شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 75 لماذا يقوم بطل الفيلم أو المسلسل أحيانًا بتحويل أنظاره باتجاه المشاهد، ويخاطب الجمهور بشكل مباشر، هل يعترف بوجود مُشاهِد، ما أهمية ذلك، وما الجدار الرابع، وكيف يتم هدمه؟ ماذا يعني هدم الجدار الرابع؟ قديمًا، في عصر سيطر فيه المسرح على الفن، وكان الطريقة الوحيدة للتعبير عن التجارب الإنسانية والقصص والأساطير، كان المسرح عبارة عن شبه جزيرة لكن مُحاطة بالجدران من جهات ثلاث، يمين ويسار ومن الخلف، على أن يشاهد الجمهور المسرحية من الأمام أو الجهة الرابعة. وحتى يتمكّن الممثلون عن فصل أنفسهم عن الجمهور، والتركيز على عملهم بلا تشتيت، والغوص في عالمهم الخيالي، تم اعتبار أنه يفصلهم جدار خيالي، يمثل الحاجز بين العالم الحقيقي أو الواقع، والعالم الخيالي أو المسرحية، أُطلق عليه الجدار الرابع. نشاهد في الأفلام دائمًا عند القبض على متهم، أن غرفة التحقيقات تكون محاطة بجدران من جميع الجهات، على أن يتابع المحققون أو الشهود سير التحقيق أو التعرف على المتهم، من خلف مرآة تفصلهم عن الغرفة، هذه المرآة تمثل الجدار الرابع المقصود . لا يعترف الممثلون أبدًا بوجود الجمهور أو المسرحية أو المشاهِد، عوضًا عن ذلك، يركزون كل انتباههم على العالم الخيالي الذي يوجدون فيه، وعندما يقوم أحدهم بهدم الجدار الرابع، فإن بذلك يتخلى عن واقعه الخيالي، ويعترف بوجود الجمهور وأنه يتم مشاهدته، كما لو كان يدرك أنه مراقب. يمكن أن يكون هذا من خلال مخاطبة الجمهور مباشرةً، أو مجرد النظر إليهم أو الغمز مثلًا، أو الإشارة باليدين. من المهم التمييز بين كسر الجدار الرابع والسرد أوNarration، السرد متشابه في أن الشخصيات تتحدث إلى الجمهور، لكنها تفتقر إلى كسر العرف والاعتراف أن الأحداث خيالية، أو تجاهل العالم الخيالي، فهو مجرد صوت بلا جسد يتحدث خلال مشهد ما، أمّا أن تتحوّل شخصية في أحد مشاهد التصوير إلى الكاميرا وتعطينا رؤيتها، فإن ذلك يمثل كسر الجدار الرابع. تاريخ هدم الجدار الرابع ظهرت هذه الطريقة قديماً منذ المسرح اليوناني، واستمرت في الوجود حتى استخدمها «وليام شكسبير» في مسرحية «ريتشارد الثالث» ، ويُعتقَد أن مصطلح الجدار الرابع جاء به الكاتب المسرحي الفرنسي Molière، في القرن الـ17، لكن قلّ وجودها مع الوقت، حتى أعاد «بيرتولت بريخت» استخدامها في مسرحياته بكثرة في الثلاثينيات. أحد أقدم الأمثلة على استخدام هذه التقنية في السينما هو فيلم The Great Train Robbery ، عام 1903، مع اللقطة النهائية الشهيرة لسارق القطار وهو يطلق النار مباشرة على الجمهور، يُقال إن رواد السينما الأوائل أُصيبوا بالذعر وقاموا بتغطية أوجههم عند عرض المشهد لأول مرة. وكذلك في فيلم Men Who Have Made Love to Me عام 1918، حيث ناقشت الشخصية الرئيسية، علاقاتها العاطفية المتعددة مباشرة أمام الكاميرا، كما لو كانت تجري محادثة مع الجمهور. وقام نجم السينما الصامتة «باستر كيتون» بالنظر للجمهور مباشرة بعد قراءة خطاب في فيلم The Saphead ، عام 1920، أمّا الأشهر ففي أفلام الأخوة ماركس في الثلاثينيات، حيث اعتاد «جروشو ماركس» كسر الجدار الرابع ليُقدِّم إشارات أو تعليقات للجمهور، عن طريق النظر إليهم مباشرة أو الغمز بعينه بعد إلقاء إحدى النكات. وبشكل أكثر جدية، يمكن اعتبار خطاب «شارلي شابلن» في نهاية The Great Dictator، عام 1940، بمثابة نداء مباشر إلى الجمهور من أجل السلام والحرية. أمّا مؤخرًا فقد ظهر في أفلام عديدة مثل: Apocalypse Now ، و American Psycho ، و Fight Club ، و The Big Short ، و Deadpool ، و The Wolf of Wall Street ، و Annie Hall ، و Blazing Saddles ، و Ferris Bueller’s Day Off ، و Amelie . وظهر كذلك في مسلسلات، أشهرها: House of Cards ، و Fleabag ، و The Office ، و Scrubs . لماذا يتم هدم الجدار الرابع؟ يمكن أن تكون استخدامات كسر الجدار الرابع سياسية أو جمالية أو درامية أو كوميدية، وتختلف من عملٍ لآخر، ولا يوجد سبب واضح أو محدد لفعله، ربما لذلك لا نراه بشكل مُكثف، ويعتبر قليل الاستخدام، لأنه لا أحد يعلم بالضبط ماهيته، فيخشى الجميع استخدامه، لأنه في نفس الوقت قد يفسد العمل الفني أو يُفقده جاذبيته، في حالة التوظيف الخطأ. عندما لا يتم التنفيذ بعناية ، فإن كسر الجدار الرابع يمكن أن يخلق أيضًا مسافة بين الجمهور والعمل الفني، بدلًا من جعل الشخصيات قريبة للمشاهد. فمثلًا، إذا لم يكن واضحًا أنه مقصود، فقد يؤدي ذلك إلى مشاكل في القصة، أو يدل على قلة خبرة المخرج، ويُسبِّب الإحباط لدى الجمهور. تعد الحالة الأشهر وربما الأفضل لهدم الجدار الرابع، الممثل الأمريكي «كيفن سبيسي» في دور «فرانك أندروود» في مسلسل House of Cards، حيث يقوم طوال المسلسل بتخصيص وقت كل حلقة لمخاطبة جمهوره بشكل مباشر، ليعمل على توصيل إحساس القوة والسلطة لمتابعيه، أو يضحك بخبث تجاه الكاميرا كأنما يوجد دعابة خاصة بينه وبين جمهوره، كما يقوم أحيانًا بشرح أو توضيح مخططاته، أو ببساطة يمنح نصائح أو حكم من خبرته في عالم السياسة، ما يعتبر أهم نقاط قوة المسلسل، لأنه «أندروود» السياسي الفاسد، يُعامل الجميع ببرود ونفور، ما عدا جمهوره العزيز، فهو حامل سره الوحيد في العالم. يمكن أيضًا استخدام هذه التقنية لشرح نقاط معينة أو توضيح أفكار قد يصعب على المشاهد فهمها، كما في The Big Short، حيث ظهر عدد من الشخصيات الحقيقة، في وسط الأحداث لشرح النظريات والمفاهيم الخاصة بالاقتصاد، وعلاقتها بالأحداث، وفي نفس الوقت تخفيف حدة الجدية في الفيلم، والخروج من كآبة الأزمة الاقتصادية، فتظهر «مارجو روبي» في حوض الاستحمام لتشرح الوضع بخفة وبساطة، وتظهر «سيلينا جوميز» مع عالِم اقتصاد في موقف مماثل. أمّا «وودي ألين»، فقام بنفس الشيء في Annie Hall، حيث خرج من صف انتظار أمام قاعة السينما كي يعبر عن غضبه وإحباطه، كون الرجل خلفه يقوم بانتقاد الأفلام بعنف، ويخاطب الجمهور مباشرةً، حتى يتبعه الرجل أيضًا وينظر للكاميرا وينتقد وودي ألين نفسه، ومرات أخرى أيضاً خلال الفيلم، حتى يؤكد للجمهور الذي يعاني من مشاكله في الفيلم، أنه يشعر بهم وقريب منهم. ونجد أن فيلم The Purple Rose of Cairo، قائم بالأساس على شخصية كسرت الجدار حرفيًا، وخرجت للحياة. في فيلم The Wolf of Wall Street مثلًا، كان الغرض من استخدام هذه التقنية سرد الأحداث، ومحاولة كسب تعاطف الجمهور مع البطل الفاسد، وشرح بعض أبعاد القصة ودوافعها، فما قد يبدو غير مفهوم ولا يُغتفر عند النظر إليه من الخارج، يمكن أن يبدو مفهومًا وحتميًا ومُمتعًا عندما ينظر «دي كابريو» إلينا ويدعونا للانضمام إليه. أمّا المخرج الفرنسي الكبير «جان لوك جودار»، فقد استخدم ذلك طوال حياته المهنية تقريبًا، وكان اهتمام جودار الأساسي هو فحص وتفكيك ودراسة السينما، ففي فيلم Pierrot le fou ، عام 1965، تحدثت الشخصيات الرئيسية مرارًا وتكرارًا مباشرةً إلى الجمهور، ويتضح استخدام الفيلم لهذه التقنية بشكل أفضل من خلال مشهد موجز تتحول فيه المحادثة بين الشخصيات بسرعة وبشكل غير متوقع إلى محادثة بين الفيلم والجمهور. وفي فيلم Tout va bien ، عام 1972، تم كسر الجدار الرابع لأغراض سياسية، فقد خاطبت الشخصيات الجمهور مباشرةً، لتوضيح وجهات نظرهم حول الطبقات الاجتماعية والمال والعمل. لكن الاستخدام الأكثر شيوعًا يكون في الكوميديا، ليعمل بمثابة مزحة في ذاته ويسخر من الفيلم ذاته، وتفاهة أبطاله ومواقفهم، أو في إلقاء النكات مباشرة. ففي فيلم Top Secret، يقول أحد الأبطال لشخصية أخرى «أعلم، يبدو وكأنه فيلم رخيص»، ثم يلتف كلاهما ببطء وينظران نحو الكاميرا. وفي Blazing Saddles، يقول أحد الشخصيات في خطاب «أنتم ستقومون بالمخاطرة بحياتكم فقط، أمّا أنا فقد أفقد ترشيحاً مؤكداً لجائزة الأوسكار». ويقوم المخرج «ميل بروكس» بنفس الأمر في فيلم Spaceballs ، حيث يطارد الأشرار البطل، لكنه يتمكن من الهرب، فما كان منهم غير أن قاموا بإحضار شريط الفيلم، ومشاهدته لمعرفة إلى أين هرب البطل حتى يواصلوا مطاردته. أمّا المثال الأشهر حاليًا هو فيلم Deadpool، المعروف بالقصص المصورة، والذي يقوم فيه البطل بكسر الجدار الرابع والاعتراف بأنه شخصية خيالية، فيقوم طوال أحداث الفيلم بمخاطبة الجمهور، وإلقاء نكات على عالم السينما ومؤلفي الفيلم وعلى نفسه أحيانًا، فيبدأ الفيلم الأول بكسر للجدار الرابع، مما يضع الأساس لما يمكن أن نتوقعه من فيلم مليء بذلك، بغرض الدعابة الصادمة أو غير المتوقعة. فبدلًا من جلب الجماهير بشكل أعمق إلى الدراما، أو جعلها أقرب لشخصيات الفيلم، فإن هذا الجدار الرابع يُفاجئ الجماهير بنكات غير متوقعة وخطوط متداخلة، مع إبقاء كل شيء على مسافة وتناغم، وهو ما أعلنه الفيلم منذ البداية. وفي Fleabag، يُستخدَم الجدار الرابع للكوميديا أو كوسيلة لكسر إحراج المشاهد ، فالمسلسل مليء باللحظات المحرجة والمربكة التي تترك مجالًا للشعور بالخجل، ومن خلال التحدث الى الجمهور بدلًا من الصمت المحرج، تقوم «فليباج» بتبرير الإحراج (بشكل شخصي) من خلال تعليقاتها، لكن في نفس الوقت هي بحاجة إلى الجمهور، فيبدو أنها لا تستطيع الحياة من دون الجمهور، صديقها التخيلي أو السري. وقد أوضحت صانعة المسلسل والممثلة الرئيسية « فيبي والر بريدج » أهمية كسر الجدار الرابع للشخصية، فتقول: كانت Fleabag تتحدث دائمًا للكاميرا لإلهاء نفسها والجمهور من بؤسها، تحاول تسلية المشاهد، حتى لا تسمح لنفسها بأن تكون ضحية للملل. وأضافت أن هدم الجدار الرابع يؤدي إلى اتصال أقوى مع الجمهور، من خلال وضع المتفرج داخل حياتها، فيتحول بدوره إلى شخصية في المسلسل، ثم تقوم بالاعتراف بأفكارها الحقيقية لمساعدة المتفرج على فهمها بشكل أفضل، ومن أجل سد الثغرات، وهذا يمنع البطلة من أن تصبح شخصية منغلقة، بل تُشارِك الجمهور بتفاصيل وأسرار حياتها. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً نيوتن ودافنشي وشكسبير: كيف أبدعوا في فترات الحجر الصحي؟ الحداثة التي بدأت وانتهت «ست زوايا للصلاة»: حينما يؤم الخيال أساطير القرية «الراية البيضاء» و«لن أعيش في جلباب أبي»: لمن ننحاز؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram عمرو عدوي Follow Author المقالة السابقة دوبامين «السوشال ميديا»: الطريق إلى اكتئاب دائم المقالة التالية الطريق إلى رواية «الإخوة كارامازوف» قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك الجغرافيا المتخيلة في السرد الفلسفي عند «ابن سينا» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «فريد أستير»: من رقصت هوليوود على إيقاعه 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رغدة – قصة قصيرة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك سحر العلم: أن تكتشف كوكبًا وأنت مستلق على سريرك 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف غيرت وكيلة أدبية حياة مدمن مخدرات؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كل مال العالم: عن أحدث صورة لـ«ريدلي سكوت» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل يمكن تأسيس منصة Facebook خاصة بنا؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك معضلة الحرية بين التاريخ الإسلامي وثورات الربيع العربي 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك نبوءة فيلم «Her»: الحب في زمن الخوارزميات 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك معادلة الإيمان والتضحية: لماذا أكل قابيل المارشميلو؟ 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.