شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 56 في عام 1962 اقتبس ستانلي كوبريك أحد أكثر الأعمال الأدبية إثارة للجدل، رواية Lolita (لوليتا) التي تسرد من وجهة نظر رجل يقع في حب فتاة صغيرة، نقلها كوبريك من الأدب إلى السينما من بطولة فتاة في الرابعة عشر بدلاً من الثانية عشر لكي يتجنب المساءلة الرقابية، وفي عام 1976 صنع مارتن سكورسيزي تحفته Taxi driver (سائق التاكسي) الذي ظهرت فيه الممثلة ذات الاثني عشر عامًا جودي فوستر في دور عاهرة طفلة شاهدة على كم مفرط من العنف والمحتوى الجنسي، وفي عام 1995 صدر فيلم kids (أطفال) للاري كلارك والذي نفذه باستخدام أطفال لم يسبق لهم التمثيل ووضعهن في أدوار لها طابع جنسي وعنيف مشبع بالمخدرات والكحوليات حتى أن إحدى الممثلات اختبرت قبلتها الأولى على الشاشة. لطالما كانت السينما فنًا مربكًا ومثيرًا للجدل فهي عكس الأدب الذي بمجرد كتابة كلمة طفلة سيصنع خيالك واحدة، أو عندما تقرأ عن علاقة ما ستتصور أنت أبعادها، أما السينما فتعتمد على الإظهار والتمثيل البصري، كل الأمثلة الماضية تناولت تصورات إشكالية للأطفال وأدوارهم ككائنات جنسية بعيدة عن البراءة التي نعرفها عنهم، لكن لم يحتفِ أي من الأفلام بهذا التناول بل أدانه وانتقد أسباب وجوده لكنه أيضًا لم يمنع الأطفال الممثلين نفسهم من التعرض لخطر أن يكونوا مرئيين من متلقين لن يكنوا لتمثيلهم الوهمي الاحترام المطلوب بل ستستخدم صورهم الذهنية لجنسنتهم، يؤدي الأطفال أدوارًا تحرم عليهم في العالم الحقيقي بغض النظر عن تأثير ذلك على نفسياتهم الهشة. يقع في نفس الفئة فيلم cuties (جميلات) لميمونة دوكوريه الذي أثار جدلاً واسعًا بعد إعلان منصة Netflix (نيتفلكس) عن عرضه ثم أثار مزيدًا من الجدل عندما عرض بالفعل، فاتهم المشاهدون المنصة بالترويج للبيدوفيليا واتهموا مخرجة الفيلم بالانحراف وانعدام المسئولية وهددوها بالقتل، فهل كانت تلك الآراء الحادة في مكانها الصحيح؟ هل كل شيء جائز في التسويق؟ بدأ الجدل في شهر أغسطس 2020 عندما بدأت نيتفلكس حملتها التسويقية لفيلم Cuties العمل الأول لمخرجته ليس بالدعاية له بفوزه بجائزة في مهرجان ساندانس واشتراكه في برلين بل بوضع ملصق دعائي يظهر أربع فتيات في سن الحادية عشر في أوضاع راقصة مربكة وتكاد تكون جنسية، أثار ذلك الملصق غضبًا واسعًا في أوساط متعددة مما دعاهم إلى سحب الملصق والاعتذار عنه، وقبل أن يخفت الغضب جاء موعد عرض الفيلم وتجددت موجة جديدة من السخط تجاه محتوى الفيلم نفسه وانتشرت حملات لمقاطعة المنصة ذاتها بسبب تحريضها على جنسنة الأطفال. الملصق الرسمي لفيلم Cuties قبل أن تتولى نتفليكس توزيعه حفز رد الفعل العالمي الغاضب رد الفعل العربي الهلوع المهووس بنظريات المؤامرة مثل سعي شركات الأفلام لتطبيع البيدوفيليا (اشتهاء البالغين للأطفال تحت سن البلوغ) على غرار تقنين المثلية مثلًا وهو ما يستحيل الوصول إليه نظرًا لانتفاء مبدأ الأهلية والتوافق المتبادل، لكن الأمر أكثر تعقيدًا من مجرد كشف خطط شيطانية خفية لمنصة إنتاج وتوزيع أفلام، إشكالية الفيلم الرئيسية هي طبيعة التمثيلات الثقافية والتناولات السينمائية لموضوع بعينه ومدى أخلاقيتها بالإضافة لأخلاقيات الإعلان عنها وما إذا كان كل شيء مباحًا في مجال الدعاية حتى إذا كان المتاجرة بفتيات لا يملكن الأهلية الكاملة في التصرف في أجسادهن. وصف البعض حملة نتفليكس الإعلانية بخيانة للمخرجة لأن فيلمها هو نقد لما فعلته نتفليكس تحديدًا، نقد لتصوير الإعلام للفتيات كمخلوقات جنسية منذ عمر صغير لضغط مواقع التواصل عليهن للظهور بصورة معينة لتصاعد هوسهن بالنضوج المبكر نظرًا لهوسهن بالثقافة الشعبية وكون أمثلتهن العليا هن نجمات البوب وتلفزيون الواقع الأمريكي بشكل خاص، هنا يمكن بدء الجدال عن شرعية نقد الفعل عن طريق تصويره تفصيليًا لإحداث نوع من الصدمة، لطالما مارس الفن ذلك النوع من التلاعب الأخلاقي للحصول على رد فعل عنيف أو مباشر، مثل تعنيف المخرجين لممثليهم حتى البكاء والانهيار للحصول على النتيجة المرجوة. ما الذي يقوله الفيلم؟ أردت أن أقدم طريقة رؤية الأطفال للأشياء، بدون كل الحمل الأخلاقي الذي يفرضه عليهم رجال هوليوود العجائز، الأطفال لا يفكرون هكذا، هم يعيشون اللحظة دون تفكير في أي شيء أبعد منها، وهذا ما أردت التقاطه. — لاري كلارك فيلم أطفال للاري كلارك 1995 يحكي الفيلم قصة “آمي” فتاة في الحادية عشر من عائلة مسلمة سنغالية تعيش مع والدتها وجدتها وتعاني من النبذ في المجتمعات الأكثر انفتاحًا في المدرسة في فرنسا، تستكشف أنوثتها المستجدة وتشعر بالدهشة والغيرة من رؤية فتيات جميلات من عمرها يرتدين ملابس أكثر كشفًا للجسد ويتصرفن أكبر من أعمارهن وهو شعور مألوف لكل من مر بنفس العمر من الذكور أو الإناث. تقع آمي في فجوة بين رغبتها في أن تصبح تلك الفتاة المتألقة لكي تندمج وبين انجرافها في فريق راقص يقوم بحركات إيروتيكية تعكس الرقصات المرتبطة بالثقافة الأفروأمريكية في أغاني البوب المصورة، يتبنى الفيلم وجهة نظر فتيات يعشن في عالم قبيل المراهقة. على غرار فيلم kids نرى الإغراءات من أعينهن ورؤيتهن لأنفسهن بل وغيرتهن ممن هن أكبر سنًا وأكثر إثارة، يتمثل عالم الكبار في مواقف عابرة مع رجال تستغل فيها آمي جنسانيتها الجديدة بشكل ساذج وخطر. فيلم cuties هو فيلم نضوج نمطي لفتاة تحاول أن تتملص من الضغط العائلي الواقع عليها، من الظلم الذي ترى نساء أسرتها يتعرضن له من نظام أبوي خفي لا نراه، أبوها يأخذ زوجة ثانية، تسمع ادعاء والدتها بتمني السعادة له وتسمع أيضًا نحيبها المحزن للظلم غير المبرر الواقع عليها، تتخيل آمي أنها ستجد ضالتها في الجانب الآخر من العالم المتطرف، تتقطع آمي بين ثقافة إسلامية منغلقة تجعل منها مخلوقًا جنسيًا يجب أن يتزوج فور بلوغه وثقافة شعبية غربية أمريكية تحديدًا تربط التحرر بالتسليع المباشر لأجساد النساء تحت رعاية شركات كبرى تضع ضغطًا كبيرًا على الصغيرات فور نضوجهن، لكن بدلاً من أن تستكشف أنوثتها تعيد في النهاية استكشاف طفولتها التي أوشكت أن تفسدها، الفيلم يعمل كنقد للثقافة الشعبية ومنها نتفليكس نفسها بعد إعلانها عنه بتلك الطريقة ونقد للنظام الأبوي وللسلطة الدينية وللإهمال الأسري. فتيات فيلم جميلات أن يواجه المشاهد ذاته في المشهد المحوري للفيلم، والذي يقع على مسرح لمسابقة رقص اشتركت فيها آمي مع صديقاتها الجميلات الجدد، لا تكتفي دوكوريه بتوضيح طبيعة الرقص الجنسي بل تتجول كاميرا مصورها على أجساد الصغيرات صانعة تجربة مشاهدة مربكة وغير مريحة لكنها مؤثرة في الوقت نفسه. تحاول دوكوريه بشكل أساسي أن تجعل فيلمها مشاهدة مقلقة، أن تكشف المشاهد أمام نفسه، لصدم المتلقي الطبيعي الذي سيشعر بالتقزز والقلق وربما الذنب من مشاهدة الفتيات الصغيرات، لكن ماذا عن المشاهد غير الطبيعي؟ المشاهد الذي يمكن أن يستمتع بالفعل بمشاهدة تلك المشاهد، هل يحق للفن أن يلقنه درسًا باستخدام أجساد الممثلات؟ المتلقي الذي يستمتع بجنسنة ملابس الأطفال في الأغاني المصورة والمقاطع الإباحية والملاهي الليلية ويستهلك أنواع الرسوم المتحركة اليابانية التي تجعل من البراءة الطفولية والزي المدرسي أداة للإثارة، هنا تأتي الإشكالية الكبرى وهي: هل يستوجب إيضاح نقطة كتلك استغلال الممثلات كأفراد حقيقيين وليسوا كأدوات لتمثيل رؤية معينة لصناع العمل؟ تلك ليست أول مرة يحدث فيها ذلك، اعتمد المخرج لاري كلارك على أطفال تحت السن القانوني للقيام بتمثيل مشاهد جنسية واضحة ومشاهد لاستخدام المخدرات كان بعضها حقيقيًا لصنع صدمة وتجربة مشاهدة لا تنسى، تضع المشاهد في عالم ينتقل فيه مرض مثل الإيدز بسهولة بين الأطفال دون رقابة، لكن هل كانت نقطته تستدعي ذلك الاستعراض المطول؟ فكرة تعريض تلك الأجساد الحقيقية بعيدًا عن قيمتها التمثيلية لنظرات الجميع ولأعينهم المتفحصة هي فكرة مقلقة أيًا كانت الاحتياطات المأخوذة لتنفيذها، تقول ميمونة دوكوريه إن معظم الأطفال تعرضوا بالفعل لهذا النوع من الرقص وشاهدوه واستهلكوا الثقافة الشعبية والأغاني المصورة ومقاطع الفيديو الموحية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنها عملت على خلق أجواء من الأمان داخل موقع التصوير وشرحت للفتيات كل شيء وعملت مع طبيبة نفسية لكي تتابع تطورهن ومشاكلهن مع الشهرة المستجدة. من فيلم Cuties لكن تصعب تبرئة الفيلم بسبب حسن نواياه فقط ففي النهاية تم تعريض الفتيات لنصائح إخراجية لتحريك أجسادهن بصورة جنسية للقطات مطولة، لا يمكن تجاهل أو إنكار أن فتيات طبيعيات في هذا السن تعرضن بالفعل لذلك النوع من الكشف الثقافي بسبب الموسيقى والسينما والمواقع وغيرها، لكن لا يمكن إنكار أيضًا التأثير المحتمل لطبيعة الشهرة المستجدة ووجود دليل مادي لتصويرهن بتلك الطريقة على شريط سينمائي سوف يعيش للأبد. تم التسويق للفيلم بعكس محتواه، فاللقطة التي استخدمتها نتفليكس كصورة للملصق الدعائي كاحتفاء بمشهد من مسابقة الرقص يصورها الفيلم كمشهد مرعب تصعب مشاهدته، أمهات وآباء يشاهدن نتيجة أعمالهن، وتعريض أطفالهن لثقافة استهلاكية جنسية في الموسيقى والملابس واحتفائهم بمسابقات رقص نصف جنسية حتى يصعد إلى المسرح فريق cuties الذي ينزع كل تحفظ ويؤدي رقصة تشبه ما تنتجه المقاطع المصورة للأغاني الشعبية يوميًا فيتحول الرقص من احتفاء بالأنوثة التي اكتسبنها حديثًا إلى استغلال كامل لأجسادهن واستعراضها لأعين المنحرفين. إذا كان السؤال الأساسي للجدل القائم هو هل تروج نتفليكس للبيدوفيليا فالإجابة هي أن نتفليكس مؤسسة هدفها الرئيسي هو الربح، يتصادف من حين لآخر أن تستثمر أموالها في أعمال تملك قيمة فنية حقيقية، لكن ما عدا ذلك فإن المسئولين عن خططها الدعائية سيفعلون أي شيء حتى ينفذوا الربح المطلوب ويسوقوا لفيلم لمخرجة غير معروفة عن ثقافة غير ممثلة بشكل كبير حتى وإن كان ذلك عن طريق جذب المشاهدين لكل الأسباب الخاطئة، وهو ما كان نتيجته انقلاب الخطة ضدهم لكنها أيضًا انقلبت ضد مخرجة واعدة بالرغم من التحفظات على بعض أساليبها. قد يعجبك أيضاً رواية «سفر الخروج»: مأساة باكستان بين الماضي والحاضر الفن التشكيلي في أغلفة الكتب: أول ما تقع عليه عين القارئ قتلة أو ضحايا: 6 أفلام مصرية تُنمّط الإعاقات الذهنية الخطاة الكبار: دوستويفسكي وأبي وأنا شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram رحمة الحداد Follow Author المقالة السابقة فيلم «I’m Thinking of Ending Things»: رحلة في العقل البشري المقالة التالية لعنة الكتابة: شيرلوك هولمز يقتل مُبدعه آرثر دويل قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك سير المغنين وصيد الجوائز: هل السينما مهووسة بالغناء؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «R.M.N»: عالم في مزاج للهلع 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك التناغم في الفن: أشهر 8 ثنائيات بين مخرج وممثل 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ظاهرة الـ«بيومي فؤاد» ونجوم الصف الثاني 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أفلام عيد الفطر 2018: انتبه السينما ترجع إلى الخلف 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Minari»: قصة ذاتية عن الجميع 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تميم (1): الحلم في زمن المذابح 01/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «حلم الجنوبي»: أين اختفت سينمات الصعيد؟ 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «كل الأشياء»: الأدب في مواجهة السياسة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «أميركا»: حكاية مرتا حداد التي ظلت تصلي للأبد 01/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.