تحالف على شفير الهاوية، ذلك ربما هو الوصف الأفضل الذي يمكن أن نطلقه على التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، أو يمكننا أن نسميه أيضا «شراكة المضطر»، فبينما يزداد إنتاج أمريكا يوميًا من النفط الصخري وتنخفض تكلفته تصبح الولايات المتحدة أقل اضطرارًا يومًا بعد يوم لشراكتها مع «آل سعود»، تلك الشراكة التي تمتد إلى العام 1945 حين وقع الملك «عبد العزيز آل سعود» مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي «فرانكلين روزفلت» اتفاق كوينسي على متن حاملة الطائرات الأمريكية «يو أس أس كوينسي». يُجمل المؤرخون ما جاء في هذا الاتفاق في معادلة بسيطة تقول إن على الولايات المتحدة توفير الحماية اللا مشروطة لعائلة آل سعود الحاكمة، مقابل ضمان السعودية لإمدادات الطاقة التي تستحقها الولايات المتحدة.بقي اتفاق «كوينسي» قائمًا وما يزال إلى يومنا هذا، لكن منذ تمرير قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف بـ «جاستا» بدا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تكترث كثيرًا لحلفها القائم مع آل سعود. فمنذ استبعاد السعودية من الاتفاق النووي مع طهران والتخاذل الأمريكي تجاه جرائم الأسد بدا أن الهوة بين الحليفين تتضاعف إلى أن أتى الكونجرس الأمريكي بقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف بـ «جاستا»، ليدرك آل سعود أن خريف حلف كوينسي قد حل ولا ريب.وريثما يتأكد آل سعود أو يتدبروا أمرهم فإن الكونجرس الأمريكي شهد أول من أمس 28 من سبتمبر/أيلول تقديم مشروع قانون جديد يجبر القوات الأمريكية المشاركة في حرب اليمن على الانسحاب وإيقاف الدعم الأمريكي للحلف العربي في حربه ضد الحوثيين.


حربٌ لم نعترف بها

قدم أربعة أعضاء بالكونجرس من كلا الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) مشروع قانون لوقف المساعدات العسكرية الأمريكية للتحالف العربي -وعلى رأسه المملكة العربية السعودية- الذي يخوض حربًا ضد الحوثيين في اليمن.يفيد مشروع القانون بضرورة سحب القوات الأمريكية المشاركة في حرب اليمن حتى يقرر الكونجرس عكس ذلك أو يمنحها التصريح اللازم لخوض الحرب، فمنذ أكثر من سنتين تشارك القوات الأمريكية مع التحالف العربي بقيادة السعودية وتقدم الدعم الجوي اللوجستي والاستخباراتي في الحرب ضد الحوثيين.وفي خطاب كتبه السيناتور الديمقراطي «رو خانا» والسيناتور الجمهوري «مارك بوكان» إلى زملائهما في الكونجرس، قالا فيه: «نهدف إلى استعادة الكونجرس لدوره التشريعي كفرع من الحكومة من حقه إعلان الحرب وكذا مراقبتها».وكان المشروع قد

بُنى

على أساس دستوري قوي، حيث يمكن للرئيس الأمريكي إرسال قوات عسكرية إلى مناطق خارج البلاد لمدة 30 يومًا، لكن إذا أراد تمديد مهمة القوات المرسلة فعليه الحصول على موافقة الكونجرس. ولا يملك الرئيس مبدئيًا صلاحية إعلان الحرب لأن القرار يعود إلى الكونجرس.وفي تصريح لوكالة «فرانس برس» قال «سايمن أندرسون»، الباحث بمعهد واشنطن للدراسات، إن واشنطن غاضبة من السعوديين بسبب القصف العشوائي للمناطق المدنية في اليمن. وهو غضب له ما يبرره في نظر بعض المحللين، حيث كتبت صحيفة «هافينغتون بوست» في نسختها الإنجليزية يوم الثلاثاء 11 أكتوبر/تشرين الأول 2016 أن الولايات المتحدة مشاركة أيضًا في الحرب في اليمن من خلال تزويد طائرات سلاح الجو السعودي بالوقود في الجو أو مد السعودية بمعلومات استخباراتية، ويعني ذلك بشكل ما أن أمريكا متورطة أيضًا في النزاع في اليمن.

الكونجرس والشعب الأمريكي لا يعرفون إلا القليل عن الدور الذي نلعبه في حرب تسبب معاناة الملايين من الناس وتهديدًا خطيرًا لأمننا القومي

السيناتور الأمريكي «رو خانا» عضو لجنة القوات المسلحة بالكونجرس

ويستند المشروع أيضًا على تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الحرب في اليمن عام 2016، خلص إلى أن القاعدة والجماعات الإسلامية قد استفادت من «الفراغ الأمني» والخلافات بين الحكومة السنية اليمنية والحوثيين الشيعة، ولذا فإن مشروع القانون لا يهدف لوقف العمليات الأمريكية لمكافحة الإرهاب، والتي تتضمن ضربات الطائرات بدون طيار الموجهة ضد القاعدة والدولة الإسلامية في اليمن.ويثير مشروع القانون الانتباه للقلق المتزايد حول تعامل المملكة العربية السعودية مع الحرب في اليمن، والتي وصلت إلى طريق مسدود، بينما تتزايد يومًا بعد آخر الأزمة الإنسانية في البلاد. يترافق هذا القانون أيضًا مع مشروع قانون سابق لوقف مبيعات الأسلحة والدعم العسكري لكلٍ من المملكة السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.في حزيران /يونيو الماضي، أخبرت إدارة ترامب الكونجرس الأمريكي أنها ستستأنف بيع الأسلحة وعلى رأسها «القنابل الذكية» لصالح الرياض، لاغيةً بذلك الحظر الذي فرضه الرئيس السابق باراك أوباما سنة 2016 على المملكة، ردًا على الضربات الجوية السعودية الطائشة. في المقابل، بادر أعضاء الكونجرس باتخاذ إجراء لمنع أي عملية بيع للأسلحة الأمريكية دون ضمانات سعودية لحقوق الإنسان، إلا أن هذا الإجراء لم يعتمد بشكل فعلي.والحقيقة أن هذا المشروع أيضًا من غير المتوقع أن يحقق أغلبية في الكونجرس، إلا أن مجرد إثارة الحديث عن الأزمة السعودية-الأمريكية في اليمن كفيل بإثارة انتباه السعوديين، لأن شيئًا ما في تلك الحرب بحاجة إلى أن يتغير، على رأسه بالطبع منع السعودية للمساعدات الإنسانية من دخول اليمن.


ضغط أمريكي متزايد

بدأ الضغط الأمريكي يزيد مع تدمير السعودية لعدد من الرافعات في ميناء الحديدة، الأمر الذي حدّ من سيولة عملية نقل المساعدات الإنسانية التي قدمتها الأمم المتحدة من خلال الميناء، ثم

رفضت

السعودية عرضًا من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتسليم عدد من الرافعات إلى الميناء التي يمكنها نقل المواد الغذائية والإمدادات الطبية من سفن الشحن على نطاق أوسع بكثير، كما منعت السعودية رحلات الإغاثة الجوية إلى مطار اليمن.يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه اليمن من أكبر كارثة إنسانية في تاريخه، حيث أصيب أكثر من 700 ألف مواطن بوباء «الكوليرا»، ومن المتوقع أن يرتفع العدد مع نهاية العام الميلادي ليصل إلى مليون شخص، وذلك

وفقًا

لمؤسسة «أوكسفام» الإنسانية الدولية، والتي قالت إن اليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم.منذ انطلاق هجمات التحالف في اليمن قُتل أكثر من 5100 مدني وجرح 8700 شخص آخر في الغارات الجوية والمعارك البرية، وذلك وفقًا لبيانات حديثة تابعة للأمم المتحدة. وخلال الشهر الماضي، أقر التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية بأنه شن غارة على مبنى سكني في صنعاء، ما تسبب في مقتل 16 مدنيا. وقد وصف التحالف هذه الغارة بأنه «خطأ فني».ويرى الساسة الأمريكيون أنه مع وصول الحرب في اليمن إلى طريق مسدود، فإن جهود السعودية نحو المزيد من العنف والحرب الجوية لن تؤدي إلا إلى دعم وتنمية الإرهاب، وكذا تساهم في المزيد من عدم الاستقرار في منطقة الخليج بأكملها. ووفقًا لحقوقيين أمريكيين فإن استمرار الولايات المتحدة في تقديم الدعم للتحالف يُعد خرقًا للقانون الأمريكي، لذا فمن المتوقع أن يمارس المزيد من أعضاء الكونجرس ضغطًا على سياسة الإدارة الأمريكية تجاه السعودية. ولكن إلى متى ستتحمل السعودية الضغط الأمريكي المتواصل؟ وهل تملك بدائل أخرى؟

هذا ما ننتظر الإجابة عليه في قادم الأيام..