وصلت الخلافات المصرية – السودانية، مطلع العام الحالي، إلى حد دفع البعض إلى الحديث عن

احتمال نشوب حرب بين البلدين

، خاصة بعد تداول تقارير عن انتشار حشود عسكرية مصرية عند الحدود الإريترية السودانية، وسحب الخرطوم سفيرها من القاهرة. وفجأةً اجتمع وزيرا خارجية ومديرا أجهزة الأمن والمخابرات في البلدين لمناقشة القضايا العالقة، ثم طويت صفحة الخلاف وعاد التعاون من جديد!

فماذا يمكن أن يكون قد توافق الطرفان بشأنه، كان له الإسهام الأبرز في طي هذه الصفحة.


«الإخوان» أول الضحايا

كانت قيادات وأفراد جماعة الإخوان المسلمين الموجودون على الأراضي السودانية القربان الأول الذي قدمته سلطات الخرطوم لنظيرتها في القاهرة. بدأت طقوس التضحية يوم 17 فبراير/ شباط الماضي، عندما

أخطرت السلطات السودانية

قيادات جماعة الإخوان وبعضًا من عناصرها، بضرورة مغادرة أراضيها في أقرب وقت، على أن تكون أولوية الرحيل للصادر بحقهم أحكامًا قضائية في مصر، سواء من القيادات أو الأعضاء.


قالت قيادات في الجماعة

، إن الحكومة السودانية تعهدت بعدم تسليمهم إلى القاهرة. وأنه تم التواصل مع سلطات الخرطوم لمنحهم فرصة من أجل ترتيب أوضاعهم قبل الرحيل، وكذلك للسماح لطلاب الجماعة الذين يدرسون في الجامعات السودانية بالبقاء لحين انتهاء الفصل الدراسي الحالي. وقللت هذه القيادات من الخطوة السودانية قائلة إن «العدد الموجود في السودان لا يتجاوز عدة مئات، بعد ترك أعداد كبيرة منهم الأراضي السودانية على دفعتين في الأشهر الماضية، فضلًا عن أن السودان كان محطة لأغلب المطاردين، الذين توزعوا في عدة دول نتيجة ضعف فرص العمل في السودان».

اقرأ أيضًا:

خلافات بين القاهرة والخرطوم: الإخوان أبرز الأسباب

على جانب آخر،

نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية

المصرية «أحمد أبو زيد»، أن يكون لدى الخارجية المصرية علم «بملاحقة القوات الأمنية السودانية لعناصر إخوانية هناك أو مطالبة قيادات بمغادرة البلاد»، غير أن القنوات شبه الرسمية للنظام المصري لم تخفِ فرحتها بالخطوة السودانية، معتبرة إياها أحد تجليات المصالحة المصرية – السودانية. إذ رأت

صحيفة «اليوم السابع»

، المقربة من النظام المصري، أن الخطوة «ضربة مؤثرة للجماعة»، بينما قالت

صحيفة «البوابة نيوز»

إن «السودان لن تعود المأمن السهل لجماعة الإخوان الإرهابية».


مصر ترد التحية السودانية

قام القمر الصناعي المصري «نايل سات»، في 19 فبراير/ شباط الماضي، بوقف بث إذاعة «دبنقا» الموجهة لتناول الأحداث في إقليم دارفور غربي السودان. و

قالت إدارة الإذاعة

التي تبث برامجها من هولندا، لمتابعيها إنه نتيجة «لأسباب خارجة عن إرادتها تم إيقاف البث عبر القمر المصري نايل سات، وإنهم تحولوا إلى بث البرامج إلى القمر الصناعي إنتل سات». واعتُبرت الخطوة ردًا عمليًا من القاهرة على مبادرة سلطات السودان بطرد عناصر «الإخوان» الموجودين على أراضيها.

اقرأ أيضًا:

لماذا تحتاج مصر إلى علاقات جيدة مع السودان؟


وتصنف الحكومة السودانية

إذاعة «دبنقا» كواحدة من أكثر وسائل الإعلام عداء لها، تعمد إلى ضرب استقرار البلاد عبر بث معلومات مفبركة عن السودان، بسبب إثارة المحطة الإذاعية العديد من القضايا والمزاعم التي شكلت رأي عام ضد الحكومة في المحافل الدولية، بينها مزاعم استخدام الحكومة أسلحة الكيماوي ضد المتمردين في جبل مرة، وحادثة اغتصاب جماعي من قبل قوات حكومية ضد نساء بقرية «تابت» بإقليم دارفور. كما سبق أن حاكمت الحكومة صحافيًا سودانيًا بتهمة «التخابر وتقويض النظام»، لمدّه «دبنقا» بمواد صحافية، قبل أن يعفو عنه الرئيس «عمر البشير» بعد ضغوطات مارسها زملاؤه الصحافيون.


عودة السفير السوداني وتجميد أزمة حلايب

مثلث حلايب


أعلن وزير الخارجية السوداني

«إبراهيم غندور»، أن سفير بلاده لدى مصر «عبد المحمود عبد الحليم» سيعود لممارسة مهام عمله في القاهرة خلال أيام. ومن المتوقع أن يصل السفير إلى القاهرة خلال الأسبوع الأول من مارس/آذار الجاري.

بررت مصادر سودانية

سبب تأخر عودة السفير بقولها إن السودان كانت «تريد الاطمئنان إلى أنّ أسباب سحب السفير زالت، وأن هناك جدية من الطرف المصري في النظر لحلّ القضايا المصيرية بين البلدين».

وكان السودان استدعى سفيره بمصر مطلع يناير/كانون الثاني الماضي في سابقة تاريخية للعلاقات بين البلدين، من أجل «مزيد من التشاور» على خلفية تصاعد التوتر بين البلدين. وتعتبر عودة «عبد الحليم» دليلًا على جدية البلدين في تحقيق المصالحة وتهدئة الصراع بينهما.

اقرأ أيضًا:

موجز تاريخ العلاقات المصرية السودانية

في خطوة مفاجئة،

قال «إبراهيم الغندور»

إن السودان ومصر «اتفقا على عدم التصعيد وإبقاء الوضع كما هو، وترك الأمر للرئيسين البشير والسيسي» فيما يخص مثلث حلايب الحدودي، الذي يعد إحدى أبرز القضايا الخلافية بين البلدين، والتي

اشتكى السودان

مصر بسببها في مجلس الأمن في يناير/كانون الثاني الماضي.


لماذا التهدئة الآن؟

مثلث حلايب المتنازع عليه بين مصر والسودان.

مثلث حلايب المتنازع عليه بين مصر والسودان.

تصاعد التوتر بين مصر والسودان خلال الفترة الماضية إلى حدٍ ينذر بقيام حرب بين البلدين، يجعل من عودة الهدوء بين البلدين بهذه السرعة أمرًا مثيرًا للتساؤل؛ لماذا؟


رجّح متابعون

أنّ إعادة العلاقات بين القاهرة والخرطوم إلى طبيعتها تعود بالأصل إلى ضغوط خليجية، بالأخص سعودية ــ إماراتية. تهدف «إلى احتواء التوتر بين العاصمتين، كما تبعات الزيارة التركية والقطرية وارتفاع مستوى علاقات السودان مع أنقرة». وترتبط كلتا الدولتين الخليجيتين المذكورتين بعلاقات وثيقة مع نظامي البشير والسيسي مما يرجح تدخلهما لوأد الخلاف أو على الأقل تجميده.

اقرأ أيضًا:

الجنيه السوداني: حرب البنك المركزي السوداني المتواصلة

ثمة تقديرات أخرى تضع المشهد الحالي في خانة «حتمية ضبط عقارب الساعة بين البلدين»، «حتى لو كان النظامان يكره أحدهما الآخر» لأسباب قد تعود جذورها إلى حدّ خشية القاهرة من «الثقل الإسلامي» الذي تضمّه الخرطوم منذ عام 1989، «إثر انقلاب البشير وحسن الترابي»، فإنّ «المشاكل الداخلية التي يواجهها كلّ من النظامين تمنعهما من الدخول في صدام خارجي».

ويواجه النظام السوداني أزمة اقتصادية طاحنة عقب قرارات الحكومة بتعويم العملة ورفع الدعم عن الدقيق، وهو ما «يزيد من الضغط على الرئيس البشير في الداخل خاصة في ضوء السياسات الإقليمية التي أصبحت أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى»، بحسب

تقرير «مجموعة الأزمات الدولية»

الصادر قبل أيام.