شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 78 يقول علماء النفس إن التقبل والأمان والحب هي احتياجات إنسانية أساسية لا يستطيع الإنسان أن يعيش سوياً دونها، يقولون أيضاً إن الجنس هو الوجه الآخر – والأكثر عملية وواقعية وحقيقية – للحب، وأن العلاقات الجنسية السوية المشبعة من أكبر ركائز الاستقرار النفسي للإنسان، فالإشباع الحسي غير أنه من أكثر المتع إرضاء للإنسان، إلا أنه أيضاً يمثل جانباً هاماً من النفسية المستقرة، فالتقبل الذي يشعر به الفرد عندما يكون في علاقة جسدية مرضية ومريحة يساهم بقدر كبير في حفظ التوازن النفسي وتأمين السلامة النفسية للفرد. عيون مغلقة على اتساعها فيلم «Eyes wide shut» هو آخر أفلام المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك، والذي قدم فيه خلاصة تجربته الإنسانية تقريباً دون أن يدري. يقدم لنا كوبريك حياة طبيب وزوجته من صفوة المجتمع، يتمتعان بعلاقة زوجية قوية وملتزمان تجاه بعضهما البعض تماماً، يعيشان في بيت جميل ولديهما طفلة جميلة ويذهبان لحفلات المجتمع الراقي معاً، حياة روتينية جميلة آمنة، ثم يحدث أن تصارح الزوجة زوجها بأحد خيالاتها الجنسية الفجة التي تصدمه. وفي محاولة منه للتغلب على صدمته يزج به القدر في تجربة جنسية غريبة، يكون جزءاً منها دون أن يشارك بشكل فعلي، ورغم أنه يرى كل شيء ويعرف أن هناك من تأذى بسبب إقحامه نفسه في هذه التجربة دون دعوة إلا أنه يغلق عيونه ويستنجد بزوجته التي تساعده في تخطي ذلك، وتنصحه نصيحة واحدة بمثابة الاكتشاف الكبير في آخر مشهد من الفيلم. يقدم لنا كوبريك في فيلمه الإنسان المعاصر دون رتوش، إنساناً ضعيفاً يحتاج إلى الحب والتقبل أكثر من أي شيء، إنسان لا يكفيه امتلاكه لكل شيء حتى يرضى، إنسان أناني بإمكانه أن يتجاهل أي أذى يتعرض له الآخرون ما دام هو بأمان، إنسان شهواني يرى في الجنس حلاً لكل مشاكله، إنسان عادي جداً يمثلنا جميعاً ولكننا نترفع عن الاعتراف بذلك لأننا بشر نمارس التسامي والإعلاء – حيل نفسية دفاعية – طوال الوقت وفي كل لحظة حتى نحتفظ باحترامنا لأنفسنا وبمظهرنا المتحضر. إلى أين يمكن أن تذهب بنا الأنانية؟ أنت إنسان متحضر ومؤمن بالأخلاق، ملتزم بعلاقاتك وشريف تماماً، لا تختلس ولا تسرق ولا تقتل ولا تخون، ولكن حدثني عن صندوقك الأسود، هذا الصندوق المغلق الذي يحوي رغباتك وأحلامك المحرمة وشهواتك، نفسك الأخرى، تلك الدنيئة التي لا تعترف سوى بأهوائها فقط، التي يمكنها أن تتخلى عن كل شيء مقابل متعتها الخاصة. وارب لنا ستانلي كوبريك باب الصندوق لنطل على داخله المظلم عندما اعترفت الزوجة بأحد الخيالات الجنسية التي اجتاحتها في فترة كانت من أسعد فترات حياتهما الزوجية، عندما أقرت أنه رغم كل شيء كانت على استعداد أن تتخلى عن زوجها وبيتها وابنتها من أجل ليلة واحدة من الجنون، فتحه لنا أكثر قليلاً عندما استطاع الزوج، الطبيب النبيل المتفهم كاتم أسرار صفوة المجتمع من التملص من الالتزام الأخلاقي تجاه الفتاة التي افتدته في الحفل الصاخب الذي أقحم نفسه فيه دون دعوة، والتي ساورته شكوك أنها قُتلت جراء فعلته، أغلق عينيه عن العواقب الأخلاقية لفعلته ما دام أنه لم يتضرر ولم يمس بسوء واستطاع أن يستكمل حياته بشكل عادي. هذه الأنانية واحدة من شياطين كثيرة تسكن صندوقك الأسود، ولكنها موجودة، أنت تغطي على وجودها بالتعليم والثقافة والعمل النبيل والمظهر الرائع والابتسامة الحانية، ولكنها موجودة، تغطي عليها بالتزامك وبأخلاقياتك ورغبتك في الكمال، ولكنها موجودة، ما أن تدير عنها عين ضميرك للحظة واحدة حتى تحاول التحرر، وعندما تتحرر فإنها قادرة على أن تحميك، تشكل حولك درعاً واقية غريزياً، يحافظ على وجودك. الجنس خمر الإنسانية يشكل الجنس عنصراً مهماً من عالم ستانلي كوبريك بشكل عام، ويشكل أهم عنصر من عناصر فيلمه Eyes wide shut بشكل خاص، فالذي فجر عقدة الفيلم في الأساس رغبة تتعلق بالجنس اجتاحت زوجته يوماً، وما جعلها تعترف بها هو حديث عن الجنس أيضاً دار في الحفلة التي بدأ بها الفيلم سواء معها أو مع زوجها، حاول الزوج الهروب وإلهاء نفسه عن اكتشافه فتعثر في حفرة تعج بالجنس أيضاً، وعندما خرجوا جميعاً أخبرته زوجته أن الحل الوحيد لكل مشاكلهم هو أن ينغمسوا فيه أكثر وبشكل مكثف، سوف تنقذهم متعته الحسية من الانزلاق في مشكلات أخرى. هنا فتح كوبريك الباب على مصراعيه للمشاهد ليعرف حقيقة الإنسان، الإنسان الذي بإمكان المتعة أن تنقذه من كل هواجسه ومخاوفه وتجاربه الصعبة، ليثبت أن قشرة التحضر التي تمنحنا كل الرفاهيات العصرية تلك لا تكتمل سوى بالمتعة البدائية، والتي تعتبر حاجة أساسية من حاجات الإنسان البيولوجية، يخسف كوبريك بالإنسان المعاصر الأرض ويعيده لسيرته الأولى، يخلع عنه كل إكسسوارات التحضر ليواجهه بحقيقته. جعل كوبريك أبطال فيلمه يغلقون أعينهم على اتساعها بعد أن رأت وعرفت وجربت، جعلهم يديرون أوجههم عن الحقيقة ويستمرون في الحياة بشكل عادي، غير متأثرين بما رأوا وعرفوا، لأن عيونهم بإمكانها أن تنغلق حتى لو اتسعت للحظة، ولأن غريزة الحياة أقوى من أي شيء آخر. قد يعجبك أيضاً مسلسل «في كل أسبوع يوم جمعة»: يبدو أن هناك أملاً! فيلم «Shang-chi»: كيف صنعت الصوابية السياسية فيلمًا ممتعًا؟ 10 أفلام تساعدك على البقاء على قيد الحياة سينما الأخوين «كوين»: عالم بلا قانون شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram إنجي إبراهيم Follow Author المقالة السابقة فيلم «البر التاني»: قراءة في الهروب الأول لمحمد علي المقالة التالية فيلم «ستموت في العشرين»: حتى لا يمرض أسد السودان قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك رواية «إشراق»: رحلة البحث عن الهوية والحب والإله 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ماذا ننتظر من هوليود في 2015؟ 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «الوصايا»: مرثية «عادل عصمت» لزمنٍ ليس ببعيد 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «فرجينيا وولف»: غرفة واحدة تطل على العالم 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «EO»: عالم البشر بعين حمار 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مسلسل «TED LASSO»: كرة القدم كمجاز عن الحياة 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حلقة Friends Reunion: كبسولة زمنية من الضحك والبكاء والنوستالجيا 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Phantom Thread»: الحب على طريقة بول توماس أندرسون 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك طوابير معرض الكتاب: أجيال متجددة من القرّاء 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أفلام «رأفت الميهي» أو كيف تُستدعى الأحلام على الشاشة 05/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.