أثار ظهور “أبو عبيدة”، المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، على ظهر دبابة “ميركافا 4” في تأبين شهداء الأنفاق، ردود أفعال متباينة، وعلى نطاق واسع، بسبب التغطية الكبيرة التي حظي بها التأبين.

فما بين إفراط بعض الفلسطينيين في التفاؤل حيال تطور منظومة تسليح المقاومة، وانتقاد البعض الآخر لاتخاذ مثل هذه الخطوة، وتهكم الإسرائيليين على ما حدث. كان من المهم استكشاف قصة الدبابة التي أظهرتها المقاومة في 31 يناير 2016.


هل خشيت إسرائيل دبابة غزة؟

لم يكن الاهتمام الإسرائيلي بدبابة غزة وليد هذه الأيام، بل بدأ في مايو 2015، مع تداول وسائل التواصل الاجتماعي لبعض الصور التي تُظهر وجود هيكل دبابة في أحد المواقع التابعة لحركة حماس في قطاع غزة.



سخرت وسائل الإعلام الإسرائيلية من نموذج الدبابة الذي أظهرته المقاومة خلال تأبين شهداء الأنفاق.

حيث ذكر موقع (0404) المقرب من قوات الاحتلال، أن ما ظهر هو مجسم لمحاكاة دبابة “ميركافا 4″، يتم استخدامه للتدريب بواسطة سلاحي الهندسة ومضادات الدروع التابعة للقسام. كما تهكّم الموقع على من زعم أن الدبابة قد تكون حقيقية، ويمكن استخدامها في عمليات عسكرية.

وبعد ظهور الدبابة في ساحة حفل تأبين شهداء الأنفاق في 31 يناير 2016، تحدث تقرير إسرائيلي على موقع “المصدر”، بعنوان: “دبابة حماس تتحوّل إلى نكتة”، عن أن حماس ادّعت نجاحها في اغتنام أحد دبابات الجيش الإسرائيلي “ميركافا 4” وترميمها من جديد ومن ثَمَّ استخدامها، ولكن سرعان ما انكشف التزوير وتحوّلت الدبابة المقنّعة إلى نكتة على حماس.

حيث ذكر التقرير أن الدبابة لا تتقدّم على مساراتها المتواصلة الواقعة على طرفيها، كما كان ينبغي، وإنما تسير على عجلات شاحنة تم تركيبها تحتها. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أجزاءً كبيرة في جانبي الدبابة ومقدّمتها تم “إكمالها” بواسطة مواد بسيطة، كما يبدو من خشب تمت تغطيته بالنايلون. وأضاف التقرير ساخرًا: “يمكنهم أن يقولوا لسكان غزة إنّها دبابة إسرائيلية جديدة، طالما أن الكرتون لم يتبلل بالشتاء”.

iejfg

iejfg

كما كتب أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي للإعلام العربي، في حسابه على تويتر: “حماس تستخف بعقول الناس بعرض دبابة ميركافا إسرائيلية كأنها غنيمة ولكن هذا هو مجرد مجسم خشبي سخيف يتحرك على عجلات”.

وإجمالاً، فقد خلص المحللون الإسرائيليون إلى أن حماس تحاول الترويج لها، وشنّ حربٍ نفسية على إسرائيل، لتشجيع نشطائها، واستعراض قوتها داخليًّا. لكنهم قللوا من إمكانية أن تكون تلك الدبابة ذات قيمة، مشككين في أن تكون أكثر من مجرد هيكل سائر على ظهر سيارة عادية، ومستبعدين أن يكون هذا الهيكل عائدًا لدبابة تابعة للجيش الإسرائيلي.


ثلاث محطات في ظهور دبابة المقاومة

تعود قصة هذه الدبابة التي ظهرت مؤخرًا، إلى الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة في صيف 2014، فخلال معركة “العصف المأكول” التي شنتها كتائب عز الدين القسام، قامت المقاومة بتنفيذ عمليات نوعية موجعة، كبّدت قوات الاحتلال خسائر كبيرة في صفوفه، وأحبطت هجومه البري ضد قطاع غزة في أكثر من موضع.



لن تحتاج المقاومة إلى إنتاج أو استخدام أسلحة ثقيلة، إلا إذا تمكنت من تحييد سلاح الطيران الإسرائيلي في مواجهاتها المستقبلية.

ومن ضمن هذه العمليات، قيام عناصر من الكتائب بالهجوم على قوات الاحتلال في حي شرق التفاح بغزة، خلال أيام 22 و23 يوليو 2014، ونجاحهم في قتل قائد الوحدة الإسرائيلية المدرعة (188) هناك و13 من جنوده، وأسر الجندي “شاؤول آرون”، وتدمير عدد من المركبات الحربية.

وخلال هذه العملية نجحت قوات كتائب عز الدين القسام من الاستيلاء على إحدى دبابات جيش الاحتلال من طراز “ميركافا 4″، والتي لم يكن هيكلها الخارجي قد تدمر تمامًا.

وقد وردت هذه التفاصيل لأول مرة، ضمن فيلم “كمائن الموت”، الذي أطلقته الكتائب في يوليو 2015، بمناسبة مرور عام على حرب غزة. ويستعرض الفيلم تقارير مصورة عن سلسلة من الكمائن، نفذتها عناصر المقاومة خلف خطوط العدو في حي شرق التفاح، وذلك من خلال اقتحام الموقع العسكري عبر أحد الأنفاق من تحت الأرض. وقد ظهرت مشاهد داخل الفيلم لأحد عناصر المقاومة على ظهر الدبابة “ميركافا 4″، وهو يروي قصة الهجوم.


وفي مايو 2015، ظهرت لأول مرة، على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية، صورٌ للدبابة “ميركافا 4” داخل أحد مواقع التدريب العسكرية التابعة لكتائب عز الدين القسام.

وحينها، ذكرت بعض التقارير نقلاً عن مصادر داخل المقاومة الفلسطينية أن ما ظهر هو عبارة عن هيكل للدبابة، تم تصميمه لمحاكاة الواقع، وللخروج من التدريب النظري البحت إلى التطبيق العملي، والتعرف بشكل واضح على أجزاء وعناصر دبابة الميركافا التي يستخدمها جيش الاحتلال في معاركه على غزة. فتصميم هيكل الدبابة جاء بنفس تصميم دبابة الميركافا من حيث الطول والعرض والارتفاع والشكل الخارجي، وجميع أجزاء الدبابة من الخارج؛ مما يمكّن عناصر المقاومة من معرفة نقاط الضعف والقوة في الدبابة، وآلية التعامل معها.

أمّا المحطة الثالثة والأخيرة في ظهور دبابة “ميركافا 4” في غزة، فكان خلال حفل تأبين شهداء الأنفاق السبعة، حيث ظهر “أبو عبيدة” على ظهر الدبابة، وهو ما جعل البعض يعتقد أن المقاومة تمكنت من صنع دبابة، مُستنِدين في اعتقادهم هذا إلى سجل المقاومة في تصنيع الصواريخ وبنادق القنص والطائرات من دون طيار.

وقد أوضحت الكتائب لاحقًا، أن الدبابة التي ظهرت في حفل التأبين تحاكي دبابة “ميركافا 4” الإسرائيلية المتطورة بتفاصيلها الدقيقة، فهي نسخة طبق الأصل منها، زُوّدت بمحرك شاحنة لتتحرك ولكنها ليست للقتال، وإنما لتدريب مقاتلي القسام على مواجهة الدبابات.

وإجمالاً، فقد أكد المحللون العسكريون أن المقاومة لن تسعى إلى إنتاج آليات ثقيلة مستقبلاً، وذلك بسبب عدم جدوى استخدامها في هذه المرحلة من المواجهة، حيث لا بدّ من التركيز على محاولة تحييد التكنولوجيا العسكرية للاحتلال، والتشويش قدر الإمكان على سلاحه الجوي الذي يحتكر أجواء قطاع غزة، فإذا تمكنت المقاومة من تحييد الطيران الحربي الإسرائيلي مستقبلاً، فسيكون هناك جدوى لاستخدام الآليات الثقيلة في أي مواجهة.


«الميركافا» فخر الجيش الإسرائيلي

طالما اعتبرت إسرائيل أن دبابة “الميركافا” هي فخر صناعتها العسكرية، فمنذ وضع نموذجها الأول عام 1974، وهي تخضع لتطويرات وتحسينات مستمرة، منحتها شراسة قتالية، وحماية أكثر، إضافة إلى انخفاض تكلفتها مقارنة بنظائرها على مستوى العالم.

ففي أكتوبر 2013، قرر جهاز الأمن الإسرائيلي وقف تطوير دبابة “ميركافا 4″، والإبقاء عليها بصفتها النموذج الأكثر تقدمًا لدى الجيش الإسرائيلي.



تدور نقاشات حاليًا حول تراجع فاعلية الدبابة «ميركافا 4»، خاصة في ضوء عجزها عن إتمام اجتياح غزة البري في حربها الأخيرة في صيف 2014.

كما أن جهاز الأمن الإسرائيلي لطالما عارض بيع دبابة “ميركافا” تحسبًا من اكتشاف جهات أجنبية أسرار المدرعات المتقدمة والأجهزة المتطورة والمتميزة التي جعلتها الأكثر تقدمًا والأفضل في العالم. إلا أنه وتحت وطأة الأزمة المتواصلة في ميزانية الأمن، وصعوبة الاستمرار في تمويل مشروع تطوير هذه الدبابة، وافق جهاز الأمن الإسرائيلي – لأول مرة في يونيو 2014 – على بيع الدبابة لدولٍ معينة لديها علاقات أمنية طويلة الأمد مع إسرائيل، دون تخوف من تسرب أسرار الدبابة لجهات معادية لإسرائيل.

ومن المعروف أن دبابة “الميركافا” قد اكتمل نموذجها الأول عام 1974، وظهرت للعرض العلني عام 1977، ودخلت الخدمة عام 1979، لتظهر بتصميم جديد غير تقليدي ومبتكر، يُوفر أقصى درجات الحماية للدبابة وطاقمها.

وقد شكّلت حرب لبنان عام 1982 أول اختبار عملي لدبابة ميركافا، حيث كانت إسرائيل في ذلك الوقت تمتلك نحو ٢٠٠ دبابة من هذا النوع كانت في مقدمة القوات المهاجمة، وتعرضت لنيران القوات المواجهة بشكل مكثف، ولكنها أثبتت كفاءة وقدرة على التعامل مع الدبابات المعادية واختراق دروعها، ورغم إصابة نحو 50 دبابة ميركافا خلال المعارك – نجحت إسرائيل في سحبها وإصلاحها جميعًا – فقد تم اعتبار أن هذه النتائج جيدة، بالنظر إلى كثافة النيران التي تعرضت لها، وصعوبة المهمات التي أوكلت إليها.

وفي أواخر عام 1983، أدخلت إسرائيل الى الخدمة ميركافا 2 التي كانت تعمل على تطويرها قبل حرب لبنان. وفي عام 1989، كشفت إسرائيل رسميًّا عن ميركافا 3، والتي تم اعتبارها مختلفة جوهريًّا عن النماذج السابقة، وليس تطويرًا لها، وقد بلغ سعرها حينئذ نحو 3.2 مليون دولار مقارنة بـ 9.1 مليون دولار لميركافا 2.

وفي عام 2000، كشفت إسرائيل النقاب عن دبابة ميركافا 4 التي دخلت إلى الخدمة عام 2004. وقد تم تطوير منظومة التسليح الخاصة بالدبابة، وتوفير مستويات أعلى من الحماية لها ضد التهديدات الأفقية أو العمودية الآتية من الصواريخ الجديدة المضادة للدبابات.

وكان الاختبار الأول لميركافا 4 خلال حرب تموز 2006، والتي دارت في جنوب لبنان، وحسب المعلومات المتوفرة، فقد تم استخدام نحو 400 دبابة ميركافا في المعركة، أصيب 50 منها، وتم اختراق الدروع في 22 حالة. وبلغت خسائر طواقم الدبابات 30 قتيلاً، و100 جريح، وهي أرقام مرتفعة نسبيًّا، واعتبرت خمس دبابات ميركافا غير قابلة للإصلاح.

وقد أثارت هذه النتائج قلق إسرائيل تجاه فاعلية النموذج الجديد. لذا، قررت تطوير ميركافا 4، عام 2008، وتزويدها بنظام دفاع نشط للصواريخ، يتألف من رادار، وجهاز إنذار ليزري، ونظام “تروفي” الذي يُطلق قواذف مضادة لتدمير الصواريخ على مسافة آمنة من الدبابة المستهدفة.


هل تفشل «الميركافا» في اجتياح غزة؟


تدور نقاشات حاليًا حول تراجع فاعلية الدبابة “ميركافا 4″،

خاصة في ضوء عجزها عن إتمام اجتياح غزة البري في حربها الأخيرة في صيف 2014. بل ويذهب المحللون العسكريون إلى أنه مع تطور الترسانة العسكرية للمقاومة، سيتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة إذا ما قرر أن يجتاح غزة بريًّا.

فكيف ذلك؟.

أي عملية برية قد يلجأ إليها الجيش الإسرائيلي، ستكون انطلاقًا من الأماكن المفتوحة بالتوازي مع هجمات بحرية، وقصف جوي، ليتحاشى القتال بين الأبنية وفي الشوارع، وليحصر القتال في بقع يختارها ضمن خطط مسبقة. ثم يقوم بدفع بعض وحداته المدرّعة من أكثر من مكان لتتخذ وضعية الاستطلاع بالقوة، ولدفع المقاومة إلى الخروج لمواجهة طلائع القوة المدرعة، وكذلك لشل قدرة المقاومة على إطلاق صواريخها.


وهنا نذكر عدة عوامل قد تقوّض هذه الخطط الإسرائيلية:

  1. من المؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيدفع في طليعة قواته الدبابة “ميركافا 4″، وهي المزودة بجهاز “تروفي” الذي يُشكّل حقل حماية حول الدبابة، ويعمل على تفجير القذائف التي تقترب من الدبابة، ورغم تقدّم هذا النظام إلا أنه يحتاج لتسع ثوانٍ في كل مرة يتم استخدامه وهذا ما يجعله عديم الجدوى إن تمّ إطلاق أكثر من قذيفة باتجاه الدبابة بفوارق زمنية محسوبة.
  2. جنود المشاة سيكونون عبئًا على الميركافا؛ لأنه في كل مرة ستضطر الدبابات إلى استخدام جهاز تروفي، يتحول الصاروخ المنفجر في محيط الدبابة إلى كتلة من الشظايا القاتلة لعناصر المشاة؛ ما سيجعل القادة مجبرين على عدم تفعيل عمل جهاز تروفي لتلافي إصابة مشاتهم، أو الاستغناء عن مرافقة المشاة للدبابات.
  3. في ظل العجز الاستخباراتي الإسرائيلي عن تحديد أماكن المقاومين ومواقع إطلاق الصواريخ، فبالتأكيد لن تستطيع طلائع الميركافا القيام بهذه المهمة؛ لأن المقاومين سيبرزون لهم من خلفهم ومن أمامهم وجوانبهم.
  4. فيما يتعلق بصواريخ المقاومة، فقد صار مؤكدًا أن عملية إطلاقها تتم عبر أجهزة توقيت، وأن المقاومة أعدّت منصات إطلاق من الإسمنت المسلح، ترتبط بخنادق لولبية وتضم مخازن وأماكن استراحة، وبحكم اعتماد الشكل اللولبي، فهذا يعني أن إصابة منصة الإطلاق لن يؤثر على المنشآت المتصلة بها، وبالتالي لن يؤثر على عملية إطلاق الصواريخ.

المراجع




  1. “الاحتلال يتحدث عن دبابة حماس بغزة”، بوابة الهدف الإخبارية، 11 مايو 2015.

  2. “مراقبون إسرائيليون يقللون من قيمة دبابة حماس”، موقع إرم نيوز، 4 فبراير 2016.

  3. هداس هروش، “دبابة حماس تتحول إلى نكتة”، موقع المصدر، 1 فبراير 2016.

  4. “فيلم كمائن الموت”، قناة دراما الأقصى، 17 أغسطس 2015.

  5. “الكشف عن لغز دبابة القسام”، موقع فلسطين أونلاين، 13 مايو 2015.

  6. نادر الصفدي، “أنفاق المقاومة.. 3 مفاجآت تنتظر إسرائيل إذا فكرت بحرب على غزة”، موقع الخليج أونلاين، 3 فبراير 2016.

  7. هناء الكحلوت، “القسام تعلن عن فيلم كمائن الموت وهو الأضخم”، موقع عربي 21، 26 يوليو 2015.

  8. أيمن الحرجاوي، “مجسمات للدبابات الإسرائيلية للتدريب في غزة”، موقع الجزيرة نت، 5 فبراير 2016.

  9. عمر معربوني، “دبابات الصهاينة في كمائن الموت”، موقع بيروت برس، 9 سبتمبر 2015.

  10. “إسرائيل توافق على بيعها.. 4.5 مليون دولار ثمن دبابة الميركافا”، وكالة فلسطين اليوم الإخبارية، 8 يونيو 2014.

  11. “إسرائيل توقف تطوير دبابة ميركافا 4″، موقع صحيفة الحياة، 5 أكتوبر 2013.

  12. فادي نصار، “دبابة ميركافا في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية: الجزء الأول”، مجلة الدفاع العربي، ديسمبر 2015.

  13. فادي نصار، “دبابة ميركافا في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية: الجزء الثاني”، مجلة الدفاع العربي، ديسمبر 2015.