«انظروا إلى القلعة، أي قلعة، وحللوا العناصر التي تجعلها قلعة، أولا: موقعها العالي عن أي أرض حولها. ثانيًا، جدرانها قوية وكبيرة لتصمد أمام أي هجوم. ثالثًا: رجال الحراسة المدربون على القتل للدفاع عنها. رابعا: العلم الذي يرفرف عاليًا ليراه الجميع، لكن كل القلاع شُيدت لتبقي الناس خارجها، هذه القلعة شُيدت لتبقي الرجال داخلها!»

بهذه العبارات الافتتاحية يبدأ فيلم The Last Castle أو القلعة الأخيرة أحداثه، لم يوضح الفيلم أن الأحداث مبنية على قصة حقيقية، ربما لأن القدر سيكتب لأحداث الفيلم أن نشاهدها على أرض الواقع، بعد سنوات عشر، وعلى بُعد آلاف الكيلومترات!


عبقرية توقع الثورة

يمكن ببساطة تفسير التشابه بين أحداث بعض الأفلام وبين ثورات الربيع العربي، كالجزء الأخير من سلسلة أفلام «بات مان» بعد إعادة إحيائها على يد العبقري «كريستوفر نولان»، إلا أن التفسير المنطقي ها هنا يكون دائمًا جاهزh: لقد تأثر المخُرج بأحداث الربيع العربي فقدم فيلمًا على نفس النهج، لكن هل يمكن اتهام المخرج «رود لوري» باقتباس فكرة واقعية حدثت بعد أحداث الفيلم بعشرة سنوات؟!

يحكي الفيلم عن قلعة ضخمة شُيدت كسجن عسكري يضم مجرمي الحرب والجنود والظباط الذين ارتكبوا جرائم عسكرية، قائد القلعة الكولونيل «ونتر» يبدو في المشاهد الأولى من الفيلم رجلًا صارمًا لا يعرف الرحمة، لكن أحداث الفيلم ستكشف لنا أبعادًا أكثر زخما في شخصيته.

يستقبل السجن سجينًا غير اعتيادي، الجنرال «أروين»، بطل الحرب الذي قاد رجاله في مهمة صعبة خلف خطوط العدو نجم عنها موت العديد منهم، فتم سجنه لمدة 10 سنوات على الرغم من تاريخه الحربي المُشرف، وقيادته النزيهة للعديد من الرجال في أوقات الشدة، حتى أن الجنرال «ونتر» يقول: كان من المفترض أن يعطوا الرجل نيشانًا بدلًا من إرساله للسجن، لكن العلاقة بين «أروين» و «ونتر» ستتوتر بعد قليل.



كل القلاع شُيدت لتبقي الناس خارجها، هذه القلعة شُيدت لتبقي الرجال داخلها!


أين الثورة من هذه الأحداث؟!

ما العلاقة بين هذه القصة وبين الثورة المصرية في 25 يناير؟! يمكن ببساطة اعتبار القلعة الحصينة هي مصر، شكلها الخارجي يوحي بالعظمة بينما الأوضاع داخلها مثل البنيان الذي نخره السوس، يحكمها رجل فاسد هو «ونتر» أو «مبارك»، الفارق الوحيد أن ظروف الثورة لم تتح أن يظهر في الميدان رجل «كـأروين» يقود الثورة ضد الظلم والفساد، لكن يمكن لكل منا أن يتخيل «أروين» الخاص به وقد دخل للتو عرين الأسد، القلعة التي هي سجن، أو السجن الذي هو قلعة!

مع تطور أحداث الفيلم يبدأ «أروين» في اكتشاف المخالفات الجسيمة التي يرتكبها مدير السجن «ونتر» بحق رجاله، بداية من تدمير نفسيتهم واغتيالهم معنويًا وتذكيرهم في كل لحظة بأنهم مساجين لا يحق لهم أي شيء، مرورًا بالتصفية الجسدية لكل من يخالف التعليمات المشددة التي وضعها للسجن، والتصفية الجسدية تتم باستعمال الرصاص المطاطي الذي يطلق على الأعين أو الرؤوس من مسافات قريبة، نفس الطريقة التي اتبعتها بعض عناصر الشرطة في 25 يناير في مصر بعد تاريخ عرض الفيلم بـ 10 سنوات!

هذا المشهد يوضح بداية الخلاف بين «أروين» و رجال «هنتر»


يبدأ «أروين» في تجميع الرجال من حوله، يخلق لنفسه قيادة روحية وسطهم، يعيد تجميع صفوفهم وتذكيرهم بأنهم في الأصل رجال عسكريين لهم قيمة وحقوق ومكانة، ومن ثم يبدأ في تمرير بعض القواعد الخفية لإعادة تنظيم صف الرجال من جديد، كنوع من التحدي لـ« ونتر»، ابتكر أسلوبًا جديدًا لأداء التحية العسكرية، نظم الرجال في صفوف متوازية تشبه الصفوف العسكرية، أعاد توزيع المهام واستغلال نقاط قوة كل شخص في المجموعة.


الثورة، والثورة المضادة!

«إنه ينشئ جيشه الخاص، لن نسمح له بهذا»

كان هذا هو رد فعل «ونتر» على تصرفات «أروين»، ونكاد نجزم أن نفس العبارة ترددت في القصر الجمهوري في أحد أيام ثورة 25 يناير، ربما قالها «مبارك» تعقيبًا على تصرفات «البرادعي» على سبيل المثال، إننا نترك الأسماء لخيال القارئ، لكن أحداث الفيلم تتنبأ بسيناريو الثورة خطوة بعد خطوة بتسلسل عجيب!

تحين لحظة المواجهة بين «أروين» و «ونتر»، يستعمل الأول حيله الذكية والتفاف المساجين حوله، ويستغل الثاني سلطاته ويبدأ في مهاجمة المحتجين على رئاسته للسجن بالحراسة المشددة، وطائرة الهليكوبتر، ورجال الحراسة الذين تدور بينهم وبين المساجين مواجهات تذكرنا تمامًا بمشاهد الاشتباكات بين الثوار والشرطة في 25 يناير.

يمكن مشاهدة هذه اللقطات المدهشة من هنا


تستمر الأحداث في التصاعد بوتيرة مذهله ومشابهة تماما لثورة 25 يناير حتى نصل لمشهد الذروة حين ينجح رجال «أروين» في تسديد ضربة قاصمة لمكتب «ونتر»،. رمزية المشهد تتفوق على كل شيء، ويمكن بقليل من الخيال ازاحة «ونتر» ووضع «مبارك» بدلًا منه، هذا مشهد عبقري لا يمكن تفويته بحال من الأحوال، ويمكن مشاهدته من هنا


تتجسد عبقرية الفيلم الحقيقية في نهاية الأحداث، وهي أيضا نهاية مشابهة لنهاية ثورة 25 يناير، لن نحرق الأحداث لأن الفيلم يستحق المشاهدة الكاملة المتأنية، ومحأولة تعلم الأخطاء التي وقعت فيها ثورتنا، وزيادة التركيز على عالم الثقافة والفن، فلربما كان يتم الآن التجهيز لفيلم يتوقع مستقبلنا بعد 10 سنوات أخرى؟ من يدري؟!