بين فترتي جوركوف وبلماضي، لم نعمل في منتخب الجزائر على الجانب التكتيكي.


هكذا تحدث نجم منتخب الجزائر

رياض محرز عن الفترة المظلمة للمنتخب الجزائري بين أبريل 2016 عندما رحل الفرنسي كريستيان جوركوف عن تدريب منتخب الجزائر، وأغسطس 2018 عندما أعلن الاتحاد الجزائري لكرة القدم عن تعيين الوطني جمال بلماضي ناخبًا وطنيًّا للخضر. فترة تخللها أربعة مدربين من أربع جنسيات مختلفة، وهم الصربي ميلوفان رايفاتش، البلجيكي جورج ليكينز، الإسباني لوكاس ألكاراز، والجزائري رابح مادجر.

فترة كانت حالكة الظلام على المنتخب الجزائري، حيث فشل خلالها في تجاوز الدور الأول من كأس أمم إفريقيا عام 2017 في الجابون، ولم يفلح في التأهل لكأس العالم 2018 في روسيا بعدما سقط في اختبارات المجموعة التي ضمت نيجيريا والكاميرون وزامبيا.

نتائج ألقت رئيس الاتحاد الجزائري «خير الدين زطشي» في مرمى نيران الصحافة والجماهير الجزائرية، خاصةً في ظل وجود جيل مميز من اللاعبين في صفوف المنتخب الجزائري، مثل سوفيان فيجولي، وياسين براهيمي، ورياض محرز، وغيرهم ممن ينشطون في دوريات النخبة في أوروبا، قبل أن يستقر في أغسطس من العام الماضي على تعيين الجزائري جمال بلماضي مدربًا لمنتخب الجزائر.


ظروف متشابهة

ما جعل بلماضي هو الخيار الأمثل لقيادة سرب ثعالب الصحراء هو مروره بظروف اللاعب الجزائري بداية من مولده ونشأته في فرنسا حاله كحال أغلب لاعبي منتخب الجزائر في العموم، مرورًا بلعبه في أوروبا في مختلف دورياتها مثلما أسلفنا، وهو ما يمر به أيضًا غالبية اللاعبين الجزائريين، وصولاً إلى الضغوط الكبيرة عند لحظة اختيار البلد التي سيمثلها دوليًّا. هل يختار فرنسا بلد المنشأ والتكوين أم الجزائر بلد الآباء والأجداد.

أمر صب في بوتقة التعامل مع اللاعبين وإعدادهم نفسيًّا، وهو الأساس الذي بنى بلماضي عمله عليه. فاللاعب الجزائري دائمًا ما يكون تحت المجهر، وعندما يقصر تنهال عليه اتهامات التقصير، ليس فقط في الملعب، ولكن أيضًا في الانتماء للوطن، وهو الشيء الذي عمل عليه بلماضي بقوة منذ توليه مسئولية المنتخب الجزائري، حيث نجح في زرع الشعور القوي للجمهور والإعلام الجزائري بأن اللاعبين على أتم الاستعداد لتقديم أرواحهم، وهذا ما تجلى في فوز المنتخب الجزائري على السنغال في ثاني لقاءات البطولة.


دراية بالأجواء

تجارب بلماضي المختلفة كلاعب قبل أن يكون مدربًا منحته إلمامًا كبيرًا بكرة القدم في عدة بقاع حول العالم، أو بالأحرى كرة القدم في المناطق المعني بها المنتخب الجزائري ولاعبوه، حيث مثَّل منتخب الجزائر بين عامي 2000 و2004، و

خاض تجارب كلاعب

في دوريات النخبة في أوروبا مع أندية مثل مارسيليا الفرنسي ومانشستر سيتي الإنجليزي وسيلتا فيجو الإسباني، كما خاض تجربة اللعب في الخليج قبل نهاية مشواره.

وبعد انتهاء مسيرته كلاعب

درب في قطر

التي تمتلك أكاديمية أخرجت للعالم الجيل المتوج بكأس آسيا، وهي أسباير، والتقى بأسماء مميزة في عالم التدريب، مثل الأوروجواياني خورخي فوساتي والبرتغالي جيسوالدو فيريرا، بالإضافة لتجربته الدولية كمدرب لمنتخب قطر قبل أربع سنوات وقيادته للفوز بلقب كأس الخليج والمشاركة في كأس آسيا عام 2015 في أستراليا.

وإذا أمعنا النظر في كل هذه الأماكن فسنجد علامات الأقدام الجزائرية موجودة بها، سواء سابقًا أو حاليًّا، ففي فرنسا يتكون وينشط أغلب لاعبو منتخب الجزائر في صغرهم، ويلعب في دوريها من القائمة الجزائرية الحالية سبعة لاعبين، وفي إنجلترا وتحديدًا مانشستر سيتي يوجد نجم المنتخب رياض محرز، وفي إسبانيا سنجد عيسى ماندي مدافع ريال بيتيس، وسبق أيضًا للاعبين من المنتخب الجزائري الحالي أن لعبا في دوريها، وهما سوفيان فيجولي وياسين براهيمي، وصولًا إلى قطر، وهي البلد الذي لعب في دوريه لاعبون دوليون سابقون، مثل بلماضي شخصيًّا ومجيد بوقرة ونذير بلحاج، فضلًا عن المهاجم الأساسي لمحاربي الصحراء حاليًّا ولاعب السد القطري بغداد بونجاح.


اختيارات عادلة

إلمام بلماضي بجميع الأجواء والدوريات المختلفة أذاب الفوارق بين اللاعبين الذين ينشطون في أوروبا وأقرانهم ممن ينشطون في الدوريات العربية، فرأينا لاعبين مثل يوسف البلايلي لاعب الترجي التونسي يشارك على حساب ياسين براهيمي لاعب بورتو، ويحسم مباراة تعتبر من قمم الدور الأول أمام السنغال، بتسجيله لهدف المباراة الوحيد، والذي منح الخضر التأهل للدور الثاني من أمم إفريقيا مبكرًا.

ويجب ألا ننسى المهاجم بغداد بونجاح لاعب السد القطري الذي لم يلعب لأي نادٍ أوروبي حتى الآن، ولكن يعود الفضل في وجوده كرأس حربة أساسي في منتخب الجزائر إلى إلمام بلماضي بالدوري القطري ومعرفته القوية به كما أسلفنا، وإيمانه بأن المركز الأساسي ليس حكرًا على من يلعبون في أوروبا.

الشيء الآخر الذي فرضه بلماضي على لاعبيه الانضباط التكتيكي، فلن تجد في المنتخب الجزائري لاعبًا أكبر من أن يؤدي دورًا دفاعيًّا، ولنا في رياض محرز أبرز مثال عندما التزم دفاعيًّا بجانب الظهير يوسف عطال أمام السنغال؛ من أجل الحد من خطورة ساديو ماني، وهذا ليس استثناءً، بل قاعدة ثابتة في المنتخب الجزائري، فعندما يخسر الفريق الكرة يصبح محرز ومعه بونجاح والبلايلي أول المدافعين.

ثالث الإيجابيات التي نجح بلماضي في إضفائها على اللوحة الجزائرية هي إعداده للمنتخب بالكامل على درجة واحدة من القوة، فرأيناه أمام تنزانيا في ثالث مباريات المجموعة يغير تسعة لاعبين دفعة واحدة دون أن تتأثر المنظومة، وقدم البدلاء أداءً ممتعًا ومقنعًا، وسحقوا تنزانيا بثلاثية مع الرأفة، بل منهم من قدم نفسه بقوة كحل مهم لبلماضي من الدكة فيما تبقى من البطولة.

والكلام هنا ينطبق على هداف المنتخب إسلام سليماني الذي سجل في أول ظهور له في البطولة والمفاجأة السارة المتمثلة في نجم نابولي آدم وناس الذي قدم مباراة كبيرة سجل خلالها هدفين نصباه رجلًا للمباراة وورقة مهمة ليلفت نظر مدربه له فيما هو قادم، سواء في البطولة أو ما بعدها، كما لم يتأثر المردود الدفاعي للفريق، حيث لم تهتز شباكه ليكون من بين المنتخبات التي أنهت الدور الأول دون أن تتلقى أي هدف.


علامة كاملة

نجح بلماضي في مهمته الأولى بامتياز، رتب البيت الجزائري وأعاد بناءه بعدما تفنن أسلافه في تفكيكه وتشتيته واحدًا تلو الآخر، وأنجز مهمته الأولى بقيادة الفريق إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية التي تجرى حاليًّا في مصر بعد سحب التنظيم من الكاميرون.

وبعيدًا عن الجانب التكتيكي الذي يديره المدرب بشكل مميز من قراءة المباريات وكيفية تسييرها، برع بلماضي في إدارة لاعبيه نفسيًّا، وهو الأمر الذي ليس بالسهل أبدًا في منتخب مثل الجزائر، وأشعل التنافسية بين اللاعبين دون نسيان أنهم يمثلون منتخبًا واحدًا، وأن على الجميع في هذه المنظومة الاتحاد والتكاتف من أجل خدمة الجزائر.

هذه ليست شعارات أو أهدافًا مرجوة، بل هي صورة واقعية تتجسد على الملاعب المصرية التي برع فيها الجزائريون، ونجحوا في إنهاء الدور الأول بثلاثة انتصارات للمرة الأولى منذ نسخة عام 1990، والتي توجت بها الجزائر في النهاية،


والآن علينا أن ننتظر باقي ردهات البطولة لتجيب البطولة لنا على السؤال الذي تبادر إلى ذهنك الآن، وهو هل يعيد التاريخ نفسه؟