شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 44 تلقي قضية تجديد الخطاب/الاجتهاد الديني بظلالها الكثيفة هذه الأيام في ساحة الأقلام والصحف العربية، وذلك بعد أن تبنتها السلطة العربية الحالية، في إطار صراعها السياسي المتجذر مع جماعات وتيارات الإسلام السياسي، بينما يكتنف الغموض والتخبط تلك الدعوات وأهدافها وماهية الخطاب والتجديد المراد، ومن هم الذين يُحمل على عاتقهم هذه المهمة. من هنا، تأتي أهمية النظرة إلى علم المقاصد الشرعية باعتباره واحدًا من أهم الوسائل والأدوات التي يعتمد عليها تأصيل وتجديد الاجتهاد الديني فيما يواجه المسلمين اليوم من تحديات ومستجدات عصرية، فتأتي أهمية المقاصد كونها منهجًا لقراءة النص الديني وتبيان غايات الوحي الكبرى وعلل أحكامه وأخباره، وإدارة الأحكام عليها، ولذلك كان الإلمام بعلم المقاصد وغايات الدين الكلية شرطًا على كل عالم وفقيه من أجل بلوغ رتبة الاجتهاد. وفي السنوات الأخيرة قدمت العديد من الدراسات والأبحاث التي حاولت الامتداد بعلم المقاصد الشرعية وطرح آفاق جديدة له، ولعل أبرزها الدراسة التي طرحت مؤخرًا للدكتور حاتم بن عارف العوني المعنونة بـ «النظر المقاصدي وضوابطه وأثره في إثبات الرواية الحديثية وتأويله» والتي أصدرها مركز نماء للبحوث والدراسات ضمن سلسلة الدراسات الشرعية التي يقوم المركز بإصدارها، وقد طرح الكتاب مؤخرًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب. الشريف حاتم بن عارف العوني باحث وأكاديمي سعودي، يعمل أستاذًا للشريعة بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، وهو عضو سابق بمجمع اللغة العربية على الشبكة الدولية، وعضو بمجلس الشورى السعودي سابقًا، شارك العوني في عشرات المؤتمرات والندوات والدورات العلمية، كما نشر له الكثير من المقالات والأوراق البحثية في مختلف الصحف والمجلات العلمية، وله ما يزيد على 40 كتابًا بين تحقيق وتصنيف. لماذا هذا الكتاب؟ برز علم مقاصد الشريعة مع بزوغ فجر علم الفقه الإسلامي وأصوله، وقد أولى أئمة الفقه للنظرة المقاصدية اهتمامًا كبيرًا وعدوها شرطًا من شروط الاجتهاد واستنباط الأحكام، وتوالت أهمية النظرة إلى المقاصد والارتقاء بها لتصير علمًا قائمًا بحد ذاته بفضل مجهودات الشاطبي وابن تيمية وصولًا إلى الإمام المحدث الطاهر بن عاشور، وقد جادل هؤلاء الأئمة بأن الاجتهاد في المقاصد مفتوح بقصد تبيان المزيد من غايات الوحي ومقاصده في حفظ أمور الدنيا والدين بحسب أولويات الاجتهاد والاستدلال لتنزيل الأحكام على واقع الناس. ونحن في عصرنا هذا فى ظل ما يحيط بالمسلمين من مشاكل وأزمات في شتى نواحي الحياة وما صاحب ذلك من انتشار دعوات إعادة قراءة النص الديني، فقد أصبحنا في أشد الحاجة لمناقشة وتجديد علم المقاصد والاجتهاد فيه من أجل تحديد الاجتهاد الفقهي من جهة، ومن جهة أخرى حماية الاجتهاد الفقهي من التفلت من هداية الوحي باسم المقاصد أيضًا. ومن أكثر مباحث المقاصد أهمية ودقة وحاجة إلى تتميم علاقة المقاصد بالنص، ومدى تأثيرها عليه وضوابط ذلك، وفى كتاب الدكتور العوني نجده قد قدم جهدًا طيبًا في ذلك المبحث المتخصص الذي تناول فيه أثر النظرة المقاصدية في فهم السنة النبوية والمرويات الحديثية، وهل يمكن أن يؤثر النظر المقاصدي على ثبوت الأحاديث النبوية؟ يقسم العوني دراسته إلى مدخل ومبحثين، يتناول في المدخل تعريف المقاصد باعتبارها المصالح العليا للبشرية ومآخذ أبواب التشريع الإسلامي وعلل أحكامه القطعي منها والظني، والتي لا يمكن فهم الدليل الشرعي إلا بما يوافقها، ويقسم العوني النصوص الدينية إلى قسمين: الأول، نص تعبدي ينظم علاقة العبد بربه ومناط التفقه في هذه النصوص الإحاطة بها فقط وبعلتها التعبدية، بما للتعبد من مصالح معنوية فى دنيا العباد وأخراهم. والقسم الثاني، نص دنيوي ينظم علاقة العبد بالدنيا ومناط التفقه فيه تحديد مصلحة العباد وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها. في المبحث الأول يتناول العوني «أثر النظر المقاصدي فى نقد السنة وفهمها»، إذ إن النظرة المقاصدية للمرويات الحديثية التي منها ما هو قطعي وظني الثبوت أوسع مجالًا وأكبر أثرًا من النصوص القرآنية قطعية الثبوت، ولما كانت مقاصد الشريعة منها ما هو قطعي لا يمكن التشكيك فيه، فسوف يكون أثرًا في الحكم على الأحاديث قبولًا أو ردًّا، ويختلف هذا التأثير بحسب قوة المقصد وقطعيته وبحسب قوة معارضته للحديث، فتبلغ في بعض الحالات حد الحكم بالبطلان على الحديث، وقد لا تبلغ هذا الحد، لكنها تدل على تقصير وقع فى نقل الحديث. في المبحث الثاني يعرض العوني «ضوابط النقد المقاصدي للسنة»، إذ لا يصح تسليط النظر المقاصدي على الألفاظ المروية عن النبي إلا بشروط وضوابط مبنية على اختلاف أحوال النص الحديثي مع النظر المقاصدي، ومحددات هذه الضوابط والشروط ثلاثة: قطعية اللفظ الحديثي وظنيته، وقطعية المقصد وظنيته، وقطعية الخلاف بين اللفظ والمقصد وظنيته. فلا يسلط النظر المقاصدي على اللفظ المقطوع بثبوته إلا إن كانت معارضته للنظر المقاصدي في مقصد قطعي وفى معارضة حقيقية قطعية. وفى نهاية الكتاب يقدم العوني قراءة نقدية مختصرة لكلام الإمام العلامة نجم الدين الطوفي حول درجة الاعتماد على المصالح العقلية «المدركة بالعقل» فى استنباط الأحكام، وهل يمكن اعتبار المصلحة دليلًا شرعيًّا؟ وما مدى قوتها في الحجية ضمن بقية مصادر التشريع؟ مبينًا مواطن الإبداع والصواب في كلام الطوفي وما عابه من استدراك وقصور. قد يعجبك أيضاً الصوفية الجديدة: البحث عن الفردوس الأرضي تقنين «الذهب الأخضر»: كيف صار المغرب مملكة الحشيش؟ حرقت المدينة، فكيف نعمر واحدة أشرف أخلاقيات النقاش عند هابرماس: أي صيغة تواصلية شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram أحمد سامي Follow Author المقالة السابقة أحمد بحيري: قرصان المحتوى الذي ينتقد الفساد المقالة التالية الجمال المصنوع: قصة تحول التجميل إلى صناعة قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك «بنديكت أندرسون» في حضرة «مويك» 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك دليلك لفهم تشكل البرلمان المصري 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك المولد النبوي في عيون الشعراء المعاصرين 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ليست المرة الأولى: كيف عبرت هواوي أزمة سيلفي «سارة الشامي»؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عصر السوشيال ميديا: كيف أصبحت السخرية ملاذاً نفسياً؟ 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الهبدنت الدولية: الكوميكس من الرؤساء إلى الخلفاء 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أدب مصر العثمانية ومقولة الانحطاط 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك السيلفي وعبادة الذات: هشاشة إنسان لا يجد ما يفعل 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الدين والمجال العام: حوار مع طلال أسد 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك سيولة «باومان» التي ابتلعت كل شيء 28/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.