«بما أن المشروبات الكحولية ليست جزءًا من الثقافة القطرية، فستكون مُتاحة في مناطق محددة. سيعمل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مع كأس العالم فيفا قطر 2022 لتحديد نطاق توفيرها، كما هو الحال مع باقي البلدان المستضيفة لبطولة كأس العالم لكرة القدم، وذلك للتوصل لحل يناسب كل الأطراف المعنية».

هذه هي إجابة سؤال: «

هل ستُتاح المشروبات الكحولية في بطولة كأس العالم لكرة القدم قطر 2022؟

» والذي أدرجته اللجنة العليا للمشاريع والإرث المنظمة لكأس العالم قطر 2022 عبر الموقع الرسمي الخاص بالتظاهرة الرياضية الأبرز في تاريخ المنطقة كلها، وبحاسة الشم الصحفي يمكنك أن تلمح توترًا تحمله الإجابة فقط، توترًا يشي بما ينطوي عليه السؤال من طبيعة شائكة.

حرب الـ 12 عامًا

لم تأتِ بطولة في التاريخ صاحبها صخب يوازي نسبة مئوية يسيرة من الصخب الذي صاحب ويصاحب وسيصاحب مونديال 2022، لأن السياق التاريخي حكم على تلك البطولة أن توضع بين عديد الأقواس، فإذا تحدثت عن الخلافات الفكرية الجذرية بين قطر كمجتمع وبين مجتمعات «فيفا» الكلاسيكية فستجد الكثير منها، وإذا فكرت في سياق حصول قطر على التنظيم وما صاحب ذلك من جدل أيضًا، فستجد الكثير مما يمكن أن يقال، ناهيك عن تحديات الأجواء والسفر وتلاحمات المواسم وطبيعة المنطقة العربية سياسيًّا وديموغرافيًّا.

إذا أضفت إلى كل ذلك المعطى الهام الذي حدث في 2016 وهو بدء ما يسمى بـ«الحصار الخليجي على قطر» والحرب الرياضية التي جرت في خضم هذا الحصار، فإنك ستعرف حقًّا كم كانت تلك البطولة ولا تزال من بين أكثر الاستحقاقات الرياضية إثارة للجدل.


في تصريحات خاصة لـ«إضاءات» تناول ماهر غريب، الناقد الرياضي في جريدة الجمهورية والصحفي السابق بجريدة الشرق القطرية في الدوحة، بعضًا من ملامح إثارة الجدل منذ اليوم الأول لحصول قطر على استحقاق تنظيم مونديال 2022، قائلًا: «قطر منذ اليوم الأول لحصولها على حق تنظيم مونديال 2022 تعي حجم الانتقادات التي ستتعرض لها، الشيخ محمد بن حمد رئيس ملف قطر في 2010 قال في برنامج (المجلس) على قناة الكأس تصريحًا شهيرًا، أكد فيه أن الانتقادات والتشكيكات في قدرة قطر على تنظيم البطولة لن تنتهي إلا بانتهاء المباراة الافتتاحية في 2022».

12 عامًا كانت كافية لتسليط الضوء على كل مناحي الخلاف والتشكيكات وإثارة كل ما يمكن أن يثار من جدل، في ضوء ذلك، تفجرت مشكلات جذرية، بعضها تم التهويل في حقيقته مثل ما يعرف بـ«حقوق العمال في مشاريع مونديال 2022» وبعضها يمثل تحديًا حقيقيًّا، لعل أبرز هذه التحديات هو ملف الخمور في مونديال قطر 2022.

قل «جنجل» ولا تقل «بيرة»!

ينص القانون القطري على تجريم شرب المواد الكحولية في الأماكن العامة، على أن تقدم الخمور بشكل مقنن في الفنادق التي تستضيف سياحًا من خارج البلاد، وعلى أن تتم عمليات البيع والشراء برقابة الدولة القطرية، هذا أمر يمكن تطبيقه بسهولة مع الجاليات العربية، لكن ماذا عن 32 دولة من كل أصقاع الأرض، لن يكون مشجعوها مستعدين لتقييد حريتهم طيلة شهر كامل من الإقامة في قطر؟.

هنا كان لا بد من أن يطرح «فيفا» عديد الأسئلة حول الأمر، وإذا كنت ترى الأمر سهلًا من الناحية القطرية، فدعنا نتحدث قليلًا عما تمثله إجابات دبلوماسية مثل «سنتيح الفرصة للجميع كي يشرب الخمر دون قيود» على المجتمع القطري، المتدين –حقًا- بطبعه.


في 2021، وضمن تدريبات إدخال الخمور بشكل مقنن في بعض فنادق حي اللؤلؤة، أوردت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها آراء حول بعض من التعليمات الفندقية التي سيتعاطى بها القطريون مع الراغبين في الحصول على الخمور من زوار المونديال، نحن هنا نتحدث عن هؤلاء الذين سيشربون بشكل قانوني تمامًا داخل الفنادق.


امرأة شابة ضمن التقرير قالت

إن «هناك كلمات سيتعين عليهم تجنب استخدامها مثل كلمة (البيرة) وسيتم استبدالها بكلمة مثل (الجنجل والحبوب) وسيتم استبدال كلمة النبيذ بـ (مشروب العنب) والنبيذ الفوار بـ (الفوار)، وسيتم تقديم باقات الطعام والشراب المشتملة على الكحوليات بأسماء مغايرة للباقات الأخرى التي لا تحتويها، وهذا لتجنب إزعاج القطريين»، على حد وصفها.

غريب يؤكد في تصريحاته لـ «إضاءات» أن المجتمع القطري لن يتقبل الأمر حقًّا بسهولة، مشيرًا إلى أنه «مهما حاولت قطر تقنين الأمر من ناحية، وتخفيف حدة آثاره على المجتمع القطري من ناحية أخرى، فإن هناك رد فعل سلبيًّا متوقعًا يمكن أن تتعاطى معه قطر من خلال الإعلام الداخلي».

لكن غريب يؤكد أيضًا أن «قطر لن تكون مستعدة للدخول في أي مشكلات مع جاليات خارجية قادمة لتشجيع بلدانها في المونديال، أو أن تقيد حرية القادمين إليها في شرب الخمور بأماكن المشجعين، ولكن ما تفكر فيه قطر واللجنة العليا للمشاريع والإرث هو تحجيم هذه التأثيرات الناتجة عن إدخال المشروبات الكحولية إلى تلك الأماكن».

الإجابة الأذكى في خضم الحصار

تحت ضغط «فيفا» على قطر لتقديم إجابة واضحة حول إتاحة الخمور للمشجعين في المونديال، تأرجحت الإجابات القطرية الرسمية بالشكل الذي كسبت فيه قطر وقتًا ليس بالقليل ممسكة العصا من المنتصف، وقد يكون هذا أفضل شيء يتم عمله في لحظات كتلك، وسط التربص المحيط بالملف، وبالذات في السنوات التي بلغت فيها الأزمة الخليجية ذروتها.

في 2017 على سبيل المثال،

قال أمين عام اللجنة العليا للمشاريع والإرث حسن الذوادي،

إنه يؤيد حظر شرب الكحوليات في الأماكن العامة، وإن شربها في مونديال قطر لن يكون إلا في «أماكن بعيدة»، وبعدها بأشهر عاد ليشير إلى أنها «ستكون متاحة بسهولة في مناطق المشجعين».

وفي 2019، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الرئيس التنفيذي لبطولة كأس العالم قطر 2022 ناصر الخاطر

واحدًا من أكثر التصريحات ذكاءً منذ حصول قطر على حق التنظيم في 2010، حين قال

: «المشروبات الكحولية ليست جزءًا من ثقافتنا القطرية، لكن الضيافة هي كذلك». ملخصًا الوضع في جملة مطمئنة للعالم أجمع هي أنه «طالما كان المشجعون سعداء فلا توجد لدينا أي مشكلة».


كان هذا في خضم موجة عارمة من الانتقادات التي حمل بعضها الصبغة السياسية من «دول الحصار» آنذاك حول الملف القطري، تارة بالتعريض بإتاحة قطر للخمور وتنافي ذلك مع التوجه المحافظ الذي تدعيه، وتارة برفع الأسعار والمغالاة المبالغ بها لمن أراد تقديم الخمور في قطر، وتارة بخفض تلك الأسعار، وتارة بوضعها مع ملفات أخرى مثل حقوق المثليين في المونديال وغير ذلك من الملفات الخلافية.


الآن يمكننا أن نصل إلى خلاصة لما سيحدث، نحن أمام مجتمع يرفض الخمور بشكل حقيقي، وبلد أنفق تريليونات الدولارات على حدث رياضي سينقلها لمستويات أعلى لوجستيًّا وماديًّا وذهنيًّا لدى العالم كله، وبين حالة من التربص التي حدثت خلال 12 عامًا كاملة هي مدة الاستعداد القطري لتنظيم المونديال العربي الأول، وعدم استعداد «فيفا» للتنازل عن ذرة من حقوق المشجعين أيًّا كانت الخلافات الفكرية.

الحل القطري تمثل في استمرار إتاحة المشروبات الكحولية داخل الفنادق والأماكن المرخص تداولها فيها، على أن تتم عمليات البيع والشراء برقابة الحكومة، والأمر الجديد والذي بدأ تطبيقه في كأس العالم للأندية كان إتاحة الخمور في مناطق المشجعين.

الضرورات تبيح «الكحوليات»

لكن المجتمع القطري قد يشعر ببعض الرضا حيال رفع أسعار المشروبات الكحولية من خلال زيادة ضريبية نسبتها 100% بدأت من 2019 استعدادًا لارتفاع مستويات الشراء بحلول الجاليات الأجنبية ضيفًا على البلاد في 2022،

وأن المسئولين القطريين بالفعل قد تفاوضوا حول إتاحة أنواع من المشروبات منخفضة الكحول داخل الملاعب

، وتحت بند «الضرورات تبيح المحظورات» سيتم تمرير الأمر في ضوء المنافع الكبيرة التي ستعود على قطر سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا ورياضيًّا بعد الانتهاء من تنظيم مونديال ناجح في 2022.


نحن الآن في 2022، قبل أيام من انطلاق كأس العالم، وكوننا قد وصلنا إلى هذا التاريخ ولا تزال قطر معها حق التنظيم، ولا تزال الانتقادات مردودًا عليها، وفي نفس الوقت لا تزال موجودة بما يوحي باهتمام قطر بثقافتها وممانعتها لأي شيء يعكر صفو المجتمع القطري، حتى لو كان الأمر متعلقًا بأهم حدث رياضي في تاريخ البلاد والمنطقة برمتها، فإن هذا يعبر عن نجاح إداري حقيقي لواحد من أكثر الملفات الشائكة صعوبة أيًا كانت خلافاتنا واتفاقاتنا على كل ما يمت لقطر بصلة في السنوات الأخيرة.