في صباح يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015م فوجئ مجتمع الأعمال في مصر بخبر صادم وهو اقتحام قوات الأمن الخاصة فيلا رجل الاعمال الشهير «صلاح دياب» بمنطقة البدرشين ، تم التنكيل به والقبض عليه هو وابنه، وتم تصويرهم في وضع مهين أو بالمعنى الأدق هناك تعمد لإهانتهم في كل وسائل الإعلام وإيصال رسائل لأشخاص بعينهم، بعد تلك الواقعة تغير كل شيء في مجتمع الأعمال في مصر .

في هذه الحلقة من سلسلة: «ما الذي يحدث في خزائن الأرض؟»، سنقوم بالكشف عن عملية التغيير في تركيبة رجال الأعمال في مصر لصالح رجال الأعمال الجدد وسنجيب عن لماذا تم تهريب أكثر من 16 مليار دولار خارج مصر وفق ما أكده تقرير محافظ البنك المركزي للبرلمان المصري؟

ظهر تسريب منسوب للواء «عباس كامل»، مدير مكتب وزير الدفاع آنذاك «عبد الفتاح السيسي»، والذي أصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية وأصبح عباس كامل مدير مكتب رئيس الجمهورية الحقيقي. في هذا التسريب قال عباس كامل: «ومش عايزين حاجة من شوية العيال رجال الأعمال دول»، مدير مكتب رئيس الجمهورية الحالي كان يبدو عليه الحنق والغضب الشديد من «شوية رجال الأعمال» والحقيقة أن مصر يتحكم فيها مجموعة قليلة من رجال الأعمال، فمَن المقصود بـ«شوية رجال الأعمال العيال» الذين قصدهم عباس كامل في تسريبه ؟

في يوم 3 يوليو/تموز عام 2014م دعا الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» إلى إنشاء صندوق «تحيا مصر» وقال أنه يريد في هذا الصندوق مبلغ 100 مليار جنيه وفق حديثه: «أنا عايز 100 مليار جنيه على جنب كده»، بعدها قامت وسائل الإعلام بعمل حملة للتبرع وبدأت الدعوات لرجال الأعمال الكبار (شوية العيال) للاجتماع بالرئيس .


في يوم 11 يوليو/تموز 2014 تم عقد اجتماع مع كل رجال الأعمال الكبار في قصر الاتحادية وجلس السيسي معهم قرابة النصف ساعة ودعاهم بشكل غير مباشر إلى التبرع إلى صندوق تحيا مصر، وتركهم ليرأس الاجتماع أحد أقرب المقربين للسيسي، ولم يكن وقتها من الحكومة المصرية. ودار الحديث الآتي الذي استمر لنصف الليل، والذي دار بين مفوض رئيس الجمهورية ورجال أعمال معارضين لفكرة التبرع:

مفوض الرئيس: إحنا عايزين نتكلم في مبادرة الرئيس وهى جمع 100 مليار جنيه علشان نعيد إعمار البلد.

معارض[1] : احنا منقدرش نتأخر عن البلد بس احنا عايزين نتعرف على طريقة عمل الصندوق.

مفوض الرئيس: الصندوق تحت إشراف الريس شخصيا وهو اللى هيحدد جهات صرفه.

معارض[1] : بس أنا ورجال أعمال أصدقائي من أيام الرئيس السابق مبارك ورافضين فكرة التبرع لصناديق حكومية أو حتى رئاسية.

مفوض الرئيس: بس ده حق البلد عليكم.

معارض[2]: والله لو فيه مشاريع الدولة عايزها احنا ممكن من خلال شركاتنا ننفذها مش لازم تبرع.

مفوض الرئيس: لا احنا محتاجين الفلوس سيولة علشان احنا هنسند المشاريع للقوات المسلحة انتم عارفين مدى دقة وانضباط القوات المسلحة.

معارض[3]: يعنى احنا ندفع فلوسنا مليارات علشان البلد وتيجي القوات المسلحة هي اللي تنفذ .. طيب ما ننفذ إحنا بشركاتنا .

مفوض الرئيس: ده حق البلد عليكم واللي أخدتوه من البلد أكثر من المطلوب منكم وكل واحد عنده مشاكل كبيره في شغله

معارض[3]: أنا شايف أن فيه تهديد في الكلام ، عموما أي شركة عندها مخالفة يجب أن تحاسب ، لكن مفيش تبرع واحنا تحت أمر البلد ومشاريعنا الخيرية والتنموية في كل شبر في مصر .

انتهى الاجتماع وانقسم إلى ثلاث فرق، فريق أعلن التبرع في نفس اللحظة، وفريق آخر وضع شروطا تخدم مصالحه الشخصية، وفريق آخر رفض مطلقا فكرة التبرع بالإكراه.

يوم 15 يوليو/تموز 2014م خرجت صحيفة «اليوم السابع» بمانشيت رئيسي بعنوان: «قائمة الشرف للمتبرعين لصندوق تحيا مصر»، وشملت «نجيب ساويرس» و «أحمد أبو هشيمة» و «منصور عامر» و«محمد أبو العينين» ورجال أعمال آخرين بقيمة تبرعات وصلت 5.4 مليار جنيه من أصل مبلغ طلبه الرئيس وهو 100 مليار جنيه.

يوم 5 اغسطس/آب 2014م، خرج الرئيس السيسي في حديث وقال: «هتدفعوا هتدفعوا وإن أخدت مني جنيه يبقالك الكلام، عارفين يعنى إيه أقول إن الصندوق ده أنا أشرف عليه.. اسألوا الجيش أنا كنت بعمل إيه وهناخد من جيب المصريين وهناخد إن شاء الله».

يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 2014 أمر السيسي القوات المسلحة والحكومة باسترداد الأراضي من أباطرة الأراضي بقيمة 100 مليار جنيه.

بعد تلك الأحداث لم يعد يأمن أحد من هؤلاء المعارضين على نفسه وماله وأهله، وبدأ التوجه في تعطيل عمل تلك الشركات من وقف الاستيراد وإسناده للقوات المسلحة فرض ضرائب على أرباح البورصة وإحلال مجموعة رجال أعمال جدد خليجين ومصريين، وهو بداية ظهور العملاق الذي أتى على كل شيء وهو شركة «أبراج كابيتال» أحد أهم مساهميها هو «الشيخ محمد بن زايد» الحاكم الفعلي للإمارات، دخلت الشركة للقيام بعمليات استحواذ على نفس الشركات التي تتعرض للمخاطر بسبب النزاع السياسي فاحتكرت قطاع الصحة وبعض الصناعات. وللحق أقول هناك رجال أعمال قرروا الهروب إلى إفريقيا والخليج والصين وهو ما ذكره «طارق عامر» في تقريره للبرلمان بنفس النص: «أنه ولأول مرة يتم ملاحظة هروب رؤوس أموال مصرية خارج البلاد وتراجع الإنتاج المحلي برغم تراجع الاستيراد»، وهو يعنى أن رجال الأعمال يهربون برؤوس أموالهم خارج البلاد وتوقف الإنتاج مما أدى إلى نقص المعروض. في تقرير لهيئة أملاك دبي 2015 و2016م وصل عدد شراء المصريين للعقارات أكثر من مليار دولار، وهي كلفة لن يستطيع أن يقوم بها سوى رجال الأعمال من الحجم الثقيل.

فعند العودة إلى خبر القبض على «صلاح دياب»، ستجد أن اتحاد الصناعات المصرية أصدر بيانا هو الأول من نوعه بالتنديد بالقبض على صلاح دياب، وفى حوار رجل الأعمال الأشهر «معتز الألفي» صاحب سلسلة مطاعم أمريكانا لصحيفة المصري اليوم في مطلع العام الحالي، قال أنه يصفي أعماله في مصر هو وشريكه الاستراتيجي مجموعة الخرافي لصالح أبراج كابيتال الإماراتية وقال أنه رفض التبرع بالإكراه.

ما يحدث في مصر هو تغيير تركيبة رجال الأعمال الذين بنوا فعليا الوطن والقطاع الخاص من العائلات العريقة، وإحلال بدلا منهم القوات المسلحة ومجموعة من رجال الأعمال الجدد الذين لا يوجد في تاريخهم سوى أنهم كانوا يوما صبيانا للراحلين.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.