بعينيك فقط: دليلك للسفر في أعماق السماء

ليس هناك ما هو أفضل من الاستلقاء ليلًا تحت سماء حالكة، حتى إن كنت لا تعرف شيئًا عنها. فقط بتأمل تلك النقاط البيضاء الكثيفة، وذلك الحزام الدخاني الضخم، يمكن أن تحصل على قدر عظيم من المتعة لا يمكن أن يفوقه إلا أن تكون على درجة من المعرفة بما تراه فوقك من نجوم وأجرام أخرى.

يتصور البعض أنك بحاجه إلى أدوات غالية الثمن ومعقدة كي تتأمل روائع سماء الليل تلك، لكن ذلك غير صحيح، بالعينين المجردتين فقط يمكن أن تغوص في بحر آخر أكثر عمقًا من النجوم نفسها.

في تقرير سابق تحدثنا بصورة مفصلة، ومبسطة قدر الإمكان، عما يمكن أن تلتقطه عيناك في السماء الصحراوية الحالكة من أجزاء حزام المجرة الذي يمتد في كل فصول العام تقريبًا، أو النجوم المزدوجة، تلك التي تمثل نصف نجوم السماء.

أما هنا فسوف نواصل رحلتنا إلى ما هو أكثر دقة، وربما روعة، مما سبق، حيث تمكننا السماوات المظلمة من رصد العديد من روائع السماء العميقة، كالسدم والمجرات والتجمعات النجمية. لكن قبل أي بداية مع أجرام السماء العميقة DSOs، دعنا نوضح بعض الملاحظات.

اقرأ أيضًا:

صائدو المجرات: كيف يمكن أن ترى أعماق السماء دون تلسكوب؟

علامات على الطريق

1. يمكن للعين البشرية السليمة أن ترى في السماوات الصحراوية بحد أقصى 6.5 للقدر الظاهري، والقدر الظاهري هو، ببساطة، لمعان النجوم والأجرام السماوية الأخرى بالنسبة لنا هنا على الأرض.

2. ضمن هذا القدر قد تكون هناك بعض الأجرام المنتشرة فلا تكون واضحة، لكنك سترى معظمها.

3. تحتاج عيناك لفترة كي تتكيف مع الظلام، أي ضوء بسيط سيتطلب أن تنتظر قليلًا في الظلام حتى تتكيف عيناك من جديد.

4. لا يمكن أن ترى الأجرام جيدًا في الصحراء بوجود القمر في أي من أطواره.

5. ستكون الأجرام أكثر وضوحًا إن كانت فوقك تمامًا، أما عند الأفق فالأجرام، حتى وان كانت لامعة، ستبدو بوضوح أقل.

6. يكون الرصد صعبًا في المرات الأولى، ترفع الخبرة من قدراتك على جمع الأجرام السماوية في ليلة واحدة.

7. لا تظهر الأجرام السماوية العميقة للعين المجردة، أو لأي أداة، ملونة، بل فقط بالأبيض والأسود.

كبداية جيدة إذن يمكن أن نبدأ من أجرام مسيية Messier Objects، وكان تشارلز مسييه، الفلكي الفرنسي، في أثناء بحثه عن المذنبات بالمرصد الملاحي في باريس، قد لاحظ وجود أجرام غير ذات شكل منتظم في السماء، فقام بوضعها في قائمة تضمنت 110 منها، بحيث تكون دليلاً للفلكيين الباحثين عن المذنبات فيما بعد كي يتجنبوها، لكن مسييه لم يكن يعرف أن هذه هي مجموعة من المجرات، السدم، التجمعات النجمية العنقودية والمفتوحة، وقد أصبحت تلك القائمة هدفًا لكل هواة الفلك من أنحاء العالم، حيث تقام ماراثونات سنوية لمن يتمكن من رصدها بالتلسكوب الخاص به.

وتشتهر أجرام مسييه بالحرف M، بحيث تكون مثلاً M 101 معبرة عن مجرة دولاب الهواء (Pinwheel Galaxy)، وM 81 معبرة عن مجرة بود (Bode’s Galaxy)، وهكذا ..، ويمكن للناظر بالعينين المجردتين أن يرى من تلك المجموعة أكثر من 21 جرم تقع كلها في القدر الظاهري 6 أو أقل منه، كذلك فإن هناك 14 منها يمكن أن تُرى بالعين المجردة في ظروف أكثر دقة تمتد بين القدر الظاهري 6.1 والقدر 6.5، لكننا لن نلتفت إلى تلك المجموعة الأخيرة لأنها تقع في منطقة الاحتمالات الواسعة. الآن دعنا في البداية نجمعها معًا في قائمة واحدة ثم نبدأ في تقصي مزايا وعيوب رصد كل منها:

يمكن لك أن تتعلم الكثير عن أجرام مسييه من هنا، حيث يقدم هذا الدليل البسيط:

مجرة مسلسلة

أندروميدا (المرأة المسلسلة) أو M 31 هي المجرة الوحيدة التي يمكن أن تراها بوضوح في قائمة أجرام العينين المجردتين، فعلى الرغم من أن مجرة المثلث M 33 تتواجد ضمن النطاق المسموح به للعينين المجردتين، لكنها لا تظهر بوضوح بسبب أنها تتخذ في السماء شكلًا منتشرًا بعض الشيء فلا تظهر ملامحها، أندروميدا نفسها لا تظهر بوضوح كذلك، فما نراه منها هو المركز اللامع فقط، والذي يظهر كلطخة لامعة بعض الشيء، أما بقية المجرة فلا تظهر إلا في التلسكوب.

نحن نسكن في مجرة درب التبانة، وهي مجرة قطرها مئة ألف سنة ضوئية، ما يعني أننا لو أطلقنا شعاعًا ضوئيًا من أحد طرفي المجرة فسوف يأخذ 100 ألف سنة حتى يعبرها.

وتعيش درب التبانة مع رفيقاتها في المجموعة المحلية (Local group)، وهي مجموعة من المجرات تسكن بالقرب من بعضها البعض، أقرب تلك المجرات لنا هي المرأة المسلسلة (Andromeda) التي ربما تحتوي على تريليون نجم، ثلاثة إلى أربعة أضعاف نجوم مجرتنا، وضعف قطرها، وتبتعد عنا حوالي 2.5 مليون سنة ضوئية، والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة، وتساوي تسعة تريليونات ونصف من الكيلومترات.

لتخيل تلك المسافة دعنا نفترض أن درب التبانة هي طبق سلطة صغير، سوف تكون المرأة المسلسلة إذن هي طبق أرز أكبر على بُعد مترين ونصف إلى الأعلى قليلاً في طرف الغرفة الآخر، هذا الطبق هو ما ستراه إذا استخدمت الخريطة المرفقة للوصول إلى موضع أندروميدا، حدد المربع الخريفي، ثم انطلق مسافة نجمتين في كوكبة المرأة المسلسلة، ثم للأعلى. هناك على كل تلك المسافة الشاسعة، أنت ترى ما حدث عند تلك اللطخة من النور قبل 2.5 مليون سنة!

وصياد محترف

أما بالنسبة للسدم فإن الجبار Orion Nebula لا شك هو الأكثر وضوحًا للعينين المجردتين في سماء الليل الصحراوية، نراه ما بين الخريف وأوائل الربيع، يقع في موضع مميز أسفل حزام الجبار أشهر معالم الكوكبة وربما السماء كلها، يقع السديم في منتصف منطقة الغمد، ويمكن للمدقق بالعين المجردة أن يراه في سماء صافية خالية من التلوث الضوئي كنجم باهت، كان أول من أشار لسديم الجبار في كتاب هو الفلكي السويسري «جوان بابتسيت سايسا» في أوائل القرن السابع عشر.

سديم الجبار ضخم للغاية، فوق التصور لو أمكن أن نقول ذلك، يبتعد عنا 1500 سنة ضوئية، يبلغ قطره – لو تصورناه كدائرة – حوالي 12 سنة ضوئية؛ أي أنه بقطر اثنتي عشرة مجموعة شمسية تقريبًا.

يظهر سديم الجبار كنجم باهت بعض الشيء أسفل حزام الجبار، أما حلقة برنار، تلك الحلقة الحمراء الضخمة التي تراها في الصورة، فللأسف لا يمكن أن تراها بالعينين المجردتين.

وتجمعات مفتوحة

ربما يكون التجمع الأقرب لي وللكثيرين من الهواة هو تجمع القفير (Beehive) في كوكبة السرطان (Cancer)؛ وذلك لأن نجومه تتخذ شكلًا متميزًا حينما تنظر ناحيتها بتلسكوب صغير، أما بالعينين المجردتين فستراه كلطخة صغيرة من الضوء في قلب كوكبة السرطان.

يبتعد السديم عنا حوالي 500 سنة ضوئية، وهو بذلك يعد من أقرب التجمعات لنا، وكثيرًا ما يقترن مع القمر، يمكن استغلال ذلك كفرصة للتعرف على مكانه ثم محاولة اصطياده في وقت لاحق.

أما كل من الثريا والقلائص، في كوكبة الثور، فهما لاشك أفضل ما يمكن أن ترى من تجمعات مفتوحة في سماء الليل بعينيك المجردتين، حتى في سماء المدينة يمكن أن ترى كلاً منهما بكامل روعته، ترى القلائص Hyades حول نجم الدبران Aldebaran، تصنع ألمع نجوم التجمع حرف (V) الشهير والذي يصنع وجه الثور.

الدبران ليس جزءًا من هذا التجمع، الذي يبتعد عنا حوالي 153 سنة ضوئية، بينما يبتعد الدبران عنا 65 سنة ضوئية فقط، لكنهما يقعان بنفس الاتجاه بالنسبة للناظر من على الأرض. أما إلى يمين الدبران على مسافة قصيرة سوف تلتقي عيناك بمجموعة نجوم خافتة صغيرة الحجم لكنها قريبة جدًا من بعضها البعض بحيث تصنع ما يشبه الـ «كنكة» أو خطاف الصنارة الصغير، تلك هي الثريا Pleiades.

كذلك واحد من أروع ما يمكن متابعته في سماء الصحراء، لكنه ليس في قائمة مسييه، هو التجمع النجمي المزدوج The Double Cluster أعلى كوكبة برشاوس Perseus أو حامل رأس الغول. يتواجد خلف المرأة المسلسلة، ويمكن لك تحديد موقعه من خرائط الجزء السابق لهذا التقرير. التجمع هو تجمعين مزدوجين متجاورين، يمكنك الوصول له بكل سهولة بالعين المجردة، أو بالنظارة المعظمة أو بالتلسكوب. التجمع القريب لكوكبة برشاوس «c (chi) Persei» عمره 12 مليون سنة في حين البعيد عنها عمره 6 مليون سنة فقط «h Persei».

يمكن أن تضيف لتلك المجموعة تجمع الهلبة من كوكبة الهلبة coma berenices كي تحصل على قائمة غاية في السهولة من الأجرام تمثل مستوى أولاً للمبتدئين بالعينين المجردتين في سماء الصحراء، يمكن لك أن تستخدم تقريرين سابقين للكاتب، وهما (منارات السماء: خرائط سماوية للمبتدئين في علم الفلك) و(الصورة الكاملة: خرائط سماوية للمبتدئين في علم الفلك) لتحديد الأماكن الأساسية لتلك الكوكبات التي تحتوي عليها أو بقية أجرام مسييه الموجودة بالقائمة في الأعلى.

في مستوى تالٍ لهذا يمكن أن تضع الرباعي الرائع (M 7 ,M 8 , M 13 , M 22)، التجمعان المفتوحان بالعقرب هما لا شك أحد أهم أهداف الهواة، يظهران مع بعض التدقيق، أما التجمعان العنقوديان فليس من السهل بالمرة أن تمسك بهما عبر عينيك المجردتين، لكنهما ممكنان مع بصر حاد وبعض الخبرة في سماء الليل، يمكن لك بعد ذلك الانطلاق لبقية القائمة الموجودة بالأعلى، أما السيد بوب كينج، وهو هاوي فلك كبير، ويكتب للمجلة الشهيرة Sky & Telescope فيقترح عددًا أكبر مما أعرضه هنا

تجده في الرابط

.

ويضيف سكوت هارينجتون، وهو أيضًا هاوي فلك ثقيل الخبرة، قائمة أكبر بـ 250 جرم من السماء العميقة DSO’s يمكن رصدها بالعينين المجردتين والنظارة المعظمة،

تجد قائمته الرائعة جدًا، والمدعمة بالكثير من الملاحظات، هنا

.

لا يمكن بسهولة أن تصف روعة سماء الليل لشخص لم يرها من قبل، حينما ذهب ابني للصحراء للمرة الأولى انطلق ليجري على الرمل قائلًا إنه يشعر أننا لسنا على الأرض، بل نحن في كوكب آخر نجوم سمائه قريبة، أو كأنه رائد فضاء يطير محمولًا في الفراغ بانعدام الجاذبية، يتأمل كل شيء بوضوح مذهل. ليلة واحدة مع سماء الليل في الصحراء، أو أي مكان ناءٍ، بعيد عن الكهرباء مسافة كبيرة، هي لا شك تجربة مختلفة.