دعنا نبدأ بافتراض مُريح يقول أنك لا تعرف أي شيء عن الميكانيكا الكمومية، كل ما أحتاجه من وقتك الثمين هو 90 ثانية فقط مع هذا

الفيديو القصير:


ما الذي يحدث هنا؟

Double-slit_experiment_results_Tanamura_2

Double-slit_experiment_results_Tanamura_2

هذه هي «تجربة الشق المزدوج Double Slit Experiment»، تم تصميمها للتعرف على طبيعة الفرق بين الموجة والجسيم. في عالمنا العادي، وهو نفسه عالم الفيزياء الكلاسيكية، الجسيم ككرة قدم، يمكنها أن تدخل فقط من أحد البابين المفتوحين حينما تضربها بقدمك. أما الموجة فهي كموجة بحر، تدخل من شقي التجربة لتصنع ما ندعوه «أنماط التداخل Interference Pattern»، يمكنك أن تصنع تلك الأنماط بأن تلقي بقطعتي طوب في الماء بجانب بعضهما، تتداخل الموجات الناتجة منهما معًا.

الخلاصة:

• أنماط تداخل = موجة

• نمط عادي = جسيم


دعنا الآن ننزل بنفس التجربة إلى العالم الكمومي، العالم على المستوى الصغير جدا Quantum Objects، مستوى الذرات والإلكترونات:

1. حينما نقوم بنفس التجربة مع الإلكترون – الذي نتعامل معه كجسيم – سيتخذ نمط تداخل

2. سنتفاجئ، لذلك سنحاول أن نفهم السر بأن نراقب التجربة عن كثب عبر أجهزة قياس خاصة – add an observer – فنتفاجئ أكثر، الإلكترون كأنما وعي وجودنا في التجربة ثم تعامل كجسيم لإعطاء نمط عادي.

3. سوف يظن بعض العلماء أن الإلكترونات –وهي جسيمات– تتداخل بشكل ما له علاقة باصطداماتها معًا مثلًا، لذلك سنصمم تجربة جديدة كليا يمكننا معها إطلاق جسيم واحد فقط في كل مرة، هنا تحل الكارثة بعد انتهاء التجربة، لقد صنعت الإلكترونات نمطَ تداخل حينما لم نراقبها وصنعت نمطًا عاديًا حينما راقبناها. حتى لو أطلقت إلكترون واحد كل سنة، حتى لو بدلته بفوتون أو بذرّة، سوف يتعامل الجسيم كموجة!

دعني أوضح أكثر، سوف نطلق الإلكترون الأول، وسوف يظهر في الشاشة الخلفية كنقطة إذا قررنا أن ننظر بعد التجربة، ثم سوف نطلق الثاني، ثم الثالث، ثم العاشر.. وهكذا، في البداية يبدو توزيع النقط عشوائيا، ثم يظهر نمط التداخل بعد فترة، كأنما كانت النية منعقدة منذ البداية على ذلك، كما بالصورة المرفقة.

الاستنتاج: يعني ذلك أن أول إلكترون أطلقناه، وحيدًا، تعامل في حالة عدم رصده كموجة، أي – كأنما – دخل من الشقين معًا في نفس الوقت، ذلك هو الحل الذي يسمح له بالسقوط على اللوحة متخذا نمط تداخل.

هنا ظهر للوجود السؤال الأكثر غموضًا إلى الآن:

هل ظهر الإلكترون في مكانين مختلفين في نفس الوقت؟

4. دعنا الآن نجرب شيئًا أكثر غرابة، سوف نضع أجهزة قياس كالتي استخدمناها في رقم 2، لكننا سنفصل التيار الكهربي عنها بحيث لا نستطيع مراقبة الإلكترونات أثناء التجربة، ثم نغلق التجربة ونشاهد النتائج بعدها. هنا ستكون المفاجأة الأكبر، الإلكترونات ستصنع بالفعل نمطًا متداخلًا! ما الذي يحدث هنا؟

لهذا السبب أطلق ريتشارد فاينمن على تلك التجربة لقب: «الأحجية المركزية في الميكانيك الكمومي».


مقدمة ضرورية مختصرة

نجح ماكس بلانك سنة 1900 في تجاوز الكارثة فوق البنفسجية بتطوير نظرية عن إشعاع الجسم الأسود على هيئة أجزاء صغيرة جدًا من الطاقة لا يمكن تقسيمها تـُسمى الكمّات التي يمكن حساب طاقتها بالمعادلة.

حيث E الطاقة، ν هو التردد، وh هو ثابت جديد أصبح فيما بعد الأكثر شهرة بين الثوابت الفيزيائية، إنه ثابت بلانك. ذلك يعني أن كل حزمة من ذلك الإشعاع لها طاقة محددة ذات علاقة بتردد تلك الحزمة، الإشعاع الكهرومغناطيسي يتكون من موجات، التردد هو عدد موجات الإشعاع في الثانية الواحدة.

هنا ظهر أينشتين ليستغل تلك الفكرة في تطوير مفهومه عن موجات الضوء كفوتونات –كمّات ضوء- لعمل نموذج أفضل لشرح التأثير الكهروضوئي، استمر ألبرت في التعامل مع هذا البحث كـ «بحث إرشادي» لا أكثر، لقد كانت فكرة كسر الاستمرارية Continuity حدث مؤرق بالفعل لكل من أينشتين وبلانك، كيف يمكن لنا ضرب واحد من أساسات الفيزياء بكل هذه السهولة؟ لم يكن كل منهما يعلم أن تلك هي فقط البداية.

بعدها حاول رذرفورد أن يصيغ نظامًا يشرح الذرة، حينما أطلق جسيمات ألفا على صفيحة ذهب ليتضح أن الذرة تتكون -كالنظام الشمسي- من نواة ثقيلة موجبة الشحنة تدور حولها إلكترونات سالبة، لكن المشكلة التي واجهت هذا النظام كانت من وجهة نظر كلاسيكية ترى أن الإلكترونات سوف تفقد الطاقة في مداراتها بشكل إشعاع متصل سوف يؤدي في النهاية لسقوطها في النواة ونهاية العالم، هنا دخل بور للعبة.

استخدم بور فكرة «الكم Quantum» لصنع نموذجٍ رياضيٍّ يؤكد على تصور رذرفورد لكنه يتعامل مع الذرة على أن لها حالات من الاستقرار، ثم تفقد أو تمتص الطاقة على شكل كمات محددة وتنتقل من حالة لأخرى. كان فرض بور مستفزًا بشكل ما للفكر الكلاسيكي وسوف نتطرق لتلك الجزئية في نهاية رحلتنا مع تفسير كوبنهاجن. قدم نموذج بور مع فرضيات رزرفورد ومبدأ استبعاد باولي تصورًا جيدًا عن الذرة لكنه لم يكن كاملًا، حيث لم نتمكن من تطبيقه في مستوى أعلى من الهيدروجين، هنا برزت الحاجة لنظرية أكثر تطرفًا.

تم الانتهاء من اللوحة الكمية على يد هيزنبرج الذي صاغ سنة 1925 ما يمكن أن نسميه الآن «الميكانيك الكمومي» ونميزه عن غيره، ثم رسم شرودنجر بعدها بعام واحد معادلته الموجية الشهيرة وحاول اتباع نمط كلاسيكي بشكل ما لشرح العالم الكمومي، بينما أضاف ماكس بورن، في نفس العام، تفسيرًا إحصائيا للميكانيك الكمومي.


ما هو تفسير كوبنهاجن The Copenhagen interpretation؟

E= h ν

في الميكانيكا الكمومية يعني التفسير interpretation محاولة للربط الجدلي بين الصياغة الرياضية المعقدة والحقائق التجريبة المتعلقة بأدوات الملاحظة والمعنى الفيزيائي لكل منهما. تفسير كوبنهاجن هو أحد تلك المحاولات.

ظهر تفسير كوبنهاجن بين عامي 1925 – 1927 على يد كلًا من نيلز بور وفيرنر هيزنبرج الذي عمل مساعدا له في كوبنهاجن، هو المحاولة الأشهر والأعم لصياغة نظرية تفسر الوضع الكمومي، للإجابة على السؤال المهم السابق: هل ظهر الإلكترون في مكانين مختلفين في نفس الوقت؟

في الحقيقة لم يتفق أي من بور وهيزنبرج على فهم محدد للصياغة الرياضية للميكانيك الكمومي، في أحد المرات فصل بور نفسه عما اعتبره «تفسير هايزنبرج الأكثر ذاتية للعالم»، بينما لم يقم أي منهما بإطلاق الاسم «تفسير كوبنهاجن» على أفكارهم، بل أطلقه معارضيهم لتمييز فكرة بور وهايزنبرج عن أفكارهم. لا يوجد ما يمكن أن نسميه «بيانا» محددا لتفسير كوبنهاجن، لكن يمكن أن نقول أن هناك بعض المبادئ الأساسية، وضح ذلك فيرنر هيزنبرج في كتابه «المبادئ الفيزيائية لنظرية الكم» قائلًا:

«لا يوجد في هذا الكتاب أي كلمة من المنشورات السابقة، خاصة دراسات بور في كوبنهاجن، وقد يجوز لي التعبير بأن الكتاب قد حقق الهدف منه، إذ ساهم بروح كوبنهاجن لنظرية الكم، التي قادت كل التطور في الفيزياء الذرية الحديثة»

سوف نُجمل تفسير كوبنهاجن 6 في عناوين أساسية تتعلق بـ: الدالّة الموجية، مشكلة القياس، مبدأ عدم التأكد، مبدأ التطابق، مبدأ بورن، مبدأ التتام. دعنا نبدأ قريبًا في رحلة غاية في الغرابة سوف تبدو بلاد عجائب أليس بجانبها أكثر واقعية من حكايات أنطون تشيخوف.


مراجع وكتب للاستزادة:

1. المبادئ الفيزيائية لنظرية الكم – فيرنر هيزنبرج

2. النظرية الذرية ووصف الطبيعة – نيلز بور

3. الفيزياء والفلسفة – فيرنر هيزنبرج

4. فلسفة الكوانتم رولان أميس

5. Time Quantum and Information- Castell, Lutz, Ischebeck, Otfried

6. Mind, Matter, and Quantum mechanics H. P. Stapp

7. Conceptual Basis of Quantum Mechanics – jean-Marcus Shwindt