حسن أزاد: هل الإسلام دين عنيف؟

محتوى مترجم
المصدر	The Islamic Monthly
التاريخ	2015/12/15
الكاتب	حسن أزاد

في أعقاب هجمات باريس التي وقعت في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفي أعقاب الهجمات التي وقعت في الغرب فيما مضى (والتي ستقع في المستقبل بالمرّة)، أصبح سؤال «هل الإسلام دين عنف؟» يُطرح بشكل أكبر كسؤال خطابي يُجيب عن نفسه بنعم الإسلام دين عنف، «وبشكل» أقل كسؤال استفهامي يبحث فعلًا عن إجابة.

الطرح المُفترض بطبيعة الحال هو: أن إسلامًا آخر، «نحن» و«الغرب» وتوجهه العلمانيّ لا نتسم بالعنف. إلا أن هذا الطرح يوضح أن أسئلة مماثلة لذاك السؤال مثل – «هل العلمانيّة تتسم بالعنف؟» – «هل الديمقراطيّة تتسم بالعنف؟» – «هل الإلحاد يتسم بالعنف؟» – ليست محل نقاش (على الرغم من أن الثلاثة أسئلة السابقة لا بد منها كعناصر مُكملة للتصور الغربيّ). تُجادل الفيلسوفة «سوزان لانجر» (1895- 1985م) أن ماهيّة كل عصر يحددها السؤال الذي يطرحه هذا العصر، لأن هناك معايير فكرية معينة تُعرّف هذا العصر والتي تسمح لأسئلة بعينها دون أخرى أن تكون محل طرح!

وهذا العصر هو عصر العلمانيّة (الغربية). هذا العصر هو عصر الديمقراطيّة (الغربية). هذا العصر هو عصر الإلحاد (الغربي). وكل ما دون ذلك مِن أشكال الوجود والتفكير هي بالضرورة غير شرعيّة. وكل ما دون ذلك من أشكال الوجود والتفكير لا تتفق بالضرورة مع هذا العالم الحداثي الذي تقتضي معاييره التي سنّها الغرب المتفوق أن ننتهج أسلوبه وأشكاله في الفكر والوجود. كما تنص تلك المعايير على أن الغرب بطبيعته طيب وغير عنيف، وحتى لا يكون هناك تناقض، فإن أي عنف يضطر الغرب للجوء إليه يكون اضطراريّا مِن أجل مصلحة عُليا – ومِن أجل الرب، ولا شك أن الإسلام، بطبيعته، دين عنف.

يقوم جزء من أسطورة العنف الديني، (كما يطرحها «ويليام كافانو» في كتابه أسطورة العنف الديني)، على افتراض أن الأديان وخصوصًا الإسلام هي بطبيعتها عنيفة.

هناك أعمال أدبيّة لا حصر لها تصف اختراع الأديان حول العالم بأنها مشاريع استعماريّة (كولونياليّة). في الوقت نفسه عندما وصل الاستعمار للمستعمرات، انبرى في التعرف على الناس، «أديانهم»،«ثقافتهم» – بالتالي فهو في الواقع يخلق تلك المعارف. وكما أورد إلينا الفيلسوف الفرنسي «ميشيل فوكو» أن المعرفة والسلطة واحد غير قابل للتجزئة، كلاهما يُشكّل الآخر. ومن ثمَّ، عندما لم تتواجد المعرفة بأيّ من أشكالها في المستعمرات، عمل الاستشراق على خلقها. في الهند البريطانية، على سبيل المثال، كان الاستشراق هو ما خلق «الهندوسيّة»، كذلك أعاد المستشرقون تشكيل الإسلام وصياغته بجديّة.

لقد كان تاريخ الاشتباكات «الغربيّة» مع المسلمين والإسلام، وتداخل الغرب مع تكوينه، تاريخًا طويلا، وقد تم توثيق هذا التاريخ على نطاق واسع. ما لم يتم توثيقه بشكل كاف هو كيف أن أنظمة الحكم الغربية بكياناتها الخطابيّة أعادت تشكيل الإسلام في زمننا المعاصر. فطالما كان الإسلام تاريخيًا، وحتى اليوم، مثبطًا حيويا لكل ما اعتبره الغرب (يختلف عنه في كل شيء).

ماذا أقصد؟ ما أفكر فيه هو الحرب على الإرهاب أو حرب الإرهاب (أقول حرب الإرهاب هنا لأنها تعتبر حقًا حرب الإرهاب بالنسبة للعديد من الناس –من المسلمين– حول العالم. فمثلا إذا حاك صُنَّاع السجاد الأفغان زخارف للطيارات بدون طيار في سجادهم، فإنَّ هُناك شيئًا رهيبًا يُحاك). فقد أوردت «عين على الشرق الأوسط The Middle East Eye» في تقرير لها أن «منظمة أطباء للمسئولية الاجتماعيّة Physicians for Social Responsibility، والتي تتخذ من العاصمة واشنطن مقرًا لها، قد أصدرت دراسة تاريخية تخلص إلى أن ضحايا الحرب على الإرهاب منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر تخطوا 1.3 مليون إنسان، بل قد يصل حتى إلى مليوني إنسان. يستعرض التقرير المكون من 97 صفحة، لمنظمة الأطباء الفائزة بجائزة نوبل للسلام، عدد الضحايا المدنيين للحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب في العراق وأفغانستان وباكستان». وطبعًا، لم يحظَ التقرير بأي إشارة ولو عابرة مِن قبل وكالات الأنباء في نشراتها الإخبارية.

لا شيء مِن هذا طبيعي! ومع ذلك، هذه هي حصيلة الحرب على الإرهاب، حرب الإرهاب. لقد طبَّعت الحرب للعنف ضد السكان المحليين والمدنيين بسبب مخاطر غير مرئية للإرهاب، هكذا إلى ما لا نهاية، وإلى الأبد.

تُلقي الحكومات الغربية اللوم في هذا الخطأ على الحكومات غير الغربية. لقد جرى تقليص كافة أشكال الحُريات في الداخل والخارج باسم الحرب على الإرهاب لإسكات المعارضين.

لكن هذا ليس مجرد خطبة رنانة ضد الحكومات المختلفة في الغرب والشرق. هناك جماعة تسمى داعش ترتكب كافة ما يمكن تصوره باسم الإسلام. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء قد يبدو صادما، إلا أن داعش لا تمثل انحرافًا كبيرا. تستقي داعش أفكارها من الوهابيّة، وهي مذهب تقليدي أصولي معادٍ للفكر.

عاش ابن عبد الوهاب في الفترة من 1703 وحتى 1792م وقد أسس المذهب القائل بأن الإسلام، على مدى القرون، قد شهد انحرافات وتغييرًا من كونه «دين التوحيد الخالص» إلى التوسل بالأولياء والتمسك بالخرافات وعبادة القبور. (كان هذا نقد الوهابيّة للصوفية، وهي توجه أساسي انخرطت فيه الغالبية العظمى من المسلمين على طول التاريخ الإسلامي).

وفقًا للوهابيّة، فإن حصيلة 14 قرنا مِن الفن، الأدب، الفلسفة، الدين والدراسات غير الدينية –بل شتى جوانب الحضارة الإسلاميّة– هي انحرافات جذرية يجب التخلص منها. فكل شيء لم يأتِ الإسلام على ذكره هو بدعة ويجب تمحيصه، هذا التمحيص الذي ما كان غالبًا يتم بوسائل عنيفة لمسح البدعة من على وجه الأرض.

توصلت العائلة المالكة في السعودية، والتي يعود تأسيسها إلى محمد بن سعود (توفى 1765م) وهو زعيم قبلي من منطقة قريبة مما يعرف اليوم بالرياض، لاتفاق مع ابن عبد الوهاب، والذي بمقتضاه يعطي ابن عبد الوهاب الشرعية الدينية لحكم آل سعود في مقابل موالاة آل سعود للخطاب الديني لابن عبد الوهاب.

بذلك، انتشرت الوهابية في المدن والبلدان واضعة السيف على رقبة كل من لا يدخل تحت لوائها. يروي الباحث في الإسلام، خالد أبو الفضل، في كتابه «The Great Theft: Wrestling Islam from the Extremists»: «المصادر التاريخية تروي عن مذابح بشعة ارتكبتها قوى الوهابية في جميع أنحاء المملكة في القرن الثامن عشر». يُعد تحالف آل سعود مع الوهابية بمثابة حجر الزاوية في المملكة التي أنشئت 1932م بدعم طويل الأمد من البريطانيين، الذين أرادوا ولو موضع قدم في شبه الجزيرة العربيّة لتدمير الخلافة العثمانية (وقد تحقق هذا لاحقًا).

بالعودة إلى الوقت الحاضر، فإن داعش تذبح المسيحيين بشكل مُنظم بالرغم من أنهم حسب القرآن «أهل كتاب» (ينطبق نفس الأمر على اليهود). يجادل الدواعش بأن اليهود والنصارى الذين يأتي على ذكرهم القرآن ليس هم أنفسهم يهود ونصارى الزمن الحالي. فالنصارى اليوم يعبدون المسيح والعذراء. وهم بذلك مشركين. والمشركون إما أن يصبحوا مسلمين أو يموتوا.

هذا أمر غير منطقي، لأنه في عهد النبي، وفي عهد صحابته الذين أقاموا أول دولة إسلامية، جرى توقيع معاهدات مع اليهود والنصارى، وقد صانت حيواتهم وممتلكاتهم الشخصيّة.

باسم تنقية الإسلام مِن «الشرك»، هدمت السلطات السعودية بشكل ممنهج العديد من المواقع الأثرية للتراث الإسلامي في مكة والمدينة، مثل قبور بعض الشخصيات الإسلامية الهامة. لقد دار جدل واسع حتى حول هدم قبر النبي، والذي وفقًا للمذهب الوهابي سيكون بمثابة «وثن»،لكن لم يتم الهدم حتى الآن، وما يمنعهم هو بلا أدنى شك رد فعل السواد الأعظم من المسلمين حول العالم. في تلك المواقع، شيدت الحكومة، بدل ما تم هدمه، مباني ضخمة شاهدة على تجذر أفدح أشكال المادية. لقد أصبحت مكة المكرمة – أقدس مدينة في الإسلام – اليوم مشهد سريالي للاس فيجاس إسلامية.

لو نظرنا للصورة المنعكسة في المرآة، فإن داعش اليوم تهدم مواقع أثرية وتراثية هامة. وهي كذلك لديها من المال ما يكفي لتشييد أصنامها الخاصة من الرأسمالية والاستهلاكية، لقد كانت هناك تكهنات عدة حول أموال داعش. وليس غريبا، أن هناك خزائن سعودية تمول التنظيم. ووفقًا لتحليلٍ أجرته «الأتلنتك The Atlantic»، شجع العديد من المشرعين الأمريكيين مسئوليين في الرياض على تمويل مُعارضي النظام في سوريا.

لقد وصف النبي محمد أحد علامات نهاية الزمان ذات مرة قائلا:

إن داعش الغارقة في الدم هي الوجه الآخر لدين تم تجريده من تراثه التاريخي والفكري، بل أنها لا تحمل أدنى شبه بالإسلام الذي تحاول أن تحل محله، أو الإسلام الذي تعيد خلقه بالأحرى. وعلى أقل تقدير، فلنأمل ونصلِّ (ونحاول بمجهودنا الشخصي والجماعي) وما أوتينا من قوة، أننا سنتجاوز داعش.

بالعودة لـ «هل الإسلام دين عنف؟» (وهو السؤال الذي يؤطر عصرنا الحالي) فإنه يرتبط بشكل جذري برؤية علمانيّة يُنظر فيها للغرب على أنه بطبيعته خير للشعوب، وأن الإسلام بطبيعته نقيضًا لذلك. في حين أن الغرب، الذي يعتبر نفسه منارة الديمقراطية والعلمانية، يدعم أنظمة ديكتاتورية تتبنى الوهابية كسياسة لدولتها. في الوقت نفسه، فإن العديد من قادة داعش ينتمون لحزب البعث العلماني العراقي الذي كان ينتمي له صدام. بمعنى آخر، فإن الفراغ الذي أحدثه هجوم الولايات المتحدة على العراق من 2003 وحتى 2011م، هو ما أفسح المجال لظهور داعش في تلك المنطقة المنكوبة.

والآن، هل الإسلام دين عنف حقًا؟ أم أن الفكر الغربي الذي يحدد للنّاس في البلدان الأخرى كيف يجب أن يعيشوا حياتهم لخدمة مصالحنا نحن هو ما يتسم بالعنف؟