لهواة الأرقام القياسية: سجلت أفلام عيد الأضحى في 2019، علامات كبرى جديدة في شباك إيرادات السينما المصرية، لا يوجد خبر جديد في شيء أصبح يتكرر مرتين سنويًا، لكن هذا العيد، وعام 2019 كله، يعلنان عن واقع جديد للسينما المصرية، ليس على مستوى الأرقام فقط، ولكن أيضًا في ميول الجمهور، ومصائر النجوم، وعلاقات الإنتاج والتوزيع والعرض.

خيارات مغلقة باتساع

كان من المفترض أن يحمل موسم عطلات عيد الأضحى 2019 خيارات متنوعة للأفلام المعروضة، من حيث تصنيفات الأفلام واحتياجات المشاهدين. قبل العيد بأسبوعين، انطلق فيلم الرعب «الفيل الأزرق 2»، وهي مناورة ناجحة لتفادي المنافسة الشرسة خلال العيد، وقد نفذها «تراب الماس» العام الماضي.

كان من المفترض أن تتضمن منافسة هذا العام فيلمي كوميديا عائلية هما «كينج سايز» و«خيال مآتة»، والكوميديا الشبابية والأكشن بفيلم «الفلوس»، والأكشن الشعبي مع «ولاد رزق 2»، والدراما والفانتازيا التاريخية في «الكنز 2»، ثم الكوميديا الشعبية ومحدودة الإنتاج بفيلمي «أنت حبيبي وبس» و«الطيب والشرس واللعوب»، ولكن قبل أيام من عطلة العيد انسحبت 3 من هذه الأفلام.

مشهد الصراع الدامي أمام شبابيك التذاكر المزدحمة في السينمات خلال العيد يخبرنا أن هناك طلبًا متزايدًا على الأفلام رغم ارتفاعات أسعار التذاكر المتتالية (هذا العام وحده زادت الأسعار مرتين)، وخلال الأعياد تنسحب الأفلام الأجنبية متيحة الفرصة أمام عدد محدود من الأفلام المصرية تتنافس عبر حوالي 450 شاشة.

عوضًا عن الاستجابة لهذا الطلب بتقديم المزيد من الأفلام المتنوعة، فإن مساحة المنافسة تضيق لصالح أفلام أقل وأكثر ضخامة. استقر الأمر بآخر 3 سنوات على وجود 5 أفلام فقط بالعيد، وتنحصر المنافسة (عمليًا) بين فيلمين منهما على الأكثر.

هذا العيد كان بدون منافسة على الإطلاق، «الفيل الأزرق 2» كان في أسبوعه الثالث، وتأخر «خيال مآتة»، وهما المنافسان المتوقعان لفيلم «ولاد رزق 2» الذي حلق منفردًا.










البحث عن «الكنز»


الإعلان الترويجي لفيلم «الكنز – الجزء الثاني»

في عيد الأضحى 2017 تم إطلاق الجزء الأول من فيلم «

الكنز

»، ورغم المباشرة في طرح أفكاره تلقى الفيلم حفاوة نقدية بسبب نوعه كفانتازيا تاريخية شاعرية تفتقدها السينما المصرية حاليًا، وقد انعكس هذا أيضًا على مستوى إيراداته التي كانت جيدة بمعايير وقته.

اقرأ أيضًا:

«الكنز»: نصف ضحكة، نصف حكاية، نصف فيلم

تم إنتاج الجزئين مرة واحدة وتبقت خطوة إطلاق الجزء الثاني في 2018 كما كان متوقعًا، لكن تأجل الفيلم عدة مرات ثم اتخذ منتجه وموزعه وليد صبري (الإخوة المتحدين) قرارًا مفاجئًا وانتحاريًا بصدوره في العيد، وبعد حملة دعاية سريعة، وصل «الكنز 2» لحوالي 37 شاشة عرض في يوم الوقفة، ورغم زيادة جرعة الكوميديا والأكشن فيه، إضافة للحضور الاستثنائي للنجم محمد سعد، فإنه لن يسجل حتى نصف إيرادات الجزء الأول.

إيرادات فيلم الكنز الجزء الثاني
إيرادات فيلم الكنز الجزء الثاني

خيال حلمي من الماضي


بعد 4 سنوات من الغياب يعود أحمد حلمي بفيلم «

خيال مآتة

» مع المنتج وليد صبري. ورغم توافر الوقت فقد انتهى تصوير الفيلم قبل العيد بأقل من أسبوعين، ثم تأخر إطلاقه في دور العرض وفاته أول أيام العيد، لينطلق في حوالي 70 شاشة ويحقق المركز الثاني بإيرادات 6.5 ملايين جنيه في يومه الأول.

اقرأ ايضا:

فيلم «خيال مآتة» وأوهام أحمد حلمي عن بحر الغدر

اعتمد هذا على سمعة حلمي وتشوق الجمهور لعودته، ولكن هذا الحب لم يمنع أصوات عدم الرضا التي تعالت في صالات العرض مع تترات النهاية لتوضح أن شيئًا ما ليس على ما يرام.

وبينما تنخفض إيراداته اليومية، من الواضح أنه سيكون بعيدًا عن استعادة لحظة «لف ودوران»، وربما العامل الوحيد في صالحه هو خلو المنافسة أمامه في ساحة الكوميديا العائلية.

إيرادات فيلم خيال مآتة
إيرادات فيلم خيال مآتة

أرواح وأفيال


اعتمد الجزء الأول من فيلم «الفيل الأزرق» (2014) على رواية ناجحة للكاتب أحمد مراد قام بتحويلها لسيناريو سينمائي. من فاتتهم الرواية تمتعوا بانتقال الحبكة من نوع التشويق والغموض إلى خانة الرعب بالنصف الثاني من الفيلم.

اقرأ أيضًا:

فيلم «الفيل الأزرق 2»: متى يحين فطام المشاهد المصري؟

الآن يعود نفس صناع الفيلم لتقديم جزء ثانٍ يؤسس لسلسلة كاملة، مع الإخلاص لنوع الرعب من لحظته الأولى، وهو ما يلبي طلبًا متناميًا لدى الجمهور على نوع الرعب المعتمد على قصص الاستحواذ الشيطاني. ولهذا شهدت إيرادات الفيلم ارتفاعًا مستمرًا عبر 3 أسابيع، نهاية بعطلة العيد التي حقق فيها المركز الثاني بإيرادات 30.2 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض عبر 90 شاشة تقريبًا.

إيرادات فيلم الفيل الأزرق 2
إيرادات فيلم «الفيل الأزرق 2»

ولاد رزق في المولات


اعتمد الفيلم الأول من سلسلة «ولاد رزق» على مزج أكشن المخرج طارق العريان بعالم الأحياء الشعبية، مع تويست نهاية بارع يحطم شخصية الراوي تمامًا.

وفي الفيلم الجديد الذي يؤسس للسلسلة تم تخفيف جرأة الحوار الشعبي الذي كان محور انتقادات بالجزء الأول، وكذلك المشاهد المتعلقة بتجارة الجنس والإغراء، بحيث يصبح الفيلم صالحًا أكثر لجمهور الطبقة الوسطى في دور عرض المولات.

اقرأ أيضا:

فيلم «وﻻد رزق 2»: السينما المصرية وبدلة سمير غانم

لكن هناك حيرة تجاه الجمهور الشعبي، فهناك مشهد واحد فقط في بلوكات عين الصيرة مهد أسطورة أولاد رزق، ثم أضيف عنوان فرعي لاسم الفيلم لاستعادة هذا الجمهور.

تم استخدام 3 أشرار باهتين لمحاولة تعويض الحضور الطاغي لممثل كسيد رجب الذي يستمر دوره بالفيلم السابق في صناعات «الميمات» على مواقع التواصل الاجتماعي حتى الآن، كما نُقل ضابط الشرطة الفاسد إلى خانة الحليف (بعد خروجه من الخدمة لمراعاة الرقابة)، ثم ينتهي الفيلم بتويست كما هو متوقع، ولكن أضعف من السابق.

كل هذا لم يعرقل طريق الفيلم لتحقيق أعلى إيرادات افتتاح في تاريخ السينما المصرية، وكذلك أعلى إيراد يومي (8.4 ملايين جنيه)، عبر 95 شاشة عرض تقريبًا.

إيرادات فيلم ولاد رزق 2
إيرادات فيلم «ولاد رزق 2»

لف ودوران حول الإيرادات


في عيد الأضحى 2016، بدأ تأسيس لقب «الأعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية»، جاء هذا مع تحقيق فيلم «لف ودوران» أكثر من 43 مليون جنيه. قبل هذا كانت إيرادات الأفلام متقاربة بشكل لا يشجع على إطلاق هذا اللقب، لكن ما حدث وقتها أن «لف ودوران» حقق قفزة واسعة بأكثر من 8 ملايين على الفيلم السابق له «الجزيرة 2».

في الثلاث سنوات التالية تقلبت هذه القمة بمعدل مرتين سنويًا، فقد اللقب سحره، وكان واضحًا للجميع أن هذه القفزات تمت بفعل التضخم المالي وهبوط قيمة الجنيه نفسه، ولهذا ظهرت الحاجة لدراسة الإيرادات بمعيار يتجاوز الأرقام المباشرة ويراعي التضخم.

الجدول التالي يعرض تطور قمة الإيرادات التاريخية خلال آخر 5 سنوات، وباستخدام مؤشر أسعار المستهلك (CPI) تمت معادلة إيرادات الأفلام الأقدم بالأسعار الحالية عند أحدث مستويات المؤشر (305.9 نقطة في أول أغسطس).

الأفلام العشرة الأعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية حسب معادلة التضخم

المركز الفيلم

السنة

الإيرادات

الإيرادات بمعادلة التضخم

1 صعيدي
في الجامعة الأمريكية
1998 27,000,000 179,550,000
2 همام
في أمستردام
1999 23,000,000 149,695,745
3 اللمبي 2002 22,100,000 132,556,667
4 بوحة 2005 26,400,000 132,389,508
5 جاءنا
البيان التالي
2001 18,000,000 111,687,627
6 إللي
بالي بالك
2003 18,963,309 110,703,745
7 إسماعيلية
رايح جاي
1997 15,000,000 104,284,091
8 عوكل 2004 19,500,000 101,792,662
9 الناظر 2000 15,869,000 100,712,948
10 مرجان
أحمد مرجان
2007 22,996,578 97,839,405

بعد معادلة التضخم، يظهر كيف أن الإيرادات في الحقيقة كانت تنكمش، لم ينجح «لف ودوران» حتى في معادلة قيمة إيرادات «الجزيرة 2»، بل إن «حرب كرموز» كان أقل بحوالي 5 ملايين جنيه. لكن بنهاية 2018، ومع هدوء موجات التضخم، بدأت القفزات الحقيقية.

الطريق إلى نادي المائة

بإيرادات افتتاحه الأسطورية، من المتوقع نجاح «ولاد رزق 2» في تجاوز نقطة المقاومة عند 80 مليون جنيه، وهي النقطة التي تقطعت عندها أنفاس «

كازابلانكا

» بفارق بسيط، وقد تجاوزها «الفيل الأزرق 2» بالفعل خلال أسبوعه الرابع، ليصبح الهدف التالي أمام الفيلمين هو حاجز المائة مليون.

اقرأ أيضًا:

إيرادات أفلام عيد الفطر 2019: غرائب وعجائب

الانضمام لنادي المائة يضم الفيلم تلقائيًا إلى قائمة الأفلام العشرة الأعلى في تاريخ السينما المصرية بمعادلة التضخم، القائمة التي تسيطر عليها الكوميديا وكان آخر المنضمين إليها «مرجان أحمد مرجان» في 2007.

«وﻻد رزق» و«الفيل الأزرق» أمامهما مجال عرض مفتوح بدون منافسة مهمة حتى نهاية 2019، وبتوقع متحفظ فإن تجاوز حاجز المائة يعني التفوق على «الناظر» (2000) أو حتى «إسماعيلية رايح جاي» (1997).

الأفلام الأعلى إيرادات تاريخيًا
الأفلام الأعلى إيرادات تاريخيًا

يبدو «الفيل الأزرق» أقرب للتفوق خلال هذه الرحلة من «وﻻد رزق». لقد جمع «وﻻد رزق 2» أكثر من 54 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض فقط، لكن هذه كانت أسهل أيامه، وبعد عطلات العيد سيعاني لجذب فئات مشاهدين جديدة خارج جمهوره التقليدي كفيلم أكشن بنكهة شعبية، ولن يكون سهلاً عليه التوسع بين جمهور العائلات والسائحين العرب، لكنه سيفعلها بالنهاية.

بالمقابل ستكون الرحلة أسهل على «الفيل الأزرق 2» الذي يحتاج فقط لجمع 20 مليون إضافية، وقد مر الفيلم فعليًا بأخطر رهاناته في أسبوعي عرضه قبل موسم العيد انفرد خلالهما بالسوق وحده، وارتفعت إيراداته تدريجيًا عبر أسبوعيه الثاني ثم الثالث خلال عطلة العيد، وهو ما يعني أنه لا يعتمد على مناسبات خاصة وتنتقل سمعته بشكل جيد وذاتي بين شرائح متعددة من الجمهور، وستنخفض إيراداته بمعدل جيد خلال سبتمبر وحتى بعد بدء العام الدراسي الجديد.

عامل دفع آخر سيسهل مهمة «الفيل الأزرق»، وهو شركة الإنتاج «سينرجي فيلمز» (تامر مرسي) التي تتواجد على متن الفيلمين، لكنها أنتجت «الفيل الأزرق 2» بشكل مباشر بخلاف «وﻻد رزق 2»، الذي ساهمت فيه مع شركة إنتاجه الرئيسية «RAW» (طارق العريان).

يمكن ملاحظة

انحياز موقع

«اليوم السابع» للفيلم الأول على حساب الثاني، إذ يتبع الموقع مجموعة «إعلام المصريين» التي يتحكم بها تامر مرسي عبر ترؤسه لمجلس إدارة «الشركة المتحدة للإعلام» المالكة للمجموعة.

كيف حيكت المؤامرة ضد حلمي؟

للإمساك بخيوط المؤامرة يجب العودة إلى عيد الأضحى 2018، عندما انقسم السوق السينمائي إلى تحالفين: الشركة العربية والسبكي من جهة، ودولار فيلم، والإخوة المتحدين، وسينرجي من جهة أخرى.

وبينما انحصر التحالف الأول في إنتاجات السبكي المحدودة (لدرجة استعادة أفلام عيد الفطر السابق لشغل الشاشات وحرمان المنافسين منها)، فإن التحالف الثاني تمتع بمرونة سمحت لأعضائه ببناء مصالح متعددة ومركبة في الإنتاج والتوزيع والعرض.

كانت نتيجة هذا التحالف هو تفوق فيلم «البدلة» (إنتاج وتوزيع الإخوة المتحدين) على «الديزل» (السبكي)، وهو ما يوضح قدرة «الإخوة المتحدين» على توزيع الأفلام الضخمة حتى خارج سلسلة دور العرض التابعة لها. ماذا حدث إذن مع «خيال مآتة»؟

اقرأ أيضا:

لهذه الأسباب تصدر فيلم «البدلة» عيد الأضحى

بخلاف مشكلات الفيلم الداخلية التي نتجت عن مستوى السيناريو والتسرع في الإنتاج وأدت لتأخر وصوله للسينمات، فإن الفيلم يواجه حليفين سابقين في التوزيع ودور العرض، وهما شركة «أفلام مصر العالمية» (جابي خوري) أثناء توزيعها لفيلم «ولاد رزق 2»، وشركة أوسكار (وائل عبد الله) موزعة فيلم «الفيل الأزرق 2»، وهذا كافي لتقليص نصيب «الإخوة المتحدين» بالسوق، وربما كان الإطلاق المتسرع لفيلم «الكنز 2» هدفه هو إتاحة مساحة مناورة أفضل لتوزيع فيلم حلمي.

مشكلة أخرى واجهت الفيلم وهي خروج «الإخوة المتحدين» من سرب «سينرجي» التي أصبحت مركز ثقل بالسوق. كمثال لهذا فإن استعانة «RAW» بمشاركة «سينرجي» في إنتاج «ولاد رزق 2» أفادت الفيلم بمزايا لوجيستية وحكومية تتمتع بها الأخيرة حصرياً، وعلى الأقل حيّد أذرعها الإعلامية إن لم يكن استفاد منها، وهو ما دعم الفيلم خلال توزيعه للحصول على نصيب جيد من الشاشات.

بالمقابل، أجلت شركة «دولار» إطلاق فيلم «الفلوس» (من إنتاج ذراعها الإنتاجي «نيوسينشري») رغم جاهزيته وإلحاح نجمه تامر حسني لعرضه بالعيد، حتى لا تنافس هذا التحالف.

بالنسبة لحلمي العائد من نجاح كبير بعيد، لم تكن متاحة له فكرة التأجيل لموسم عطلة منتصف العام الدراسي، ولهذا أصبح مضطرًا لمواجهة فيلمين كبيرين ناجحين ولهما عوامل قوة وتفوق وشعبية سابقة.

التسرع في إنتاج «خيال مآتة» لم يكن حتميًا لأن «الإخوة المتحدين» كان لديها الوقت الكافي منذ آخر إنتاج لها «بني آدم»، و«سبع البرمبة». حلمي كان ضحية نجاحه القديم، حب الجمهور وتوقعاته العالية، وتغيرات السوق. ولا يمكن ادعاء أن هذا يحدث لأول مرة لأحد النجوم الكبار.