إنه التلاسن مجددًا!

المُدونة الكويتية ريم الشمري تُلقي بكرة لهب صغيرة في فضاء إلكتروني زادُه الاشتعال، سريعًا ما تتقاذف الأيدي هذه الكرة ويتفاعلون معها ويردُّون، فيرد آخرون عليهم فيردًّون مُجددًا، يتطاير شرر الغضب ويعمي عيون الجميع.

تصف الشمري المصريين بـ«الأجراء والخدم» فيُقلِّب المصريون في دفاترهم القديمة ويُذكِّرونها بما يعتبرونه أفضالاً مصرية على الكويت، تُوجِّت بمُساهمة القوات المصرية في حرب التحرير.

مُسلسل هابط شبه مُتكرر يحدث من فترة لأخرى، وقوده كثيرٌ من المتحمسين للعب دور وطني لا يُكلِّفهم مجهودًا أكثر من التناقر عبر الكيبوردات، والنتيجة جبالٌ من المزايدات التي لا بد أن يكون لها تأثير سلبي على شكل العلاقة بين البلدين ولو على المدى البعيد.

لكن ما شكل هذه العلاقة بين البلدين؟ متى
بدأت؟ وما هي أبرز أحداثها؟ وهل حقًّا شاركت مصر بفاعلية في نهضة الكويت أم أن لمساتها
كانت ديكورية؟

ما قبل الإمارة والجمهورية

بدأت العلاقة بين البلدين بينما كانت كلاهما واقعتين تحت الاحتلال الإنجليزي، باختلاف أن المملكة المصرية تمتَّعت بدولة متكاملة الأركان لها جيش وشرطة ونظام حُكم مستقر يرأسه الملك ثم رئيس الوزراء فيما حرمت اتفاقية الحماية البريطانية التي وقَّعتها الكويت مع لندن من كل هذا تقريبًا، وانحصرت كل الصلاحيات في شخص الأمير وحده.

وفي الثلاثينيات من القرن التاسع عشر، عندما توجه المصريون إلى الجزيرة العربية
خلال فترة محمد علي، كانت مسألة توفير الذخيرة والمؤن كالرز والشعير للخيل مطالب أساسية
يتطلع إليها جيشه في المنطقة، ولقد لعبت الكويت دورًا في ذلك.

يقول عبد المالك التميمي في كتابه «أبحاث في تاريخ الكويت»:

هكذا بانت أهمية الكويت ليس في كونها سوقًا لشراء العلف والمؤن فحسب، لكن أيضًا لكونها قادرة على نقل مؤن جيوش محمد علي في الأحساء ونجد برًّا وبحرًا.

هكذا بانت أهمية الكويت ليس في كونها سوقًا لشراء العلف والمؤن فحسب، لكن أيضًا لكونها قادرة على نقل مؤن جيوش محمد علي في الأحساء ونجد برًّا وبحرًا.

وشهد العام 1838م أقدم حالة تعاون بين البلدين سجَّلتها لنا كُتب التاريخ، حين ساعد حاكم الكويت الشيخ جابر بن عبد الله الصباح مبعوث حاكم مصر محمد علي، خلال حملته على منطقة الأحساء، وزوَّده بسفن حملت الأسلحة والمعدات، رغبةً منه في توطيد علاقته بمصر في ظل مخاوفه من رغب الإنجليز في تحويل بلاده قاعدة بحرية لجيوشهم.

إلا أن تعقيدات السياسة العالمية وتصارعات القوى الدولية مع بعضها دفعت الشيخ مبارك الصباح إلى التحالف مع الإنجليز خوفًا من الضغوط العثمانية عليه، ووقَّع مع بريطانيا اتفاقية 1899م التي وضعت الكويت تحت الحماية البريطانية وأخضعت السياسة الخارجية للكويت إلى مراقبة دقيقة، فنصَّت أول بنودها على «ألا يستقبل (شيخ الكويت) وكيلًا أو ممثلًا لأي دولة أو حكومة في الكويت دون موافقة مسبقة من الحكومة البريطانية».

وسجَّل العام 1918م أقدم زيارة رسمية مُسجلة قام بها مسؤول كويتي إلى مصر،
وهو الشيخ أحمد جابر الصباح أمير الكويت (1885- 1950)، آنذاك، إلى مصر حيث التقى
بالملك فؤاد الأول (1968- 1936) وبحثا عددًا من القضايا الثنائية.

وخلال هذه السنوات، ظهرت بعض المحاولات الفردية من الكويتيين للتعلم في الأزهر مثلما فعل الشيخ محمد الفارسي والشيخ مساعد العازمي الذي كان أول كويتي ينال الشهادة العالمية من الأزهر عام 1881م.

وفي العام 1928م خرجت أول مجلة كويتية إلى النور، أسَّسها عبد العزيز الرشيد وحملت اسم «الكويت»، كانت تُطبع في القاهرة وتُوزَّع في الكويت، وساهم فيها عددٌ من كبار الكتَّاب المصريين كالرافعي والعقاد.

ثم سعت الحكومة الكويتية لزيادة عدد مواطنيها الذين يدرسون في أروقة الأزهر، فبدأت من منتصف القرن العشرين تُسيِّر وفودًا من الكويتيين يتلقَّون التعليم في الأزهر، بدأت بـ7 طلاب في العام 1944م وبعدها تتالى إرسال البعثات حتى بلغ عددهم 59 طالبًا عام 1947م.

وبينما كانت الكويت تدفع جنيهًا كراتب لكل
طالب كانت مصر أكثر إغداقًا عليهم براتب 2.3 جنيه للواحد منهم.

كما قرَّر الشيخ أحمد إنشاء منزل يعيش فيه كل الطلبة الكويتيين في القاهرة عُرف بِاسم «بيت الكويت» اتباعًا لخطوة قامت بها أيضًا السعودية والعراق، وكان يبلغ عدد الكويتيين حينها 65 طالبًا.

ووقع الاختيار على فيلا تقع في شارع إسماعيل محمد في منطقة الزمالك بالقاهرة، ورُصدت ميزانية 10 آلاف جنيه مصري لتأهيلها لاستقبال أكبر بعثة تعليمية تُرسلها الكويت إلى مصر، وتم افتتاحها رسميًّا بحضور أحمد أمين بك ممثلًا عن وزير المعارف المصرية وبعض المسؤولين الكويتيين.

وبمرور الوقت تحول المكان إلى ما يُشبه
السفارة في القاهرة، فلم يكتفِ بإحياء الأعياد الدينية وإنما أقام أيضًا احتفالات
وطنية كعيد جلوس الأمير وتنظيم حملة تبرعات لصالح القضية الفلسطينية التي بدأت
مآسيها تظهر للعلن بعد نكبة عام 1948م.

ومع ازدياد أعداد الطلبة استُبدِل بالمبنى آخر في شارع عدلي بمنطقة الدقي، افتُتح بحضور الشيخ فهد السالم الصباح شقيق حاكم الكويت، آنذاك، الشيخ عبد الله السالم الصباح.

وامتدَّت المساهمة المصرية في تطوير البنية التعليمية الكويتية إلى إرسال دفعة من المدرسين المصريين إلى الكويت بدءًا من العام 1942م، تتحمَّل القاهرة نصف راتبهم الذي بلغ 12 جنيهًا، بموجب قرار من طه حسين مستشار وزير المعارف حينها.

وفي العام 1945م، زار الشيخ فهد السالم الصباح شقيق شيخ الكويت القاهرة لأغراض العلاج والاستجمام في القناطر الخيرية، وبالرغم من أنها لم تحظَ بصفة رسمية فإن الشيخ فهد قُوبل بحفاوة كبيرة، وبعدها بـ3 أعوام استعان شيخ الكويت بمجموعة من مهندسي الري المصريين من أجل دراسة إمكانية إنشاء محطة لتحلية مياه البحر.

وعندما رغب شيخ الكويت عام 1950م في شراء
سيارات للأسرة الحاكمة طلب من القاهرة توفيرها، فبعث له تجار مصريون 16 سيارة من
ماركة Hillman الشهيرة.

عبد الناصر ضد عبد الكريم

قامت ثورة يوليو بزعامة البكباشي ناصر والذين معه، ورحَّب بها شيخ الكويت عبد الله السالم الصباح (1950- 1965) وأرسل برقية تهنئة لرئيس الجمهورية محمد نجيب بمناسبة «انبثاق الثورة المظفرة»، كما زار الشيخ عبد الله الجابر الصباح رئيس دائرة المعارف اللواء نجيب في مارس/آذار 1954م، ودارت مباحثاتهما حول كيفية توثيق العلاقات بين البلدين.

الشيخ عبد الله الجابر الصباح اللواء نجيب
زيارة الشيخ عبد الله الجابر الصباح رئيس دائرة المعارف للواء نجيب

وبالرغم من ذلك، فإن رافد الخفاجي في أطروحته «موقف الكويت من القضايا المصرية» لا يعتبر أن هذا الاحتفاء يعكس ترحيبًا حقيقيًّا بإنهاء الملكية في مصر، ويرى أن الشيخ عبد الله نظر إلى ثورة يوليو بعين الريبة؛ لأن إعلان دولة جمهورية لم يكن له موضع الترحيب في بلد يحكمه نظام عشائري، لكنه لم يستطع إعلان أي موقف خارجي بشأنها بموجب احتكار بريطانيا رسم السياسة الخارجية للكويت بموجب اتفاقية الحماية المنعقدة عام 1899م.

لم تكتفِ بأن تمدَّ سلطانها في برِّ مصر ولكن تطلَّع قادتها لتثوير كل المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، وأجَّجوا مشاعر القومية العربية في صدور الشعوب العربية، ولم تكن منطقة الخليج ولا الكويت باستثناءٍ منها.

تحمَّس الكويتيون لهذه الشعارات التي يسمعونها لأول مرة عن الاستقلال والوحدة ورفض تحكم الغرب في مصير الشعوب. وعندما أعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس عام 1956م، تجمَّع 4 آلاف كويتي (عدد سكان البلاد وقتها لم يكن ليزيد عن 100 ألف نسمة) في مهرجان أسموه «يوم مصر» لدعم هذا القرار.

تم فض هذه المظاهرات بشكلٍ عنيف على أيدي فصيلتين من جنود البحرية الملكية البريطانية بسبب تخوف المقيم السياسي البريطاني من أن زيادة شعبية عبد الناصر في الكويت قد تجعله يفكر في ابتلاعها وتمويل مشروع سد أسوان بثروتها.

وهي كرة اللهب التي بدا أنها لا يُمكن إيقافها، فرغم فضِّ المظاهرات أعلن الكويتيون عن جمع أكثر من 27 ألف دولار أرسلوها لمصر كـ «مساهمة متواضعة» لمساعدة ضحايا العدوان اليهودي، وانطلقت دعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية والبريطانية، كما قام عدد من عمال ميناءي الأحمد والمقوع بالامتناع عن خدمة ناقلات النفط الغربية.

ولم يكن سلاح النفط اختيارًا عبثيًّا، فمنذ توقيع الشيخ أحمد جابر الصباح عقد منح امتياز النفط بين الكويت والشركة الأمريكية البريطانية المشتركة (شركة نفط الكويت المحدودة) عام 1934م، والجميع يُدرك أن هذه البقعة الصغيرة من الأرض تحوي إمكانيات نفطية هائلة.

وبعد أزمة تأميم النفط الإيرانية، شهد تدفق البترول على بريطانيا اختناقات جعلتها تعتمد على الخليج بشكل كلي في تزويدها به بما يقرب 80% من احتياجاتها نصفها تُنتجها حقول الكويت، ما جعل وزارة الدفاع الإنجليزية تعتبر أن الكويت بالنسبة لها «أكثر أهمية من برلين».

وبالرغم من أن أجواء الفوران الناصرية كفيلة بإقلاق مضجع أي حاكم فإننا يُمكننا أن نقول بضمير مستريح إنها لم تقلق حكَّام الكويت كثيرًا، حتى إنهم كانوا الأعلى مساهمة في جهود إعانة جراح ضحايا بورسعيد بتبرعات فاقت قيمتها مليون جنيه إسترليني.

ليس حبًّا في الناصرية ولا النظام الجمهوري بالطبع ولكن خوفًا من الخطر الأعتى والأقرب، وهو العراق الذي لم يترك فرصة إلا وأعلن أن الكويت جزء منه لن يتنازل عنه أبدًا ليكون هذا الطمع واحدًا من العُقد التي شكَّلت المنطقة طوال عقود بالإضافة إلى عقدة مستديمة أخرى عانَى منها الكويت وهي عدم قُدرته على حماية نفسه، ولهذا كان دائمًا بحاجة إلى الاستظلال بقوة كبيرة تقيه شر جاره الشَرِه.

وبما أن السعودية مهما امتلكت من أسلحة وعتاد عسكري لن تستطيع حماية جيرانها ولا نفسها، فلم يعد في الجوار إلا مصر ذات الجيش القوي والذخيرة البشرية الكبيرة التي تكفل تدفقات عسكرية كبيرة إلى أرض المعركة، لذا لم يأنف شيوخ الكويت من ابتلاع الزلط لعبد الناصر خوفًا من القذائف التي قد تنهال عليهم من عبد السلام وغيره من قادة العراق.

فالتهديدات العسكرية بضمِّ الكويت لم يخترعها صدَّام حسين وإنما شربها من أسلافه الأقدمين من سالف العصر والأوان. فمنذ تولي غازي الأول، ملك العراق، عرشه، حتى دأب على الدعوة لضم «محمية الكويت إلى وطنها الأم العراق»، وأسَّس لهذا الغرض محطة إذاعة خاصة تُبث من قصره. وفي العام 1939م، أصدر أمرًا لرئيس أركان الجيش العراقي الفريق حسين فوزي باحتلال الكويت، إلا أن ناجي شوكت نائب رئيس الوزراء تمكن من إقناع ملكه بالتنازل مؤقتًا عن هذه الفكرة.

وخلال فترات طويلة حاول قادة العراق بذل كل الضغوط اللازمة لإقناع الكويت بالانخراط في بلادهم ولو في شكل اتحاد دبلوماسي حمل أشكالاً متنوعة مثل حلف بغداد والاتحاد العربي الهاشمي الذي ضم شيوخ الأردن، جميعها رفضها حكَّام الكويت.

ومثلما فعلت الكويت قديمًا باللجوء
للإنجليز خوفًا من العثمانيين، اختارت هذه المرة اللجوء إلى مصر خوفًا من العراق.

وفي هذا الوقت زادت عُرى الصداقة بين مصر والكويت، ففي القاهرة، استمرَّ تدفق الطلاب الكويتيون على المعاهد الدراسية المصرية، وضمَّ لأول مرة وفدًا من الفتيات، بلغ عددهن 7 طالبات عام 1956م، ثم تكرَّر الأمر عام 1960م وأُرسلت 5 فتيات كويتيات للدراسة بمصر.

وإزاء زيادة أعداد الطلبة الكويتيين في مصر، تم الانتقال لمقرٍّ آخر لـ «بيت الكويت» أكثر اتساعًا للمرة الثالثة خلال عشر سنوات تقريبًا، لكن هذه المرة لم يحضر الافتتاح مندوب عن وزارة كالسابق وإنما

حضر

الرئيس عبد الناصر الافتتاح بنفسه.

وسار حكَّام الكويت في ركاب عبد الناصر الثورية، فأعلنوا دعمهم لثورة الجزائر وأسَّسوا صندوقًا ماليًّا لدعم الثورة الجزائرية.

كما تمت الاستعانة بالفنان المسرحي زكي طليمات ليساهم في تأسيس مسرح كويتي، أسفرت جهوده عن تأسيس فرقة كويتية قدَّمت أول عرض فني كويتي اسمه «صقر قريش»، شارك فيه 40 كويتيًّا من ضمنهم فتاتان هما مريم الصالح ومريم الغضبان.

الفنان المسرحي زكي طليمات مع مريم الصالح ومريم الغضبان
الفنان المسرحي زكي طليمات مع مريم الصالح ومريم الغضبان

هذه المسرحية أحدثت ضجة في الشارع الكويتي حتى إن جيران مريم الصالح كادوا يضربونها عقب فراغها من أحد العروض.

علاوة على ذلك، وفدت السيدة أم كلثوم صوت الثورة الأول إلى الكويت عام 1959م وأحيت حفلًا أسطوريًّا على مسرح السينما الحمراء الكويتي في حضرة 1950 فردًا هم كامل سِعة المسرح، دفع كل واحد منهم تذكرة باهظة الثمن بلغت قيمتها ألف دينار من أجل سماع «سِت مصر».

وبدا أن الدولة الكويتية الوليدة في طريقها للتشكل وفق الهوى المصري السياسي والاجتماعي، هذا التقارب أثار هلع لندن فأعرب هارولد ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا، عن خوفه من أن يبيع حاكم الكويت نفسه إلى ناصر وأن تبتلع مصر كعكة النفط وحدها (بلغ الإنتاج في عام 1961م مليونًا و700 ألف برميل تبلغ قيمتها 450 مليون دولار).

ومع انتشار رياح القومية العربية في المنطقة، زادت مطالب الأهالي بالتخلص من السيطرة الأجنبية على شركات البترول وارتفعت شعارات «الكويت للكويتيين» و«الجزيرة للعرب»، ولم تُرد بريطانيا تكرار كابوس 1956م والنصر السياسي الهائل الذي انتزعه عبد الناصر منها، فكانت أكثر مرونة إزاء طلبات الكويتيين واتفقت مع شيخ الكويت على إصدار «بيان مارس» الذي ألغى معاهدة 1899 وأعلن استقلال الكويت بدايةً من العام 1961م.

في المقابل لم تستمر العراق مَلَكية كثيرًا بعدما قامت ثورة 1958م وأنهت حكم الهاشميين للعراق، وظن الكويتيون أن هذا الكابوس
انزاح عنهم للأبد، وهو التصور الذي لم يكن صحيحًا مع الأسف.

فما أن اقتربت بوادر حدوث اتفاق بين الكويت وإنجلترا على نيل الأولى استقلالها حتى سنَّ رئيس وزراء العراق عبد الكريم قاسم، عدو عبد الناصر اللدود، وسن سكاكينه وبعث برقية إلى شيخ الكويت هنأه فيه بقُرب نيله استقلاله وذكَّره فيها بأن بلاده كانت تابعة لولاية البصرة، ما اعتُبر عدم موافقة ضمنية على استقلال الكويت الذي أُعلن أنه سيدخل حيز التنفيذ عام 1961م.

وفي 25 يونيو/حزيران 1961 عقد قاسم مؤتمرًا صحفيًّا في وزارة الدفاع طالب فيه بضم الكويت إلى بلاده، وأعلن أنه بصدد إصدار مرسوم جمهوري لتعيين شيخ للكويت يتبع البصرة، مضيفًا أن العراق سيُطالب بكل الأراضي التي انتزعها منه المستعمر في إشارة منه إلى رغبته في اقتطاع أجزاء من السعودية وقطر إلى دولته.

وأعلن قاسم أنه سيشعل «حربًا ضروسًا في الشرق الأوسط، إذا لم تضم الكويت إلى العراق»، وهو ما لم يكن مجرد تهديد في الهواء، فكان تعداد الجيش العراقي وقتها يبلغ 60 ألف مقاتل، أما الكويت فلم تمتلك أكثر من ألفي جندي، ما يجعل الهزيمة محتومة حال وقوع أي اشتباك بين الطرفين.

هنا جاء دور مصر والعلاقة الوثيقة التي
استثمرت فيها الكويت السنين من أجل تنميتها.

في البداية، كان عبد الناصر أول المهنئين للأمير بحصول الكويت على استقلالها واصفًا هذا الحدث بـ «اليوم الأغر» داعيًا إياه للعمل معه جنبًا إلى جنب في سبيل «تدعيم القومية العربية».

وبعدها صدرت 3 بيانات تحذيرية ضد ادعاءات قاسم حول الكويت اعتُرض فيها على أي مساعٍ لإجراء الوحدة بـ «الضم» وليس بـ «الإرادة الشعبية والاختيار الحر»، لكن إزاء تزايد التهديدات العراقية طلب الشيخ جابر الصباح من عبد الناصر إيفاد قوات مصرية إلى بلاده للدفاع عنها، وهو ما حدث فشاركت مصر ضمن قوة عربية تألفت من 2337 جنديًّا، كان نصيب القاهرة منها 159 جنديًّا (سرية مهندسين عسكريين + سرية إشارة + وحدة سكرتارية عسكرية)، وكان وجود هذه القوات سببًا رئيسيًّا في انقشاع الأزمة وإعلان بغداد بعدها أنها تُفضل حل هذا الخلاف بالنواحي الدبلوماسية خاصة بعدما خاض عبد الكريم حربًا في جبهة أخرى بالعراق وهي ثورة الأكراد عليه ومطالبتهم بالاستقلال.

وكانت مصر أول المصوتين على انضمام الكويت إلى الجامعة العربية، ووصف مندوبها في الجامعة هذا الحدث بـ «اليوم التاريخي» بالرغم من ثورة مندوب العراق على هذا الانضمام، ووصفه لهذا القرار بـ «الهدَّام» واعتبر أن الكويت التحقت بالجامعة عن طريق الرشاوى.

وسريعًا تبادل البلدان تعيين السفراء وعلاقات
دبلوماسية من المستوى الأول.

ووصل التأييد المصري لاستقلال الكويت ذروته عبر السماح للمطربة الأولى أم كلثوم بتكرار الزيارة إلى الكويت 1962م لتُحيي أول

احتفال

بعيد جلوس الأمير على العرض عقب نيل الاستقلال، وفي لمحة نادرة غنَّت سُومة لدولة غير مصر عبر إنشاد 3 أغانٍ للكويت، هي: «بلدي الكويت» و«يا دارنا دار» و«أرض الجدود»، ولاحقًا

كرَّرت

أم كلثوم الزيارة مرة ثالثة وأخيرة عام 1968م.

احتفال أم كلثوم في الكويت
احتفال أم كلثوم في الكويت

لاحقًا، أعلنت الكويت شراءها مدرعات حربية بولندية الصُنع تُجمَّع في مصر بقيمة 5 ملايين دولار أمريكي، وعقب اندلاع ثورة اليمن سمحت الكويت للقوات المصرية باستغلال أراضيها للعبور إلى اليمن على الرغم من احتجاج المملكة العربية السعودية على ذلك.

وبقيت القوات المصرية في الكويت حتى قرر سحبها عبد الناصر عقب حدوث الانفصال عن سوريا، وتوتر العلاقة بين مصر والسعودية واتهام القاهرة لها بالمساهمة في إنهاء هذه الوحدة، أما بقية القوات العربية فلقد استمرت في مكانها حتى تولى عبد السلام عارف رئاسة الجمهورية العراقية، واتبع سياسة ودية تجاه الكويت.

مبارك ضد صدام

وفي الساعات الأولى من صباح اليوم الثاني من أغسطس/آب عام 1990م، بُوغت العالم باجتياح القوات العراقية للكويت واعتبارها المحافظة الـ19، ولتبرير هذه الخطوة قدَّم العراق عددًا من المبررات أهمها الخلاف الأساسي بينه وبين الكويت على الحدود والديون وأخيرًا اعتبرت بغداد هذا الغزو خطوة لإجبار المجتمع الدولي على حل كل مشاكل العرب وعلى رأسها المشكلة الفلسطينية.

ومن اللحظات الأولى لوقوع هذا الحدث رفضت مصر هذه الخطوة وبذلت جهودًا كبيرة لحل هذه المشكلة، بدأت دبلوماسية سرعان ما حوَّلتها إلى عسكرية بعد اقتناعها بأن صدام لن يتزحزح عن موقفه.

في يوم 3 أغسطس/آب، استضافت القاهرة اجتماعًا لوزراء الخارجية العرب تبادل فيه الجميع الشتائم وكان طبيعيًّا أن يخرج بلا نتيجة، وعلى هامش اللقاء عقد سعدون حمادي وزير العراق للشؤون الخارجية اجتماعًا مع عصمت عبد المجيد وزير خارجية مصر، حينها، وقدَّم عرضًا سخيًا للقاهرة بأن تنال نسبة من حصيلة النفط الذي سيتم استخراجه من الكويت فرُفض هذا العرض، وفيما بعد رُفع العرض للمساهمة في سداد حصة كبيرة من ديون مصر فرُفض أيضًا.

بعدها استمرت المراسلات بين مبارك وصدام، كلها لم تؤدِّ إلى نتيجة.

وفي يوم 8 أغسطس/آب، وجَّه مبارك نداءً للأمة العربية بضرورة عقد اجتماع قمة عاجلة في يوم 9 أغسطس، فاستجاب له كل القادة العرب خلال ساعات، بل إن العقيد القذافي وصل القاهرة في نفس اليوم.

لم يحضر القمة صدام، وإنما رأس وفد العراق طه ياسين رمضان النائب الأول لرئيس الوزراء، ومن كلمته بدا للجميع أن موقف العراق لم يتغير إلا أنه أعرب عن استعداده لبحث الانسحاب بشرط انسحاب القوات الأجنبية من المنطقة.

اعتمد الموقف العراقي على أنه بحاجة لصوت
واحد لإسقاط أي مشروع يُدين العراق ويسمح بالاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت؛
باعتبار أن أي قرار يجب أن يصدر عن الجامعة بالإجماع.

وهو ما لم يلتزم به مبارك فطرح مشروع إدانة
العراق للتصويت واعتمده بالموافقة رغم اعتراض بعض زعماء الدول عليه كياسر عرفات
والقذافي، وغادر مبارك القاعة وسباب الوفد العراقي يُلاحقه.

أعطى هذا القرار مشروعية لاستخدام أي قوة
عسكرية عربية لحماية السعودية وتحرير الكويت.

ولا واحد في المليون.


صدام حسين يرد على صحفي سأله عن شكه في انتصار العراق

ولا واحد في المليون.





صدام حسين يرد على صحفي سأله عن شكه في انتصار العراق

يقول العقيد مصطفى كمال في دراسته العسكرية «عاصفة الصحراء» إن القوات المصرية تقدمت قبيل فجر يوم 24 فبراير/شباط بحوالي ساعتين تحت ستار من نيران كثيفة من المدفعية، في نفس التوقيت الذي بدأت فيه عناصر الهندسة العسكرية في التحرك لفتح الثغرات المطلوبة في الموانع العراقية. ونجحت هذه العناصر في تحقيق واجبها باستخدام معدات مصرية الصنع أثبتت كفاءة عالية في الاستخدام القتالي. ولأنه يمتلك خبرة فائقة اكتسبها خلال حرب أكتوبر 1973م في هذا المجال، أوكلت القيادة الكويتية إليه مهمة رفع حقول الألغام العراقية من أراضي البلاد بعد تحريرها.

وأيضًا لعب الإسناد المدفعي دورًا ذا تأثير فعَّال للغاية في معاونة القوات الميكانيكية والمدرعة في التغلب على أي مشكلة واجهت القوات خلال هجومها في اتجاه الجهراء، وهي متاعب يُمكن تخيل مدى خطورتها إذا علمنا أن الأعمال الدفاعية العراقية التي واجهها الجيش المصري هي عوائق الدفاع الرئيسية التي نصبتها بغداد تحسبًا للهجوم فواجهت 3 خطوط دفاع اشتركت فيها الدبابات والصواريخ المضادة للدبابات تغلبت عليها القوات المصرية بسرعة كبيرة حتى إنها بلغت الخط المحدد لمهمة اليوم الأول الساعة 11 ونصف صباحًا على الرغم من أن الخطة الموضوعة كانت تفترض أن هذه القوات لن تحقق مهمتها قبل الساعة السادسة مساءً.

وخلال اليوم الثاني للقتال تابعت فيه القوات المصرية تقدمها نحو الجهراء فيما نجحت قوات الصاعقة في الاستيلاء على مطار علي السالم بعد قتال عنيف مع القوات العراقية المدافعة عن المطار.

وفي اليوم الثالث تحركت القوات المصرية في اتجاه مدينة الكويت على محورين؛ الأول هو المحور الشمالي والثاني هو محور جمال عبد الناصر، ونجحت القوات في المهمتين.

بعدما استطاعت تحرير مساحة 3 آلاف متر تقريبًا خلال 3 أيام قتال، وهي مساحة كبيرة بالنسبة لمساحة الكويت وباعتبار حجم الدفاعات العراقية التي كانت موجودة في هذه المنطقة، كما أن الخسائر من هذه العملية تكاد لا تُذكر فجميع الأسلحة والمعدات خرجت سليمة بنسبة 100%، كما أن خسائر الأفراد بلغت شهيدًا واحدًا وستة جرحى.

في صباح اليوم الرابع، تم رفع العلم المصري
فوق السفارة المصرية بالعاصمة الكويتية بعد تحقيق جميع المهام القتالية التي كُلفت
بها بنجاحٍ تام.

وهو ما استدعى شهادة من الجنرال نورمان شوارزكوف، قائد عملية عاصفة الصحراء، بقوله:

لقد كان أداء الجندي المصري في حرب تحرير الكويت أداءً متميزًا، لقد أثبتت حرب عاصفة الصحراء كفاءة الجندي المصري وقدرته القتالية العالية في مسرح العمليات.

بالإضافة لما قاله الجنرال بيتر دي لابيليير، قائد القوات البريطانية في المعركة:

إن القوات المصرية قادت الهجوم في منطقة يُمكن أن نقول عنها إنها الجزء الأصعب على كل الجبهة العراقية؛ لأن القوات المصرية شنَّت الهجوم في المنطقة التي كان العراقيون يعتقدون أن نأتي منها. إن المصريين تصرفوا بطريقة جد مشرفة.

لم يتطرق كمال في دراسته لتأخر القوات المصرية في إنجاز بعض مهامها، وهو ما اشتكى منه شوارزكوف علنًا، إلا أن دكتور محمود كامل يُبرِّر ما حدث في دراسته «حرب الخليج الثانية ودور مصر العسكري فيها» بأن ما حدث من القوات المصرية لم يكن تأخيرًا، وإنما حدث تغيير في خطط القتال وقدَّم الأمير خالد بن عبد العزيز، قائد القوات المشتركة، موعد الهجوم 12 ساعة عمَّا كان مقررًا، كما تم تغيير موقعه أكثر من مرة، وهو ما لم تستطع القوات المصرية التوافق معه بشكل سريع.

ويضيف أنه كان هناك قصور في المعلومات لدى القوات المصرية حول نتائج القصف الجوي للقوات العراقية، بسبب احتكار المخابرات الأمريكية لهذه المعلومات.