جرا إيه للدنيا، الناس كلها بقت فتوات؟ أمال مين اللي هيتضرب؟






توفيق الدقن/ممثل مصري

، فيلم الشيطان يعظ، قصة نجيب محفوظ وسيناريو وحوار أحمد صالح

وضع توفيق الدقن ملخصًا لقانون الحياة من خلال قصة حي في مصر بأن الأقوياء وإن كان عددهم أقل يضربون -إن جاز التعبير- الضعفاء. هل فكر أحدكم يومًا بالضعفاء في كرة القدم؟

عفوًا، لا أقصد الفرق ذات المستوى المتدني أو الإمكانيات المادية الضعيفة، ولكن الضعف في لقطة! الانهزام الذي قد يعيشه بعض اللاعبين من خلال هفوات أو أخطاء من زملائهم أو براعة من الخصوم. لماذا لا يتم إبراز ذلك مثل تكريم المنتصر؟ أنا هنا لأكرم المهزومين.

سنناقش منطق المهزوم في كرة القدم من خلال ثلاثة مشاهد من أكثر المشاهد التاريخية في كرة القدم: يتذكر الجميع هدف بيركامب الإعجازي في نيوكاسل، وهدف مارادونا باليد في مرمى إنجلترا بكأس العالم وزيزو هو يضرب على الطائر في نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ليفركوزن، ولكن هل يتذكر الناس من ضربهم هؤلاء الفتوات؟

مارادونا وشقاق تاريخي في 4 دول


هدف مارادونا باستخدام يديه في مرمى إنجلترا

المكان : مدينة مكسيكو

الزمان: 22 يونيو/حزيران عام 1986

الحدث: ربع نهائي كأس العالم

الصراع محتدم بين عملاقين في الملعب، وفجأة يمر مارادونا من وسط ملعب المنتخب الإنجليزي ويمرر يمينًا في اتجاه خورخي فالدانو، وينطلق باتجاه المرمى بانتظار نتيجة خورخي له، ولكن سقطة واحدة غيرت كل شيء!

بدأ وانتهى كل شيء عند ستيف هودج متوسط ميدان إنجلترا الذي كان عائدًًا لمراقبة فالدانو، وحاول تشتيت الكرة لتذهب بالخطأ في اتجاه مارادونا. لا يجد دييجو لها طريقًا سوى يد بيتير شيلتون، ولكن لماذا لا تكون يدي؟ هكذا فكر دييجو وبالفعل قفز وسجل بيده ليقف الجميع مذهولين حتى لاعبي الأرجنتين نفسهم وسط إعلان علي بن ناصر التونسي حكم الساحة ومساعده البلغاري دوتشيف بهدف للأرجنتين!

لم يتحدث العالم سوى عن مارادونا وتصريحاته الاستفزازية بأنه غير نادم على ما فعل ولو عاد به الزمن لفعل ما فعل! وتصريحه الآخر بأنها يد الله! ولكن هل وضعت نفسك مكان ستيف هودج يومًا؟

لقد أردت تشتيت الكرة بقدمي القوية اليسرى ولكنها انحرفت للوراء، انحرافة مقصودة للوراء! توقعت شيلتون سيمسك بها ولكن ..






ستيف هودج

عن تمريره بالكرة للخطأ لمارادونا في هدفه الشهير

يعتبر هودج سعيد الحظ لأن الجميع تناسى خطأه مقارنة بالتونسي علي بن ناصر حكم الساحة والبلغاري بوجدان دوتشيف المساعد وسنوات من الشقاق والتراشق بالتصريحات بينهما وتحميل كل منهما مسئولية الهدف للآخر. فيبدأ بن ناصر ليقول أن دوتشيف لم يخبره بشيء رغم ذهابه إليه وإحساس دوتشيف نفسه بوجود شيء مريب. يقول

على بن ناصر

: «كنت مترددًا قليلًا، ولكني رأيته يذهب لمنتصف الملعب ركضًا ووثقت في رأيه لأن مكانه كان أفضل».

كان دوتشيف أشرس في تصريحاته بكثير حينما قال إن مارادونا حفر قبرًا له وأنه

ليس برجل واتهمه بتدمير

حياته، كما أنه اتهم بن ناصر بسوء المستوى وحمله نتيجة الخطأ الأبرز.

لو كان حكمًا أوروبيًا لكان لغى هدف مارادونا، لم تكن الفيفا تلك الأيام تسمح باتخاذ المساعدين قرارات تساعد الحكام. بن ناصر غير مجهز لتحكيم مثل هذه المباريات، وكيف له أن يفعل ذلك وهو معتاد على التحكيم بين الجمال في الصحراء؟






بوجدان دوتشيف

عن علي بن ناصر

البؤس كله كان في تصريحات

أرملة دوتشيف

التي قالت إنه انعزل عن الناس وعاش في قرية وترك المدينة وأصدقاءه حتى لم يعد يقول لها: «أهلاً». وأضافت بأن حياتهم دمرت بعد كأس العالم وأنها لن تسامح مارادونا أبدًا. دوتشيف نفسه ذكر أن بن ناصر قال له لا تأخذ قرارات واترك كل شيء لي، كذلك أضاف أنه تألم كثيرًا بسبب اتهامه بالخيانة في بلده! مأساة كان بطلها مارادونا.

يسخر مارادونا من كل هؤلاء ويبرز فرحته بالهدف حتى الآن، ويزور على بن ناصر في تونس ويلتقط معه صورًا تذكارية ويطلق على الحكام أصدقاءه في كل لقاءاته مما أشعل الخلاف بينه وبين بيتير شيلتون حارس إنجلترا حتى الآن.

هو لم يعتذر أبدًا عن فعلته، كان من الممكن بدلًا من أن يطلق عليها يد الإله أن يعتذر، ولكنه لم يرد ذلك.






بيتير شيلتون حارس مرمى

إنجلترا عن مارادونا في 2009

ذكر شيلتون عدة مرات أنه لن يسامحه ولن يصافحه حتى رغم دعوات الصلح الكثيرة، حتى ذكرها صريحة على

حسابه بتويتر

بأنه باختصار لن يسامحه ما حيي.

بعد إحراز الهدف ركضت وصرخت:

«

هدف، هدف

»

لأسمع سيرجيو باتيسيتا يناديني: ولكن لقد سجلته بيدك. فقلت له: اخرس يا غبي، فقط عانقني! بعدها تقدم نحوي فالدانو وقال لي لا تخبرني بأنك أحرزته بيدك! قلت له سأخبرك لاحقًا فقط لا تزعجني!






مارادونا عن لحظة

التسجيل

خلف الهدف الملعون ضحايا صامتون مثل ستيف هودج وحكمين دمرت حياتهما المهنية وعداوة أزلية بين شيلتون ومارادونا وبلغاريا وتونس، ولم يتذكر أحد يومًا سوى مارادونا ولم يتحدث أحد يومًا سوى عن دهائه!

كومبارسات في لوحات فنية!

يلعب كل من «نيكوس دابيزاس» و«هانز يورج بوت» في الخط الخلفي. فالأول مدافع والثاني حارس مرمى، وكلاهما كان جزءًا من لوحة فنية رائعة حتى الآن ولكنهما كانا في الأدوار الثانوية. التشابه لم يقف هنا قط بل امتد للسنة، فالحدثان كانا في 2002 بل والمكان وهو المملكة المتحدة حيث السانت جيمس بارك في نيوكاسل ملعب اللوحة الأولى وهامبيدن بارك في إسكتلندا ملعب التحفة الثانية.

في مارس/ أذار 2002، تمكن دينيس بيركامب من وضع أحد أجمل أهداف البريميرليج والذي يذاع في كل بداية موسم في إنجلترا. تمكن دينيس بيركامب من لمس الكرة ببراعة بعد تمريرة روبيرت بيريز ليضعها بقدمه اليسرى خلف نيكوس من يمينه ويستدير هو من يساره لينفرد بالمرمى ويضع هدفًا أسطوريًا.


هدف بيركامب الإعجازي بمرمى نيوكاسل

بيريز مرر كرة سيئة اضطررت لغمزها بيساري حتى أستدير، وبعد عدة حركات والتحام مع دابيزاس كانت على يميني ووضعتها في الزاوية البعيدة أسفل المرمى. لم أكن أفهم ماذا يقصد الناس حينما يسألونني هل قصدت الهدف؟ هل قصدت الحركة؟ ولكنني فهمت بعدما شاهدته في التلفاز!






دينيس بيركامب

عن هدفه الشهير

أنا فخور جدًا كي أكون جزءًا من هذا الهدف، لقد كانت عبقرية كروية ولم تتم إهانتي، لقد كانت نتاج عقل كروي فذ. الآن يتم تذكري في جميع أنحاء العالم، ياللحزن! لست البطل ولكني بدور مساعد. لما علي الانزعاج من بيركامب؟ إن كان يقصدها فهو عظيم، وإن لم يكن فهو عظيم لردة فعله، إنها قطعة فنية.






دابيزاس عن رأيه في الهدف


هنا أدرك نيكوس دور الكومبارس وأنه دونه لن تتجمل الصورة ولن يصبح الهدف تاريخيًا، قمة الروح الرياضية والنضج في تقييم الأمور.

بعد شهرين فقط وفي الهامبيدن بارك في جلاسكو بإسكتلندا، يتقابل ريال مدريد وليفركوزن في نهائي دوري أبطال أوروبا ليضع زيدان أحد أروع أهداف مسيرته والهدف الأجمل بنهائيات دوري الأبطال في مرمى هانز يورج بوت.


هدف زين الدين زيدان الأسطوري بنهائي دوري الأبطال

لم يكن الجميع موفقًا حسب سولاري الذي قال إن تمريرته كانت سيئة للجميع، إلا لروبيرتو كارلوس الذي لو سرعته لما لحق بالكرة وبدوره أرسل عرضية سيئة لزيزو وعلى قدمه الضعيفة وهنا.. لحظة! نعود للوارء قليلًا.

ريال مدريد ثالث الدوري ووصيف الكأس في العام ذاته، بينما ليفركوزن لا يملك حالًا أفضل حيث خسارة للدوري والكأس أيضًا في الأسابيع الأخيرة، نهائي دوري الأبطال هو كل شيء.

زيدان عليه ضغوط لأنه لم يكن يمتلك تلك الكأس قبل ذلك مع يوفينتوس ويحمل على كتفيه لقب أغلى لاعبي العالم وقتها، ليقرر فجأة ضرب الكرة كما جاءت لتسكن شباك المسكين هانز بوت.

لقد احتفل بالهدف كما لم يحتفل من قبل، لقد ركض حوالي 60 مترًا، كان مدركًا أن الهدف تحفة فنية وفي الدقيقة 45 بنهائي دوري الأبطال وفي الاحتفال المئوي بتأسيس ريال مدريد، كان أكثر هدف احتفل به.






سولاري عن احتفال

زين الدين زيدان بالهدف

يجتمع البؤس وسوء الحظ كله في تصريحات زيدان وتوب موللر مدرب ليفركوزن وقتها، إذ صرح زيزو بأنه حاول إحراز هذا الهدف كثيرًا بعدها في التدريب والمباريات وحتى في الحملات الإعلانية ولكنه لم يوفق كأن بوت هو أتعس رجال الأرض. كذلك توب موللر الذي قال إنه ليس الوحيد الذي كان محبطًا من بوت بسبب ذلك الهدف بل كان الجميع!

لا، لا تحدثوني مرة أخرى.





عندما

تواصلت شبكة ESPN

مع بوت لتسأله عن روايته عن الهدف

مدى البؤس في رد بوت ناتج عن إحساسه بالذنب ناحية خسارة فريقه بسببه، كما قال مدربه بأنه كان سيفوز بالثلاثية لو كان هناك حارس غير بوت وكان أوليفر كفيلًا بصد كرة زيزو. الهدف كان رائعًا كصورة من بعيد، ولكن بوت لا يمتلك قدرات كان فماذا يفعل؟

أحيانًا يطلب العالم من الناس أن يكونوا أبطالًا دومًا، ولكن لا، هناك بوت وهناك نيكوس رغم اختلاف ردة فعليهما ولكنهما في موقف واحد، على الأقل هذان أكملا مسيرتيهما الاحترافية، فماذا يفعل بن ناصر وبوجدان دوتشيف؟ كل هؤلاء ضحايا جمعتهم عبقرية آخرين لتضعهم في موقف محرج، منهم من اعتبر نفسه بطلًا ومنهم من اعتزل الدنيا بسبب لحظة!

كل هؤلاء غير معروفين إلى حد كبير، ولكن وجودهم أثرى مشاهد وجعلها منطقية في عيوننا كمتابعين. قوي يسرق ضعيفًا كما فعل مارادونا، أو قوي يقتل ضعيفًا كما فعل بيركامب وزيزو مع دابيزاس وبوت. بدون هؤلاء، لم تكن لقطات بيركامب وزيزو تاريخية، ولم يكن مارادونا بطلًا قوميًا في الأرجنتين حتى الآن ومع ذلك لم نكن لنتذكرهم.

وجب الآن أن نكرم من وضعتهم الظروف والإمكانيات في دور الضحية أمام الفتوة، فليس كلهم دابيزاس سيتفاخر بصورته بجانب البطل، ولا

كاباسيلي مدافع واتفورد

الذي سخر من نفسه بأنه سيظل في ملخصات البريميرليج لأعوام بعدما وضع صلاح هدفًا بكعبه بين قدميه، بل هناك مئات بوجدان دوتشيف وهانز بوت.