عاد اسم وزير الداخلية المصري الأسبق اللواء «حبيب إبراهيم العادلي» إلى واجهات الصحف العالمية مجددًا، بعدما

ذكرت صحيفة

«نيويورك تايمز» أنه يعمل بالرياض، رفقة ضباط مصريين آخرين، في تقديم استشارات أمنية لولي عهد السعودية الأمير «محمد بن سلمان». ويتزامن ذلك مع هجمة أمنية شرسة يشنها الأمير الشاب على رجال أعمال نافذين وأمراء بالأسرة الحاكمة.

أثارت الأخبار المتداولة عن آخر وزراء داخلية مبارك العديد من التساؤلات عن كيفية سفره رغم صدور حكم قضائي بسجنه 7 سنوات، وما إن كان خروجه من مصر تم بتواطؤ من الأجهزة الأمنية أم بتقصير غير متعمد. لكن التساؤلات الأعمق دارت حول سبب استعانة مملكة خليجية بضباط مصريين لحماية أمنها؟


تضارب الأنباء حول العادلي

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في عددها الصادر بـ15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، أن ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، استعان بوزير الداخلية المصري الأسبق سيئ السمعة «حبيب العادلي» في حملته لقمع معارضيه والنخب الملكية والاقتصادية للبلاد. وتأكيدًا على هذا الكلام،

نشر

موقع «هافنغتون بوست»، نقلًا عن مصادر سعودية مطلعة، أن «حبيب العادلي وعشرات الضباط المصريين يعملون في خدمة الأمير محمد بن سلمان، من المقر السابق لوزارة الشؤون البلدية والقروية، بالقرب من مبنى وزارة الداخلية على طريق الملك سعود بالرياض».

في البداية، رفضت السفارة السعودية لدى الولايات الأميركية المتحدة نفي أو تأكيد صحة المعلومات الواردة في تقرير «نيويورك تايمز» قبل نشرها، لكنها

عادت

بعد ذلك بيومين للقول إن «تقديم حبيب العادلي استشارات للمملكة أمر عارٍ من الصحة». أما السلطات المصرية فآثرت الصمت وعدم التعليق على الأمر، لكن محامي العادلي، فريد الديب، قال في

تصريحات صحفية

، إن موكله لم يغادر القاهرة وسيظهر قبيل جلسة محاكمته في كانون الثاني/ يناير المقبل.

لم يكن غريبًا أن تنفي السعودية استعانتها بالعادلي، فالمملكة لا تريد أن تُحرج حلفاءها في النظام المصري، الذين قد تتضرر صورتهم إذا تبين أنهم سمحوا بسفر العادلي رغم صدور حكم قضائي بسجنه. كذلك كان متوقعًا أن ينفي الديب سفر موكله إلى الخارج للحفاظ على حلفاء الرجل في السلطة والذين تركوه حرًا طليقًا لشهور رغم صدور أمر قضائي بضبطه.

من المتوقع أيضًا أن يظهر العادلي قبيل جلسة محاكمته، كما قال محاميه، من أجل أن يتخلص من عبء هذه القضية. لكن هل يعني هذا أنه ليس في السعودية الآن، أو أنه لم يعمل في تقديم استشارات أمنية لولي العهد السعودي؟ بالطبع لا. فطالما ظل الرجل هاربًا فباب الاحتمالات مفتوح على مصراعيه.


الخبرات الأمنية المصرية في خدمة دول الخليج

ليست هذه المرة الأولى التي يُسخِر فيها ضباط مصريون خبراتهم الأمنية لخدمة دول أخرى. قد يأتي هذا في إطار تعاون رسمي، مثلما حدث عندما استعانت الولايات المتحدة الأميركية بضباط مصريين للمشاركة في التحقيقات التي تجرى مع معتقلين عرب لديها، حسبما

روى

«وليد محمد حاج» أحد الناجين من معتقل غونتانامو الشهير.

وقد يأتي هذا في شكل عمل خاص. بحسب الباحث في الدراسات الأمنية «أحمد مولانا»، فدول الخليج تستعين بالخبرات الأمنية المصرية منذ سنين، ومن المعروف أن وزير الداخلية الأسبق اللواء «زكي بدر» عمل – بعد إقالته – كمستشار أمني لوزير الداخلية السعودي السابق «محمد بن نايف». ويضيف مولانا، في حديث خاص لـ«إضاءات»، أن العديد من ضباط مباحث أمن الدولة سافروا عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 للعمل في دول خليجية، بعد أن تم إقصاؤهم من العمل بالجهاز، وخشية أن تتم مقاضاتهم على جرائمهم في عهد مبارك.

وتؤيد الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية «رابحة علام»، هذا الحديث قائلة: «إن استعانة دول الخليج بخبرات مصرية في مختلف المجالات، ومنها الأمن، ليس ظاهرة جديدة. سبب زيادتها الآن هو جود فائض خبرات أمنية، سُد أمامها الطريق في مصر، إما بسبب التقلبات السياسية التي نتج عنها تغيير عدد من وزراء الداخلية خلال فترة قصيرة، وإما بسبب خلافات شخصية».


لماذا الخبرات الأمنية المصرية تحديدًا؟

يطرح هذا السؤال نفسه بقوة عند الحديث عن سبب استعانة دول خليجية بضباط مصريين سابقين فشلوا في الحفاظ على عرش مبارك، رغم قدرتها على الاستعانة بخبرات أوروبية وأميركية أكثر مهارة وتميزًا.

يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي «عمر خليفة»، في حديث خاص لـ«إضاءات»، إن الضباط المصريين والمؤسسة الأمنية المصرية الأكفأ للعمل على تأسيس نظم استبدادية أو تأمين بقائها لأطول فترة ممكنة. فالجهاز الأمني المصري عرف كيف يحافظ على بلد دون أحزاب سياسية قوية لما يزيد على 70 عامًا. وعرف كيف يفشل كل محاولات الثورة على النظام، واستطاع أن يكون هو عنصر الاستمرارية الوحيد في تاريخ الدولة المصرية الحديثة.

ويرى «خليفة» أن الأجهزة الأمنية المصرية لم تفشل في حماية نظام مبارك، بل فشلت في حماية مبارك والمقربين منه فقط، لكن جوهر النظام الاستبدادي وأدواته القمعية استمر قائمًا، وهذا هو المهم.

ويضيف «أحمد مولانا» أن الجهاز الأمني المصري يمتلك خبرة ميدانية كبيرة تحتاجها أنظمة الخليج، وتعرضه لهجمات أمنية من جماعات مسلحة خلال السنوات القليلة الأخيرة لا يعني أنه جهاز غير كفء، فحجم الهجمات التي تُحبط أكثر بكثير مما يقع، وأغلب إن لم يكن 99% من هذه الهجمات تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد فاعليها والوصول لمعظمهم.

وتقول الباحثة «رابحة علام» إن دول الخليج تدرك جيدًا أن الضباط المصريين لديهم خبرة غير قليلة، فالإدارة الأمنية لمجتمع مثل المجتمع المصري حتى إذا كانت سيئة، تعتبر إنجازًا بالنسبة للمجتمع الخليجي الأقل تعقيدًا بكثير. كما يمتلك الضابط المصري ميزة مهمة جدًا، خاصة بالنسبة لدول الخليج، هي الولاء، بالإضافة إلى أن الضباط الذين عملوا في الجهاز الأمني المصري لفترات طويلة محصنين بشكل جيد ضد الاستدراج للتطرف.

وترى «علام» أن الضابط المصري أكثر التصاقًا بمشاكل المنطقة العربية، ويستطيع العمل تحت ضغط شغل كبير لفترة طويلة لأن هذا ما تعود عليه في مصر، بالإضافة إلى أنه يمثل عمالة رخيصة مقارنة بنظرائه الأجانب، ودول الخليج أصبحت تنظر لهذه النقطة بعين الاعتبار بسبب الأزمة المالية الحالية.


هل ستتزايد هذه الظاهرة مستقبلًا؟

تباينت وجهات نظر من استطلعنا آراءهم من باحثين حول ما إن كانت استعانة دول الخليج بالخبرات الأمنية المصرية أمر مرشح للتزايد في المستقبل أم لا.

يعتقد الباحث «عمر خليفة» أن هذه الظاهرة مرشحة للنمو في المستقبل لعدة أسباب، بعضها يتعلق بمصر مثل تدهور الأوضاع الاقتصادية، لأن هذا التدهور يمس العاملين بالأجهزة الأمنية كما يمس غيرهم، وبعضها الآخر يتعلق بالأوضاع في دول الخليج التي تواجه العديد من التحديات المرشحة للتفاقم خلال الفترة المقبلة كالقلاقل الداخلية والأخطار الخارجية خصوصًا من إيران التي تحاصر بنفوذها دول الخليج. لهذا قد يتزايد استعانة ممالك الخليج بالخبرات الأمنية المصرية.

أما الباحث «أحمد مولانا» فيرى أن هذه الظاهرة ليست مرشحة للتصاعد، لأن الأمور استقرت في مصر ولا يوجد ما يستدعي سفر الكوادر الأمنية للعمل بالخارج، طالما الأمر ليس في إطار الانتداب الرسمي من الوزارة، التي يظن أنها في حاجة إليهم حاليًا ولن تفرط فيهم بسهولة.

وتربط الدكتورة «رابحة علام» الأمر بوجود فائض في الخبرات الأمنية، فإذا استمرت حالة التغيير المستمر في قيادات الوزارة، والسيولة السياسية في مصر، فمن الممكن أن تتزايد الظاهرة، وبخلاف ذلك ستظل في إطارها الطبيعي.


ويمكن إيجاز ما سبق تفصيله في أن وزير الداخلية الأسبق، «حبيب العادلي»، لم يكن أول المطلوبين لخدمة أمراء الخليج – إذا ما صحّت معلومات الـ «نيويورك تايمز»- ولن يكون آخرهم. فالأنباء تتوارد من حينٍ لآخر حول استعانات خليجية بضباط -برُتب مختلفة- من جهاز الأمن المصري وجهاز الأمن الوطني «أمن الدولة» بصفة خاصة. يشجعها على ذلك انخفاض كلفة الخبرات الأمنية المصرية مقارنة بنظيرتها الأجنية، وتشابه بيئات العمل إلى حد كبير، بالإضافة إلى كفاءة الضباط المصريين في الحفاظ على استقرار أنظمة الحكم القائمة مهما كانت درجة سوئها.