لم يمر سوى دقائق بعد إعلان «بيتسو موسيماني» مدربًا للأهلي، إلا وبدأت صور المعد البدني الخاص به في التداول. طبعًا عاد السبب لهيئته الصارمة، وبنيته الجسمانية الضخمة، كما لحيته التي تجعله شبيهًا بـ«ناصر الرفاعي»، بطل مسلسل «الأسطورة» الغني عن التعريف.

كان ذلك مادة ثرية لصفحات الكوميكس، خصوصًا حين تخيلت كيف ستكون ردة فعله العاصفة عند ملاحظة الكفاءة البدنية لـ«صالح جمعة» و«أحمد الشيخ»، مستعينة بجمل جاءت على لسان الرفاعي لا تخلو من التهديد والوعيد لكن في إطار كوميدي.

والحقيقة أن «كابيلو رانجواجا» يستحق نوعًا مختلفًا من الاهتمام، لا يتعلق بهيئته ولا تركيبته الجسدية، ولكن بما حققه عبر مسيرة مميزة. بدأت هذه المسيرة من ساحات الكاراتيه، ثم تحولت بسبب مونديال 2010 إلى العشب الأخضر، وانتهت به أحد أبرز من يعملون بمجال الإعداد البدني داخل أفريقيا، لدرجة تجعل موسيماني لا يعمل إلا رفقته.

حزام أسود وميدالية ذهبية وشهادة جامعية

مهما كانت مهاراتك في البحث عبر منصات التواصل الاجتماعي، فإنك لن تجد أي حضور حقيقي لكابيلو رانجواجا. وهذا بالرغم أن في جعبته أمورًا عديدة يمكنه التباهي بها، يكفي حقيقة أنه

رياضي له وزن

في لعبة صاحبة شعبية نسبية في وطنه جنوب إفريقيا إذا قارنتها بمصر، وهي الكاراتيه.

أحب كابيلو كرة القدم، لكن الرياضة القتالية كانت شغفه الأول، لذلك حمل مبكرًا الحزام الأسود فيها، ثم شرع في خوض غمار البطولات المحلية. لمع اسم الشاب الصغير، وأكد مع كل بطولة موهبته وجديته، حتى تم ترشيحه لتمثيل بلده في بطولة العالم فئة الكبار، ليثبت كفاءة منقطعة النظير.

حقق كابيلو المركز الأول وفاز

بالميدالية الذهبية

، ليس مرة واحدة أو مرتين، بل ست مرات. وهو ما يجعلنا نعتقد أنه كان سيصبح بطلًا أوليمبيًا، لو تحولت الكاراتيه إلى لعبة أولمبية مبكرًا. ربما كان هذا التأخير من حسن حظ أندية كرة القدم في جنوب أفريقيا، لأن الشاب الصغير اتجه لدراسة العلوم الرياضية، أملًا في الحصول على وظيفة في المجال التدريبي.

في مواجهة واين روني

حصل رانجواجا على

شهادة تدريبية

، أكسبته مزيدًا من الثقة والسمعة الطيبة،

ليتم دعوته

من نادي بلاتينيوم ستارز بهدف إعداد الفريق لأجل مباراة منتظرة. كانت هذه المباراة في مواجهة منتخب إنجلترا، ضمن استعداد جنوب إفريقيا للحدث الرياضي الأبرز في تاريخ البلد كله، وهو استضافة مونديال 2010.

في هذا التوقيت كان بيتسو موسيماني يشغل منصب المدرب المساعد لمنتخب البافانا بافانا. وقد قابل كابيلو رانجواجا للمرة الأولى في الساحة التدريبية لنادي بلاتينيوم، حيث اتخذها المنتخب معسكرًا له قبل انطلاق كأس العالم. ويبدو أنه أُعجِب بعمل المعد البدني الذي جهّز اللاعبين لتطبيق الخطة المطلوبة.

لم يكن بيتسو وحده من أعجب بكابيلو، بل أيضًا إدارة بلاتينيوم ستارز. فرغم الخسارة المتوقعة من رفاق «واين روني»، إلا أن اللاعبين ظهروا بحالة بدنية جيدة، وهو ما دفعها لأن تقدم له عقدًا دائمًا لتولي مسئولية التأهيل البدني بالفريق. راهنت الإدارة على هذا المدرب الشاب، ولم تندم أبدًا على هذا الرهان.

فبعد مضي عامين، نجح كابيلو في تحويل بلاتينيوم ستارز إلى

أقوى فرق جنوب إفريقيا

من الناحية البدنية. وبدا ذلك واضحًا في قدرة اللاعبين على الركض والفوز بالتدخلات الثنائية طوال المباراة، كما قلة عدد الإصابات العضلية التي تضرب الفريق. وهكذا لعب رانجواجا دورًا ملحوظًا في فوز النادي

بكأس MTN

للمرة الأولى والأخيرة في تاريخه عام 2013، كما

بطولة كأس Telekom

في نفس السنة.

السيد فيرهين .. ريموند فيرهين

الآن لابد أن نتساءل: كيف لشاب في أوائل الثلاثينات تحقيق إنجاز بهذا الحجم خلال تجربته الأولى؟ من المؤكد أن لتاريخه الرياضي، ودراسته العلمية، وسماته الشخصية التي تتميز بالجدية والتركيز، فضل فيما حققه رفقة بلاتينيوم، لكن هناك سبب آخر جدير بالإشارة، وهو يتعلق برجل هولندي اسمه «ريموند فيرهين».

من هو ريموند؟ مدرب رائد في مجال القوة البدنية والتكيّف. له

كتابان مهمان للغاية

ننصحك باقتنائهما إذا أردت أن تصبح مدربًا، ﻷنهما نالا إعجاب المدرب الهولندي الشهير «جوس هيدينك»،

فقرر ضمه

إلى جهازه الفني في تجاربه مع منتخبات هولندا، كوريا الشمالية، وروسيا. كما استعان بخبراته عدد وافر من الأندية الكبرى، نكتفي فقط بذكر برشلونة، بايرن ميونخ، وتشيلسي.

حسنًا، كل هذا جيد، لكن ما دخله بكابيلو؟ الحقيقة أن الأخير

درس على يد ريموند

، سواء من خلال مطالعة كتاباته بمثابرة وتمعن، أو حضور الدورات التي

تعرّف خلالها بشكل مباشر

على نمط عمله، وناقشه في أدق تفاصيل نظم التأهيل البدني الحديثة، وكيفية تحضير الفريق لجدول مباريات مزدحم، والخروج منها بأقل قدر من الإصابات العضلية.

وهكذا حقق كابيلو أفضلية على بقية المعدّين في بلده، من خلال الاحتكاك بتجارب المدربين الكبار في أوروبا، وبالتالي مراكمة خبرات أكبر من غيره. هذه سمة هامة للغاية في رانجواجا، وهي أنه شخص دؤوب جدًا، دائم السعي خلف المعرفة، لدرجة

تقوده للسفر

إلى إسبانيا وألمانيا لحضور المؤتمرات، والعودة بأفكار وتطبيقات جديدة.


17 أسبوع على القمة

ظل المعد البدني على هذا المنوال الذي اتخذه لمسيرته، حتى بعد أن خطا خطوة أكبر وهو في مطلع الثلاثينيات، وانتدبه موسيماني لفريق كبير بحجم صن داونز عام 2014. ورغم صغر سنه، إلا أنه حقق نجاحًا باهرًا، لدرجة دفعت بيتسو ذات يوم للتصريح بأن كابيلو هو

أهم عنصر في فريقه!

لماذا؟ لأن رانجواجا يقوم بمهمته على أكمل وجه. والمهمة هي تصميم برنامج تدريبي لتطوير قدرات اللاعبين البدنية، بحيث يتمكنون من تنفيذ أسلوب لعب موسيماني بأعلى جودة، بما يعنيه ذلك من استحواذ على الكرة، وصناعة الفرص بصورة منتظمة، وعرقلة الهجمات المرتدة طوال المباراة، وطبعًا الفوز بالكرة الثانية بالتفوق في التدخلات.


لم يمر وقت كبير حتى ظهر أثر عمل كابيلو، فبعد عام واحد من تعيينه، وتحديدًا مع موسم 2015/2016، تحول صن داونز لكتيبة تسحق كل من تواجهه محليًا، بقائمة تضم أكثر اللاعبين جاهزية ولياقة، لتتربع بفضل ذلك على صدارة الدوري منذ الأسبوع

الـ13 وحتى الـ30

. كان هذا كافيًا حتى يستقبل دعوة من منتخب البافانا بافانا للاستعانة بتدريباته خلال المعسكرات الدولية.

لكنه لم يكن كافيًا بالنسبة لموسيماني ورانجواجا نفسه، وفي مقطع نشرته قناة النادي على يوتيوب في بداية 2016،

قال المعدّ الشاب

بوضوح إنهم يضعون بطولة دوري الأبطال نصب أعينهم. وحتى يتحقق ذلك، كان عليه العمل على عدّة أمور، وأولها طبعًا هو جدول المباريات الذي فرض علىهم خوض لقائين أسبوعيًا حتى نهاية الموسم، بسبب تضارب مواعيد المواجهات القارية مع المحلية.

أسبوع إضافي على القمة

وهنا شرع كابيلو في

تغيير نظم التدريب

، بحيث تشكّل تحديًا للاعبين خلال كل مرحلة من الموسم، ولا تعرضهم لخطر الإصابات العضلية في نفس الوقت. وهذا عمل دقيق، يحتاج لخلفية علمية وخبرات متنوعة. ورانجواجا يمتلك هذا وذاك، بالإضافة لما يعرفه عن التوازن وحركة القدم من خلال الرياضات القتالية.

ذلك التغيير في نظم التدريب حافظ على حدّة الفريق ككل، ليصبح اللاعب البديل على نفس مستوى الأساسي. وهذا أمر آخر مميز في عمل رانجواجا، ولذلك

يسمح له موسيماني

بالقيام بأي تدريبات إضافية للبدلاء أو العائدين من الإصابة، بل ويشركه في تحديد عدد الدقائق التي قد يلعبها لاعب معين في المباراة.

ونتيجة كل ذلك هي أن صن داونز واصل مشواره بأقدام ثابتة، ليجد طريقه إلى نهائي دوري الأبطال، وهو في أشرس حالاته البدنية، بينما خصمه الزمالك ضربته الإصابات والإرهاق، ليفوز رفاق «خاما بيليات» بسهولة عليه ذهابًا 3/0، ويخسرون منه بصعوبة في القاهرة بهدف يتيم.

وهكذا كان لكابيلو مساهمة كبيرة في التتويج بالبطولة الأولى والوحيدة في تاريخ النادي، وكذلك البطولة الأولى وليست الأخيرة في مسيرة موسيماني. وهذا وحده يبرر وصف بيتسو له بالعنصر الأهم في فريقه، ويفسر لماذا أصر على تواجده في جهازه بالأهلي.


هل سجل أفشة في الدقيقة 86 بالصدفة؟

بالطبع لا، بل إن هذا الهدف لا يبرهن على شيء بقدر الحضور البدني الجيد للاعبي الأهلي. ليس لأنه جاء في الدقائق الأخيرة من عمر النهائي، وليس لأنه جاء بوقت انهار فيه الزمالك بدنيًا، ولكن أيضًا ﻷنه جاء نتيجة الفوز بالكرة الثانية، وتنفيذ الضغط العالي بنجاح وفاعلية بعد 86 دقيقة من الشد والجذب.

هدف النهائي لم يكن مصادفة بالتأكيد، وكذلك الصعود لهذا النهائي لم يكن مصادفة. ﻷن الأهلي الذي اكتسح الوداد البيضاوي ذهابًا وإيابًا، لم يكن بتلك القوة قبل وصول كابيلو، بل كان هناك لاعبون بحاجة للتأهيل بعد غيابهم عن المشاركة لفترة طويلة، أبرزهم

«حسين الشحات»

،

«عمرو السولية»

،

«حمدي فتحي»

، وكذلك «كهربا»، لكننا لم نشعر بتراجعهم البدني مطلقًا.

على العكس، الشحات مثلًا قام بأكثر من انطلاقة ناجحة خلال النهائي وكذلك نصف النهائي، ليحرز هدفًا ويهدر 3 آخرين على الأقل. السولية لعب دورًا حيويًا بأداء لافت أمام الوداد، وهدف في مرمى الزمالك. أما زميله حمدي فتحي فكان أنشط لاعبي الأهلي طوال النهائي، وفاز بتدخلات ثنائية مؤثرة. وأخيرًا كهربا يبدو حاليًا أكثر مهاجمي الأهلي جاهزية.


مرة أخرى، مهّد رانجواجا الطريق لموسيماني نحو بطولته القارية الثانية، ومن المؤكد أنه سيكون عاملًا هامًا في أي بطولة قادمة يحققها النادي القاهري، الذي يملك معدًا بدنيًا صاحب تجربة جديرة بالاحترام، قامت على أساس التعلم والدراسة، وكذلك الاطلاع الدائم على أحدث ما وصل إليه المدربون عالميًا، كما التقييم بناء على المعايير الأوروبية.

وفي الوقت نفسه، مدرب متمرس جدًا على أجواء القارة الإفريقية، بكل ما فيها من جداول معقدة ورحلات مرهقة وملاعب سيئة ومباريات لا نعرف تنتمي إلى أي موسم. لكل ذلك، يبدو التفريط في كابيلو من الجنون، وعدم الاستفادة منه في مساعدة المدربين الصغار من الغباء.