وليس هذا للابتعاد عن المقدرة الرائعة لوكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم التي تعمل على التنسيق معًا وتتبع هؤلاء الذين هم من أمثال المغسل، الذي فرّ بنجاح لسنوات.

وفي الواقع، إن «كيفية» إلقاء القبض عليه، الأمر الذي انطوى على

اشتراك

بين أجهزة الاستخبارات والأمن في لبنان والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، تعدّ شيئًا نابعًا من روايات الجاسوسية. لكن السبب فيما وراء سماح حزب الله للمغسل بأن يأتي من فنائه الخلفي – دون أي انتقام أو أي استجابة ملموسة – قد يكون أكثر من رائع.

من المرجَّح أن «السبب» نابع من تحول في المصالح الذاتية لكل من إيران والمملكة العربية السعودية – على وجه التحديد، من الحقائق التي يفرضها الاتفاق النووي الإيراني الأقرب من أن يكون قد دخل حيز التنفيذ. فمع اطمئنان الاتفاق التاريخي الآن في الجيب الخلفي لطهران، لن يكون ثمة معنى بالنسبة إلى النظام الإيراني في أن يمضي قدمًا في تقديم ملاذات آمنة للإرهابيين المطلوبين (والملطخة أيديهم بالدم الأمريكي)، الذين يقدِّمون التزامات سياسية ودبلوماسية صارخة. ولإثبات خطأ المشككين، يجب على إيران أن تستمر في إظهار الرغبة في تغيير موقفها بشأن إيواء الإرهابيين.

يناسب القبض على المغسل تمامًا هذه المعادلة. إنه شيعي ولد في القطيف، في المملكة العربية السعودية، في عام 1967، كان مدعومًا من قِبل الدولة وبعد ذلك صار إرهابيًا مطاردًا من قِبلها أيضًا، «الدولة»، في الحالتين، هي إيران، مع وكيلها حزب الله. إن

تفجير

أبراج الخبر، حيث قتل 19 من أفراد سلاح الجو الأمريكي، وفرضت منطقة حظر جوي فوق أجزاء من العراق، فضلًا عن مئات الجرحى الآخرين، قد تم باشتراك لاعبين في أربعة بلدان – المملكة العربية السعودية وإيران ولبنان وسوريا – في العمل مع حزب الله اللبناني المدعوم إيرانيًا وحزب الله الحجاز المدعوم إيرانيًا، ولكن الموجود في المملكة العربية السعودية (مجموعة منفصلة عن حزب الله اللبناني ولكن تنحاز أيدولوجيًا إليه وإلى إيران).

فبعد وقوف شاحنة ملغومة ضخمة بالقرب من المجمع السكني للبرج، غادر المغسل المشهد، بعد أن قام بتفجير القنبلة التي تحوي عشرين ألف رطل من

متفجرات التي ان تي

عن بُعد، وهرب إلى إيران، بعيدًا عن أيدي الولايات المتحدة وأجهزة الأمن والاستخبارات السعودية.

وقد آل التحقيق الذي قاده مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أوركسترا متنافرة من الموسيقيين غير المتواصلين على نحو جيد، والذين يقرأون نوتات مختلفة من الموسيقى ويسيرون في اتجاه موصِّلات متنافسة. وقد انخرط مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك، لويس فريه،

شخصيًا

، في الأمر، ولم يقم فقط بزيارة مكان الحادث، لكن قام أيضًا بالضغط على القضية لسنوات، مما أدَّى في كثير من الأحيان إلى صخب في البيت الأبيض. ولم يكف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن الضغط من أجل مزيد من التعاون من السعوديين، الذين كانوا يترددون (بعبارة ملطَّفة) عن كشف عمق التورط الإيراني في هذه المؤامرة للمسؤولين الأمريكيين.

كانت تخشى الرياض ردًا من طهران إذا هاجمت الولايات المتحدة إيران على أساس المعلومات التي تم جمعها من المملكة العربية السعودية. كما كانت تخشى المملكة من حرج أن خلايا إرهابية قادرة تمامًا قد موِّلت ودرِّبت من قِبل قوى أجنبية ومارست عملها داخل حدودها.

حتى حين أخذت حالات إرهابية جديدة دائرة الضوء، ظل تفجير الخبر أولوية لمكتب التحقيقات الفيدرالي. خلال تفجيرات سفارة

شرق أفريقيا

في عام 1998 والهجوم على

المدمرة الأمريكية كول

في عام 2000، وهي الحالات التي كنت منخرطًا فيها مباشرة وبعمق، لم يتوقف المكتب عن جمع الأدلة أو عن حمل المسؤولين السعوديين على تسليم الأدلة التي في حوزتهم. إن

قوائم الاتهام

التي أصدرتها الولايات المتحدة في يونيو 2001 – بعد مرور خمس سنوات على الهجمات – كانت شاهدًا على كل من الحواجز الجغرافية السياسية والإصرار على إيجاد طريقة من حولها. كان المغسل

أحد المتهمين

، إلا أنه كان لا يزال طليقًا. ثم، بعد ثلاثة أشهر من صدور قوائم الاتهام، فجر تنظيم القاعدة مركز التجارة العالمي وتحطمت طائرة بمبنى البنتاغون.

وفي يوم 8 أغسطس، بعد ما يقرب من 14 عامًا، أُخذ المغسل إلى الحجز من قِبل السلطات اللبنانية بعد هبوطه في بيروت على متن طائرة قادمة من إيران، بعد أن قام بالسفر تحت اسم مستعار يحمل جواز سفر إيراني. وبعد ذلك نقل – عبر الأراضي التي يسيطر عليها حزب الله – إلى مقر الشرطة الوطنية اللبنانية للاستجواب، ومن ثم أعيد إلى المطار لتسليمه إلى المسؤولين السعوديين.

ليست عمليات المخابرات في بيروت سهلة أو واضحة أبدًا. إن القبض على المغسل دون إشعار واضح أو غضب يشير إلى أن الإيرانيين وحزب الله إما أنهم لم تكن لديهم فكرة عن اعتقاله – وهو أمر غير محتمل – أو على الأرجح، قد عرفوا وتنحوا عن الأمر.

يجب أن تعطينا العملية برمتها وقفة. في المحصلة، إن حياة إرهابي لجأ إلى دولة يمكن أن تكون جيدة جدًا – حتى تتغير السياسة بشكل كبير، وهذا هو ما حصل. فالمنافسات الإقليمية التاريخية وديناميكيات السلطة الراسخة نادرًا ما تحول بشكل كبير حياة المرء، وتكفل لشخص مثل المغسل الأمن النسبي والحرية ضمن بعض الحدود الجغرافية والجيوسياسية. ومثل هذه التحولات لم تحدث بعد.

صبري خليل البنا، الإرهابي الفلسطيني المعروف أيضًا باسم أبو نضال، المتورط في دماء

مئات القتلى

في جميع أنحاء العالم، وجد ملاذًا نسبيًا في ليبيا في عام 1987، بعد

طرده من سوريا

. لكن فقط بعد أن تم تسليم عناصر ليبيية، في عام 1999، إلى لاهاي، أمام محكمة اسكتلندية، كجزء من اتفاق بشأن تفجير بان ام 103، في عام 1988، قرر الزعيم الليبي آنذاك، معمر القذافي، أن أبو نضال لم يعد يستحق الإيواء. لقد طرد، في عام 1999، وانتهى به الحال في العراق، حيث تم

إطلاق النار عليه

وقتل في عام 2002.

وقد حدث الشيء نفسه مع الإرهابي سيء السمعة إليتش راميريز سانشيز، المعروف أيضًا باسم

كارلوس ذي جاكال

، المسؤول عن العديد من الهجمات الإرهابية في أوروبا، بما في ذلك الهجوم على مقر أوبك، في فيينا، وقتل اثنين من ضباط المخابرات الفرنسية، في باريس، في عام 1975. وبينما يصبح أكثر أو أقل قبولًا للبلدان التي تؤويه، كان ينتقل راميريز سانشيز من بلد إلى آخر. بعد أن طرد من سوريا كجزء من

التغير الإقليمي

الذي أعقب الغزو العراقي للكويت في عام 1990، اعتقد كارلوس أنه قد وجد ملجأ دائمًا في السودان (دعمت سوريا الغزو في عام 1991 الذي قادته الولايات المتحدة على العراق بسبب المنافسة في الهيمنة الإقليمية وكراهية الرئيس حافظ الأسد لصدام).

شهدت إعادة الترتيب الإقليمية خلال الحرب الجيوش العربية، لأول مرة، تقاتل مع تحالف غربي ضد دولة عربية أخرى – والقوات الأمريكية المتمركزة بأعداد كبيرة في المملكة العربية السعودية والكويت. كما تحولت التحالفات والمصالح مرة أخرى في أعقاب الفوز الذي قادته الولايات المتحدة في الكويت، ومن ثم أعادت السودان النظر في قرارها إيواء كارلوس. فقد كانت الخرطوم، كما اتضح،

أكثر اهتمامًا

في المساعدات الاقتصادية والتجارة مما كان عليه الأمر في إيواء إرهابي يريده الفرنسيون، الذين هم في نهاية المطاف قد لعبوا دورًا في مساعدة اقتصاد السودان. وفي عام 1994، خدع المسؤولون السودانيون كارلوس وخدروه ونقلوه إلى عهدة القضاء الفرنسي.

حالة ذي جاكال تساعدنا على فهم السياسة الغريبة التي تحدد مصير الإرهابيين الذين ترعاهم الدولة من أمثال المغسل. فعلى الرغم من أن تفاصيل اعتقاله لا تزال غير واضحة، من المرجح أن إيران حسبت الأمور على هذا النحو: إيواء إرهابي مطلوب لم يعد في مصلحتها، نظرًا لفرصة إعادة فتح نفسها لبقية دول العالم اقتصاديًا ودبلوماسيًا. ومثل السودان في عام 1994، تريد إيران إنهاء العزلة الاقتصادية النسبية. فاقتصادها المعتمد على النفط في حالة يرثى لها، بسبب العقوبات وانخفاض أسعار النفط. وجهود وكلائها في سوريا واليمن ولبنان هي عبارة عن نفقات على المدى الطويل مع فوائد غير مؤكدة. ومن ثم يكون «التخلي» عن المغسل شيئًا يزيل مصدر إزعاج يقدم القليل لحكومة تركز الآن على تراكم رأس المال الدبلوماسي.

إن التحديات التي واجهت هذه القضية – من تردد المملكة العربية السعودية إلى الهجمات الإرهابية اللاحقة التي تمت على نطاق أكبر بكثير – جعلت منها قضية مثالية فيما هو «تحت التحقيق» على الدوام. وفي مزيج من تحول الديناميات الإقليمية والتركيز الذي لا يتزعزع من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي تم القبض على الإرهابي الذي كان يعتقد أنه قد صار بعيدًا عن عواقب جرائمه. وينبغي أن يكون القبض على المغسل واعتقاله درسًا للإرهابيين الذين ترعاهم الدول في كل مكان: يتم اللعب بكم كأدوات وتكونون في أمان فقط طالما أنه ثمة فائدة من وجودكم.

أسواء كانت إيران ستتحول بعيدًا عن رعاية الإرهابيين بداخلها أم. فإن البلد يجب أن يكون على استعداد في علاقاته مع خصوم مثل السعوديين. لقد أجبر الاتفاق النووي طهران على مواجهة ما هو واضح: رعاية وتسليح وكلاء مثل حزب الله والتدخل في جميع أنحاء الشرق الأوسط – من لبنان إلى العراق إلى سوريا – أمور ستؤدي بشكل متزايد إلى تحقيق أهداف متعارضة مع مهمتها المتمثلة في إعادة العلاقات مع العالم.

وكما يبين التاريخ، بمجرد أن تفوق مسؤولية إيواء إرهابي، مثل المغسل، الفائدة العائدة من وجوده، فإن الدولة ستتحول بكل سرور نحو إخراجه. اسألوا كارلوس ذي جاكال.


المصدر

| نشر في 8 سبتمبر 2015

*ترجمة فريق موقع راقب



اقرأ المزيد


إيران بعد الصفقة: هل جاء العصر الإيراني؟


فورن بوليسي: ما الذي يجب فعله حيال إيران إمبريالية؟


فيديو.. اعتقال المتورط الرئيسي بتفجير الخُبر بعد 19 عامًا من الهروب


نائب وزير الخارجية الإيراني يتوجه إلى السعودية