هل يراودك
شعور بالقلق أو الذنب حيال طلب إجازة من عملك؟ هل تتغاضى عن شعورك بالإجهاد وعدم
القدرة على الإنتاج وتدفع نفسك للعمل دون النظر لما يعانيه جسدك وصحتك النفسية؟ إذا
كانت الإجابة نعم، فأنت لست وحدك، فالشعور بالذنب حيال طلب الإجازة بات الوباء
الجديد الذي يصيب بيئات العمل في الآونة الأخيرة.

في الواقع، تحفل
حياتنا العملية الحديثة بعددٍ من المصطلحات التي قد لا نكترث لها في البداية، ثم
لا تلبث إلا أن تظهر بجلاء بعد أن تترك أثرها على صحتنا النفسية والجسدية، و«الشعور
بالذنب حيال طلب الإجازة» هو أحدها!

ولكن ماذا
يعني هذا المصطلح الذي يجعل من فكرة قضاء عطلة والبعد عن العمل لبضعة أيام شيئًا
سيئاً؟ وهل هو ذو أثر بالغ على حياتنا لهذه الدرجة؟

يتم تعريف «الشعور بالذنب حيال طلب الإجازة» بأنه تلك الرغبة المُلحِّة لإلغاء أو تأجيل قضاء العطلة بسبب الشعور بالذنب، وكذلك الشعور بالخزي والعار حيال طلب إجازة، خاصة في بيئات العمل التي يثني فيها الزملاء والرؤساء الموظفين بشكل غير مباشر عن أخذ إجازة.

أمر شائع…
ونتائج وخيمة

في المملكة
المتحدة، أُجري

بحث

ٌ عام 2019م شمل
1342 موظفًا لمعرفة من يعاني من هذه المعضلة، وكيف يمكن إدارة الأمر بشكل أفضل، وخلصت
النتائج إلى أن هذا الأمر شائع بين العاملين في جميع أنحاء البلاد، ومن الممكن أن
يكون دافعًا رئيسيًا يؤدي إلى زيادة الإرهاق والإنهاك الناتج عن العمل دون راحة،
والذي أدرجته منظمة الصحة العالمية كواحد من الآثار شديدة الخطورة في بيئة العمل
الحديثة غير الصحية.

كشف البحث أن 66% من البريطانيين العاملين يعانون من هذا الشعور بالذنب، ويُعتقد أن ذلك الشعور يزداد لدى من هم في أمسِّ الحاجة إلى استراحة من العمل، وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يشعرون أنه لا ينبغي لهم طلب إجازة. كذلك أوضحت الأرقام أن 67% من الإناث العاملات و59% من الذكور يعانون منه، وأن هذا الشعور يزداد سوءًا بشكل ملحوظ مع تولي الموظفين المزيد من المناصب العليا؛ حيث يشعر 92% من المديرين التنفيذيين بهذا الضغط.

بحث عن الشعور بالذنب من طلب الإجازة

جيل الألفية
هو الأكثر تأثرًا

عن الفئات الأكثر تضررا، أظهرت نتائج

بحث

أجرته شركة Allianz الأمريكية للتأمين، على 1009 مواطنين أمريكيين عام 2017م، أن 25% من جيل الألفية والذين تتراوح أعمارهم ما بين (18-35) هم الأكثر تأثرًا وشعورًا بذلك الخوف والذنب والعار حيال طلب الإجازة، بينما الجيل السابق لهم ، المولودون ما بين 1965-1980 كانت نسبتهم 14%، ومن تزيد أعمارهم عن 55 عاما كانت النسبة 6% فقط.

كذلك أوضح البحث أن 48% من جيل الألفية لا يستخدمون كل إجازاتهم مدفوعة الأجر كل عام، وأنه قد مضى أكثر من عام منذ أن أخذ حوالي نصف الأمريكيين 53% إجازة آخر مرة، وقال ما يقرب من أربعة من كل عشرة عمال 37٪ إنهم لم يأخذوا إجازة منذ أكثر من عامين.

بحث شركة Allianz عن الشعور بالذنب من طلب الإجازة

أسباب مُعلنة
وأخرى غير مُعلنة

الأمر له عدة أوجه ولا يأتي هذا الشعور بشكل عرضي أو من فراغ، فهناك أسباب تدفع هؤلاء العاملين للإحساس بالذنب. أفاد المشاركون في الاستطلاع أن الأسباب الأكثر شيوعًا التي تولٍّد مشاعر سلبية عند طلب إجازة تشمل: عدم رغبتهم في إحباط مجموعة العمل وأقرانهم أو رئيسهم، وأن مدراءهم يتوقعون منهم ألا يأخذوا كل إجازتهم كيلا يُعطلوا عجلة العمل.

ومن ضمن الأسباب الرئيسية أيضا هو شعور الفرد بأن زملاءه في العمل ليسوا على درجة من الكفاءة بأن يؤدوا المهام المطلوبة بشكل جيد، وأنه هو وحده من يستطيع إنجازها بكفاءة.كذلك، القلق من أن يؤثر طلبه للإجازة على الحصول على ترقية أو أن ذلك قد يُظهر عدم جديته في العمل وأنه لا يمكن الاعتماد عليه. علاوة على ذلك، فهو يشعر بضغط أنه بمجرد عودته من الإجازة، سيكون لديه العديد من المهام المضاعفة التي يتوجب عليه إنجازها.

وعن الأسباب
غير المعلنة، أوضح

تقرير

آخر
صادر عن شركة السفر العالمية Businesswire عام 2019، استهدف 1000 مستهلك تتراوح
أعمارهم بين 18 عامًا فأكثر، ويعملون حاليًا بدوام كامل، مدى عدم التوازن بين
الحياة والعمل لدى العاملين الأمريكيين، وكانت كالآتي:

  • أنهم يشعرون بأن العمل يتبعهم حتى بعد مغادرة مكاتبهم. وحسب التقرير، فهناك واحد من كل ثلاثة، أي 29% تقريبًا قالوا إن شركتهم، أو رئيسهم، يتوقعون أن يكونوا «متاحين» حتى في أثناء فترة الراحة، بينما ذكر واحد من كل أربعة 38% أنهم يشعرون بضرورة مُلحّة للتحقق من البريد الإلكتروني أو الرسائل الصوتية في أثناء تواجدهم خارج العمل، ويضيف التقرير أن 15% من العمال الأمريكيين يقولون إنهم في نهاية المطاف يعملون خلال جزء من كل إجازة يأخذونها.
  • يتولّد «ذنب العمل» على الفور عندما يبدأ الموظفون وظيفة جديدة، فيقول أكثر من ستة من كل عشرة مشاركين إنهم ينتظرون ستة أشهر على الأقل قبل أن يشعروا بالراحة الكافية لأخذ إجازة، بينما ينتظر 21٪ آخرون عاما كاملا.

كما يشير البحث إلى أن الموظفين حتى لو لم يستطيعوا استخدام إجازاتهم مدفوعة الأجر، فإن العديد منهم يكملون ذلك الوقت بأيام «مرضية» عن طريق التظاهر بالمرض أو اختلاق قصصٍ وهمية للحصول على يوم إجازة مجاني، وكان ذلك الأمر واسع الانتشار بين الشباب.

مخاطر الإرهاق
المزمن على الصحة

قضاء إجازة بعيدًا عن العمل هو أمر ضروري للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية للأفراد، فإن تمادوا في الاستمرار في العمل على الرغم من شعورهم بإرهاق شديد، قد يؤدي ذلك لأضرار سلبية وخيمة وإرهاقٍ مُزمن، كما أشارت

دراسة



حول آثار الإجهاد المزمن، والذي يُزيد من فرصة الإصابة بالسمنة، والسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وزيادة الشعور بالألم والتعب لفترات طويلة، بالإضافة لمشاكل بالجهاز الهضمي والتهاب الجهاز التنفسي وانخفاض المناعة.

وعلى المستوى النفسي، يؤدي ذلك للإصابة بالأرق واضطرابات النوم، وظهور أعراض اكتئابية، واعتلال الصحة النفسية. وكذلك، فالآثار السلبية تطول العمل بحد ذاته من حيث شعور الأفراد باستنفاد الطاقة كلية، وزيادة المشاعر السلبية تجاه الوظيفة وعدم الرضا الوظيفي، وأخيرا تقليل الكفاءة المهنية.

هل لقضاء
العطلة ذلك الأثر الإيجابي الواضح؟

قضاء العطلة
ليس شيئًا مغلّفًا بالرفاهية المطلقة، بل هو شيء أساسي كي يستطيع الفرد مواصلة
عمله والحفاظ على صحته النفسية والجسدية، حيث تشمل

فوائد

العطلة:

  • الحد من التوتر، حيث خلصت دراسة أصدرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس أن الإجازات تعمل على تقليل التوتر عن طريق إزالة الأشخاص من الأنشطة والبيئات التي قد تكون منبعا لذلك. كذلك، فقد وجدت دراسة كندية شملت ما يقرب من 900 محامٍ أن أخذ الإجازات يساعد في تخفيف ضغوط العمل وأن هذه الآثار الإيجابية تستمر بعد فترة الإجازة أيضًا.كما وجدت دراسة من جامعة فيينا أنه بعد أخذ إجازة من العمل، كان لدى الأفراد عدد أقل من الشكاوى الجسدية المرتبطة بالتوتر مثل الصداع وآلام الظهر واضطرابات القلب.
  • تحسين الإنتاجية، فمن خلال اندفاعنا إلى أن نكون منتجين دائما، غالبًا ما نقوّض قدرتنا على الأداء الجيد باستمرار. أجرت شركة الخدمات المهنية Ernst & Young دراسة داخلية لموظفيها ووجدت أنه مقابل كل 10 ساعات إضافية من وقت الإجازة التي يقضيها الموظفون، تحسنت تقييمات أدائهم في نهاية العام بنسبة 8٪. علاوة على ذلك، فالأشخاص الذين يقضون إجازات متكررة كانوا أقل عرضة لترك الشركة. كذلك وجدت دراسة أخرى أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية أن الموظفين المحترفين الذين طُلب منهم أخذ إجازة كانوا أكثر إنتاجية بشكل عام من أولئك الذين قضوا وقتًا أطول في العمل.
  • نوم أفضل، فعندما لا نستطيع إيقاف الثرثرة الناتجة عن التفكير الدائم في العمل ومشكلاته يؤثر ذلك على كفاءة وعدد ساعات نومنا، مما يترتب عليه قلة التركيز وضعف في الذاكرة، وزيادة احتمالية وقوع الحوادث.

هل من سبيل
للحصول على فوائد الإجازة والتخلص من الشعور بالذنب؟

نعم، هذا ممكن جدا، باتباع بعض

النصائح

التي تساعدك على ذلك:

  1. ضع حدودا للعمل، فإذا كنت قلقا بشدة حيال تنفيذ المهام في عملك بشكل جيد وأنت غير موجود، من الممكن أن تحدد اتصالك بالعمل، ذلك سيكون أفضل كثيرا من الانفصال كلية مع شعور بالذنب والقلق حيال سير الأمور في العمل. من الممكن أن تحدد قليلا من الوقت، ساعة على سبيل المثال، لعمل مكالمات هاتفية أو متابعة بريدك الالكتروني، ذلك سيجعلك تشعر براحة أكثر.
  2. إنشاء إجراءات تفويض قوية حتى يتمكن العاملون من معرفة أدوارهم بشكل جيد حيال غياب الزملاء الآخرين. فالسماح للأشخاص بمعرفة ما يجب عليهم فعله يساعدهم على الشعور بالهدوء، ومن ثم يسير العمل بشكل جيد، وعلى المديرين أن يكونوا قدوة في ذلك حتى يتسنى لباقي العاملين أن يشعروا بأهمية ذلك والقيام به بشكل صحيح.
  3. التخطيط للمستقبل، فمحاولة إكمال المهام بسرعة في وقت قصير للحصول على إجازة قد يصيبك بالذعر ويزيد من شعورك بالذنب. لذلك، إذا كنت تخطط لإجازةـ عليك إدراجها في خطة العمل قبلها بفترة ليست بالقصيرة، حيث تستطيع أنت ومدرائك وزملائك في العمل من معرفة كيف سيتم تنفيذ المهام القادمة والالتزامات خلال ذلك الإطار الزمني. اعمل على إكمال أي مهام في وقت مبكر، حتى لا يكون هناك اندفاع في الأسبوع أو قبل أيام قليلة من العطلة.
  4. التفكير في الوقت المناسب لأخذ إجازة، وعدد الأشخاص الذين يأخذون إجازة سنوية في وقت واحد – فأخذ إجازات خلال وقت مزدحم للعمل هو أحد مسببات الشعور بالذنب. لذلك فترتيب جداول العمل والمهام مع ضمان وجود زميل عمل في المكتب يمكنه القيام بالواجبات بشكل جيد يقلل من التوتر بشكل كبير.
  5. إدارة الأجهزة؛ كن سيدًا بدلاً من أن تكون عبدًا لأجهزتك. وقلل فحص المكالمات خلال ساعات الراحة. خفف من استخدام الرسائل الفورية حتى لا تتوقع أنك متواجد على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

فائدة شخصية تعم على الجميع

الاستمتاع بالعطلة وقضاء بعض الوقت بعيدا عن العمل، هو أحد حلول تجنّب الإرهاق المزمن، ووسيلة هامة للمساعدة على إعادة الشحن، والعودة للعمل أكثر نشاطا وإنتاجا. كذلك، فهي تتيح لك الفرصة في أن تكون قادرا على التفكير بشكل جيد بعيدا عن الضبابية التي يسببها الإنهماك في العمل من دون راحة. لكن الشىء الأكثر أهمية من مجرد معرفة الآثار الإيجابية للعطلة، هو اقتلاع ذلك الشعور بالذنب الذي يمنعك من الحصول على تلك الراحة في المقام الأول.