أفلام عظيمة! لم أصنع أفلاما عظيمة! لا وجود لشيء كهذا في مملكة العميان.. رجل بعين واحدة هو الملك.. ما من فنانين؛ نحن رجال أعمال.. نحن تجار، وما من فن





مارلون براندو

يبدأ الفيلم الوثائقي الإنجليزي «استمع لي، مارلون Listen To Me Marlon» للمخرج البريطاني ستيفن رايلي والذي عرض في عدة مهرجانات أمريكية وأوروبية في 24 يناير الماضي، بمشهد انطلاق حشد من سيارات الشرطة إثر تلقيها استغاثة من منزل النجم العالمي

مارلون براندو

تفيد بوقوع حادث إطلاق نار بمنزله في يوم وصفه النجم نفسه بأن «البؤس زار فيه بيته» ليدخل الفيلم عوالم الفنان الأشهر بالعالم متكئا على 200 دقيقة سجلها النجم بصوته بمراحل مختلفة من عمره يسرد فيها بعض يومياته ويسترجع ذكريات فنية وأسرية لم يتم إذاعتها للعلن، من خلال سيناريو شديد الإحكام قام بكتابته المخرج ستيفن رايلي محاولا من خلاله رصد حياة الفنان صاحب البصمة الأكبر في هوليود معتمدا على التسجيلات التي سجلها الممثل أثناء شبابه وشيخوخته ليحضر صوته بلغة شاعرية آسرة تنم عن ثقافة مارلون براندو العميقة:

انطلقي أيتها الشمعة القصيرة الأمد،

ليست الحياة إلا ظلُ عابر؛ ممثل رديء لساعة غطرسة وابتهاج على المسرح، وبعدها لا يسمع عنه أحد شيئا.

إنها قصة يحكيها غبي،

يستشيط غضبا ويعبر عن لا شيء.

هكذا استهل مارلون براندو بصوته الأجش ذو النغمة الرافضة حديثه عن ذاته التي أظهر الفيلم عدم رضاه المطلق عنها، وأراد المخرج من خلال الحركة البسيطة للكاميرا والإضاءة الهادئة أن يعكس حياة الممثل من خلال التصوير في منزله وغرفة نومه ليعيد بعض الروح إلى الفنان من خلال معالجة تصوير تقنية رقمية قام بها النجم في منتصف الثمانينات، بالإضافة للجزء من مقابلاته التلفزيونية وبعض المشاهد المأخوذة من أفلامه القديمة ما قبل فيلم العراب.


فيديو للمخرج ستيفن رايلي يتحدث فيه عن العمل

حياة عائلية غير مريحة

بين أب قاس لم تكن علاقته به جيدة، وأم مخمورة أغلب الوقت لكنه كان يحبها، عاش الطفل مارلون براندو طفولته الأولى في نبراسكا التي تقع وسط غرب الولايات المتحدة الأمريكية طفلا غير اجتماعي بالمرة على ما يروي هو نفسه بالفيلم. ومما وسع الهوة بينه وبين والده خصوصا، إرساله إلى مدرسة عسكرية بعد فصله من عدة مدارس طبيعية لسوء سلوكه، وهناك يشكي براندو بمرارة أن «العقلية العسكرية لها هدف واحد: أن تكون آليا بقدر الإمكان … الفردية، ببساطة، لا وجود لها». ولكنه يعترف بأن كل مزايا والده التي كان يكرهها كانت مجسدة فيه برغم أنه حاول أن لا يكون أبا قاسيا كوالده.

أنت لا تمثل بالكلمات لكن تمثل بروحك

في نيويورك، يعيد مارلون براندو اكتشاف ذاته بعد أن مل حياة الصعلكة في أرجائها:

أذكر أني وصلت نيويورك بثقوب في جواربي وعقلي … كنت أحب المشي في الشوارع والنظر في الوجوه. كنت أراقب الناس لثلاث ثوان بينما يمرون بي وأحاول تحليل شخصياتهم. في تلك الحظة فقط يمكن للوجه أن يخفي الكثير من الأشياء التي لا يعرفها الناس؛ كنت معنيا بتخمينها.

هكذا تلمس النجم العالمي أول بوادر موهبته، فالتحق بالمدرسة الجديدة للبحوث الإجتماعية. وهناك يحكي براندو عن لقائه بالمرأة التي أثرت في مسيرته الفنية

ستيلا أدلر

معلمة الدراما الأشهر ذات الأصول اليهودية التي قالت له:

لا علاقة لتمثيلك بالكلمات. أنت لا تمثل بالكلمات لكن تمثل بروحك. لا تخف، لديك الحق في أن تكون من أنت، أين أنت وكيف أنت.

كان مارلون ينتمي للمدرسة جديدة في الأداء التراجيدي التي وجدت موضع قدم في هوليود في الخمسينات، ولا زال أثرها ساريا في الجسد الأمريكي حتى الآن. ولعل نيله المبكر للأوسكار من خلال فيلمه «عربة اسمها الرغبة» عام 1951 كأفضل ممثل مساعد كان قد صنع نجومية سريعة لبراندو.

مواقفه السياسية

حاول المخرج

ستيفن رايلي

إبراز العلاقة المتميزة التي جمعت مارلون براندو بالمناضل الحقوقي الأشهر من أجل حقوق مدنية للسود الأمريكين

مارتن لوثر كينغ

، والدور الذي لعبه براندو في المسيرات المليونية التي طالبت بحقوق السود الأمريكين، والهجوم الإعلامي والشعبي الذي تعرض له بسبب موقفه هذا.

«أنا أقاوم ليس من أجل السود.. أنا أقاوم من أجل العرق البشري! كل الرجال خلقوا سواسية» هكذا علق بنبرة صادقة على موقفه الأخلاقي من قضية الحقوق المدنية للسود الأمريكين.

مارلون براندو برفقة مارتن لوثر كينج

مارلون براندو برفقة مارتن لوثر كينج

وكذالك مساندته بشجاعة للسكان الأصليين من الهنود الحمر ضد محو تاريخهم متأثرا بكونه من ولاية

أوماها

التي تحمل اسم قبيلة هندية من السكان الأصلين، كان له الأثر الكبير فيما فعله حين رفض في عام 1973 استلام جائزة الأوسكار عن دوره الأشهر «فيتو كرليوني» في «العراب». وأرسل بدلا منه لقراءة رسالة اعتذاره الممثلة

ساشين ليتل فيذر

، ذات الأصول الهندية لتعتذر عن قبوله لهذه الجائزة؛ معللا ذالك بالتشويه المستمر والإساءة للهنود الحمر في مجال السينما الأمريكية. ويُبرز الفيلم السبب الحقيقي لهذا الموقف، وهو حصار القوات الأمريكية لناشطين هنود جنوب داكوتا.


نكران الموهبة

من الأمور التي أظهرها هذا الوثائقي، عدم إيمان براندو بموهبته الفذة التي جعلته الرابع في قائمة أفضل 100 ممثل في التاريخ. يعبر براندو عن ذلك بقوله:

أصبح التمثيل بالنسبة لي طريقة لتأمين المعيشة.. الكذب لكسب الرزق، هذا هو التمثيل.. كلكم ممثلون، كلكم بارعون، لأنكم جميعا كاذبون.. عندما تقول شيئا لا تعيه أو تحجم عن قول ما تعيه؛ ذلك هو التمثيل.. إذًا جميعنا نمثل؛ لكن بعض الناس يُدفع لهم مقابل ذلك مال.

فمارلون في تسجيلاته الصوتية وبعض مقابلاته التلفزيونية كان يظهر عدم رضاه عن مهنته كممثل، وهو أيضا ما أبرزه المخرج بجلاء أثناء تناوله لمسيرة براندو الفنية خصوصا في منتصفها ونهايتها.

نجم مثير للجدل

قال براندو أنه تعلم من أمه حب الطبيعة والشعور بالقرب من الحيوانات. ومن ذالك حادثة شرائه لجزيرة في تاهيتي في جزر بولينيسيا الفرنسية. ويعلق براندو على هذه الواقعة الفريدة في تسجيلاته الصوتية قائلا: «اقتربت من السلام هناك. لم أفكر أني اشتريتها لكن فقط صاحب حق انتفاع بها». ووصف براندو علاقته بالجزيرة وسكان تاهيتي الطيبين أصحاب الوجوه والقلوب الصافية. لكن كل ذلك لم يشفع له!

«أناني، غير متعاون، ومزاجي» كلها كانت أوصاف لمارلون براندو في الصحافة الأمريكية ساهم هو نفسه برسمها من خلال علاقته السيئة بالمخرجين وتكراره بأنه ليس «لاعق طوابع لهم». وكانت أيضا زيجاته المتعددة حديث الصحافة الأمريكية بالإضافة إلى علاقته مع أكثر من مذيعة وعارضة أزياء. كل هذا تعرض له الفيلم بشيء من الإسهاب بالإضافة إلى علاقته بأبنائه، وحادثة قتل ابنه

كريستيان

لصديق أخته

شيني

على إثر حملها منه، ودخول ابنه السجن، وانتحار ابنته في 1995. كانت هذه أصعب الحوادث التي تعرض لها الممثل في آخر سنوات حياته بالإضافة لتعرضه للهجوم بسبب زيادة في وزنه، وكذلك تصريحاته المعادية لليهود حسب اللوبي الصهيوني. كل هذه الأحداث ستجد لها تفسيرات ومبررات واعترافات بصوت النجم نفسه وهذا مكمن جمال الوثائقي «استمع لي، مارلون». إنها مذكرات بصوت صاحبها وتعليقه.