نحن أمة لا حياة لها خارج مسيرة الدم والشهادة.

قليل هم الذين يعرفون شخصية «فتحي الشقاقي» معرفة حقيقية، و قلة قليلة هم الذين يعلمون أن «عز الدين الفارس» كان يوما الاسم الحركي لفتحي الشقاقي.

فتحي الشقاقي المطلوب رقم 1 لـلكيان الصهيوني، والممنوع من دخول العواصم العربية. كانت كل الطرق العربية مقطوعة أو ممنوعة في وجه الشقاقي. فتحي الشقاقي الذى استشهد وحيدا غريبا بطلقات الغدر والحقد الصهيونية، وحتى بعد استشهاده رفضت الأنظمة العربية استقبال جثمانه الطاهر إلا بعد موافقة الكيان الصهيوني.

كان لا يرضى بالحلول الوسط، ولا يعرف المساومة والمفاوضات. كان لا يؤمن إلا بالجهاد والمقاومة، إلا بالدم. وكان يرى أن هناك ثلاثة ثوابت لا تقبل التغيير وهي: (الإسلام – الجهاد – فلسطين)، وأن هناك ثلاثية الانتصار كما أبدعها الشقاقي: (إيمان – وعي – ثورة).


فتحي الشقاقي أو عز الدين الفارس

عندما بدأنا هذا الطريق كنا نعرف أن تكاليفه صعبة جدا، لكن هذا هو واجبنا و خيارنا المقدس.

هو الدكتور «فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي»، مفكر ومجاهد فلسطيني، ومؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وهو واحد من أبرز المفكرين الإسلاميين في القرن الماضي، تنبأ بصعود التيارات الإسلامية ورأى أنها مسألة حتمية بعد حرب 1967، وكان يرى ضرورة وحدة حركات المقاومة الإسلامية، ويرى فلسطين هي مركز الصراع بين الأمة وأعدائها، وأنها الجبهة الرئيسية لتحقيق هذا النصر، وكان ينادي بالتحرر من التبعية للنظم الغربية، التي اتخذت الكيان الصهيوني مدخلا لتفتيت الأمة.

ويعد الشقاقي أحد أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية لما يتمتع به من ثقافة موسوعية، واستيعاب عقلاني لمشكلات الحركات الإسلامية وقضاياها في العالم العربي والإسلامي. كما يعتبر مجدد الحركة الإسلامية الفلسطينية وباعثها في اتجاه الاهتمام بالعمل الوطني الفلسطيني، وإعادة تواصلها مع القضية الفلسطينية عبر الجهاد المسلح.


التكوين

المثقف هو أول من يقاوم وآخر من ينكسر.

ولد فتحي الشقاقي في مخيم «رفح» للاجئين عام 1951، لأبوين ينتسبان إلى قرية «زرنوقة» القريبة من «يافا» بفلسطين المحتلة عام 1948، والتي هاجرت منها عائلته بعد تأسيس الكيان الصهيوني، وفقد أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أكبر أخوته.

لم يكن الشقاقي بعيدًا عن السياسة، فمنذ عام 1966م، أي حينما كان في الخامسة عشرة من عمره، كان يميل للفكر الناصري، إلا أن اتجاهاته تغيرت تمامًا بعد هزيمة 1967، وخاصة بعد أن أهداه أحد رفاقه في المدرسة كتاب «معالم في الطريق» لـ«سيد قطب»، فاتجه نحو الاتجاه الإسلامي.

انخرط في العمل السياسي والنضالي منذ وقت مبكر ومارس نشاطات تنظيمية منذ منتصف الستينات. حيث قام بالانخراط في سنة 1968 بالحركة الإسلامية إلا أنه اختلف مع الإخوان المسلمين. درس في جامعة «بيرزيت» بالضفة الغربية وتخرج من دائرة الرياضيات وعمل لاحقا في سلك التدريس بالقدس في المدرسة النظامية. ثم درس الطب في جامعة «الزقازيق» بمصر، وعاد إلى الأراضي المحتلة ليعمل طبيبا في مشفى «المطلع» بالقدس، وبعد ذلك عمل طبيبا في قطاع غزة.

تأثر بالثورة الإيرانية منذ بدايتها، وكان أبرز الفلسطينيين الذين دعوا إلى تبنيها كنموذج، ألف كتابا أسماه «الخميني: الحل الإسلامي والبديل». نظرًا لنشاط الشقاقي السياسي الإسلامي كان أهلا للاعتقال، سواء في مصر أو في فلسطين.

ففي مصر اعتقل مرتين الأولى عام 1979م بسبب تأليفه كتابا عن الثورة الإسلامية بإيران لمدة أربعة أشهر، وفي نفس العام تم اعتقاله مرة أخرى بسبب نشاطاته السياسية الإسلامية. ثم أسَّس «حركة الجهاد الإسلامي» مع عدد من رفاقه من طلبة الطب والهندسة والسياسة والعلوم حينما كان طالبًا بجامعة الزقازيق في أواخر السبعينات.

غادر مصر -سرًا- إلى فلسطين في 1/ 11/ 1981 بعد أن كان مطلوبا من الأمن المصري. اعتقل في فلسطين أكثر مـن مرة عام 1983 و1986، ثم أُبعد في أغسطس 1988 إلى لبنان بعد اندلاع الانتفاضة في فلسطين واتهامه بدورٍ رئيسي فيها وكانت تهمته «ارتباطه بأنشطة عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني ونقل أسلحة إلى القطاع».

وحينما أدركوا أن السجن لا يحدّ من نشاط الشقاقي الذي كان يحول المعتقل في كل مرة إلى مركز سياسي يدير منه شؤون الحركة من زنزانته، قرروا طرده خارج فلسطين في عام 1988م إلى لبنان هو وبعض رفاقه.

فقبل انقضاء فترة سجنه قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بإبعاده من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين بتاريخ 1 أغسطس/آب 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. تنقل بعدها بين العواصم العربية والإسلامية لمواصلة جهاده ضد الاحتلال، وكانت آخر أبرز تلك المحطات مسئوليته في تنفيذ عملية بيت ليد بتاريخ 22/ 1/ 1995 حيث أسفرت عن مقتل 22 عسكريا إسرائيليا وسقوط أكثر مــن 108 جرحى.


المقاومة الإسلامية: تأسيس حركة الجهاد الإسلامي

أراد الشقاقي بتأسيسه لحركة الجهاد الإسلامي أن يكون حلقة من حلقات الكفاح الوطني المسلح في تاريخ المسلمين المعاصر بعد «عبدالقادر الجزائري»، و«عمر المختار»، و«عزّالدِّين القسَّام» الذي عشقه الشقاقي حتى اتخذ من اسم «عز الدين الفارس» اسمًا حركيًّا له حتى يكون كالقسَّام في المنهج وكالفارس للوطن.

درس الشقاقي ورفاقه التاريخ جيِّدًا، وأدركوا أن الحركات الإسلامية ستسير في طريق مسدود إذا استمرت في الاهتمام ببناء التنظيم على حساب الفكرة والموقف (بمعنى أن المحافظة على التنظيم لديهم أهم من اتخاذ الموقف الصحيح). ولذلك انعزلت تلك الحركات -في رأيهم- عن الجماهير ورغباتها، فقرَّر الشقاقي أن تكون حركته خميرة للنهضة وقاطرة لتغيير الأمة بمشاركة الجماهير، كذلك أدرك الشقاقي ورفاقه الأهمية الخاصة لقضية فلسطين باعتبار أنها البوابة الرئيسة للهيمنة الغربية على العالم العربي.

تأسست حركة الجهاد الإسلامي في أواخر السبعينات، وقامت بتشكيل أول خلية عسكرية عام 1981، وبدأت بعدها عمليات عسكرية موجهة ضد المحتل الصهيوني. تميزت حركة الجهاد الإسلامي داخل فلسطين عن الحركات الوطنية والحركات الإسلامية بأنها أدخلت الإسلام المعركة: فالحركات الوطنية في إطار منظمة التحرير استبعدت الفكر الإسلامي في صراعها مع العدو، وكذلك الحركات الإسلامية التقليدية استبعدت حمل البندقية وتوجيهها ضد العدو.


اغتياله

كل بوصلة لا تشير إلى القدس فهي مشبوهة.

هذه الأمة علي موعد مع الدم .. دم يلون الأفق .. دم يلون الارض .. دم يلون التاريخ .. دم يلون الدم ونهر الدم لن يتوقف .. دفاعا عن الأرض .. دفاعا عن التاريخ .. دفاعا عن العقيدة.

بعد عملية «بيت ليد» والتي أرهبت العدو الصهيوني، لم تنم أعين القيادات العسكرية والسياسية والأمنية في إسرائيل، وقد تم أخذ قرار بتصفية الدكتور فتحي الشقاقي في منزله بسوريا، وتم الاتفاق أن يتم قصف المنزل بالطيران. ولكن تراجعت القيادة السياسية لاسرائيل في اللحظات الاخيرة بعد أن قام جهاز الموساد بتجنيد أحد العملاء، حيث وضع جهاز تنصت في كبينة الهاتف الموجود بها هاتف الشقاقي، وحصلوا على معلومات عن أن الشقاقي سوف يغادر سوريا متوجها إلى ليبيا، وبعدها يغادر إلى مالطا ومن ثم إلى سوريا.

وصل الشقاقي إلى ليبيا حاملا جواز سفر ليبيًا باسم «إبراهيم الشاويش»؛ لمناقشة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين على الحدود الليبية المصرية مع «القذافي». ومن ليبيا رحل على متن سفينة إلى مالطا باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى دمشق.

وفي مدينة «سليما» بمالطا، وفي يوم الخميس 26-10-1995م، اغتيل الشقاقي وهو عائد إلى فندقه بعد أن أطلق عليه أحد عناصر الموساد طلقتين في رأسه من جهة اليمين، لتخترقا الجانب الأيسر منه، بل وتابع القاتل إطلاق ثلاث رصاصات أخرى في مؤخرة رأسه ليخرَّ «أبو إبراهيم» شهيدًا مضرجًا بدمائه. فرَّ القاتل على دراجة نارية كانت تنتظره مع عنصر آخر للموساد، ثم تركا الدراجة بعد 10 دقائق قرب مرفأ للقوارب، حيث كان في انتظارهما قارب مُعدّ للهروب.

رفضت السلطات المالطية السماح بنقل جثة الشهيد، بل ورفضت العواصم العربية استقباله أيضًا، وبعد اتصالات مضنية وصلت جثة الشقاقي إلى طرابلس، ليبيا، لتعبر الحدود العربية، لتستقر في دمشق بعد أن وافقت الحكومات العربية بعد اتصالات صعبة على أن تمر جثة الشهيد بأراضيها ليتم دفنها هناك.

وفي فجر 31-10-1995 استقبل السوريون مع حشد كبير من الشعب الفلسطيني الجثمان، على أن يتم التشييع في اليوم التالي 1-11-1995، وبالفعل تم دفن الجثة في مقبرة الشهداء في مخيم «اليرموك» بعد أن تحول التشييع من مسيرة جنائزية إلى عرس يحمل طابع الاحتفال بجريمة الاغتيال، حيث استقبله أكثر من ثلاثة ملايين مشيع في وسط الهتافات التي تتوعد بالانتقام والزغاريد التي تبارك الاستشهاد.

توعدت حركة الجهاد الإسلامي بالانتقام للأب الروحي، فتحي الشقاقي، فنفَّذت عمليتين استشهاديتين لا تقل خسائر إحداها عن 150 صهيونيًا ما بين قتيل ومصاب.