بدأ عام 2017 بالنسبة للمجتمع العلمي الكيميائي بهزة زلزالية شديدة. هل تمكنا أخيرًا من الحصول على الهيدروجين المعدني؟ هل اقتربنا من إمكانية صنع الموصلات الفائقة في درجة حرارة الغرفة؟ هل أصبح بحوزتنا عينة من ذرات الهيدروجين المرتبة في بلورة نطاردها منذ أكثر 80 عامًا؟

هذا ما اعتقده الجميع ومازالوا يعتقدونه رغم سرقة العينة الوحيدة من هذه المادة المعجزة. هذا إذا كانت قد تم سرقتها بالفعل أو التسبب في ضياعها، ولم تتبخر ببساطة معلنة أن الهيدروجين المعدني في درجة حرارة الغرفة مازال يراوغنا.

رغم هذه البداية المتعثرة للعام أذهلت الكيمياء علماءها مرة أخرى –ولكن هذه المرة بدرجة أعلى بكثير من التأكد والقابلية لإعادة الاختبار- بصنع أول مركب مستقر من الهيليوم –أكثر العناصر خمولًا على الإطلاق بفارق واسع عن تابعيه- مع عنصر الصوديوم.

في هذا التقرير نعود لزيارة أهم أحداث العام المثيرة في علم الكيمياء.


مشاكل تنفسية

تخبرنا قصة الأرض وتطورها ونشأة الحياة عليها بأن كمية الأكسجين الذائبة في المحيط هي جرس الإنذار الذي يجب أن نصغي إليه دومًا. تشير مستويات وتغيرات مستوى الأكسجين الذائب في المحيطات إلى أحداث جسيمة في المستقبل. أدى ذلك في السابق إلى تغير طبيعة ومناخ كوكب الأرض كله من مختزل إلى مؤكسد بعد أن

تسرب الأكسجين

من المحيط إلى الهواء. أما الآن، فإن المحيط يختنق رويدًا رويدًا.

في فبراير من هذا العالم نشر فريق بحثي من مركز جيومار- هيلمهولتز لأبحاث المحيطات في ألمانيا

بحثًا خطيرًا

للغاية في دورية نيتشر Nature. لقد اكتشف الباحثون انخفاضًا في مستوى الأكسجين الذائب في المحيطات بنحو 2 بالمائة.

يأتي البحث مؤكدًا كابوسًا قد تم التنبؤ به منذ أمد. تحمل المياه الدافئة كمية من الأكسجين المذاب أقل من المياه الباردة مما يعني أن هذا الانخفاض في محتوى المحيطات من الأكسجين يعد إثباتًا دامغًا للمشكلة التي ينكرها الكثيرون وسندفع ثمنها سلالة تلو الأخرى.

ستكون الكائنات البحرية بالطبع

أول ضحايا المحرقة

. مع دفء طبقات المياه العليا، ولأن المياه الدافئة أخف من المياه الباردة، فإن المياه الدافئة هي التي ستظل في تلامس مع الهواء أعلى المحيط دون استفادة منه لانخفاض قابليتها لذوبان الأكسجين فيها، وكذلك ودون أن تندفع للعمق لتبرد وتمد كائنات الأعماق بهوائها.


يعني هذا أن الكائنات البحرية في عمق المحيطات ستعاني لتلتقط أنفاسها. لن يصل الأكسجين إلى العمق بسهولة بعد الآن.

كما ذكرنا سابقًا فإن الموت نفسه سيطلق موجة من ردود فعل الطبيعة التي لا نعلم إلام ستؤدي في المستقبل غير البعيد. وإذا كنا قد تعلمنا درسًا واحدًا من دروس الطبيعة، فسيكون أن تفاعلات الطبيعة التسلسلية لا تعرف الرحمة.


جينات الأرق

من منا لم يمر بليالٍ ظل فيها مؤرقًا لا يستطيع النوم أن يغشى جفونه. كثيرًا ما تحدث حالة الأرق تلك دون أسباب واضحة ولا قلق معين. فقط لا يستطيع المرء منا أن يخلد للنوم. من الطبيعي أن يمر كل منا بهذه الحالة كل فترة، ولكن البعض من أصحاب الحظ السيئ يعانون من هذه المعضلة بشكل مستدام لشهور وسنوات يضطرون فيها إلى الاعتماد على مختلف المواد الكيميائية والعقاقير لتحول دون جنونهم من الاستيقاظ المستمر.

كان من المعتقد أن الأرق المستمر هو عرض من أعراض الأمراض النفسية ما بين القلق والاكتئاب والخوف، إلا أن البعض وجد أن أرقه لا يتصل بهذه الأمراض، بل ربما يكون الأرق هو مسببها في بعض الأحيان أيضًا.

في يونيو من العام الجاري

اكتشف

فريق عالمي من العلماء سبعة جينات مرتبطة بشكل مباشر مع احتمالات الإصابة بالأرق. كانت هذه الجينات قد ارتبطت أيضًا ببعض المشاكل المتعلقة بالنوم والأمراض النفسية في السابق. أحد الجينات محل الدراسة MEIS1 كان قد تم اكتشاف علاقته بمتلازمتين تتعلقان بالنوم، وهما اضطراب حركة الأطراف الدورية PLMD ومتلازمة تململ الساقين RLS.

كذلك استطاع العلماء اكتشاف وجود أصل جيني للعلاقة التي تربط بين مشاكل القلق والاكتئاب والذهان مع مشاكل النوم. كذلك فقد وجد أن هذا الاستعداد الجيني للأرق تبلغ نسبته 33% في النساء مقابل 24% من الرجال في العينة التي بلغ عدد المشاركين فيها 113006 أفراد.


الهيليوم ينضم للقطيع

قد يكون الهيليوم ثاني أكثر العناصر وجودًا في الكون، لكنه يحتل المركز على الإطلاق في سباق الخمول. مع هذا فقد اضطر الهيليوم للاستسلام والتفاعل مع الصوديوم العنيف ليتحدا في النهاية في بلورة واحدة من ثماني ذرات يمتلك كل منهما أربعًا فيها.

كانت كل العناصر المعروفة قديمًا “بالخاملة” قد واجهت نفس المصير، وتم اكتشاف مركبات لها تحت ظروف خاصة، مما أدى لاندثار مصطلح خامل واستخدام مصطلح نبيل بدلًا عنه للدقة العلمية. إلا الهيليوم الذي بقى تفاعله عصيًا على العلماء إلى أن

ارتبط

أخيرًا بالصوديوم.


يتطلب التفاعل ضغطًا مرتفعًا للغاية يصل إلى 113 جيجا باسكال (حوالي 1.2 مليون ضغط جوي). مع هذا فإن للبلورة المصنعة خواص مفيدة، ككونها عازلة تمامًا. نشر البحث الذي قام عليه فريق من الصين والولايات المتحدة وروسيا في دورية نيتشر المرموقة، وبهذا يكون مفهوم الخمول الكيميائي قد خسر آخر معاركه.


صناعة الألماس.. ذرة بذرة

ننتقل إلى علم المواد لختام العام، حيث يتسبب الضغط أيضًا في تغيير شخصية الكربون. كان الباحث البرازيلي بيرناردو نيفز قد نشر مع فريقه بحثًا حول إمكانية تحول الجرافين –طبقة من ذرات الكربون المرتبطة بشكل خماسي ولا يزيد سمكها عن ذرة واحدة- إلى ألماس بواسطة الضغط. في روسيا أيضًا كان فريق من العلماء بقيادة بافيل سوروكين قد وضع بحثًا نظريًا يخص هذا التحول وإمكاناته وشروطه.

لم تكن إليزا ريدو من جامعة نيويورك على علم بهذه الأمور قبل أن

تشهد التحول

بنفسها وتحاول أن تجد له تفسيرًا ما. كانت ريدو تقوم بقياس صلابة stiffness سطح المادة الناتجة من تكديس طبقات الجرافين فوق بعضها البعض. وجدت ريدو وفريقها أن الصلابة تقل في حالة الطبقة المفردة والطبقات العديدة، لكنها تصبح ضخمة للغاية في حالة وضع طبقتين اثنتين من الجرافين.

كان الأمر غريبًا للغاية، حيث وصلت قيمة صلابة طبقتي الجرافين لصلابة الألماس. لم يدرِ الفريق أنهم يقيسون الألماس ذاته إلا بعد البحث والاطلاع على البحث الروسي والبرازيلي. وقد كانت تلك مفاجأة سارة. كان من المعروف أن بإمكان الضغط العالي تحويل الجرافيت إلى ألماس، أما الجرافين؟ كانت تلك مفاجأة. تم أخذ البحث الروسي كنقطة بداية وتعديله لدراسة ظروف التجربة ذاتها وفهم طبيعة ما حدث.

تطلب تحول الجرافين إلى ألماس بواسطة الضغط إلى طبقتين فقط من الذرات كيلا تعوق الطبقات الكثيرة عملية التهجين hybridization المسئولة عن تغير شكل البلورة. هل من الممكن تعميم هذه الفكرة أو هذا النموذج البلوري لمواد أخرى ثنائية الأبعاد غير الجرافين؟ من المحتمل جدًّا. أما في الوقت الحالي فإن تكوين طبقة رفيعة من الألماس فوق مختلف المواد لحمايتها قد أصبح في متناول أيدينا.