الإجابة الأولى ستكون لا، وهناك عدّة أسباب تفسر ذلك: أولها أن أليسون بيكر حارس مرمى، ويندر أن يترشح حرّاس المرمى للجوائز الفردية، وثانيها أنه حارس مرمى، لا يسجل أهدافًا ولا يقوم بمراوغات، وبالتالي لن ينشغل أحدهم بجمع إحصائياته، أما ثالثها فهي أنه حارس مرمى، ومهما بلغت جماهيريته لن تكون مثل المهاجم أو صانع الألعاب، حتى لو قدم موسمًا أفضل من ناحية التأثير مع الفريق والمنتخب. في الواقع هذه ليست إجابتك وحدك، أليسون نفسه عندما سُئِل عن الترشح للبالون دور

أجاب بالنفي

، والسبب؟ أنه مجرد حارس مرمى.

ربما لو أعدت التفكير، لوجدت كم هو غريب نزع صفة لاعب كرة القدم عن الحارس بتلك الصورة، وكأنه يؤدي رياضة فردية بمعزل عن الآخرين الذين لا يتأثرون بإجادته وإخفاقه. والحقيقة أن حالة بيكر هذا الموسم تحديدًا تهدم هذا المنطق من أساسه، وتكشف كيف يمكن أن يرجح حارس المرمى كفة فريقه في طريق التتويج بالبطولات.

الآن احتفظ بإجابتك الأولى، لأننا بصدد استعراض إحصائيات تخص موسم أليسون بيكر بعضها قد يفاجئك، واطرح السؤال على نفسك مرة ثانية حين تنتهي، علك تجد إجابة أخرى، لكن قبل ذلك دعنا نتعرف على البالون دور عن قرب.

ما هو البالون دور؟

لو زرت موقع ويكيبيديا، وبحثت عن صفحة «البالون دور» أو جائزة الكرة الذهبية، ستجد في التعريف الخاص بها التالي: تكرم مجلة فرانس فوتبول اللاعب الذي حقق الأداء الأفضل خلال الموسم بناء على تصويت الصحفيين. إذن بحسب التعريف نحن أمام معيارين: الأول هو اللاعب الأفضل، والثاني هو إجماع الصحفيين. دعك من الثاني لأننا لا نعرف كيف يفكر كل صحفي، وتأمل جيدًا المعيار الأول.

هل فعلًا هذا المعيار يسري على كل من يفوز بالجائزة؟ الإجابة هي لا. هناك أكثر من لاعب سبق أن توج بالكرة الذهبية دون أن يكون أفضل المتاحين، بل دون أن يقدم حتى أحسن مستوياته على الإطلاق، ولهذا السبب يثار الجدل كلما اقترب موعد الإعلان عن المرشحين للجائزة، والحقيقة التي تزداد وضوحًا بمرور الوقت هي أن الجائزة باتت محكومة بجماهيرية كل لاعب وقدرة اسمه على البيع والتسويق في المقام الأول.

في الوقت نفسه، ظهر خلال السنوات الأخيرة نمط معين في اختيارات المرشح الفائز جديرة بالانتباه، إذ يبدو بوضوح أن لجنة التصويت من الصحفيين تولي اهتمامًا كبيرًا لدوري أبطال أوروبا، بالإضافة للبطولات الدولية إن صادف وأقيمت خلال العام، ثم تمنح أفضلية لأهم نجوم الفريق المتوج بإحدى هاتين البطولتين على حساب الآخرين.

صحيح أن إسهامات اللاعب في الفوز بالدوري المحلي يضيف لرصيد المرشح، لكنه لا يحسم المنافسة كما تفعل التشامبيونزليج، وهذا هو المعيار الحقيقي الذي يحكم الجائزة، وإلا لن تجد تفسيرًا واحدًا لتتويج لوكا مودريتش بها العام الماضي.

قد يقبل البعض بهذا المعيار، وقد يرفضه آخرون، هذه ليست القضية التي نناقشها الآن، لكن الكل يجمع على مدى أهمية الدور الذي يلعبه نجم الفريق خلال دوري الأبطال في ميزان الكرة الذهبية. تذكر هذا جيدًا، لأننا سنحاول إسقاطه على حالة الحارس البرازيلي.

أليسون فان دير سار

بالتأكيد هناك المرشحون التقليديون للجائزة كل عام، وقد أضاف كثيرون إليهم فيرجيل فان ديك بعد ذلك الموسم المذهل الذي قدمه، واستحقاقه لقب أفضل لاعب بالدوري الإنجليزي، بينما يتحمس البعض لاسمين آخرين هما برناردو سيلفا وساديو ماني، لكن لا يذكر اسم أليسون بيكر إلا أقل القليل بالرغم مما قدمه.

طبعًا أنت تعرف أنه فاز بجائزة القفاز الذهبي في البريمرليج، بعدما حافظ على نظافة شباكه

خلال 21 جولة من أصل 38

، والمدهش أن هذا الرقم هو الأكبر خلال المواسم العشرة الأخيرة، وآخر حارس مرمى عادله في إنجلترا كان

إدوين فان دير سار

بموسم 2008/2009، لكن أليسون يتفوق في عدد المشاركات، إذ لعب

5 مباريات

أكثر من الهولندي وبالتالي كان معرضًا لاستقبال أهداف أكثر، لذلك يمتلك معدل تصديات أكبر وصل لـ

2 تصدي/المباراة الواحدة

.

بلا شك ساعدت حالة فيرجيل الاستثنائية في حفاظ بيكر على مرماه بالدوري، لكن ماذا لو أخبرتك أن الأخير يتصدى لما يزيد عن

70% من التسديدات

داخل منطقة جزائه؟ أو أنه منع ليفربول على الأقل من تلقي

خمسة أهداف محققة

لا يتوقع أحد إنقاذهم؟ هنا الأمر يتخطى سلطة فان ديك، ويذهب مباشرة لقياس قدرة أليسون، وهذا ما تقوله شبكة Opta الإحصائية، وقد

نشره موقع البريمرليج الرسمي

تحت عنوان: الحارس الذي يفوز بالنقاط لصالح ليفربول.

ليفربول، الدوري الإنجليزي، أليسون بيكر.
الحارس البرازيلي أليسون بيكر تصدى لما يزيد عن 70% من التسديدات داخل منطقة الجزاء. المصدر: موقع البريمرليج الرسمي.

12 تصديًا خارج الديار

يبدو الأمر بصورة أوضح حين ننتقل لدوري الأبطال، إذ فاز البرازيلي بالقفاز الذهبي الثاني، وقد منع اهتزاز شباكه في

6 مباريات

من أصل 13 شارك بها. وحتى حين تلقى بيكر أهدافًا، لم يكن ذلك نتيجة لأخطاء ارتكبها، بل على النقيض ساهم صاحب الـ26 عامًا في منع استقبال المزيد ليعزز بذلك حظوظ ليفربول في كل خطوة بالبطولة. دعنا نشرح الأمر بالإحصائيات.

منذ البداية وقع النادي الإنجليزي في مجموعة صعبة، وضعته مبكرًا في صدام مع باريس سان جيرمان ونابولي كما النجم الأحمر. وقد استقبلت كتيبة يورجن كلوب 5 أهداف في المواجهات الخارجية مع تلك الأندية الثلاثة، وهو رقم كبير بالطبع، لكن

موقع Whoscored

يؤكد أن أيًا منها يتحمل أليسون مسؤوليته سواء عن سوء تقدير للكرة أو خطأ مباشر ارتكبه.

أكثر من ذلك هو ما تكتشفه حين تراجع إحصائيات تلك المباريات، لتجد أنه قام

بـ6 تصديات

أمام باريس،

و4 أمام نابولي

، و

2 أمام النجم الأحمر

. وحتى على ملعب الأنفيلد ذاته، وفي الوقت القاتل من آخر مباريات المجموعة في مواجهة نابولي، تصدى لتصويبة بالقرب من الست الياردات سددها مهاجم الخصم منفردًا. ولو فشل بيكر في عرقلة تسديدة واحدة فقط، لما تمكن الريدز من عبور دور المجموعات، ناهيك عن التتويج بالبطولة نفسها.


أكثر من مجرد حارس

في الأدوار الإقصائية لم يختلف الوضع كثيرًا، حتى مع الأخذ في الاعتبار الأهداف الثلاثة التي سكنت شباكه في الكامب نو، لأن ببساطة الهدف الأول جاء بعد تحرك رائع لسواريز لم يتفطن له ماتيب وفيرجيل، لتصل الكرة للمهاجم الأوروجوياني على حافة الست ياردات وبالتالي امتلك أفضلية على أليسون وأحرز هدفًا.

أما الهدف الثاني لا يمكن أن يتحمله حارس ليفربول، لأنه جاء نتيجة متابعة لميسي بعدما ارتطمت تصويبة سواريز في العارضة، وهنا كان بيكر خارج اللعبة أصلًا بعد محاولة التصدي لركلة لويس، ولا يمكن له إعادة التمركز في جزء من الثانية ليمنع ميسي من مجرد لمس الكرة وتسجيل هدف.

وأخيرًا جاء الهدف الثالث من ركلة حرة سددها البولجا بروعة يحسد عليها في أقصى يسار المرمى، وقد

اعترف ميسي

أن الحظ حالفه لتنطلق الكرة بهذه القوة وفي تلك الزاوية، وشخصيًا أشك أن أي حارس آخر كان يستطيع إيقافها.

وحتى لو اعتبرنا البرازيلي أخطأ في التمركز، فإن ما فعله خلال مباراة العودة في الأنفيلد يشفع له، إذ نجح أليسون في تحقيق

خمسة تصديات

، من بينهم ثلاثة انفرادات لكوتينيو وألبا وسواريز، كما منع تسديدة نفذها ميسي من عرضية جوردي ألبا، وهذه التسديدة يسجل عن طريقها ليو كثيرًا من أهدافه محليًا وأوروبيًا.

في نهائي الأبطال، لم يتعرض بيكر لاختبارات بتلك القسوة، لكن هناك ملحوظة هامة جديرة بالإشارة. فخلال العشرين دقيقة الأخيرة من عمر المباراة، تراجع رفاق صلاح بصورة تامة لمناطقهم، وسمحوا لتوتنهام بالاستحواذ على الكرة بطول الملعب وعرضه. تسبب ذلك في ضغط كبير على مرمى ليفربول، وبدأ الفريق اللندني في إطلاق التصويبات كلما سمحت الفرصة، حتى وصل مجموع ما سددوه في الثلث ساعة الأخير فقط

لثمانية تسديدات

.

هذا الضغط الكثيف كان من الممكن أن يتسبب في قرار واحد خاطئ، وذلك القرار الخاطئ يكلف ليفربول المباراة وبالتالي البطولة، خصوصًا بعد ذلك الموسم الطويل المرهق بما فيه من دراما استنزفت طاقة لاعبي الريدز الذهنية. الفارق الذي امتلكه ليفربول كان إجادة أليسون بيكر، إذ لم يكن مجرد حارس مرمى جيد أو متألق، بل عامل الحسم الذي يرجح كفة ناديه.


ميسي حراس المرمى

الآن لننتقل لبطولة الكوبا أمريكا التي أقيمت خلال الصيف، حيث ظهر أليسون هذه المرة بدون فان ديك، بل أمامه خط دفاع عجوز ومتذبذب المستوى يقوده تياجو سيلفا. صحيح أن البطولة الدولية لم تكن بصعوبة ما واجهه بالدوري الإنجليزي أو التشامبيونزليج، لكن المثير معرفة عدد الأهداف التي تلقاها.

تخيل أن شباكه لم تهتز سوى مرة واحدة فقط. كان ذلك من خلال ركلة جزاء تسبب فيها تياجو، ليكون بذلك

الحارس الأول

في تاريخ أمريكا اللاتينية الذي يفوز بالبطولة دون استقبال هدف واحد من لعب مفتوح Open-play. وقد توج بيكر بالقفاز الذهبي للمرة الثالثة، ليتضاعف بذلك إنجازه، ويكون

الحارس الوحيد

في تاريخ كرة القدم الذي يفوز بتلك الجائزة ثلاث مرات في نفس الموسم!

هذا ليس إنجازًا كبيرًا أو ضخمًا وحسب، بل يصح وصفه بالاستثنائي، لم يحققه أباطرة حراس المرمى الذين نعرفهم. وذلك طبعًا لا يعني أن أليسون أفضل من كل من سبقوه، وبالتالي هو يستحق ما لم ينله بوفون أو نوير أو كاسياس، لكن المؤكد هو استحقاقه لكل هذه الجوائز الفردية، وإسهاماته الملحوظة في البطولات خلال الموسم، وهذا تحديدًا ما يطرح سؤال البالون دور.

الآن دعنا نسقط ما ورد في الفقرة الأولى على حالة بيكر، نحن أمام لاعب فاز بدوري الأبطال وبالكوبا أمريكا، وتؤكد الإحصائيات التي استعرضناها كم كان فارقًا في مسيرة فريقه وبدرجة أقل منتخب بلاده خلال البطولتين. المؤكد أنه لم يقدم الأداء الأفضل بين كل لاعبي الكرة، لكنه كان أحد أكثر اللاعبين المؤثرين في نجاحات فريقه، ولم يرتكب أخطاء من شأنها عرقلة تقدم الريدز أو السيليساو، وهو بذلك ينبغي أن يكون ضمن حسابات لجنة التصويت كأحد المرشحين للفوز بالجائزة، وحساباتك أنت أيضًا.