بدأت سوريا، قبل أيام، تطبيق موازنتها الجديدة، والتي تبلغ

3.88 تريليون ليرة

سورية (7.53 مليار دولار). وهي مناسبة جيدة للتساؤل عن مصادر الأموال التي ساهمت في استمرار نظام الأسد حتى الآن، وتحقيق العديد من المكاسب على حساب الشعب السوري.


خطوة إلى الوراء: الاقتصاد السوري قبل 2011

دخلت سوريا الألفية الجديدة، ومعها عهد بشار الأسد، بوضع اقتصادي سيئ للغاية؛

معدل

نمو اقتصادي بالسالب (-3.5%) في مقابل

معدل

نمو سكاني ضمن الأعلى في العالم (2.62%)، ونسبة بطالة تجاوزت وفق

تقديرات مستقلة

20% (الأرقام الرسمية تقول إنها 9.5%)، وديون خارجية

وصلت

إلى 21.2 مليار دولار وتمثل 118% من إجمالي الناتج المحلي البالغ 18.8 مليار دولار، في مقابل ا

حتياطات

من العملة الأجنبية أقل من 370 مليون دولار، ووضع سيئ للعملة الوطنية (1 دولار = 50 ليرة).

رأت القيادة السورية الجديدة أن السبيل إلى تحسين الأوضاع هو التخلي عن سياسة الاقتصاد الموجه والاندماج بالنظام الرأسمالي العالمي، فأقرت خلال العقد الماضي خطتين خمسيتين (التاسعة والعاشرة)، كانت تهدف من خلالهما إلى تحسين مناخ الأعمال وفتح باب الاستثمار المباشر لرأس المال الخارجي والداخلي (أُصدر لأجل ذلك أكثر من

1200 قانون ومرسوم

بين عامي 2000 – 2005 فقط)، وإجراء «إصلاح اقتصادي» يعتمد على زيادة الضرائب وخفض الدعم عن المحروقات والسلع الغذائية الأساسية وخصخصة القطاع العام (وصفة صندوق النقد الدولي).

تحسنت المؤشرات كثيرًا بحلول نهاية العقد، فبلغ

الناتج المحلي 60 مليار دولار

عام 2010، ووصل

متوسط معدل النمو

إلى 5%، وتم

التخلص من الديون الخارجية

بشكل شبه نهائي بعدما تنازلت الدول الدائنة (أغلبها من دول الاتحاد السوفييتي السابق) عن جزء كبير من مستحقاتها، ووصل

احتياطي النقد الأجنبي

عام 2010 إلى 20.6 مليار دولار، كما كان

معدل النمو السكاني

في طريقه إلى التحسن، و

استقر متوسط سعر الصرف

عند مستوى 50 ليرة مقابل كل دولار. وكانت

موارد الخزانة العامة

، خلال تلك الفترة، مستمدة بشكل أساسي من الضرائب والنفط.

الأرقام تبدو جيدة بمفردها، لكن في الواقع هذا التحسن في الأرقام لم يقابله تحسن كبير في حياة المواطنين، فنسب البطالة كانت لا تزال مرتفعة للغاية، إذ وصلت عام 2007 إلى 16% بشكل عام و 22% بين الشباب وفق

تقديرات صندوق النقد الدولي

، كما أن ثمار النمو و«الإصلاح الاقتصادي» كانت

تذهب إلى رجال النظام

وكارتلات رجال الأعمال من عائلات الأسد ومخلوف وشاليش والأخرس، فيما كانت العائلات في الريف والمناطق العشوائية تعاني من فقر مدقع، ووصلت

نسبة الأشخاص العاجزين

عن تلبية احتياجاتهم الأساسية عام 2008 (قبل رصد آثار الأزمة المالية العالمية والتضخم والجفاف) إلى 12.3 % من السكان، فيما كانت نسبة الفقراء عند الحد الأعلى للفقر 33.6 % من السكان.

واستمر معدل التضخم في الارتفاع نتيجة إجراءات رفع الدعم عن السلع الرئيسية (وصل التضخم عام 2008 إلى 15%)، وكان الفساد ينخر جسد الدولة، فـ

80% من الشركات

العاملة في سوريا قالت إنها مضطرة إلى تقديم «هدايا» إلى المسؤولين «لإنجاز الأمور»، واحتلت سوريا المركز 137 من أصل 181 دولة في مؤشر ممارسة الأعمال عام 2009.


اقتصاد سوريا بعد 2011: الانهيار الكبير

منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011، كان الاقتصاد السوري ينتقل، عامًا بعد عام، من سيئ إلى أسوأ على كافة المستويات وبسرعة قياسية. بحسب الإحصائيات المتاحة حتى الآن، فإن الناتج المحلي الإجمالي لسوريا وصل عام 2016،

بحسب الأرقام التي أعلنها النظام

، إلى 11.9 مليار دولار بانخفاض قدره 80% عما كان عليه عام 2010. وتراجعت الليرة السورية بشكل حاد مقابل الدولار، حتى أصبح 1 دولار = 500 ليرة، وأصبحت تمثل 9% فقط من قيمتها قبل اندلاع الصراع.

وصلت معدلات البطالة في سوريا إلى 50%. ويعيش نحو

80% من السوريين

تحت خط الفقر، فيما وصلت

نسبة الآمنين غذائيًا

عام 2017 إلى 23% فقط، مقابل 31% من السكان غير آمنين غذائيًا، وأكثر من 45% في منطقة الخطر. وهوى الاحتياطي من

النقد الأجنبي

حتى العام 2016 إلى 700 مليون دولار فقط، أي أقل من 4% فقط من حجم الاحتياطي عام 2010.

وبلغت

الديون الخارجية (المعروفة) حتى العام الجاري 4.6 مليار دولار، تمثل نحو 39% من إجمالي الناتج المحلي، فيما مثلت الديون الداخلية عام 2017 نحو 95% من إجمالي الناتج المحلي. وتقدر تكاليف عملية

إعادة إعمار سوريا

وبنيتها التحتية التي خربت بنحو 400 مليار دولار.


من أين يأتي النظام بالأموال؟

كيف استطاع النظام البقاء على قدميه طوال السنوات الثمانِ الماضية وتمويل آلته الحربية؟

بداية، هناك قاعدة عامة يجب وضعها في الاعتبار؛ عجلة الاقتصاد لا تتوقف تحت أي ظرف من الظروف، سواء أكان هذا الظرف حربًا أم غيرها، العجلة تستمر في الدوران لكن بطرق أخرى غير الطرق المعتادة. كان النظام السوري منذ عهد حافظ الأسد يستعد دائمًا لاندلاع الحرب، سواء داخلية أو خارجية. ووفق

دراسة لمركز كارنيغي

، فإن نفقات الدفاع في سورية كانت تشكّل رقمًا كبيرًا على الدوام، حيث تصل هذه النسبة في أوقات توقف المعارك إلى أكثر من 12% من مجمل الموازنة العامة للدولة، وتصل في حالة اندلاع المعارك أو في حالة التعبئة العامة إلى أكثر من 25%. ولأن النظام خاض العديد من الحروب مع إسرائيل وفي لبنان، فقد كان مستعدًا بشكل ما لمثل هذه الظروف غير العادية.

وفي محاولة لتلافي الخسائر وتوفير تمويل لاستمرار الاقتصاد في دعم التوجه الرسمي لمعالجة الأزمة، وتوفير المال اللازم للاستمرار، عملت الحكومة السورية على إصدار قرارات عديدة، بدأت بخفض الموازنة العامة، والنفقات الاستثمارية، واتجهت إلى تفاصيل دقيقة في توفير واقتصاد النفقات، منها خفض استخدام السيارات الحكومية وتقليص حصتها الشهرية من الوقود، وصولًا إلى حملات إعلامية لترشيد الطاقة، وحتى ترشيد استخدام الورق في المؤسسات الحكومية.

كانت موارد الخزانة العامة لسوريا هي الضرائب والنفط بشكل أساسي، ويمول عجز الموازنة عبر الاستدانة. لكن منذ بداية الحرب، وحظر تصدير النفط، وخسارة النظام للعديد من المناطق، قلت موارده بشكل كبير، فلجأ النظام إلى الاستدانة بشكل ضخم من الداخل، حتى وصلت الديون الداخلية نهاية عام 2014، بحسب

صحيفة الأخبار اللبنانية

القريبة من النظام، إلى نحو 3400 مليار ليرة، أي ما يعادل 180% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لعام 2015، وذلك بعد أن كانت الديون الداخلية قبل الأزمة 320 مليار ليرة فقط.

واستنزف النظام الاحتياطي النقدي السوري حتى تقلص من نحو 20 مليار دولار عام 2010 إلى 700 مليون دولار فقط عام 2016. وكان النظام حريصًا على استنزاف الاحتياطي ببطء، خشية من طول أمد الحرب، وهو ما حدث بالفعل. وانتقل النظام السوري للبحث عن موارد جديدة مع الضيق الاقتصادي وتراجع الاحتياطي الذي عانت منه. ففي عام 2013 مثلًا كشفت صحيفة الجارديان أن نظام الأسد يشتري النفط أو يمرره عبر

اتفاق مالي مع جبهة النصرة

التي كانت تسيطر في ذلك الحين على مناطق واسعة شمالي وشرقي سوريا، وأصبحت المعابر بين مناطق النظام والمعارضة والمعابر الخارجية أحد أهم مصادر تمويل النظام.

واتجه النظام إلى الاستدانة من الخارج، فحسب تقرير للبنك الدولي،

بلغت الديون الخارجية

للنظام (المعروفة منها) حتى العام الجاري 4.6 مليار دولار، رغم أنها كانت شبه منعدمة قبل بداية الأزمة بعدما تم تصفية قضية الديون مع دول الاتحاد السوفييتي السابق. وقدمت إيران للنظام السوري عشرات مليارات الدولارات منذ بداية الأزمة، سواء بشكل مباشر، أو على هيئة سلع وبضائع، أو في شكل أسلحة ومعدات حربية.

وفق تقديرات الأمم المتحدة

عام 2018، فإن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنويًا، وإذا كانت إيران أنفقت هذا الرقم بشكل منتظم خلال ستة أعوام من الحرب السورية، هذا يعني أنها دفعت 36 مليار دولار، وهي كلها أموال ساعدت في بقاء الأسد في منصبه وتمويل حربه.

كما قدمت روسيا مليارات الدولارات لنظام الأسد، سواء

عبر القروض والمساعدات

المعلنة والخفية، أو عبر الدعم العسكري بشقيه المباشر وغير المباشر.

فموسكو تنفق 1.8 مليار دولار سنويًا

على مقاولين عسكريين في سوريا، منذ بداية تدخلها المباشر في الصراع عام 2015.