كما هو الحال في أوروبا]، والتي تطورت هذه الطبقة بالتوازي مع السلالة الحاكمة، [إلى حين منع هذا القانون من قبل السلطان أحمد الأول].

ومع صعود السلطان أحمد الأول إلى العرش، عام 1603، لم يقتل إخوته، ومن بينهم الأمير مصطفى، وهو مؤشر على أنه شخصية متسامحة. وكذلك كان درويشًا صوفيًا، ولم يكن لديه أي طفل حينما تولى عرش السلطنة. وتصرفه هذا قد يكون مرتبطًا بالسخط العام نتيجة إعدام والده محمد الثالث إخوته الـ19 عند توليه الحكم. وعندما توفي أحمد الأول عام 1617، كان أخوه قد خلفه، مع أنه كان له ذرية، وهي المرة الأولى التي يخلف فيها الأمير أخاه، ويصبح إمبراطورًا بعد موت السلطان. وحتى ذلك الوقت، كان الأمير لا ينفك عن متابعة والده السلطان، وبعد ذلك أيضًا ما عاد الأمراء يرسلون إلى النواحي والسناجق، كحكام فيها، ولكنهم بدأوا ينتظرون دورهم للحكم في القصر السلطاني، كما أنه لم يتم إعدام الأمراء بعدها. ولقد دوّن الكاتب الفرنسي ألفونسو دو لا مارتين:

وبعد السلطان أحمد الأول، أظهرت خلافة الأخ لأخيه أن قوانين جنكيز خان، التي تعتبر بأن السيادة السياسية حكر على العائلة الحاكمة، ما زالت قيد العمل لدى الإمبراطورية العثمانية.

ولقد زادت هذه العملية من رصيد السلطان أحمد الأول، كما وقد وضع السلاطين المتعاقبين من بعده مصير الإمبراطورية في حال حرج. وبرغم أن عملية حيازة الأكبر عمرًا لعرش السلطنة قد أنهت ممارسة قتل الإخوة، فإن في ذلك مجموعة عديدة من الإعاقات للدولة:

1. عندما تمت وراثة الحكم من الأب لابنه في المرحلة الأولى من الدولة، كان متوسط حكم السلطان أطول، وكان لديه ثبات سياسي أكثر قوة؛ وذلك لأن أفراد العائلة الكبار في السن قد حصلوا على عرش السلطنة في الفترات المتأخرة، وفترة حكمهم أقصر بحيث لم يكن السلاطين قادرين على إظهار الدينامية المطلوبة كأباطرة.

2. تبعًا للسابق، فإن الأمراء الذين يتم تعيينهم كحكام في السناجق والولايات المختلفة، كانوا يحوزون على تدريب سياسي جيد، بينما ذهبت هذه الخبرة السياسية أدراج الرياح نتيجة بقائهم منتظرين دورهم لخلافة العرش في القصر.

3. في بداية حكم السلطنة، كان الأمراء حكام السناجق، هم السلطة الوحيدة التي تلي القصر الحاكم، بينما عندما بدأوا بالبقاء في القصر منتظرين دورهم، فإن سلطات أخرى، من خارج العائلة الحاكمة، بدأت بالتدخل في نظام الحكم، كالوزراء والعلماء والجند، بل وحتى الشخصيات العامة، بحيث نالوا المزيد من القوة. وبعد أن عاش الرحالة والحقوقي الإنكليزي، سير هنري بلونت Blount، بين عامي 1634 و 1636 بعدما رأى الانكشارية قد سببت المتاعب للسلطان، قال التالي:

السبب في ذلك هو السلطان أحمد الأول، الذي أنقذ حياة أخيه حينما تم تتويجه، بحيث جعله فيما بعد يدّعي حقه في السلطنة؛ وفي هذا العمل إعطاء الفرصة لسفهاء العسكر أن يذوقوا من الدم الملكي، الذي مُنع من استعادة كرامته المفقودة.

أقر الدستور العثماني لعام 1876 خلافة الفرد الأكبر بعد السلطان المتوفى. وبرغم أن السلاطين العثمانيين في القرن الأخير من الإمبراطورية قد حاولوا استعادة تأسيس نظام الوراثة القديم، لتتويج الأمراء الشباب والديناميين، كما يحصل لدى السلالات الأوروبية، ولكنهم فشلوا. ومن الخطأ تقييم الحوادث دون وضعها في مكانها، وكذا الأخذ بعين الاعتبار بالجهات الفاعلة دون الشروط المحدِّدة لهذه الفترة. ولذلك فمن السهل وصف مسألة قتل الإخوة في الأيديولوجيا العثمانية بأنها عمل وحشي، أو عدوانية أو أنانية على أقل تقدير. فمسألة قتل الإخوة هي مسألة غامضة في حال نظرنا لها من إطار العواطف والوجدان، ولكنها مع ذلك من أحد أهم العناصر التي أبقت الإمبراطورية العثمانية على قيد الحياة لقرون عدة.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.