إذا كانت مسألة المرأة قضية مبتذلة، فهذا يعود إلى أن الغرور الذكوري قام بتحويلها إلى نزاع، وعندما يتنازع الناس فإنهم لا يتناقشون بالمنطق





سيمون دوبوفوار

كل الأسباب، طبيعية واجتماعية، تتضافر لتجعل تمرد النساء على سطوة الرجال غير محتمل. إنهن في وضع مختلف عن وضع كل الطبقات المستعبدة الأخرى بحيث يتوقع سادتهن منهن أكثر من مجرد الخدمة الفعلية. لا يرغب الرجال في خدمة النساء لهن فقط بل الشعور بهذه الخدمة. إن الرجال– عدا أكثرهم فظاظة – يريدون في نسائهم الأقرب صلة بهم إماء طوعيات وليس مجبرات. لهذا أعد الرجال العدة لاستعباد عقولهن





جون ستيوارت ميل

من الصعب أن تجد مصطلحا قد رزح تحت وطأة الفهم الخاطئ أكثر من «النسوية». يستوى في هذا معارضيها مع المدافعين عنها مما أدى لتكوين كرة هائلة من الضباب اكتنفت القضية برمتها وجعلت منها موضوعا للتندر أكثر منه فلسفة لها حيثياتها وقضاياها ولغتها ومنطقها.

من المثير للاهتمام فيما يخص النسوية أنها قد أصبحت مرادفة لضدها. ففي خضم البروباجندا والبروباجندا المضادة، أصبحت النسوية عند البعض تعني ما لا تعنيه، وتقول ما لا تقوله، حتى تطرف الأمر وأصبحت النسوية تثير في الأذهان مشهدا هزليا تمسك فيه امرأة برسن يشبه رسن الكلب مربوط حول رقبة رجل. الصورة التي تعتبر مثالا جيدا على منظور الرجال للنسوة بشكل عام.

إن الخوف من النسوية لا ينبع من النسوية ذاتها كما سنورد بعد قليل، بل من الخوف من أن تمارس النساء ما يمارسه الذكور ضدهن –ماديا أو معنويا- لقرون وقرون.


ما الحاجة إلى النسوية ؟


http://gty.im/72159733

إذا كنت لا تعتقد أن التاريخ كان معاديا في مجمله للمرأة أو ترفض حقيقة أن نساء العالم ما زلن يواجهن حيوات صعبة تصل في بعض الأحيان لأن تودي بحياتهن لمجرد نوعهن، فإنه لا حاجة بك إلى أن تكمل القراءة. إن الفارق بين المجتمعات المتحضرة والمجتمعات المتوسطة والمجتمعات المتخلفة هو أن المجتمع المتحضر قد توصل أفراده إلى أن التمييز على أساس العوامل الطبيعية كالنوع واللون أصبح مستهجنا استهجانا طوعيا من الأغلبية الساحقة، أما في المجتمعات المتوسطة فإن التمييز تتم مكافحته بواسطة القانون.

تشكل المجتمعات المتخلفة معضلة من نوع خاص. من السهل جعل مطالبك تبدو «هامشية» إذا كنت تعيش في مجتمع تعوزه أساسيات حقوق الإنسان من غذاء وعمل ومسكن ويئن تحت ثقل الديكتاتوريات السياسية المتعاقبة والأصوليات الدينية. من هنا يأتي الادعاء بأننا نحتاج إلى «حقوق الإنسان» وليس «حقوق المرأة». وعند هذه النقطة نقف دقيقة.



مصطلح «حقوق الإنسان» مطاط للغاية بالنسبة لكل ثقافة وكل بلد ولا يمكن الاتكال عليه ليحقق المساواة التي تنشدها الحركة النسوية منذ أن بزغت على يد النساء العاملات

هل يمكن الادعاء أن فكرة «حقوق الإنسان» لدى كل المجتمعات تتضمن المساواة بين جميع أفراده؟ وهل توافر الثروة في مجتمع ما يؤدي بالضرورة لمساواته بين أفراده؟

حسنا، لدينا الدول الإسلامية البترولية لتمطرنا بالدلائل على الإجابة بالنفي على هذه التساؤلات. يمكننا بسهولة أن نجد المرأة مستمرة في لعب دور التابع، بل الطفل الذي يلزمه القانون باتباع إرشادات ولي أمره والامتناع التام عن عصيانه في الدول الإسلامية البترولية ذات الثراء الواسع. هذا بالنسبة إلى الثراء، أما حقوق الإنسان فإنها تنطوي على مغالطة ضخمة.

نضيف إلى ذلك أن بعضا مما يمارس ضد الذكور والإناث في آن واحد يعود بالضرر على أحدهما أكثر من الاّخر، فالختان على سبيل المثال يمارس على النوعين بحيث يؤثر على أحدهما تأثيرا طفيفا «إذا» ما قورن بإمكانية أن يودي بحياة الأنثى عند إجرائه أو بالمعاناة التي تعيشها إذا ما نجت من ذلك. مع الإشارة إلى فكرة لا يلقى لها بالا في معظم الأحيان، وهي أن الممارسات التي تعرض الذكور للخطر –كالحروب على سبيل المثال- هي من اختراعهم في النهاية مثلها مثل ما اخترعوه لقمع الأنثى. إن الأبوية قد أضرت بالرجل والمرأة لمصلحة اللا شيء.

نعود لمشكلة حقوق الإنسان، تضافرت العوامل البيولوجية واقتصادات المجتمعات البدائية في خلق بيئة تميل نحو تقسيم مجتمعي يتسيده الذكر رويدا رويدا وببطء دون نتائج محسوسة وآخذة في التفاقم. كشر هذا التفاقم عن أنيابه عندما وصلت البشرية لمرحلة من التطور تجعل أفكارا، مثل نظم التعليم، سلطات الأفراد والعادات الاجتماعية أفكارا مهمة وفي بؤرة النقاش حتى أضحت تلعب دورا قياديا في توجيه تصرفات البشر.

نظم التعليم التي اقترح واحد من أكبر فلاسفة عصره جان جاك روسو في كتابه «عن التعليم-Emile» أن يتم تصميمها بحيث تنمي من غرائز الرجل الطبيعية نحو الاستقلال والحرية والتحكم بينما تعد المرأة لتكون خانعة تماما وغير قادرة على الحياة بدون رجل يسيطر عليها، وذلك خدمة لدور الرجل الطبيعي في الحياة العامة وتنمية لحس الأمومة في النساء.

عند هذه المرحلة، انبثقت إلى الوجود فكرة «المرأة بطبيعتها» و «الرجل بطبيعته» والمعروفة باسم مبدأ الميادين المنفصلة separate spheres، حيث يقوم كل منهما بمهام واضحة أملتها عليه الطبيعة واختارتها له. كان هذا هو السلاح الأقوى فعالية لتنفيذ ما تحدث عنه جون ستيوارت ميل، وما حاجج روسو من أجله من استعباد الذهن والعقول. بالطبع للمرأة طبيعة وللرجل مثل ذلك، لكن اللعبة هنا تكمن في الآتي:

أولا: استخدام العناصر المادية في تكوين المرأة والرجل في افتراض نتائج نفسية، وفكرية وجسدية، ثم استخدام هذه النتائج المفترضة في تبرير اتخاذ قرارات تحدد التصرفات الممكنة والمقبولة والمستحبة والمكروهة لكل منهما.

ثانيا: اعتبار أن التكوين الذكري هو التكوين القياسي standard. أصبح هو الأصل الذي يتم قياس كل ما هو «طبيعي وكامل» بالنسبة إليه. تملكت هذه الفكرة أذهان الجميع رجالا ونساء –بالتبعية-من أطباء وعمال وفلاحين، بل حتى الفلاسفة القدماء كأرسطو الذي اعتبر المرأة رجلا مشوها ثم بعض علماء العصر الحديث كفرويد الذي شكل نظرية –تم دحرها منذ أمد- بأكملها تقوم على أن المرأة تشعر بعدم الاكتمال والحسد لأنها «ينقصها العضو الذكري» الذي يمتلكه الرجال.

هكذا أصبحت المرأة رجلا ضامرا، وليست كائنا بذاته يختلف عن الرجل. من هنا كان من الطبيعي الاعتماد على «طبيعة المرأة» في تبرير الكثير والكثير من الممارسات التي يتم ترويجها كما لو كانت لمصلحة هذه الطبيعة. تعليم المرأة؟ إن هذا ضد طبيعتها التي تميل للسكون والهدوء وعدم مغادرة البيت، إن طبيعتها تتنافى مع العمل والكد والاطلاع والمثابرة على المعرفة ومحاولة فهم الطبيعة. هنا يمكن الوصول إلى إمكانية جعل «منع المرأة من التعليم» جزءا من «حقوق الإنسان» إذا ما كان هذا الإنسان أنثى في عقلية بعض المجتمعات.

لا يمكن بأي حال الانتهاء من هذه النقطة دون أن نسوق مثال الميراث في الدين الإسلامي. فبينما كان ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر لأن «الدور الطبيعي للذكر» هو أن ينفق على نساء بيته بينما لا يطلب من الإناث إنفاق شيء، فإن هذه النسخة من «الأدوار الطبيعية» جعلت النساء ترث نصف ميراث إخوانهن في عصر يعملن فيه مثلهن مثل هؤلاء الإخوة، وينفقن فيه المثل بالمثل.

عادة ما يتم الرد على هذه النقطة بأن النساء «غير مجبرات على العمل من الأساس» بحيث تصبح حريتهن محددة دائما في اتجاه واحد. لا يمكنها أن تعمل مثله وترث مثله، إما أن تكون خاضعة تماما، وهنا يصبح الميراث النصفي منطقيا، أو تعمل ويصبح الميراث النصفي «قدرها».

إن مصطلح حقوق الإنسان مصطلح مطاط للغاية بالنسبة لكل ثقافة وكل بلد ولا يمكن الاتكال عليه ليحقق المساواة التي تنشدها الحركة النسوية منذ أن بزغت على يد النساء العاملات الأوائل والمتعلمات الأوائل. بل إن النسوية ذاتها واصلت التطور من حقوق الإناث البيض مغايرات الميل الجنسي إلى حقوق كل الإناث بمختلف أعراقهن وميولهن الجنسية. إنه سيل يتواصل في الانهمار.


ماذا يعني كون المرء نسويا؟


http://gty.im/89634331

حسنا، ما معنى أن تكون اشتراكيا؟ ليبراليا؟ في العادة، تأتي الفلسفات المختلفة بهيكل فكري يتضمن تحديد مشاكل معينة وتحديد مقاربات لحل هذه المشاكل مصحوبا ببعض التعريفات لبعض المصطلحات التي تم تكوينها لتلبية احتياجات هذه الفلسفة. على نفس النسق، يعني كون المرء نسويا إدراك وجود خلل في توازن القوى بين الأنواع لمصلحة الذكور، وأن هذا الخلل هو نتاج اجتماعي وسياسي واقتصادي وليس ضرورة طبيعية، وبالتالي يمكن القضاء عليه مع الاتفاق على «القيمة» المتساوية للرجل والمرأة.

يجب علينا أن ننوه هنا بنقطة مهمة. عندما نقول إن الخلل في توازن القوى هو مسألة صناعية وليست طبيعية فإننا لا ننفي وجود اختلافات مادية بين الأنواع، بل إن هذه الاختلافات لا تؤدي بطبيعتها لخلل في توازن القوى ولا تعني بالضرورة أن أحد النوعين أفضل من الآخر. إن مجرد اختلاف طريقتي التفكير «س» و «ص» لا يعني أن نقوم بإلغاء إحداهما والإبقاء على الأخرى مدعين أن هذه هي الطبيعة. لكن هذا هو ما حدث بالضبط.

نعود لماهية النسوي. بالإضافة إلى إدراك الخلل والاعتقاد بإمكانية إنهائه، تقوم النسوية أيضا على التركيز على «استقلال» المرأة وتحكمها الذاتي في قراراتها ونفسها. عند التأمل في هذه النقطة، يصاب المرء بنوبة من الضحك عندما يتذكر كيف يتم نشر فكرة «النسوية تهدف لاستعباد الرجال» على مسامع العامة بل المثقفين الذين يتلقونها جميعا بالترحاب.

كيف يمكن أن يعني حكم المرأة لذاتها بذاتها أن تتحكم هذه المرأة بالرجل؟ كيف أصبح أي اكتساب للمرأة من سلطات على «نفسها» يعد انتقاصا من سلطات الذكر، بل استعبادا له؟ إن الامر فكاهي للغاية عندما تتخيل شخصا ما ينفق من جيبه على نفسه فيشعر الجيران بأن أموالهم منقوصة.

ليس بوسعنا إلا الاعتقاد بأن من يخلطون بين النسوية واستعباد الرجل ينتمون لقسم من قسمين:

– هؤلاء الذين يخافون حرية النساء ويجدون في مهاجمة النسوية ملاذا لسلطويتهم المعهودة فيطاردون متطرفاتها ويروجون لكونهم المعبرين الأبرز عن الفلسفة المعنية بأسلوب ساذج

– وهؤلاء الذين يحاولون الادعاء بأنهم على اطلاع بالمسألة دون بذل عناء مطالعة مرجع واحد من أدبيات هذه الفلسفة اطلاعا أكاديميا. على كل، فإن حب هتلر لفاجنر لا يجعل فاجنر نازيا، ولا ينتقص من جمال موسيقى فاجنر، كما أن معرفة اسم فاجنر لا ينطوي على معرفة بموسيقاه.

هكذا فإن الاعتراف بالمشكلة هو الأرضية المشتركة للنسويين من شتى الخلفيات. لا يجدينا نفعا أن نعيش في حالة إنكار وألا نسلم بوجود سلطوية حقيقية يمارسها الذكور على الإناث عندما يكون الأمر واقعا مسطورا في قوانين بعض الدول وشفهيا يعيش عليه الأفراد أجيالا تتلوها أجيال.

كذلك فإن الفهم العميق للتحول الذي أصاب «مبررات التمييز» يشكل عاملا حاسما لحل المشكلة. فبينما كان التمييز يعود لأصول المجتمعات البدائية تطور الوعي البشري عنها وبإمكانه إن أراد الإفلات منها، فإن المبررات المستخدمة حاليا هي مبررات منها الذي تم تطويره كالمنظور الاقتصادي، ومنها الجديد كالدين والتدين ودورهما في شيطنة الجنس ممثلا في صورة امرأة لعوب شهوانية تلعب على الغرائز دوما وأبدا.


النسوية كحركة نضالية



يعني كون المرء نسويا إدراك وجود خلل في توازن القوى بين الأنواع لمصلحة الذكور كنتاج اجتماعي وليس كضرورة طبيعية، مع الاتفاق على القيمة المتساوية للرجل والمرأة.


http://gty.im/104414376

بدأت النسوية كحركة نضالية وفلسفية بكل سماتهما في آن واحد، فبعد قرون احتوى كل منها على مثال أو اثنين من الأديبات أو العالمات الإناث، اتخذ الأمر شكلا منهجيا وبدأت الأصوات في التعالي. كانت الطلبات تزداد وضوحا والمُطالبات يزددن تنظيما وإنتاجا ولكن السمة التي ميزت النضال النسوي عن غيره كانت «التوسع».

لم يكن النضال النسوي قوميا أبدا منذ نشأته رغم أنهن قد عملن بشكل منفصل في البداية، كانت رقعة الثورة تشمل حركات متعددة في أكثر من بلد كان معظمها بالضرورة من القوى العظمى آنذاك، إلا أنه لم يقتصر عليها، فمن الولايات المتحدة لبريطانيا ومن فرنسا لمصر ولبنان، اتحد الخطاب النسوي لإعادة الأهلية الكاملة للمرأة واختلف عندما اختلف في الكيفية والأولوية.

إذن هل تخدم النسوية أغراض النساء البيض فقط؟ إن المصادفة التي جعلت الساحة السياسية والقانونية المتأثرة بالنمو الصناعي والرأسمالية في بلاد أوروبا والولايات المتحدة قابلة للطرق ومثلت بيئة مناسبة لإشعال الشرارة جعلت بالإمكان إلصاق تهمة العنصرية العرقية بالنسوية. في الواقع، فحتى إن سلمنا -على غير الحقيقة- بكون النسوية في مهدها كانت موجهة لحقوق البيض فقط فإن سرعان ما تم نقد هذا التوجه ذاتيا من قبل النسويات أنفسهن. لقد خاضت النسوية مراحل التنقيح التي تمر بها أي فلسفة أو أيديولوجية عندما تحاول الانفتاح على كل جوانب المشكلة التي تتعلق بها.

عودة لخطنا التاريخي، قلنا إن الحديث عن وضع المرأة ظهر بشكل متفرق على مدى واسع من الزمن لكن نقطة البداية الأكثر وضوحا للحركة بشكلها المنضبط تتمثل في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الذي شهد ميلاد «حركة المرأة women’s movement» التي تعتبر الموجة الأولى للنسوية مع كتاب الإنجليزية ماري وولستون كرافت «دفاع عن حقوق المرأة a vindication of the rights of women».

آنذاك،كان قد خرج عدد من النساء من الثورة الفرنسية –دون أن يكن فرنسيات بالضرورة- يحملن بوادر الثورة على كل ما يتعلق وما بني على القانون النابليوني الذي أعطى الزوج ملكية كاملة لزوجته بكل ما تملك وبكيانها كاملا وبنت عليه مختلف دول أوروبا نظمها القانونية، ولم يتعرض للنقد إلا بعد أن هزت الثورة الفرنسية أركان القارة.

ظهر مصطلح النسوية في فرنسا من لفظ امرأة femme مضافا عليه المقطع isme في ثمانينيات القرن التاسع عشر ومنه انتشر إلى باقي أوروبا والأميركيتين في بيئة قطبية جدا بين اشتراكيين لا يجدون للمطالبات بحق الاقتراع suffrage أهمية ويريدون الاقتصار على أفكار الاشتراكية المرتكزة على توفير فرص العمل للجميع ومن بينهم المرأة بشكل ضمني لكن غير مشار إليه، وبين نسوة يردن «بعضا» من حقوقهن لكن لا يردن المخاطرة بالتمرد الشامل وتحدي بيئاتهن التي كانت على قدر من الرفاهية –كونهن نساء طبقة وسطى آنذاك- والأمان.

في الولايات المتحدة ومع فجر القرن العشرين –من المدهش مدى حداثة الأمر- بدأت حركة النساء في الثورة على ربط حقوق المرأة بكونها أما، فحتى ذلك الوقت –وهي مرحلة نعيشها نحن الآن في العالم العربي- كانت المرأة تستمد كينونتها وحقوقها من كونها أم الرجل أو أخته أو زوجته كنوع من الخداع. في النهاية تم تتويج جهود النسويات الأمريكيات بمنحهن حق الاقتراع عام 1920. نفس الحق الذي قد نالته نساء بريطانيا واليابان والمكسيك في غضون 20 عاما.

كأي حركة جديدة، كان للنشر أهمية قصوى في طرح الأفكار وفتح النقاش. كانت جريدة «النساء الإنجليزيات» قد بدأت عام 1858 تلتها «الثورة» في الولايات المتحدة و«صوت المرأة» في إسبانيا و«أصعدة جديدة» في النرويج. في هذه المنشورات ظهرت الفروق الواضحة بين كل مجموعة مناضلة وغيرها. هكذا كانت النسوية تنقد نفسها باستمرار.

اختلفت أولويات المجموعات النسوية حسب موقعها مما أدى إلى ما يعتبره بعضهن الأخريات مبالغات، بينما تصم هاتي الأخريات البعض الأول بالاستهتار. كانت المطالبة بحق الاقتراع في الولايات المتحدة وبريطانيا أسهل بكثير عنه في ألمانيا وفرنسا على سبيل المثال كما كان أكثر أهمية بالنسبة للألمانيات عن الفرنسيات ومن هنا بدأ التشعب.

نمت الحركة النسوية وتم تكوين الحركة العالمية للمرأة التي قامت بتوحيد جهود التشعبات المختلفة للنسوية. لم تعد تقتصر في بحثها على حالة المرأة ككيان منفصل، بل ارتباطات وضعها بالعرق والاقتصاد والصناعة لكن هذه التطورات لم تكون دون عوائق.

لقد لاقت هذه الحركات أثناء نموها كل على حدة ردود فعل عنيفة وقوانين مجحفة، لكن اتصالها وتكوين جبهة عالمية ككل ساعد في تقوية الأجزاء مما ساهم في إحرازها نجاحات متتالية في بقاع مختلفة. لكن بالختام النظري للموجة الأولى، كانت شريحة ليست بقليلة من النساء تميل لرفض النسوية في مقابل تسمية أنفسهن «الإنسانيات»، إذا لم يكن ضمن أحزاب اشتراكية يعملن من خلالها، الأمر الذي ظهر خطؤه عندما ظهر الاحتياج للموجة الثانية من النسوية.

في ستينيات القرن العشرين ومع انهيار الكولونيالية بدأ التنظير للمساواة بين المرأة والرجل في العمل والسياسة دون إنكار الفروق البيولوجية والجنسية بينهما. التنظير الذي كان من أهم إنجازاته إدخال مصطلح نوع Gender بدلا من جنس sex وهي المرحلة التي بدأت فيها حقبة الاعتقاد بأن الأنواع هي فكرة اجتماعية أكثر منها بيولوجية، الأمر الذي دافعت عنه سيمون دو بوفوار على أحسن ما يكون الدفاع.

تشير أستيل فريدمان في تأريخها للنسوية إلى منحى خفي في تطور العقليات المطالبة بالمساواة بين جميع البشر. إن هؤلاء عند ادعائهم بأنهم لا يحتاجون النسوية وأن حقوق الإنسان تنطوي على حقوق المرأة بالفعل، قد نشأوا وكبروا في حالة توقع لهذه المساواة بسبب جهود النسويات الأوائل. ببساطة لم يكن العالم دائما يدرج المرأة في صراعه نحو الحرية، إن الأمر حديث وله مصدر وليس بديهيا كما يدعي الكثيرون.

رغم مرور ما يقارب القرن ونصف القرن على بداية هذه الجهود المنظمة فإن العالم أثناء انشغاله بمكافحة ما قد أسماه «الموجة الثالثة» للنسوية بمكافحة أي مطالبة للمرأة بأي حقوق على اعتبار أنها قد وصلت للمساواة وانتهى الأمر، فإننا نجد أنه في الواقع المحيط عشرات النماذج التي تشبه قول الجنيرال ميريل مكبيك بالقوات الجوية الأمريكية:

إذا ما كان على الاختيار بين امرأة كفء ورجل أقل كفاءة، فإنني سأختار الرجل.

المثير للسخرية في الأمر أن النساء مجهزات جسديا للطيران بشكل أفضل من الرجال لصغر حجمهن بالمقارنة مما يؤدي لقصر المسافة بين قلوبهن وأدمغتهن مما يعد ميزة مهمة عند محاولة التغلب على قوة الجاذبية.

أما إذا اعتمدنا على التطور التكنولوجي للوصول للتطور الاجتماعي دون مطالبات وأصوات وجدل، فلنا أن نعلم أن ناسا قد سبق لها أن تجاهلت أداء «جيري كوب» و«ماري والاس فانك» الذي فاق أداء زملائهن الذكور في اختبارات سباق الفضاء القياسية عام 1961 وقامت بشطب أرقامهن القياسية في اختبارات التحمل والسرعة والانعزال لمجرد كونهن سيدات.

إن الصراع مازال محتدا داخل النفوس ما أن توضع في محل اتخاذ القرار سواء في دول غنية وفقيرة، متقدمة وبدائية، لذا فإن الأمر لن يتوقف قريبا. كان هذا تأريخ – أراه مخلا- بتاريخ الحركة التي ليس بمقدور مقال واحد أن يجمع كل لحظاتها المهمة ولا كل أعضائها المؤثرين.

كذلك اقتصرنا على المنحى الاجتماعي السياسي لنستكشف أوجه الصراع بحيث لم نتطرق للمرحلة التي انتقلت فيها النسوية من حركة نضالية إلى فلسفة لها نظريات في علم المعرفة وعلم الوجود والنقد الأدبي النسوي، بل علاقتها بالعلوم البيولوجية. لذا، فإن للحديث بقية.