تقول «سيريس ماثيوز»، المطربة الويلزية،

في إحدى أغنياتها

، إنها تشكر ربها كل صباح حين تستيقظ، لكونها نشأت ووُلدت في ويلز، في شعور واضح بالفخر بانتمائها إلى بلدها. وبعيدًا عن وجود احتمال أن يكون ذلك الفخر مُجرد شعور غنائي لا يُشترط اتفاقه مع الواقع، لكن الأكيد أن «سيريس» وغيرها من الويلزيين لم ينالوا ما يمس انتماءهم لبلادهم بالقدر الذي ناله «جاريث بيل»، لاعب ريال مدريد.

قامت سُمعة ويلز كرويًا على أيدي لاعبين أمثال «ايان راش» و«ريان جيجز»، ولم يكن أحد الويلزيين عبر التاريخ عدائيًا ضد جماهير أي نادٍ بالقدر الذي يجذبهم نحو كُره الجنسية الويلزية من الأساس، لكن الحقيقة أن الجماهير في عاصمة إسبانيا الآن لن يُحسنوا سماع اسم دولة ويلز، ويعود السبب في ذلك إلى الجناح القادم من توتنهام.

يعيش بيل أيامه الأخيرة في النادي الملكي في حال غير سعيد، وبعد أن كان الفتى المُدلل لإدارة النادي، والنجم المُنتظر لخلافة «كريستيانو رونالدو»، بات أكثر اللاعبين استقبالًا لصافرات الاستهجان في ملعب بيرنانبيو.

أنواع أخرى من الأوطان

إذا ما تحركت آلة الفاكس معلنة عن استدعاء موجه إليّ من الاتحاد البرازيلي، أقفز في الهواء فرحًا، حتى ولو كنت قد حققت كل شيء ممكن قبل ذلك الاستدعاء. أنا أُمثل 170 مليون فرد من بلادي، وهذا شرف لا يمكن الاستغناء عنه.





البرازيلي «روبرتو كارلوس»، لاعب ريال مدريد السابق،

ردًا على محاولة لإثنائه عن المشاركة الدولية.


في فعل يُمكن أن يوضع على نفس الدرجة مع فخر المُطربة «سيريس» بانتمائها، عبّر جاريث بيل أنه يشعر بالفخر والمُتعة في اللعب لمنتخب بلاده

أكثر مما شعر تجاه اللعب لريال مدريد،

كلا الفعلين اتفق في الفخر بجنسيته وموطنه الأصلي، لكن الفعل الأخير لا يتوافق مع ما قد تُريده الجماهير من لاعبيها في المُطلق.

تشعر جماهير الكُرة بالانتماء إلى أنديتها أكثر من منتخب بلادها. يمكن إسناد ذلك إلى ارتياح نفسي لاختيار قام به الفرد ولم يُجبر عليه، حيث من غير الطبيعي أن يشعر مواطن إنجليزي بالانتماء إلى منتخب فرنسا مثلًا، وسيكون لزامًا عليه إن قرر متابعة اللعبة الدولية، أن يميل لمنتخب المنشأ مهما كانت قيمته الفنية أو الدولية، لكن لن يكون غريبًا أن يميل مواطن من مدينة مانشستر، لأي سبب كان، إلى نادي نيوكاسل على سبيل المثال أو حتى أن يختار ناديًا خارج حدود دولته من الأصل.

يتطور ذلك الشعور بالميل العاطفي إلى تفضيل كامل في كل شيء. قامت إحدى المؤسسات البحثية المعروفة باسم «Grosvenor Sport» قبل انطلاق منافسات كأس العالم بروسيا في 2018، بالسير حول تلك الحقيقة عن طريق إجراء استفتاء داخل حدود إنجلترا، حول ما هو أهم بالنسبة لمشجعي كرة القدم هناك: أن يفوز فريقهم المُفضل بالدوري الإنجليزي المحلي لنفس العام، أم أن يفوز منتخب إنجلترا الأول بالمونديال؟ اختارت الجماهير فوز فريقهم المُفضل بالدوري المحلي

بنسبة 63% من المصوتين

، حتى بالرغم من احتياج إنجلترا بأكملها لفرحة الفوز بكأس العالم الغائب منذ نصف قرن تقريبًا.

منتخب إنجلترا، كأس العالم 2018، روسيا 2018، المنتخب الإنجليزي، الدوري الإنجليزي الممتاز،
جماهير الدوري الإنجليزي تختار بين فوز فريقها المفضل ببطولة الدوري أو فوز منتخب إنجلترا بكأس العالم

مالت كل المدن الإنجليزية إلى تفضيل فرقهم على منتخب بلادهم، عدا سُكان لندن وبالتحديد مشجعي أرسنال وتشيلسي، حيث كانت نسبة تفضيلهم للمنتخب الإنجليزي أكبر بـ56% و58% على الترتيب، أما جماهير توتنهام فكان حالها كحال كل الجماهير الأخرى، وبنسبة تفضيل 65% تفضيل للفريق المحلي على المنتخب القومي. ومع ذلك، لم يُزعج جماهير سبيرز ميل جاريث بيل لمنتخب بلاده عن ميله لفريق توتنهام.

فخر ويلز

يتبادل كل من جاريث بيل وجماهير بلاده الشعور بالحب والانتماء. يُعتبر الويلزي واحدًا من أكبر اللاعبين في العالم، سواء كقيمة تسويقية أو كقيمة فنية، وبالتالي كونه يشعر بالانتماء لمنتخبه، الذي لا يُعد من صفوة المنتخبات الأوروبية، وبالطريقة التي تدفعه للاعتراف بذلك علنًا، فلابد أن يُبادل ذلك بتفاعل من مواطنيه بنفس القدر وربما أكثر.

وبعيدًا عن الأغنية التي يبدأها الجماهير الويلزية بـ «يعيش جاريث بيل – Viva Gareth Bale»

ويتخللها سب لمعاديه

، فإن الجماهير تفاعلت جدًا مع تصريحه باستمتاعه باللعب لمنتخب بلاده بشكل أكثر حدة مما يجعل القضية أكبر من تصريح عابر أمام الميكروفون فقط.

البداية كانت من حديث لـ «بريدراج مياتوفيتش» مهاجم ريال مدريد السابق، الذي تطرق لمعضلة بيل مع الفريق الإسباني، مؤكدًا أن اللاعب الويلزي من الممكن أن تجده مشاركًا مع المنتخب في التوقف الدولي بقوة وذلك بعد أيام قليلة من غيابه عن فريقه بداعي الإصابة. ثم أشار إلى أن ريال مدريد

يأتي في المرتبة الثالثة في ترتيب

أولويات اللاعب.

وقت أن أطلقت الجماهير الأغنية المذكورة، لم يُبدِ بيل إعجابه بها صراحة، وهو ما جعل الأمر لا يتخطى ساعات بسيطة من الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما تطرق صحفي أو آخر للأمر، لكن بعد تصريح «مياتوفيتش»، قررت جماهير ويلز أن تدعم نجمهم أكثر، فقاموا بتجهيز علم مكتوب عليه رسالة واضحة: «ويلز، الجولف وريال مدريد. بهذا الترتيب»، في تأكيد لما قد زعمه مهاجم الميرينجي السابق.

حتى اللحظة، لم يتخطّ الأمر كونه دعمًا جماهيريًا لأهم لاعب في منتخب بلادهم، ما حوّل الأمر لحادث جلل فعلًا، هو التقاط بيل الصور بهذا العلم وبسعادة بالغة أثناء احتفاله وزملائه بالصعود الثاني في تاريخ بلاده لنهائيات اليورو. لم يبدِ بيل إعجابه بدعم مواطنيه وحسب، بل تخطى الإعجاب إلى تأييد الرسالة.

البحث عن السعادة

يعاني بيل من وقوعه عرضة لصافرات الاستهجان منذ وصوله إلى ملعب «بيرنابيو». لم يكن يومًا النجم المفضل للجماهير هُناك، ربما تكون الإصابات سببًا، أو قدومه بسعر مبالغ فيه حين تم،

وسعت الإدارة طويلًا لإخفاء قيمة عقده

عن الجماهير لتجنب إغضابهم أكثر، لكن أغلب التكهنات تُشير إلى أن ابتعاد بيل عن اللغة والثقافة الإسبانية يُعتبر عاملاً أساسيًا في ضعف العلاقة بين الطرفين، وحاول الصحفيون المقربون من النادي الملكي إرجاع السبب في تعبيره عن حبه للجولف أكثر من حبه لريال مدريد، إلى ضعف في لغته أدى إلى سوء تعبير واضح، لكن جاءت واقعة العلم الويلزي لتنفي ما سبق.


مؤخرًا، بدأ بيل يتعامل بشكل مستفز ومُعادٍ لجماهير ناديه، حيث ظهر ضاحكًا في آخر مرة تعرض فيها لصافرات استهجان، وكأنه غير آبه بما تفعله الجماهير. وبعد واقعة العلم الشهيرة في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2019، ظهر منفردًا في التدريبات وهو يتلاعب بالكُرة وكأنها كُرة جولف. كلها تصرفات تأتي في اتجاه معاكس لرغبة الجماهير، لكنها رد فعل منطقي على اعتراض دائم ناله بيل طالما تواجد على ملعبه.

في مواجهة فالنسيا التي انتهت بتعادل إيجابي في الدور الأول من موسم 2019/20، كان الويلزي على دكة الاحتياط كما العادة، وأثناء ما كانت تشير دقائق المُبارة لتعادل سلبي، التقطته الكاميرات وهو يُلعب بزجاجة شبه فارغة في محاولة لتحدي الملل. قال «كيران لينش» الصحفي بـ«دايلي ميل» إن بيل

يحاول أن يجد السعادة بتلك اللعبة

.

بعد ست سنوات و14 لقبًا للقاطرة الويلزية في إسبانيا، يبدو أن القصة شارفت على الانتهاء. ويمكن اعتبار تصريح وكيله، الذي

أكد فيه أن موكله غير سعيد في ريال مدريد

، وأنهم بانتظار الفرصة السانحة للخروج من النادي، هو تتر الختام لمسلسل طويل من العلاقة غير المنطقية بين الويلزي وجماهير النادي الملكي. يمكن اعتبار البداية كانت عند تصريح المدرب «زيدان» حينما

عبر عن رغبته في رحيل لاعبه

في صيف عام 2019، أو أنه بالفعل قريب من الرحيل، أو يمكن اعتبار البداية عند قدوم بيل أصلًا إلى ريال مدريد.

العنوان الأبرز لهذه النهاية يجب ألا يكون «البحث عن السعادة» بل يفترض أن يكون «الهروب من الغضب»، حيث لم يكن بيل الضحية الأولى لصافرات الاستهجان، حيث وقع لها كل من كاسياس ورونالدو الظاهرة ورونالدو البرتغالي وكريم بنزيما وغيرهم. ذلك التصرف غير المفهوم وغير المبرر هو سلاح جماهير بيرنابيو الدائم ضد أي مستوى سيئ لأي لاعب حتى لو كان أسطورة حية للنادي.

التساؤل الآن: هل ينهي رد فعل جاريث بيل السيئ ضد هذه الصافرات، تلك العادة السيئة للجماهير؟ باعتبار أنهم وجدوا أحد النجوم يرفض فعلًا ذلك التصرف علنًا ويجعل النادي عرضة للصحف وللجماهير الأخرى، أم يستمر ذلك التصرف على أمل وجود لاعبين آخرين يرضخون لها ككريم بنزيما، أو يرحلون في صمت مثلما فعل كاسياس؟