من المتعارف عليه في وطننا العربي أن عالم الرياضة عمومًا، وكرة القدم خصوصًا، عالم ذكوري النزعة ولا يقبل بالفتيات إلا في الحد القليل جدًا. وبعد العديد من التجارب النسائية التي باءت بالفشل في محاولة إبداء الرأي فيما يخص الرياضات كافة، أطلق بعض من الرجال الغاضبين ما يشبه حملة -غير مكثفة التواجد- عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يُطلب خلالها من الفتيات البقاء في المطبخ، أو بالأحرى العودة إليه، بلا حراك، في إشارة واضحة المعالم عن رفض تواجدهم وآرائهن في ذلك الكون الرياضي ذكوري الطباع، في نظرهم.

لكن بين حينٍ وآخر تظهر نماذج تكسر ذلك النمط الراسخ في عقول الرياضيين من الرجال، لكنها كانت حتى وقت ليس بالبعيد، نماذج غير موجودة داخل مجتمعنا العربي تحديدًا؛ ما جعل الذكور العرب يحتفظون برؤيتهم العنصرية نحو النساء التي ترغب في مشاركة ذلك الشغف الرياضي، لكن أمثالا كالفريدة عثمان تضع للعبة قوانين أخرى.


للعائلة دور في هذا

وُلدت فريدة عثمان في الثامن عشر من يناير لعام 1995، لوالدين يعملان في مجال طب الأسنان هما الدكتور هشام عثمان والدكتورة راندا السلاوي. كل القصص التي تعود إلى طفولة السبّاحة المصرية تؤكد أن لهما الكثير من الفضل فيما تم إنجازه في الأعوام التي تلت كافة.

بدأت فريدة

حياتها الرياضية

كسباحة في سنٍ صغيرة -خمس سنوات- برفقة أخيها أحمد. استمرت في التدرج خطوات لأعلى بالمشاركة في بطولاتٍ عديدة داخل مصر وداخل الوطن العربي وأفريقيا، حصلت في عام 2010 على ذهبية وفضيتين و3 برونزيات في البطولة الأفريقية في الدار البيضاء بالمغرب.

ومن ثم تمكنت من تحطيم الرقم القياسي العالمي للناشئين في بطولة العالم للناشئين في ليما ببيرو 2011 في مسابقة الـ 50 مترا فراشة وفازت لمصر بأول ميدالية في تاريخها في بطولات العالم للناشئين في السباحة، وحصدت من قبل 7 ميداليات ذهبية في دورة الألعاب العربية عام 2011، وفازت بذهبية الـ 50 مترا حرة في دورة الألعاب الأفريقية في نفس العام.

تحركت فريدة خلال عمرها الصغير بخطواتٍ واثقة وثابتة نحو تكوين مسيرة رياضية عظيمة، حتى تم وضع اسمها على قائمة الانتظار في بطولة أولمبياد لندن 2012 كأمر منطقي، وسرعان ما حصلت على الدعوة وحققت مشاركتها الأولى داخل الأولمبياد في عمر 17 عامًا، واحتلت خلالها المركز 41 في سباق 50 مترا سباحة حرة.

في ظل الأوضاع الراهنة في مصر والوطن العربي، والظروف الضاغطة التي تُحيط المرأة العربية خلال هذا العصر، لا يمكن أن نتخيل وصول أي مرأة إلى حدٍ كبير من النجاح، كالذي وصلت إليه فريدة، دون الإثناء على الدور الذي قامت به عائلتها، لكن بالكاد تنتهي هذه المسيرة، ومهما كان الدور الذي بُذل خلالها من قبل العائلة أو غيرها، حين تصل الفتاة العربية إلى مرحلة التعليم الجامعي، مرحلة البلوغ.


المطبخ ليس الأولوية

قبل شهر واحد فقط من أولمبياد عام 2016 التي أقيمت في المدينة الساحرة، ريو دي جانيرو، أصدرت صحيفة «واشطن بوست»

تقريرًا

بعُنوان: «الزواج، الأمومة، التعليم وربما الرياضة: الأولويات المتوقعة للرياضيات المسلمات» أبرزت خلاله عددًا من النماذج لسيدات عربيات ظهرت على سطح الرياضة في السنوات الأخيرة، بأولويات مختلفة تمامًا عن نظائرهن في الوطن ذاته.

كان من ضمن هؤلاء بالطبع السباحة المصرية، التي كانت غير معروفة حتى وقت قريب، فريدة عثمان، والتي شاركت فيما بعد بأولمبياد الريو لكنها لم تحقق حينها النجاح الساطع الذي يجعل اسمها يحتل كل الصحف العربية وغير العربية، كما هو الحال في الوقت الراهن.

صحيفة «واشطن بوست» أكدت في ذلك التقرير أن العوائق التي تظهر في المجتمعات العربية من الممكن تحطيمها، وهو ما قد حدث في نماذج مختلفة بتجارب متنوعة -بالطبع- كتجربة فريدة التي وصلت لنجاحٍ ملحوظ في سنٍ صغيرة جدًا -21 عامًا آنذاك-، وبالرغم من كونها لازالت طالبة في الجامعة، أو هكذا كانت وقت كتابة التقرير.

استمرت فريدة داخل موطنها -مصر- حتى انتهت من الدراسة الثانوية، ومن ثم قامت بتقديم أوراقها في العديد من الجامعات خارج البلاد، متسلحة في ذلك بأرقامها العظيمة في مجال السباحة، ومن ثم تم قبولها بمنحة في جامعة بيركلي بولاية كاليفورنيا، وبعد ذلك بدأت حياة فريدة تتحول إلى شكل أكثر تنظيمًا وقوة.

عندما حضرت فريدة كانت قليلة الخبرة، لا تعرف الكثير عن خطط واستراتيجيات السباحة، كما أنها لم تكن تملك خطة وأهدافًا محددة على المستوى الشخصية.





تصريحات مدربة فريدة بالجامعة، تيري ماكيفر

تمكنت من تحسين أدائها في أولمبياد ريو وقفزت للمركز الـ ـ18 في سباق 50 مترا، وبالرغم من فشلها في الوصول إلى نهائي السباق لكن الرقم في حد ذاته كان كافيًا ليبرز مدى التطور الذي وصلت إليه بعد انضمامها إلى الجامعة، وكذلك تمكنت من احتلال المركز 12 في سباق 100 متر بـ ـ58 ثانية و26 جزءًا منها. قامت جامعة بيركلي بتكليل مجهودات طالبتها، ووضعت اسمها ضمن لائحة الشرف الخاصة بطلابها.


الرياضية الأفضل في عام 2017

أربع ساعات على الأقل أقضيها يوميًا في التدريب على السباحة، ربما هي بالفعل مملة، لكن التحدي والمنافسة هما ما يجعلانني أكمل فيها





فريدة عثمان

هناك العديد من الرياضيين في العالم، أنت تسمع يوميًا أكثر من 100 اسم للاعب كرة قدم أو آخرين من ألعاب أخرى، لكن هؤلاء الذين يفوزون بألقاب مثل أفضل رياضي، لا تمر أيامهم كالبقية، لا يعتمد الأمر فقط على التدرب في الوقت الذي يتدرب فيه الآخرون.

يبدأ يوم فريدة عثمان في الخامسة من صباح كل يوم، التدريب الأول يكون من السادسة حتى الثامنة، من بعدها وقت الجامعة حتى الثانية عشرة ظهرًا، ثم تعود للتمرين في الواحدة والنصف وحتى الثالثة والنصف عصرًا.

نمط حياة

لا يمكن كسره طالما قررت الوصول إلى ذلك المبتغى المتميز.

فريدة تعد مثالا عظيما للمرأة العربية والأفريقية في كل الأوقات، ليس فقط لأنها تشارك في تلك البطولات التي يندُر بها المشاركة النسائية من تلك البلاد، ولا لأنها جلبت لمصر الميدالية الأولى داخل البطولات العالمية للسباحة لأول مرة في التاريخ، لكن لأنها كذلك أمل سيدات العرب الآن لتحقيق ميدالية أوليمبية جديدة، فقط 5 سيدات أفريقيات تمكن من الظفر بميداليات في تاريخ الأولمبياد العريض، فهل تكون فريدة سادستهم؟

ليست لحظة تاريخية لي وحدي، ولكنها لحظة تاريخية لكل مرأة مصرية، عربية وأفريقية في العموم.





فريدة عثمان، بعد فوزها بلقب أفضل رياضي أفريقي لعام 2017.

وللإجابة على السؤال الموجود في العنوان بالأعلى، فإن كانت كل الأمثلة التي ستخرج من المطبخ ستحقق وتسير على نهج كالذي سارت عليه تلك الفريدة؛ فمرحبًا بكن في عالمنا الذكوري الذي سنسعد بمشاركتكن فيه جدًا.