خمس مواجهات جمعت

روسيا وألمانيا

كرويًّا، ومواجهة دموية جمعتهما عسكريًّا. أما المواجهات الكروية فكان الفوز في أربع منها لصالح الألمان، وتعادل وحيد.

عام 1994 فاز الألمان بهدف على الروس في مباراة ودية بينهما، ثم في 1996 بثلاثية نظيفة، وفي 2005 تعادل الفريقان بهدفين لكل منهما. وعادت ألمانيا للفوز على الروس في 2008 بهدفين لهدف، ثم لاحقًا فازت بهدف نظيف في مباراة جمعتها في 2009.

دائمًا ما تكون ألمانيا مرشحة

للفوز بكأس العالم

، ودائمًا ما مثلت ندًّا قويًّا حتى لو لم تفز، لكن الوضع هذه المرة مختلف. تمامًا كعادة الألمان حين الوجود في أرض الروس. كُسرت شوكة الألمان للمرة الأولى على أراضٍ روسية في ستالينجراد عام 1942، واليوم في 2018 تكاد شوكتها الكروية تكسر على أراضٍ روسية أيضًا. فالغلبة للألمان ما لم تنلهم لعنة الأراضي الروسية.

إذا تناولنا معركة ستالينجراد بلغة كرة القدم. فهي مباراة طاحنة، الهدف الأول كان ألمانيًّا. هجوم ألماني كثيف على نصف الملعب الروسي. خلل في الدفاع الروسي يمكن الألمان من هدفٍ ثانٍ. بمرور الوقت نسي الألمان نصف ملعبهم وباتت المباراة بكاملها في نصف الملعب الروسي. قرب نهاية المباراة لمح الروس المنهكون ثغرةً في جناحي الفريق الألماني. قرروا التوغل عبر الجناحين ثم الالتفاف حول الألمان وحصارهم في نصف الملعب الروسي حتى يستسلم الألمان.


صافرة البداية


سلاح الجو الألماني

يدّك ستالينجراد

بألف طن من القنابل تمهيدًا لوصول القوات البرية. حققت الضربة الجوية هدفها، فصارت المدينة كأنها لم توجد، لكن لم يكن ذلك كافيًا. المدينة تحمل اسم العدو اللدود جوزيف ستالين، لذا فقد كانت تحمل فوق أهميتها الفعلية أهميةً رمزية قاتلة، فإن فاز بها هتلر فكأنما قتل ستالين نفسه، وإن أنقذها ستالين فقد أنقذ شرفه الشخصي والعسكري.

أما عن الأهمية الفعلية فهي مُلتقى جميع الطرق المهمة في الاتحاد السوفيتي، كما تحتوي على أهم ميناء نهري في الدولة. وخلف ستالينجراد يقبع الكثير من الكنوز التي يطمع فيها أدولف هتلر، فخلفها القوقاز وبحر قزوين والعديد من آبار النفط التي تمنح الألمان مددًا من الغاز والبترول لا ينقطع.

لذا أرسل هتلر

الجيشين الرابع والسادس

للسيطرة على المدينة. كان الجيش الألماني ميالًا إلى ما يسميه «حرب البرق». إذ تعتمد حروبه على الدبابات والهجمات الخاطفة، لكن الخراب الذي خلفته الضربة الجوية وقف عائقًا أمام الدبابات، وكان حجر عثرة أمام سرعة الهجوم. فصار الألمان مضطرين إلى خوض حرب بطيئة ومباشرة، من بيتٍ إلى بيتٍ، ومن منطقةٍ إلى أخرى.

لم يتراجع الألمان حين وجدوا أنفسهم في هذه المحنة، فقد كانت المدينة عبارة عن رقعة شطرنج الأهمية، القصوى فيها ألا يسقط الملك. ولا يبالي القائدان بالضحايا من أي رتبة صغرى، بل من المدنيين. فمن 250 ألف جندي ألماني لم يتبق سوى 91 ألفًا خرجوا منها أسرى للاتحاد السوفيتي. ومن الـ 91 لم يبق سوى 6000 جندي على قيد الحياة حين انتهت الحرب تمامًا. وأنشأ لها ستالين جيشًا خاصًّا أسماه الجيش 62، وكلفهم بحماية المدينة بأي ثمن.

قال الفريق فاسيلي تشويكوف، قائد ذلك الجيش، سندافع عن المدينة أو نموت أثناء المحاولة، فلم يكن لديهم خيار ثالث أبدًا. قُتل فيها أكثر من مليوني مدني، لتصبح بلا منازع أكبر المعارك دمويةً في التاريخ. والتي استمرت 6 أشهر بين 21 أغسطس/آب 1942 و2 فبراير/ شباط 1943.


امرأة المباراة

لم تكن ستالينجراد هي المستهدفة في البداية. بل كانت القوات الألمانية تتحرك من أجل الوصول للقوقاز للسيطرة على آبار البترول هناك. لكن هتلر خالف جميع من نصحوه من مستشاريه، وأمر بتقسيم جيوشه. نصف يكمل مهمة القوقاز، والجيشان السادس والرابع يتوليان مهاجمة ستالينجراد.

تلقى ستالين تحذيرات كثيرة بأن الألمان سيدخلون المدينة. فأمر بشحن كل ما فيها من حبوب وماشية وسكك حديدية ومنتجات كي لا يصيبها الضرر. ترك ذلك الإجراء المدينة في حالة مزرية قبل وصول الألمان، وجاء سلاح الجو الألماني ليزيد المأسأة. فأرسل ستالين كل ما توفر من قواته إلى الضفة الشرقية لنهر الفولغا، لكن سلاح الجو الألماني دمر كل ما كان موجودًا من عبّارات. وحين بدأت القوات في استخدام الزوارق، قام باستهدافها كذلك. حينها أيقن ستالين أن أي محاولة لإجلاء السكان ستبوء بالفشل، قرر إيقاف عمليات الإجلاء ومنع خروج السكان من المدينة.

رأى ستالين أن حصر العجزة والنساء والأطفال في المدينة سيزيد من عزم وشجاعة الجنود السوفيت في الدفاع عن المدينة. بدأ السوفيت يضعفون شيئًا فشيئًا. الضربة الألمانية دمرت 200 طائرة سوفيتية وُجِدت بالقرب من المدينة. فعزّز ستالين قواته بـ 100 طائرة أخرى أصابها ما أصاب الأخريات، ما يترك الاتحاد السوفيتي برصيد 192 طائرة إجمالًا، منها 92 طائرة فقط قادرة على القتال. فكان لا بد من توجيه النظر إلى الأرض بدلًا من الاعتماد على السماء.

نساء متطوعات لم يسبق لهن الحرب أو استخدام السلاح كن أول غيث الصمود. وقفن أمام دبابات البانزر 16 الألمانية وجهًا لوجه. فاضطرت البانزر أن ترد على كل مدفع على حدة، وأن ترد طلقةً بطلقة حتى دُمرت كل أسلحة الفرقة 1077 النسائية. وحين أراد السوفيت العودة إلى ساحة القتال شن الجيشان 66 و24 هجومًا بالدبابات على البانزر الألمانية. لكن سلاح الجو الألماني استطاع تدمير 30 دبابة من أصل 120 شاركت في الهجوم، فاضطر السوفيت إلى الانسحاب بعد ساعات من بداية الهجوم. وفي هجوم آخر في 18 سبتمبر/أيلول دمرت طائرات ستوكا الألمانية 41 دبابة من أصل 106.


الهجمة المرتدة


لا خطوة إلى الوراء، فلا توجد أرض وراء نهر الفولغا، فدافعوا عن ستالينجراد مهما كلفكم الثمن. كانت تلك أوامر ستالين المتتابعة على الجنود المحاصرين في المدينة، ومن ينسحب يُحاكم عسكريًّا. ثم بعد شهور من القتال والحصار ألهمت الكواكب ستالين خطته التي أنهت المعركة لصالحه.


نسّق السوفيت

عمليتا أورانوس والمريخ، ثم المشتري وزحل. الفكرة هي خداع الألمان عبر التنقل ليلًا بدون إضاءة، ونقل الأوامر الخاطئة لاسلكيًّا، والصحيحة تنقل شفهيًّا. وفي تلك الأثناء تُحشد القوات السوفيتية على شمالي وجنوبي المدينة لمهاجمة الجيش السادس الألماني من الجانبين في وقت واحد. خطة لم يتخيلها الألمان، وحين تخيلوها لم يصدقوها.

وحين طلبت القوات الألمانية الموجودة على الأجنحة دعمًا إضافيًّا رفض هتلر. تركيزه كان على قلب المدينة لا أطرافها، ومن أطرافها هاجم السوفيت. بدأت أورانوس بالتزامن مع المريخ، وهوجمت القوات الرومانية والمجرية ضعيفة العتاد، قليلة العناد، ليست صبورةً كما الألمان، ونجح السوفيت في استغلال ذلك. وكان الحرص السوفيتي على عدم الاقتراب من قلب المدينة لكي لا يكون في مقدور الجيش السادس الانتشار لصد الهجوم.

أثمرت الخطة عن حصار 250 ألف جندي ألماني، و35 ألف متطوع سوفيتي قاتلوا إلى جانب الألمان، و10 آلاف مدني. فقط 50 ألف جندي هم من ظلوا خارج الحصار، لكن الجيش الأحمر لم يفته الأمر، فنصب دفاعًا يمنع الجيش السادس من فك الحصار، ودفاعًا آخر وجهه للخارج ليمنع محاولة من بقي خارجًا فك الحصار.


التمثيل المشرف لا ينفع

تصريحٌ بتصريح، قال هتلر: الجيش الألماني لن يغادر المدينة مطلقًا. حاول تنفيذ خطة إمدادٍ جوي تعينهم على الصمود لكنها فشلت. تزامن معها ظروف مرعبة عاشها الجيش السادس من أعطال تقنية، ونيران سوفيتية كثيفة فتكت بـ 488 طائرة ألمانية. واحترقت 72 طائرةً كانت تمد الجيش المحاصر بالغذاء، فتقاتل الألمان على فتات الخبز.

طالما أن الانسحاب خارج المدينة ممنوع، فقد انسحبت القوات الألمانية إلى داخلها. نفدت ذخيرتهم لكنهم واصلوا التحصن لاعتقادهم أن السوفيت سيعدمون كل من يستسلم. تراجع الألمان ومع كل خطوة كانوا ينصبون الأسلاك الشائكة كي تمنع القنابل اليدوية من النفاذ إليهم، لكن السوفيت وضعوا القنابل في شباك صيد حتى تعلق بالأسلاك.

تعطلت الدبابات، آخر حصون الألمان. عرض السوفيت على فون باولوس قائد الجيش السادس الاستسلام في 24 ساعة مقابل حياة جنوده وحصولهم على الغذاء. لم يرد باولوس على العرض، إذ كان عاشقًا لهتلر. لكنه عاد فطلب من هتلر الأمر بالاستسلام، فرفض هتلر لاعتبارات الشرف، وأرسل إليهم قائلًا إنهم يمثلون دراما بطولية للتاريخ الألماني.

في 30 يناير/ كانون الثاني 1942 أمر هتلر جوبلز بقراءة كلمات عن صمود باولوس وقواته، ومنحه وسام «فيلد مارشال» وهو في الحصار. لكن ذلك لم يغر باولوس فآثر الاستسلام في 2 فبراير/شباط 1942. لتصبح تلك أول هزيمة ساحقة للجيش الألماني، ويخسر فيها الألمان وحدها ما يُقارب ما خسره الاتحاد السوفيتي طوال الحرب.

وغرست ستالينجراد في نفوس الدول المعادية لألمانيا أن هتلر شخص يمكن هزيمته ليس كما يروج لنفسه. كما حرم تراجع الجيش الألماني بعد ستالينجراد بلاده من الإمدادات التي كانت تأتي من شرقي أوروبا. ويبدو أن أداء الألمان على الأراضي الروسية جاء ليذكر العالم بتلك المعركة. ووجود احتمالية للقاء الفريقين في دور الثمانية يعيد التساؤل بقوة، هل يوقف الروس الاكتساح الألماني مرةً أخرى؟