عندما كان النبي في الـ35 من عمره، اجتمع القرشيون للقيام بأعمال ترميم لإقامة مبنى الكعبة الذي تهدّم بفعل سيلٍ عظيم، وهي أعمال أجّلوها مِرارًا مهابةً للبناء الأعظم، إلا أنهم أخيرًا تشجعوا على القيام بها، مستخدمين بقايا سفينة رماها البحر، فأخذوا أخشابها وأعدّوها لتسقيفها.

ويؤكد ابن هشام في كتابه «السيرة النبوية»، أن «نجارًا قبطيًا»، قيل إن اسمه باقوم، كان يسكن مكة، بعدما عصف البحر بسفينته القادمة من مصر، فتحطمت على ثغر جدة، وكانت تحمل مواد بناء مُعدَّة لكنيسة في بلاد الحبشة، استعان أهل مكة به وبها في عمليات الإصلاح، لتكون اللبنة الأولى لاستخدام أقباط في تعمير الأماكن المُقدَّسة للمسلمين.

تحكي نعمات أحمد فؤاد في كتابها «شخصية مصر»، أن التقاليد القبطية في زخرفة الخشب استمرت سائدة في مصر بعد الفتح العربي، حتى أن الوافدين العرب استعانوا بخدماتهم خارجها من فرط تفوقهم، فاستعملهم الوليد في بناء مسجد دمشق والمسجد الأقصى وقصر أمير المؤمنين.

يؤكد زكي حسن في كتابه «التأثيرات القبطية في الفن الإسلامي»، أن كثيرًا من الأوراق البردية التي وصلت إلينا، نجد فيها بجانب ما أخبرتنا به المصادر التاريخية، إشارات كثيرة إلى إرسال العمال والصناع المصريين إلى الشام وسوريا للعمل في بناء المساجد أو لزخرفتها بالفسيفساء والجص وغير ذلك.

وسرد أحمد البَلَاذُري في كتابه «فتوح البلدان»، أن الوليد استعان بالقبط في إعادة بناء مسجد المدينة، وهو ما علّقت عليه نعمات فؤاد في كتابها بقولها: «وكأن الوليد يسير على خطى أسلافه الذين استعانوا بأقباط مصر في إعادة بناء الكعبة قبل الإسلام».

وأكد الدكتور ماهر خضير أمين، سر الجمعية العربية للحضارة والفنون الإسلامية، في أطروحته «أقباط بيت المقدس وتأثيرهم في الحياة العمرانية في القدس الشريف»، أن المؤرخين كشفوا عن استعانة عمر بن عبد العزيز بمعماريين مصريين حين أراد إعادة بناء الجامع النبوي في المدينة، والذين قاموا ببناء أول محراب مجوف في الإسلام اقتداءً بحنيات الكنائس، وهو ما دفع الإمام الأسيوطي لتأليف رسالة عارض فيه إقامة المحارب أسماها «إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب» اعتبر فيها أن إقامتها «بدعة» وأنه «من شأن الكنائس، وأن اتخاذه في المساجد من أشراط الساعة».

وعندما رغب الوليد بن عبد الملك في بناء الجامع الأموي بدمشق، قال المؤرخ الفارسي ابن الفقيه (توفي عام 290 هـ ـ 903 م)، إن الأخير اهتمَّ بهذا المشروع أيَّما اهتمام، فأنفق على بنائه 1.6 مليون دينار، كما استعان في أعمال تشييده بعمالٍ فارسيين ويونانيين وأقباط شكلوا جزءًا كبيرًا من الـ12 ألف شخص الذين ساهموا في بناء المسجد، كما استضاف الوليد 100 فنان يوناني أوفدهم إليه إمبراطور بيزنطة للمشاركة في تزيين الجامع.

وشهد مسجد أحمد بن طولون، واحدة من أشهر قصص الاستعانة بأقباط في عمارة المساجد، يرويها أحمد تيمور باشا في كتابه «أعلام المهندسين في الإسلام»، عن المهندس الفرغاني، وكان من أشهر المهندسين النصارى بمصر في القرن الثالث، واختصَّه أحمد بن طولون لنفسه، فتولى له بناء أبنيته كالمسجد والسقاية وغيرها، ولم يذكر المقريزي اسمه مباشرة في خططه، بل عبّر عنه فقط بلقب «النصراني»، ووصفه بالحذق في الهندسة وحسن التبصر بها.

وحُكي أن ابن طولون غضب عليه مرة فسجنه، ثم لما أراد بناء جامعه الشهير قدّروا له 300 عمود، تورّع أن ينقلها من المساجد ومنازل الناس، لمّا بلغ هذا الخبر للفرغاني أرسل له من سجنه، يقول: «أنا أبنيه لك بلا عمد إلا عمودي القبلة»، فأحضره ورضي عنه، فبنى له جامعه كما وعد، ولا يزال باقيًا حتى الآن.

أما مسجد الرفاعي، الذي أمرت ببنائه خوشيار هانم والدة الخديوي إسماعيل سنة 1286هـ/1869م، فقد تم تشييده على مرحلتين: الأولى بدأت عام 1869 وانتهت بوفاة مهندس بنائها حسين فهمي باشا، وبعدها بقي البناء متروكًا 25 عامًا إلى أن أمر الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1905، ببدء أعمال المرحلة الثانية من المسجد، وهذه المرة تحت إشراف المهندس القبطي النمساوي ماكس هيرتز باشا، الذي عمل مديرًا لدار الآثار العربية، بجانب مساعده الإيطالي كارلو فيرجيليو سيلفاينى، فدشّنا المسجد الوحيد بمصر الذي تُزين واجهته صلبان عملاقة.

يوضح جمال الغيطاني في كتابه «تجليات مصرية»، أن الرجل حاول أن يمنح المسجد من الخارج بعضًا من خطوط العمارة المصرية المملوكية، خاصةً في المآذن وزخرفة المداخل، لكنه من الداخل مسجد عثماني حاول أن يجري مواجهة في الأبهة مع مسجد السلطان حسن.

كما جرت في أعمال البناء الاستعانة بقبطي آخر، وهو معماري إيطالي آخر اسمه أيليو برنزفالي، جاء إلى مصر عام 1283هـ/1866م، ويُعدُّ من أبرز المعماريين الأجانب الذين استخدموا الزخارف الإسلامية، ونفّذ زخارف المسجد تقليدًا للطراز المملوكي خصوصًا، وبالذات مسجد ومدرسة السلطان حسن، اللذين يقعان بمواجهته مباشرة.

آخر هذه الحالات، كانت مع جوزيف فريد، وهو مهندس أربعيني تخرج في قسم العمارة بكلية الهندسة عام 2001، واشتهر اسمه في وسائل الإعلام المصرية بعد تقديمه كمدير مشروع قاعات مسجد «الفتاح العليم» بالعاصمة الإدارية الجديدة، واستضافته أكثر من قناة فضائية وصحيفة من أجل الحديث عن المشروع والمشاكل التي واجهتهم خلال تنفيذه، خلال إحداها

أكد

أن 80 قبطيًا شاركوه في بناء المسجد بالقاعات الملحقة به.

كما

كشف

عن أنه شارك في بناء 4 مساجد من قبل «الفتاح العليم»، وعلق على هذا الأمر بقوله: «أنا مهندس مصري، ولا أمارس مهنتي وفق ديانتي».