في منتصف سبتمبر/أيلول عام 2015،

قامت

المصوّرة الهنجارية «بيترا لاسلو» عامدة بعرقلة لاجئ سوري كان يبحث عن حياة أفضل في القارة العجوز بعيدًا عن بلاده التي أدمتها الحرب، ولم يعد فيها فرص كثيرة لعيش حياة تطمح فيها بمستقبل جيد.

نتيجة هذه العرقلة التي ضجت بها القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، تم منح هذا الرجل «أسامة عبد المحسن» فرصة لم يحلم بها قط عندما كان مدربًا في بلاده. بعد أيام قليلة من الحادثة،

تمت

دعوته من قبل نادي خيتافي في إسبانيا للالتحاق بأكاديميته وتدريب الأطفال هناك. لكن في نهاية الأمر، لم يفلح «عبد المحسن» في إكمال ما بدأه بسبب الكثير من الصعوبات سواء العائلية أو الاجتماعية، وبسبب عدم إتقانه اللغة الإسبانية.

غير أن قصة عبد المحسن فتحت الأعين من جديد على لاعبين نجحوا في الوصول إلى القمة في اللعبة بعد نزوحهم مع عائلاتهم من الحروب. العديد من اللاعبين يشتركون بماضٍ مشابه مع الرجل السوري. رحلة الحرب التي دائمًا كانت هي الدافع الأول للجوء، وغيرت أقدارهم وعوضتهم عن المعاناة التي وجدوها في صغرهم.

في الفرق الأوروبية يوجد خليط من اللاعبين من جنسيات وأصول مختلفة، كل منهم له قصته. منهم لاعبون عانوا بسبب الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة، وآخرون كانوا يصنفون فيما مضى كلاجئين أو أطفال لعائلات لاجئة، إلا أن قدراتهم الكروية المميزة غيرت من تصنيفهم وأصبحوا نجومًا في بلدانهم الجديدة التي منحتهم الجنسية ومثلوا ألوان علمها بكل فخر.

إن دور اللاجئين في الرياضات ليس موضوعًا جديدًا بكل تأكيد، فلقد تم التطرق إليه في الكثير من المناسبات. لكن هناك بعض الأمثلة الرائدة لمهاجرين استعادوا حياتهم باستخدام كرة القدم كوسيلة في المجتمع الجديد الذي أعطاهم ملاذًا آمنًا بعد الهروب من النزاعات والصراعات المسلحة والاضطهاد في بلدانهم الأصلية. أمثلة عديدة وقصص ملهمة عن أشخاص نشأوا في بيئة غير مواتية، لكنهم لم يتوقفوا عن القتال من أجل تحقيق أحلامهم.


ريو مافوبا: فرنسي بالتبني

كما الحال في معظم البلاد الأفريقية المحتلة من الإمبراطوريات الاستعمارية كفرنسا والبرتغال وبلجيكا. بدأت الحروب الأهلية من أجل الصراع على السلطة والسيطرة عليها بعد نيل هذه البلدان استقلالها من المستعمر. بعد نيل أنجولا الاستقلال في عام 1974 من الاستعمار البرتغالي، بدأت الحرب هناك على الفور واستمرت إلى أمد طويل. أمر أجبر الكثيرين على الرحيل للعيش ضمن ظروف معيشية أفضل.

«ريكي مافوبا» لاعب منتخب زائير –الكونغو الديمقراطية حاليًا- الذي مثّل بلاده في نهائيات كأس العالم عام 1974، قرر بصحبة زوجته «تيريزا» الخروج من البلاد التي عاشا فيها معًا حتى بعد اندلاع الحرب الأهلية بأعوام للهرب من النزاع الدموي الذي يفتك بالبلاد، كان الخيار الوحيد هو الخوض في عرض البحر بواسطة قارب عليه مئات من المهاجرين الباحثين عن حياة آمنة.

ريكي وطفلاه وزوجته الحامل انطلقوا بشكل سري من الساحل الغربي للقارة السمراء باتجاه أوروبا. خلال سير الرحلة ولدت تيريزا طفلها في عرض البحر، وأسماه والده باسم «ريو» أي النهر. قصة الطفل مختلفة بعض الشيء. فخلافًا للمتعارف عليه، ليس هناك وطن لـ «ريو»؛ لأنه

ولد

في عرض البحر في المياه الدولية. حتى على جواز سفره لا يوجد دلالة محددة على دولة ما، بل كتب «ولد في البحر» في الخانة التي تخص مكان الولادة، ليصبح ريو ابنًا للبحر وبلا موطن.

لم يتمكن الطفل الصغير من معرفة والدته أو معرفة ما حدث خلال الحرب والرحلة بشكل جيد، فبعد سنتين من وصولهما إلى فرنسا ومنحهما حق اللجوء، توفيت والدته في مدينة بوردو الفرنسية، وتوفي والده بعد ذلك بـ10 سنوات.

جواز سفري يقول بأنني ولدت في البحر، أنا لم أتحدث عن ذلك مطلقًا. في الحقيقة لم أسعَ أبدًا لمعرفة قصة هذا العبور أو ما حدث خلاله.





«ريو مافوبا» عن عبور والديه البحر من أجل النجاة.


لم يكن خيار «ريو » الأول هو الكرة بمطلق الأحوال، بل وجدها الوسيلة الأفضل للتعامل مع أحزانه ومع الظروف التي اختبرها خلال طفولته. فقرر الالتحاق بأكاديمية نادي بوردو وأصبح لاعبًا منتظمًا في الفريق الأول خلال سنوات. تم استدعاؤه لاحقًا للمنتخب الفرنسي في عام 2004،

ورفض

دعوة مدرب منتخب الكونجو لتمثيل المنتخب الكونجولي بشكل هادئ وصارم لأنه نشأ في فرنسا ويشعر بأنه فرنسي رغم أنه لم يولد هناك.

في نيسان/أبريل 2009،

أسس

ريو دارًا للاعتناء بالأيتام في حي فقير في بلاد والده. أنشأ المؤسسة في المدينة والحي والبناء ذاته الذي عاش فيه والده وترعرع به. وعند حدوث أزمة المهاجرين وغرق القوارب في مياه البحر الأبيض المتوسط، عبر الفرنسي عن حزنه من أجل هؤلاء الشباب.

عندما أرى ما يحصل اليوم من غرق قوارب المهاجرين في البحر، أشعر بالقلق لأن الأمر يعنيني كثيرًا. كان من الممكن أن يحدث لي ولعائلتي، أنا محظوظ لأنني هنا.





«ريو مافوبا» متحدثًا عن أزمة اللاجئين


فيكتور موسيس: عائلتي تنظر إلي بفخر كبير

مقارنة بمافوبا الذي لم يشهد الحرب وعاش بسلام طيلة حياته، فإن قصة «فيكتور موسيس» هي على النقيض تمامًا لقصة الفرنسي. النيجيري وصل إلى إنجلترا طالبًا اللجوء وهو في سن الـ11 بعد صدمة نفسية كبيرة، تغلب على أحزانه الشخصية ونكساته المتكررة في مسيرته ليصل إلى القمة في نهاية المطاف.

يمتلك فيكتور بعض الذكريات الجميلة في مخيلته عن نيجيريا وممارسته لكرة القدم في شوارعها بأقدام عارية، لكن الجزء الأكبر من ذاكرته عن بلاده فيه كم هائل من الحزن بسبب مقتل والديه في خلال النزاعات الدينية بين المسلمين والمسيحيين عام 2002.

بدأت المشاكل في كادونا منذ إقرار حاكم الولاية

تطبيق

الشريعة في المدينة واعتمادها مصدرًا أساسيًا للتشريع. المدينة التي يقتسم العيش فيها المسيحيون والمسلمون بلا أغلبية لأي منهما، لم يقبل سكانها من المسيحيين بخطوة كهذه وسعوا لإبطال هذا القرار لتبدأ أعمال العنف عام 2000 وتستمر في العديد من الولايات لفترة طويلة.

«أوستين» والد فيكتور كان قسًا مسيحيًا في المدينة، وساعدته في عمله زوجته «جوزفين». رغم التهديد الكبير لحياتهما وحياة طفلهما، لم يفكرا بالخروج من المدينة رغم أنهما كانا أهدافًا حقيقية لبعض المتطرفين الإسلاميين من جماعة بوكو حرام.


تعرض

والدا موسى للقتل بعد الهجوم عليهما وهما في المنزل. فيكتور كان يلعب الكرة مع بعض الأصدقاء في أحد الأحياء، وعند وصول خبر مقتل والديه قام بعض أقارب وأصدقاء والده بإخفائه لمدة أسبوع خوفًا من أن يتم تصفيته أيضًا، ليتم إرساله لاحقًا إلى إنجلترا بعد تقديم عمه طلبًا للجوء باسم ابن أخيه.

فيكتور موسيس – خلال مشاركته في كأس العالم مع منتخب بلاده

عند وصوله إلى إنجلترا، كانت الأمور صعبة للغاية بالنسبة للطفل الصغير. فتم وضعه مع عائلة للعيش معها في جنوب لندن، ولم يكن يعرف كيف يتواصل مع محيطه باللغة الإنجليزية. لم يعرف فيكتور كيف يتعامل مع الفاجعة وأحزانه في البداية، لم يكن مستعدًا للحديث عنها، لكن شخصيته القوية سهلت له ذلك بشكل لم يتوقع نفسه أنه قادر على تجاوز ما حدث.

كطفل صغير في بلد جديد، كان يتعين علي أن أكوّن صداقات جديدة، وكان هذا صعبًا للغاية. عندما جئت للمرة الأولى، لم أكن أعرف كيف أتواصل باللغة الإنجليزية. أينما كان والداي في هذه اللحظة، يجب أن يكونا فخورين بي، بكل تأكيد إنهما ينظران إلي من الأعلى بفخر كبير.

«فيكتور موسيس»

متحدثًا

عن حياته ووالديه


ديان لوفرين: ليس ذنبي أنني لاجئ

فيكتور موسيس، كأس العالم

فيكتور موسيس، كأس العالم

رغم مغادرته لبلاده وهو في سن صغيرة، إلا أن الكرواتي «ديان لوفرين»، نجم ليفربول الحالي، ما زال يذكر ليالي الحرب التي اجتاحت يوغسلافيا وتركتها لاحقًا دولة متصدعة تقسمت إلى دول عدة. عام 1992 كان لوفرين يبلغ من العمر 3 أعوام، كان يعيش حياة هادئة مع والديه في قرية كرالييفا سوتيسكا متعددة الثقافات والديانات، والتي كان يبلغ تعداد سكانها 12 ألف نسمة.

كانت عائلته تعيش حياة جيدة تكاد تكون خالية من المشاكل والصعوبات، وكانت العلاقة جيدة ووطيدة بين أفراد المجتمع الخليط من مسلمين وصرب. كانت الحياة متناغمة وبسيطة، لكن الحرب اندلعت بلا سابق إنذار وبشكل فجائي. قريته قد دمرتها الحرب الأهلية التي أودت بحياة 100 ألف شخص وأدت إلى تهجير 2.2 مليون من البلاد. اضطر ديان وعائلته للهروب من القرية التي تعرضت لهجوم كبير وانتهاكات حقيقية، حيث تعرض الناس للقتل والترويع بكافة أنواع الأسلحة.

يذكر لوفرين صوت صفارات الإنذار في الأيام الأولى للحرب رغم صغر سنه، حيث كانت تنتشله والدته ويتشبث بها بكل قوة أثناء التوجه إلى ملجأ في القبو للهروب من القنابل.

على مرأى الناس تم قتل عمي بواسطة سكين، أنا لا أفضل الخوض كثيرًا في الموضوع لأن هذا الأمر محزن جدًا لأي شخص، إن فقدان أفراد العائلة أمر مؤلم كثيرًا.





«ديان لوفرين» متحدثًا عن وفاة عمه

اضطرت العائلة إلى الهروب من البلاد بشكل سريع تاركين حياتهم خلفهم، تركوا المنزل ومكان العمل وأمتعتهم، ولم يأخذوا سوى حقيبة واحدة. اتجهوا نحو الحدود الألمانية بسيارتهم الخاصة، واستمر الأب بالقيادة طيلة 17 ساعة عبر الحدود الألمانية حتى الوصول إلى ميونخ. لم يكن ممكنًا قبول أوراقهم هناك لولا تواجد الجد في ألمانيا الذي كان يعمل هناك.

بقيت عائلة لوفرين لمدة 7 سنوات في ألمانيا قبل أن تطلب منهم السلطات مغادرة البلاد بعد انتهاء الحرب والتوجه إلى بلد آخر. توجهت العائلة إلى كرواتيا لأن الأوضاع لم تستقر في البلاد. كان الأمر صعبًا للغاية بسبب تعود الطفل على الحياة في ميونخ، كانت ألمانيا بمثابة البيت الثاني، وعائلة ديان ممتنة للألمان لأنهم استقبلوا لاجئي البوسنة خلال الحرب الدائرة في بلادهم.


عندما يرى الكرواتي ما يحدث فيما يخص أزمة اللاجئين، يتذكر عائلته ورفض الناس تواجدهم في بلدهم، يتفهم أن الناس يريدون حماية أنفسهم من النازحين الغرباء، وناشد الجميع من أجل المزيد من التعاطف معهم، لأنه اختبر الظروف ذاتها وأراد النجاة من حمام الدم.

هؤلاء الأشخاص لم يرتكبوا شيئًا خاطئًا، في نهاية الأمر إنه ليس ذنبهم. إنهم يقاتلون من أجل حياتهم فقط ومن أجل سلامة أطفالهم. يريدون الذهاب بعيدًا والحصول على مكان آمن. أعطهم فرصة فقط، وبإمكانك رؤية من هم الأشخاص الطيبون ومن ليسوا كذلك.





«ديان» لوفرين متحدثًا عن أزمة اللاجئين